الملف

الملف

15/12/2017

الزيارة الجامعة الكبيرة

 

الزيارة الجامعة الكبيرة

دورة متكاملة في معارف أصول الدين، ومظاهر صفات ربّ العالمين

§        إعداد: «شعائر»

«الزيارة الجامعة الكبيرة واحدة من أهمّ وأكمل الزيارات الخاصة بالأئمّة المعصومين عليهم السلام، حيث يُزار جميعهم صلوات الله عليهم بهذه الزيارة مطلقاً، سواء حضر الزائر في مراقدهم الشريفة أم أراد زيارتهم عن بُعد.

والزيارة مروية عن الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليهما السلام، استجابةً لطلب أحد الموالين في زمانه. وهي متوفّرة بمضامينها على معتقدات الشيعة في الإمامة، ووظائف الأمّة تجاه أهل بيت العصمة عليهم السلام. كذلك تتوفّر الزيارة على دورة متسامية من مباحث معرفة الإمام المعصوم بلغةٍ فصيحة».

سمّيت بـ«الزيارة الجامعة الكبيرة» لعدم اختصاصها بزيارة إمامٍ خاصّ من جهة، ولِما انطوت عليه من معارف جمّة ولتماميّتها وشموليّتها من جهةٍ أخرى. فقد نُظّمت الزيارة بنحوٍ يزار بها جميع أهل بيت النبيّ صلوات الله عليهم أجمعين، سواء كانوا مجتمعين أم منفردين، وعند مراقدهم المشرّفة أم عن بُعد عنها.

رواها الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام)، وفي (مَن لا يحضره الفقيه)، عن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق، ومحمّد بن أحمد السنانيّ، وعليّ بن عبد الله الورّاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتِّب، قالوا: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي وأبو الحسين الأسديّ، قالوا: حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكيّ، عن موسى بن عبد الله النخعيّ، قال: قلت لعليّ [الهادي] بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام: علِّمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله، بليغاً كاملاً إذا زرتُ واحداً منكم..».

ورواها الشيخ الطوسي في كتابه (تهذيب الأحكام).

ثمّ إنّ هذه الزيارة العظيمة لها صورة أخرى أطول، غير الطريق الذي رواه الصدوق والشيخ رحمهما الله، وقد روى تلك الصورة المطوّلة الشيخ إبراهيم الكفعمي في (البلد الأمين)، والمحدّث النوري الطبرسي في (مستدرك وسائل الشيعة) في أبواب الزيارات.

أقوال العلماء في سند الزيارة ومتنها

* قال المولى محمّد تقي المجلسيّ الأول في (روضة المتقين): «..والزيارات لأمير المؤمنين ولباقي الأئمّة عليهم السلام كثيرةٌ، أحسنها الزيارة الجامعة التي سنذكرها مشروحة».

* وفي (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي، قال: «..إنها أصحّ الزيارات سنداً، وأعمّها مورداً، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنىً، وأعلاها شأناً».

* وفي شرحه على الزيارة، عدّ الشيخ أحمد الأحسائي من القرائن على صدور الرواية عن المعصوم عليه السلام: «تلّقي الفرقة المحقّة لها بالقبول، حتى لا تجد ولا تسمع مُنكِراً لها ولا متوقّفاً فيها، بل لو أراد البصير الناقد أن يدّعي الإجماع على صحّتها الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام، أمكنه ذلك، مع ما اشتملت عليه ألفاظها من البلاغة والفصاحة والمعاني والأسرار التي يقطع العارف بها أنّها كلام المعصوم، ولا يصدر مثلها عن غيره».

* وهذا ما ذهب إليه السيّد عبد الله شبّر في شرحه الموسوم بـ(الأنوار اللامعة)، حيث قال: «الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأناً، وأعلاها مكانةً ومكاناً، وإنّ فصاحة ألفاظها وفقراتها، وبلاغة مضامينها وعباراتها، تنادي بصدورها من عينٍ صافيةٍ نبعت عن ينابيع الوحي والإلهام... فإنّها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلّام، قد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلّة والبراهين المتعلّقة بمعارف أصول الدين، وأسرار الأئمّة الطاهرين، ومظاهر صفات ربّ العالمين».

أضاف رضوان الله عليه: «واعلم أنّ هذه الزيارة قد رواها جملة من أساطين الدين، وحمَلة علوم الأئمّة الطاهرين، وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار، وجواهر مبانيها، وأنوار معانيها، دلائل حقٍّ، وشواهد صدقٍ على صدورها عن صدور حمَلة العلوم الربّانيّة، وأرباب الأسرار الفرقانيّة، المخلوقين من الأنوار الإلهيّة، فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه، وبلاغة مشحونه عن ملاحظة سنده، كـ(نهج البلاغة) و(الصحيفة السجّاديّة)، وأكثر الدعوات والمناجاة».

* وفي كتاب (في رحاب الزيارة الجامعة الكبيرة) تقرير بحث للعلامة الشيخ محمّد السند، يُورد سماحته مجموعة من الأدلة على صحّة سند الزيارة، وتوثيق رواتها، لا سيّما الراوي الأول؛ موسى بن عمران بن عبد الله النخعيّ، واعتماد الأعلام على روايته، ثمّ يقول: «علوّ مضامين الزيارة من حيث جزالة المعنى وجزالة اللفظ والتراكيب، كلّها تدلّ على قوّة مضمون الزيارة، وأنّها في مصافّ أعالي متون الروايات الصادرة منهم عليهم السلام، كما أنّ مضامينها وبنودها كقواعد في معرفتهم، قد ورد بمضمونها الروايات المستفيضة في أبواب المعارف، وإن اختلف اللفظ في بعضها، لكنّ لُباب المعنى ومآله واحد».

استشهاد العلماء بمتون الزيارة

ما فتئ العلماء يعتمدون على الاستشهاد بالزيارة الجامعة، وهَهنا قسمٌ من استشهادات واستدلالات أكابر علمائنا في مختلف المسائل في كُتبهم في الفقه والتفسير والحديث وغيرها، ولولا ثبوت الزيارة الجامعة عندهم لمَا كانت هذه الكثرة من الاستدلالات والاستشهادات، حتى أنّ الواحد منهم قد استشهد مراراً في كتابه بتفسير الآيات أو في بيان الأحكام، ومن البعيد جدّاً أنْ لا يقول بصحّة سند الزيارة ويكرّر الاستدلال أو الاستشهاد بشيء منها.

* قال السيّد شرف الدين الحسيني (ت: 965 هـ) في (تأويل الآيات) مفسّراً الآيتين الأخيرتين من سورة الغاشية: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾: «قال (الإمام الكاظم عليه السلام): (إذا كان يومُ القيامة وجَمع اللهُ الأوّلينَ والآخرينَ، ولّانا حسابَ شيعتِنا، فما كان بينهُم وبين الله حَكَمنا... فيه، فأجازَ حكومَتَنا، وما كان بينهم وبين الناس استَوهبْناه فوَهَبوهُ لنا، وما كان بيننا وبينهم فنحن أحقّ مَن عَفا وصَفح). ويؤيّد ذلك ما جاء في الزيارة الجامعة المرويّة عن الهادي عليه السلام، وهو قوله: (وَإِيابُ الْخَلْقِ إِلَيْكُمْ، وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ).

ومعنى هذا التأويل الظاهر: أنّ الضمير في (إلينا) و(علينا) راجعٌ إلى الله تعالى.

وأمّا الباطن: فإنّه راجعٌ إليهم عليهم السلام؛ وذلك لأنّهم ولاة أمره ونهيه في الدنيا والآخرة، والأمر كلّه لله، فلمَن شاء من خلقه جعله إليه، ولا شكّ أنّ رجوعَ الخلقِ يوم القيامة إليهم، وحسابهم عليهم، فيُدخِلون وليَّهم الجنّة، وعدوَّهم النار، كما ورد في كثير من الأخبار أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنّة والنّار».

* ويقول الفقيه المحدّث الشيخ الحرّ العاملي في (وسائل الشيعة) بعد خبرٍ رواه:«فيه دلالة على رجعة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السّلام، وفي الزيارة الجامعة ما هو أوضح من ذلك..».

* ويروي الشيخ حسن بن سليمان الحلّي في كتاب (المحتضر)، عن الإمام الهادي عليه الصّلاة والسّلام: «آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ يُؤتِ أحداً من العالَمين».

* والشيخ الوحيد البهبهاني رحمه الله أرسل في (الرسائل الفقهية) الزيارة الجامعة إرسال المسلّم.

* ويقول الميرزا القمّي في (غنائم الأيام):«وما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة يشملهم جميعاً».

* والفقيه الهمداني رحمه الله في (مصباح الفقيه) في مبحث الأغسال المسنونة، قال:«...أو وَردَ في خصوص زيارة؛ مثل الرواية المشهورة الواردة في زيارة الجامعة الّتي يزار بها كلّ إمام، الآمرة بالغُسل».

* وقال السيّد صدر الدين الطباطبائي (ت: 1154 ه‍) في (شرح دعاء الندبة): «وقال صلّى الله عليه و آله: (أنا وعليٌّ من شَجرةٍ واحدةٍ، وسائِرُ النّاسِ مِن شَجَرٍ شتّى). ولعلّ المعنى بالواحدة ليس المعنى الذي تفيده التاء بمعنى الوحدة الظاهريّة التي مناطها التشخيص الوحداني بحسب الوجود العيني، بل الواحدة الذاتيّة الواقعيّة المعنويّة، التي تشبه أن يكون مضمونه ما في الزيارة الجامعة عطفاً على ما عامله: (أَشهد أَنَّ أَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطِينَتَكُمْ واحِدَةٌ، طابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْض)، وعلى هذا، قوله صلّى الله عليه وآله: (شتّى) وصف لشجرة باعتبار الكثرة المقابلة لهذه الوحدة، فلا يضادّه التاء».

* وفي (كتاب الطهارة) للشيخ الأنصاري، قال قدّس سرّه: «والكلام في الخوارج يظهر ممّا ذكرنا في الناصب فإنّهم أشدّ النواصب، مضافاً إلى إطلاق المشرك عليهم في بعض الأخبار، كما في قوله عليه السلام في خارجيّ دخل عليه: (إنّه مشركٌ واللهِ). وقوله عليه السلام في الزيارة الجامعة: (وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ)، مع أنّ نجاستهم إجماعيّة».

* وقال الملاّ هادي السبزواري في (شرح الأسماء الحسنى): «..والمراد بالأبرار: أصحاب اليمين، وبالأخيار: المقرّبون، لكنّهما كالظرف والمجرور، وكالفقير والمسكين، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فمن موارد الاجتماع... ما في الزيارة الجامعة الكبيرة: (وَأَنْتُمْ نُورُ الأخيارِ، وَهُداةُ الأبْرارِ)..».

* وفي (اللمعة البيضاء) قال المولى محمّد التبريزي الأنصاري (ت: 1310 ه‍) في معنى تسمية الزهراء عليها السلام بالمشكاة، في تفسيره لآية النور: «..والمشكاة هي فاطمة الزهراء عليها السلام، وهذا المصباح يُوقد من شجرة الحقيقة المحمّديّة، وهي الزيتونة المباركة لبركة آثارها، وعدم تناهي أطوارها، وفي الزيارة الجامعة: (السَّلاَمُ عَلى محالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ، وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ..)، فهي مباركة لإفاضة جميع الفيوضات التشريعيّة والتكوينيّة منها، وهي الشجرة الكلّيّة النابتة في مقام (أو أدنى)، وبيداء الإبداع والاختراع، وصحراء المشيئة والإرادة، لتشعّب وجوه تعلّقاتها بذرّات الوجود التي لا تتناهى في مراتب الإمكان شعوباً وقبائل، وهي أصل البركة وفرعها: (إِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ أَوَّلَهُ وَأَصْلَهُ وَفَرْعَهُ...)».

* وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني (ت: 1360 ه‍) في حاشيته على المكاسب: «إنّ إطاعتهم عليهم السلام في أوامرهم الشرعيّة إطاعةٌ بالذات للآمر، وإطاعة بالعرَض لمن جرى على لسانه أمره تعالى، والإطاعة التي تكون إطاعة لهم بالذات وتكون إطاعة له تعالى بالعرض - من حيث إنّهم منسوبون إليه المدلول عليها بقوله عليه السلام: (مَنْ أَطاعَكُمْ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)، هي إطاعتهم في أوامرهم الشخصيّة، فالنبوّة والإمامة حيثيّة تعليليّة لوجوب إطاعة أوامرهم الشخصيّة، وما ورد في باب إطاعتهم عليهم السلام أوْلى بالشمول لمثل هذه الإطاعة من إطاعة أوامرهم الشرعيّة، فإنّها إطاعة للأمر الإلهي بالحقيقة، ولزومها بديهيّ لا يحتاج إلى المبالغة في الإلزام بها، كما لا يخفى».

* وقال السيّد الخوئي قدّس سرّه في (مصباح الفقاهة): «.. ويدلّ عليه قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة: (وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ)، وقوله عليه السلام فيها أيضاً: (وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ)، فإنّه ينتج بعكس النقيض، أنّ من لم يقبل عنكم لم يوحّده، بل هو مشركٌ بالله العظيم».

* وقال السيّد الكلبايكاني في (كتاب الطهارة): «..وظاهرها كفرُهم مطلقاً، سواء كان من علم أو عن جهل مركّب، ومنها رواية الفضل، قال: دخل على أبي جعفر عليه السلام رجلٌ محصورٌ عظيمُ البطن، فجلس معه على سريره... فلمّا قام، قال: (هذا مِن الخوارج، كما هو).

قال: قلتُ: مشرك؟

فقال: (مشرك، واللهِ مشرك).

والمراد من المشرك هو الكافر، وقد مرّ ذلك الخبر في أوائل الكتاب، وفي الزيارة الجامعة: (وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ)..».

* وفي (الميزان في تفسير القرآن) للعلامة الطباطبائي، قال: «..وفي (الفقيه)، عن الهادي عليه السّلام في الزيارة الجامعة..».

الإمام صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف والزيارة الجامعة

نقل المحقّق الميرزا حسين النوري الطبرسي قدّس سرّه، قصّة تشرّف أحد الصلحاء بالإمام صاحب العصر عجّل الله فرجه، ووصيّته بقراءة هذه الزيارة.

قال رحمه الله في (النجم الثاقب) ما ملخّصه - وعنه نقل المحدّث الشيخ عباس القمّي في (مفاتيح الجنان):

«قدم النجف الأشرف منذ سبع عشرة سنة تقريباً التقيّ الصالح السيّد أحمد الرشتي أيّده الله، وهو من تجّار مدينة رشت، فزارني في بيتي بصحبة العالم الربّاني الشيخ الرشتي طاب ثراه، فلمّا نهضا للخروج نبّهني الشيخ إلى أنّ السيّد أحمد من الصلحاء المسدّدين، ولمّح إلى أنّ له قصّة غريبة..».

ثم أورد تفاصيل تشرّف السيّد أحمد الرشتي باللقاء، وقوله نقلاً عن الإمام صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف: «لماذا تتركون زيارة عاشوراء؟ عاشوراء، عاشوراء - كرّرها ثلاث مرّات.

ثمّ قال: لماذا لا تزورون بالزيارة الجامعة؟ الجامعة، الجامعة..».

وفي (روضة المتقين) ذكرُ مكاشفة للمولى محمّد تقي المجلسي في الروضة العلوية المقدّسة، حيث قرأ الزيارة الجامعة في محضر الإمام المهديّ عليه السلام، فقال صلوات الله عليه: «نِعْمَت الزّيارة».

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 6 أيام

إصدارات عربية

نفحات