الملف

الملف

منذ 5 أيام

فضائل الخُلق النبويّ وسموّه


فضائل الخُلق النبويّ وسموّه

أبى اللهُ لصاحب الخُلق السيّئ بالتوبة

____ السيّد مهدي الصدر ____

تتطرّق هذه المقالة للباحث الإسلامي السيد مهدي الصدر الى علم الأخلاق في الإسلام من الناحيتين العقائدية والسلوكية. وتستند المقالة الى جملة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد على منزلة الأخلاق في الوحي الإلهي، في مقدمها قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق». كما تبين المقالة المرتكزات القرآنية لعلم الأخلاق في المجالين القولي والسلوكي. وفي ما يلي نص المقالة.

«شعائر»

علم الأخلاق هو: العلم الباحث في محاسن الأخلاق ومساوئها، والحث على التحلّي بالأولى، والتخلّي عن الثانية.

ويحتلّ هذا العلم مكانةً مرموقة، ومحلاًّ رفيعاً بين العلوم، لشرف موضوعه، وسموّ غايته. إذ العلوم بأسرها منوطة بالخُلق الكريم، تزدان بجماله، وتحلو بآدابه، فإن خلَت منه غدت هزيلة شوهاء، تثير السخط والتقزّز. ولا بدع فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقّق في الإنسان معاني الإنسانية الرفيعة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطّه إلى سويّ الهمج والوحوش.

وليس أثر الأخلاق مقصوراً على الأفراد فحسب، بل يسري إلى الأمم والشعوب، حيث تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيّها، أو تخلّفها في مضمار الأمم. وقد زخر التاريخ بأحداث وعبر دلّت على أنّ فساد الأخلاق وتفسّخها كان معوَلاً هدّاماً في تقويض صروح الحضارات، وانهيار كثير من الدول والممالك.

وناهيك في عظمة الأخلاق، أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله أولاها عناية كبرى، وجعلها الهدف والغاية من بعثته ورسالته، فقال: «بُعثتُ لِأُتمّمَ مَكارمَ الأخلاق».

وتختلف مناهج الأبحاث الخُلقية وأساليبها باختلاف المعنيَين بدراستها من القدامى والمحدثين: بين متزمّت غالٍ في فلسفته الخلقية، يجعلها جافة مرهقة، عسرة التطبيق والتنفيذ. وبين متحكّم فيها بأهوائه، يرسمها كما اقتضت تقاليده الخاصة، ومحيطه المحدود، ونزعاته وطباعه، ممّا يجردها من صفة الأصالة والكمال. وهذا ما يجعل تلك المناهج مختلفة متباينة، لا تصلح أن تكون دستوراً أخلاقياً خالداً للبشرية.

حُسن الخُلق

حُسن الخُلق هو حالة تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة.

ولقد كان سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه وآله، المثل الأعلى في حُسن الخُلق، وغيره من كرائم الفضائل والخِلال. واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله عزّ من قائل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم:4.

سوء الخُلق هو انحراف نفساني، يسبّب انقباض الإنسان وغلظته وشراسته، ونقيض حُسن الخُلق. من الثابت أنّ لسوء الخُلق آثاراً سيئة، ونتائج خطيرة، في تشويه المتّصف به، وحطّ كرامته، ما يجعله عرضة للمقت والازدراء، وهدفاً للنقد والذم.

قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: «أبى اللهُ لِصاحبِ الخُلق السيّئ بالتوبة.

قيل: فكيف ذلك يا رسول اللّه؟

قال: لأنّه إذا تابَ مِن ذنبٍ وَقعَ في ذَنبٍ أعظم منه».

الأخلاق بين الاستقامة والانحراف

كما تمرض الأجساد وتعتورها أعراض المرض من شحوب وهزال وضعف، كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سمات الاعتدال ومضاعفاته، في صُوَرٍ من الهزال الخلقي، والانهيار النفسي، على اختلافٍ في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق. وكما تعالَج الأجسام المريضة، وتستردّ صحتها ونشاطها، كذلك تعالَج الأخلاق المريضة وتستأنف اعتدالها واستقامتها. ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمها، لحبطت جهود الأنبياء في تهذيب الناس، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، من أجل ذلك فقد تمرض أخلاق الوادع الخَلُوق، ويغدو عبوساً شرساً منحرفاً عن مثاليّته الخلقية، لحدوث إحدى الأسباب التالية:

1) الوهن والضعف الناجمان عن مرض الإنسان واعتدال صحته، أو طرو أعراض الهرم والشيخوخة عليه، ممّا يجعله مرهف الأعصاب عاجزاً عن التصبّر، واحتمال مؤونة الناس

ومداراتهم.

2) الهموم: فإنّها تذهل اللبيب الخلوق، وتحرفه عن أخلاقه الكريمة، وطبعه الوادع.

3) الفقر: فإنه قد يسبّب تجهّم الفقير وغلظته، أنَفَةً من هوان الفقر وألم الحرمان، أو حزناً على زوال نعمته السالفة، وفقد غناه.

4) الغنى: فكثيراً ما يجمح بصاحبه نحو الزهو والتيه والكبر والطغيان.

5) المنصب: فقد يُحدث تنمّراً في الخُلق، وتطاولاً على الناس، منبعثاً عن ضعة النفس وضعفها، أو لؤم الطبع وخسّته.

6) العزلة والتزمت: فإنه قد يسبّب شعوراً بالخيبة والهوان، ممّا يجعل المعزول عبوساً متجهّماً.

علاج سوء الخلق

وحيث كان سوء الخلق من أسوأ الخصال وأخسّ الصفات، فجدير بمن يرغب في تهذيب نفسه، وتطهير أخلاقه، من هذا الخلق الذميم، أن يتبع النصائح التالية:

1) أن يتذكّر مساوئ سوء الخُلق وأضراره الفادحة، وأنّه باعثٌ على سخط اللّه تعالى، وازدراء الناس ونفرتهم.

2) أن يستعرض ما أسلفناه من فضائل حسن الخلق، ومآثره الجليلة، وما ورد في مدحه، والحثّ عليه، من آثار أهل البيت عليهم السلام.

3) التريّض على ضبط الأعصاب، وقمع نزوات الخلق السيّئ وبوادره، وذلك بالترّيث في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، مستهدياً بقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله: «أفضلُ الجِهادِ مَن جاهَدَ نَفسَهُ التي بَينَ جَنبَيْه».

يتّبع تلك النصائح من اعتلّت أخلاقه، ومرضت بدوافع نفسية، أو خلقية. ____________________________________

* أخلاق أهل البيت عليهم السلام: ص 5–11/ مختصر

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات