الملف

الملف

منذ 5 أيام

قبسٌ من كرامات الإمام الباقر عليه السلام

 

«الملَك الذي يعرّفني شِيعتي من عدوّي..»

قبسٌ من كرامات الإمام الباقر عليه السلام

* إنّ للإمام المعصوم عليه السلام ولايةً هي امتدادٌ لولاية الله عزّ وجلّ وولاية رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإنّ طبيعة المهامّ التي أُنيطت به، المتمثّلة بالأخذ بأيدي الناس إلى ما فيه هدايتُهم ونجاتهم تقتضي منحه من العلوم والمعارف والقدرات ما يؤدّي من خلاله تلك المسؤولية الجسيمة، إضافة إلى أنّ من موجبات القُرب من الله عزّ وجلّ والفناء في إرادته البطشَ بيده والنَّظَرَ بعينه تبارك وتعالى.

ما يلي، مجموعة من كرامات الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام نقلاً عن (دلائل الامامة) للطبري، و(الخرائج والجرائح) للقطب الراوندي.

«شعائر»

 

حجّ (الحاكم الأمويّ) هشام بن عبد الملك بن مروان سنةً من السنين، وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن عليّ الباقر وابنه جعفر عليهم السلام.

فقال جعفر (الصادق عليه السلام) في بعض كلامه: الحمدُ للهِ الذي بعثَ محمّداً بالحقّ نبيّاً، وأكرمَنا به، فنحن صفوةُ الله على خلقه، وخِيرتُه من عباده، فالسَّعيدُ مَن اتّبعنا، والشَّقِيُّ مَن عادانا وخالفنا. ومِن الناس مَن يقولُ إنّه يتولانا وهو يوالي أعداءنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به.

قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام: فأخبرَ مسيلمةُ أخاه (هشاماً الحاكم) بما سمع، فلم يعرض لنا حتّى انصرف إلى دمشق، وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذَ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه، فأشخصَنا، فلمّا وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام، ثمّ أذِن لنا في اليوم الرابع، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير المُلك، وجندُه وخاصّته وقوفٌ على أرجُلِهم سماطين متسلّحين، وقد نصبَ البرجاس حِذاءه، وأشياخُ قومه يرمون. [البِرجاس: هدف للرّمي يُعلّق في الهواء]

فلمّا دخل أبي، وأنا خلفه، ما زال يستدنينا منه حتّى حاذيناه وجلسنا قليلاً، فقال لأبي: يا أبا جعفر، لو رميتَ مع أشياخ قومك الغرَض.

وإنما أراد أن يهتك بأبي ظنّاً منه أنّه يقصر ويخطئ ولا يُصيب إذا رمى، فيشتفي منه بذلك.

فقال له: إنّي قد كبرتُ عن الرمي، فإنْ رأيت أن تُعفيني.

فقال: وحقّ مَن أعزّنا بدينه ونبيّه محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، لا أُعفيك.

ثمّ أومأ إلى شيخٍ من بني أمية أن أعطِه قوسَك. فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثمّ تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس، ثمّ انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فوق سهمه إلى نَصْله، ثمّ تابع الرميَ حتّى شقّ تسعةَ أسهمٍ بعضها في جوف بعض، وهشام يضطربُ في مجلسه، فلم يتمالك أن قال: أجدتَ يا أبا جعفر، وأنت أرمى العرب والعجم، كلّا زعمتَ أنّك قد كبرت عن الرمي.

ثمّ أدركته ندامةٌ على ما قال. وكان هشام لا يكنّي أحداً قبل أبي ولا بعده في خلافته، فهَمَّ به وأطرق إطراقةً يرتأي فيه رأياً، وأبي واقفٌ بحِذائه مواجهاً له، وأنا وراء أبي.

فلمّا طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فَهَمَّ به، وكان أبي إذا غضبَ نظرَ إلى السماء نظَرَ غضبانٍ يتبيّن للناظر الغضبُ في وجهه.

فلمّا نظر هشام ذلك من أبي قال له: ... اصْعَدْ، فصعد أبي إلى سريره وأنا أتبعه، فلمّا دنا من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه، ثمّ اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثمّ أقبل على أبي بوجهه فقال له: ... لا تزال العربُ والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلُك، ولله درّك، مَن علّمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلّمته؟

فقال له أبي: قد علمتُ أنّ أهل المدينة يتعاطونه، فتعاطيته أيّام حداثتي، ثمّ تركتُه...

فقال له: ما رأيتُ مثل هذا الرمي قطّ مذ عقلتْ، وما ظننتُ أنّ في الأرض أحداً يرمي مثل هذا الرمي، أين رميُ جعفرَ مِن رميك؟

فقال: إنّا نحن نتوارثُ الكمالَ والتمامَ اللّذين أنزلهما اللهُ على نبيّه عليه السلام في قوله: ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..﴾ (المائدة:3) والأرضُ لا تخلو ممّن يكمل هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا.

فلما سمع ذلك من أبي انقلبتْ عينُه اليمنى فاحولّت واحمرَّ وجهه...». [والخبر طويل يتضمّن جدالاً افتعله هشام مع الإمام الباقر عليه السلام انتهى بفضيحة الأمويّ، ثمّ مناظرته عليه السلام مع عالمٍ نصرانيّ، وتدبير هشام لقتل الإمام عليه السلام، ثم هلاكه قبل أن يتسنّى له ذلك]

(دلائل الإمامة للطبري الإمامي: ص 233 – 235)

إخباره عليه السلام عن مُلك بني العبّاس

* عن أبي بصير، قال: «كنتُ مع الباقر عليه السلام في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قاعداً حدثان ما مات عليّ بن الحسين عليهما السلام إذ دخل الدوانيقيّ [المنصور العباسي]، وداود بن سليمان قبل أن أفضى الملكُ إلى ولد العباس، وما قعد إلى الباقر عليه السلام إلّا داود.

فقال له عليه السلام: ما منع الدوانيقيّ أن يأتي؟ قال: فيه جفاء. [أي أنه عديم الأدب]

قال الباقر عليه السلام: لا تذهبُ الأيّام حتّى يليَ أمرَ هذا الخلق، فيطأَ أعناقَ الرجال، ويملكَ شرقَها وغربها، ويطول عمرُه فيها حتّى يجمع من كنوز الأموال ما لم يُجمَع لأحدٍ قبلَه.

فقام داود، وأخبر الدوانيقيّ بذلك، فأقبل إليه الدوانيقيّ، وقال: ما منعني من الجلوس إليك إلّا إجلالُك، فما الذي أخبر به  داود؟ فقال عليه السلام: هو كائن.

قال: ومُلكُنا قبل مُلككم؟ قال: نعم. قال: ويملك بعدي أحدٌ من ولدي؟ قال: نعم.

قال: فمدّة بني أميّة أكثر أم مدّتنا؟ قال: مدّتكم أطول، ولَيتلقّفنّ هذا المُلك صبيانكم، ويلعبون به كما يلعبون بالكرة، هذا ما عهده إليّ أبي.

فلمّا ملَك الدوانيقي تعجّب من قول الباقر عليه السلام».

الخليفة الغاصب للحقّ

* وعنه أيضاً، قال: «كنت مع الباقر عليه السلام في المسجد، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز، عليه ثوبان مُمَصّران [صفراوان] متّكئاً على مولى له.

فقال عليه السلام: لَيلِينَّ هذا الغلام، فيُظهرَ العدل، ويعيش أربع سنين، ثمّ يموت فيبكي عليه أهلُ الأرض، ويلعنه أهلُ السماء.

فقلنا: يا ابن رسول الله، أليس ذكرتَ عدله وإنصافه؟  قال: يجلس في مجلسنا، ولا حقَّ له فيه». ثمّ مَلَك وأظهرَ العدلَ جُهْدَه.

.. بل تبيع النّوى!

* قال جابر الجُعفيّ: «كنّا عند الباقر عليه السلام نحواً من خمسين رجلاً، إذ دخل عليه كثير النوّاء - وكان من المغيريّة فسلّم وجلس. [المغيرية هم أصحاب المغيرة بن سعيد، تبرّأ منه الباقران عليهما السلام، كان يكذب في الحديث ينسبه إليهما]

ثمّ قال: إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أنّ معك ملَكاً يُعرّفك الكافر من المؤمن، وشيعتك من أعدائك.

قال عليه السلام: ما حِرفتُك؟ قال: أبيع الحنطة.

قال: كذبت. قال: وربّما أبيع الشعير.

قال: ليس كما قلتَ، بل تبيع النّوى. قال: مَن أخبرك بهذا؟

قال: الملَك الذي يعرّفني شيعتي من عدوّي. لستَ تموتُ إلّا تائهاً.

قال جابر الجعفي: فلمّا انصرفنا إلى الكوفة، ذهبت في جماعةٍ نسأل عن كثير، فدُللنا على عجوز، فقالت: ماتَ تائهاً منذ ثلاثة أيام». [التائه: ربّما أُريد به الضلال لما رُوي عن «كثير» هذا أنه كان «موالياً» ثمّ ارتدّ عن تشيُّعه قبل موته]

(خرائج الراوندي: 1/273-276)

ما عندنا درهم!

* ورُوي عن جابر الجُعفيّ أنه شكا الحاجة إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام، فقال له الإمام: يا جابر، ما عندنا درهم.

قال جابر: فلم ألبثْ أن دخل الكُميت بن زيد الشاعر، فقال له: جعلني الله فداك، أتأذن لي أن أُنشدك قصيدةً قلتُها فيكم؟ فقال له: هاتِها. فأنشده قصيدةً أوّلها: مَن لقلبٍ متيّمٍ مُستهامِ.

فلمّا فرغ منها قال الإمام: يا غلام، ادخل ذلك البيت وأخرجِ إلى الكميت بدرة [كيس للنقود]، وادفعها إليه.

فأخرجها ووضعها بين يديه. فقال له الكُميت: جُعلت فداك، إن رأيت أن تأذن لي في أخرى. [أي أن أُنشدك قصيدة أخرى] فقال له الإمام: هاتها.

فأنشده أخرى، فأمر له ببدرة أخرى، فأُخرجت له من البيت. ثمّ قال له: الثالثة. فأذِن له، فأمر له ببدرة ثالثة، فأُخرجت له.

فقال له الكميت: يا سيّدي، والله ما أُنشدك طلباً لعرَضٍ من الدنيا، وما أردتُ بذلك إلّا صلةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وما أوجبَه اللهُ عليّ من حقّكم.

فدعا له أبو جعفر، ثمّ قال: يا غلام، ردّ هذه البدر في مكانها. فأخذها الغلام فردّها.

قال جابر: فقلت في نفسي: شكوتُ إليه الحاجة فقال: ما عندي شيء، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم!

وخرج الكميت، فقال الإمام: يا جابر، قُم فادخُل ذلك البيت. قال: فدخلتُ فلم أجد فيه شيئاً، فخرجت فأخبرته.

فقال: يا جابر، ما سَتَرْنا عنك أكثر ممّا أظهرناه لك. ثم ّقام وأخذ بيدي، فأدخلني ذلك البيت وضرب برجله الأرض، فإذا شِبه عُنق البعير قد خرج من ذهب.

فقال: يا جابر، انظر إلى هذا ولا تُخبر به إلّا مَن تثِقُ به من إخوانك. يا جابر، إنّ جبرئيل أتى رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غير مرّةٍ بمفاتيح خزائنِ الأرضِ وكنوزها، وخيَّره من غير أن ينقصَه اللهُ ممّا أعدّ له شيئاً، فاختار التواضعَ لربِّه عزّ وجلّ، ونحن نختاره. يا جابر، إنّ الله أقدَرَنا على ما نُريد من خزائنِ الأرض، ولو شِئنا أنْ نَسوق الأرض بأزمّتها لسُقناها».

... ولك الجنة خالصة؟

* عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي جعفر (الباقر) عليه السلام، فقلت له: أنتم ورثة رسول الله صلّى الله عليه وآله؟  قال: نعم.

قلت: ورسولُ الله وارثُ الأنبياء على ما علموا وعملوا؟ قال لي: نعم.

قلت: فأنتم تقدرون على أن تُحيوا الموتى، وتُبرئوا الأكمَه والأبرص؟ قال: نعم، بإذن الله.

ثمّ قال: ادنُ منّي يا أبا محمّد. فدنوتُ، فمسح يده على عيني ووجهي فأبصرتُ الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلَّ شيءٍ في الدار.

فقال عليه السلام: تحبّ أن تكون على هذا ولك ما للنّاسِ وعليك ما عليهم يومَ القيامة، أو تعود كما كنتَ ولك الجنّة خالصة؟

قلت: أعود كما كنت. قال: فمسح يده على عينيّ فعُدتُ كما كنت».

مَن خفيَ ما غاب!

* عن محمّد بن مسلم بن رباح الثقفيّ، قال: سمعت أبا جعفر (الباقر) عليه السلام، يقول لرجلٍ من أهل إفريقية: ما حالُ راشد؟ قال: خلّفته صالحاً – أي بخير وعافية - يُقرئك السلام.

قال: رحمه الله. قال: أَوَ مات؟! قال: نعم، رحمه الله. قال: ومتى مات؟ قال: قبل خروجك بيومين.

قال: لا والله، ما مرض ولا كانت به علّة! فقال عليه السلام: وإنّما يموت مَن يموت من غير علّة أكثر.

فقلت: أيّما كان من الرجال الرجلُ؟ فقال الإمام: كان لنا وليّاً ومحبّاً من أهل إفريقية.

ثمّ قال: يا محمّد بن مسلم، لئن كنتم ترونَ أنّا ليس معكم بأعينٍ ناظرة وآذانٍ سامعة لَبِئسَ ما رأيتم، والله مَن خَفِيَ ما غاب – أي لم يغِب - فأحضِروا لي  جميلاً، وعوّدوا ألسنتَكم الخير، وكُونوا من أهله تُعرَفوا به».

(دلائل الإمامة للطبري الإمامي: ص 224 – 227)

 

اخبار مرتبطة

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 5 أيام

إصدارات عربية

  آداب وسُنن

آداب وسُنن

نفحات