الإمام الصَّادق عليه السلام:
دُرَرٌ مِن أخلاقه، وجواهرُ مِن عِرْفانه

الإمام الصَّادق عليه السلام: دُرَرٌ مِن أخلاقه، وجواهرُ مِن عِرْفانه

26/08/2011

الإمام الصَّادق عليه السلام: دُرَرٌ مِن أخلاقه، وجواهرُ مِن عِرْفانه

المرجع الدِّيني الشيخ محمّد أمين زَيْن الدِّين قدس سره

«عَلِمَ الإمام الصَّادق أنَّ لِلعامَّة أفهاماً لا تَقْبَل المُصطَلحات الغريبة، ولا تَسْتَسيغ العبارات البعيدة. فكان لزاماً عليه أنْ يُوضِّحها لهم على حَسبِ ما يُدركون، وأن يُتَرجمها لهم بما يَفهمون».
في هذا السِّياق تحدَّثَ المرجع الدِّيني الراحل الشيخ محمَّد أمين زَيْن الدِّين قدس سره، في كتابه (الأخلاق عند الإمام الصَّادق عليه السلام)، الذي تُقدِّم «شعائر» هنا مُقتطفات منه.

لِلبَيان حقُّ الإيضاح والتَّصوير، ولِلفِكر سُلْطة النَّقد والتَّحليل، ولِلحقِّ فوق هذا وذاك حكومة عادِلة تُنير الهُدى لِلبَصير، وتُرْغِم العادي بالحُجَّة، والكاتب مَدِين للحقِّ في تفكيره، قبل أن يكون مَديناً في تصويره.
لِلكاتِبِ أن يَتَفَنَّن في حديثه ما يَشاء له الذَّوق، وأن يَتَعمَّق في بَحثِه ما تَسْمح به قوَّة النَّظَر، ولكن عليه قبل ذلك أن يَتَّخِذَ مِن الحقِّ دليلاً، ومِن العِلْم الصَّحيح مُرشِداً، عندما يُريد أنْ يَعرض على قُرَّائه عظيماً من عُظَماء الإنسانيّة، ومُعجزة من مُعجزات القرون، ولا سيَّما إذا كان هذا العظيم من أمثال جعفر بن محمَّد الصَّادق، مِثال العقل السَّامي، والإنسانيَّة الكامِلة.
سَتَعترِض الباحِث في طريقِه أسْرارٌ، وسَتَقِف أمامه شُؤونٌ وألْغازٌ، يَقف دون حلِّها وَقْفة الحائِرِ، ولعلَّه يَرجع عنها رَجعَة الخاسِر، إلَّا أنْ يَستَرشِد بِهُدى العِلمِ الصَّحيح.
أَقِف عند مُلتقى الخطوط من عبقريَّة الإمام جعفر بن محمَّد فتَتَملَّكني دهشةٌ لم أَكُن أَعهَدها لنفسي، ويَكاد اليَراع أن يَكْبو من يَدي، وتَموت الكلمات على شَفَتَيّ. لم يُعوِّدني عليه البيان من قبل، ولم يَخُنِّي في مثله التَّفكير.
تلك هي مَزالِق الفِكْر البَشَري المَحدود إذا أراد أن يَسْمو إلى آفاقٍ غير محدودة، وحَيْرة المُصوِّر حين يَلتقي بأضواء غير مُتناهية.

***

«الأخلاق» في نصّ الإمام الصادق

الأخلاق هو العِلْم الذي يَبعَثُ الكمال في النَّفس البشريَّة، ويُنَمِّي القُوَّة والإستقلال في العقل البشري، وهو العِلم الذي يُسايِر الإنسانيّة في اتِّجاهاتها، ويُوجِّهها عند حَيْرتها، ويأخذ بِيَدِ العقل عند اضطرابه، ويمدّه بالقوَّة عند ضعفه، وعِلْم الأخلاق هو الرِّسالة العامَّة التي يجب على كلِّ حَيٍّ مُدرِك أنْ يُبلِّغها إلى كلِّ حَيٍّ مُدرِك، وهو الأمانة الكبيرة التي يجب على كلِّ كائنٍ عاقل أن يؤدِّيها إلى كلِّ كائنٍ عاقل.
ولستُ أَذهبُ بعيداً حين أقول: حاجة العامَّة إلى عِلْمِ الأخلاق أكثر، فَهُو بهم أَلصَق، لأنَّ الأمراض الخُلُقيَّة في العامَّة من النَّاس أكثر شيوعاً، وأعظم تَفَشِّياً، وحاجةُ المريضِ إلى الطِّبِّ أشدُّ من حاجة الطَّبيب.
عَلِمَ الإمام الصَّادق بذلك، وعَلِمَ أنَّ لِهؤلاء العامَّة أفهاماً لا تَقبَل المُصطلحات الغريبة، ولا تَستَسيغ العبارات البعيدة. فكان لِزاماً عليه أن يوضِّحها لهم على حَسب ما يُدركون، وأن يُتَرجِمها لهم بما يَفهمون، فكان مِنْ أَبْرَع مَنْ أَوْضَح، أَدَقّ مَنْ تَرْجَم، على أنَّ أكثر ما يَهتَمّ به المِثالِيُّون من قادة الدِّين هي ناحية التَّطبيق من عِلْم الأخلاق، لأنَّها أكثر دَخلاً في التَّوجيه الخُلُقي الذي يَهتمّ به الدِّين. ولأنَّ الوَحي قد كفاهم مؤونة الإستقراء، وأراحهم من عناء البَحث والتَّمحيص.
لم يَبْخل الإمام بنصيحة على مُسلمٍ يوماً ما، وتعاليمه الخُلُقيَّة لِسفيان بن سعيد الثّوري، وزملائه الآخرين من رؤساء المذاهِب بَيِّنة واضحة على هذه الدَّعوى، وهو القائل: «خيرُ النَّاس مَن انتَفَع به النَّاس»، والرّاوي عن أبيه النبيّ صلى الله عليه وآله: «مَن لم يهتمّ بأمور المسلمين فَلَيس مِنهم».
خَلَّفَ لنا عِلمُ الأَثَر ثروة كبيرة من أخلاقيَّات الأمام الصادق عليه السلام (ودُرَراً من أخلاقه، وجواهر من عرفانِه، لو اعتَنى الباحثون بِجمعها لَألَّفوا مجموعةً رائعةً في العلم) يَجدُها الباحث منتشرة في فصول كُتُب الحديث، ولاسيَّما الأخلاقيّة منها، ولكنّه لم يَحفظ لنا كتاباً يَخْتَصّ بأخلاق الإمام، إذا استَثْنينا (مصباح الشريعة)؛ الكتاب الذي أثار بعض علماء الحديث عاصفة الرَّيْب في نِسْبَته إلى الإمام الصَّادق، وكان لهم في أمره شُكوك وشُكوك. ".." قد اعتمد على كتاب (مصباح الشريعة) كثير من عُلماء الحديث، وصَحَّحه جماعة من الأثبات، وهذا كافٍ في صِحَّة الإعتماد عليه.

***

أُوصيكَ بأصحابي خيراً

عن أبي عبد الله (الصادق) جعفر بن محمَّد عليهما السلام قال :
 «لمَّا حَضَرَت أبي الوفاة قال: يا جعفر، أُوصِيكَ بِأصحابي خيراً. قلت: جُعِلتُ فداك والله لَأَدَعنَّهم والرَّجُل منهم يكون في المِصر فلا يَسألُ أحداً».     (الشيخ المفيد، الإرشاد).

اخبار مرتبطة

  الصورة الملكوتيّة

الصورة الملكوتيّة

  دوريات

دوريات

27/08/2011

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات