الملف

الملف

14/08/2018

العشر الأوائل من ذي الحجّة

أيّامٌ معلومات

العشر الأوائل من ذي الحجّة

اقرأ في الملف

استهلال                                                لك العُتبى حتى ترضى

هذا الملف                             العلّامة الشيخ حسين كَوراني

سياحة علمية، وتلقين ثقافي هادف

البيت وأهل البيت عليهم السلام

جوهر الحجّ حُسنُ الظنّ بالله تعالى

الإفاضة من الحضور إلى الشهود

من الإبراهيمية إلى المحمّدية البيضاء

المقالات الواردة في الملف مختصرة من فصول كتاب «أيام معلومات العشر الأوائل من ذي الحجّة» لسماحة العلّامة الشيخ حسين كوراني

 

استهلال

لَكَ العُتْبى حَتَّى تَرْضى

«..أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي،

إِلهِي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَك، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا أُبالِي،

سُبْحانَكَ غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، فَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي

أَشْرَقَتْ لَهُ الأَرْضُ وَالسَّماواتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ،

أَنْ لاتُمِيتَنِي عَلى غَضَبِكَ، وَلاتُنْزِلْ بِي سَخَطَكَ،

لَكَ العُتْبى لَكَ العُتْبى حَتَّى تَرْضى قَبْلَ ذلِكَ ".."

(من دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة)


هذا الملف

§      العلّامة الشيخ حسين كَوراني

«تستحقّ العشر الأوائل أن يهتمّ بها من لا يوفَّق للحج كما يهتم بها الحجّاج إجمالاً، وإن كان للتفصيل حديث ذو شجون.

غير أنّ الاهتمام بهذه العشر وغيرها من مواسم العبادة فرع الاهتمام بهذا اللون من ثقافة القانون الإلهي وأدب الإسلام، وهنا بيت القصيد. ".."

الحجّ دورة إبراهيمية مهدوية في السياق الإلهي الذي شاءه تعالى فيضاً محمّدياً.

الحجّ توحّد السعي والطواف، والرمل والهرولة، والعام والخاص، والحلق والرمي والذبح - بكلّ معانيه- على عتبة التوحيد، وفي محراب عظمة الله العليّ القدير الواحد الأحد الفرد الصمد، تقدّست آلاؤه، وجلّ ثناؤه.

والمدخل الحصري لسلامة الحجّ وكلّ قصد: اتّباع المصطفى الحبيب، والقيام لله، طوافاً حول الكعبة التي جعلها الله تعالى مثابة للناس وأمناً، ليحرموا مخبتين، وقياماً لهم ليحلّوا قائمين بانتظار القائم.


والانتظار عمل دائب وجهد لا ينضب، من معينه منهل:

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ النجم:39-40

بانتظار أن تتوالد الجمار  في سوح مواجهة الطواغيت الإمّعات، ليتنفّس الصبح:

﴿..أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ هود:81»

__________________

* من كتابه (أيام معلومات)

 

 

سياحة علمية، وتلقين ثقافي هادف

مستحبّات تتّسع لكلّ دورة الزمن

من التوفيق أن يعرف المسلم فضيلة كلّ وقت يمرّ به، ومن كمال التوفيق أن يعمل العارف بفضيلة الأوقات بمقتضى علمه، فليس كلّ علم يتحوّل إلى عمل، وهنا مكمن الخلل الأخطر في حياة الإنسان.

والثقافة الحقيقية هي ثمرة المعلومات التي تنتقل من العقل إلى القلب، وتلتزم بها الجوارح.

ليست الثقافة كلّ المعلومات التي تختزنها الذاكرة، وإلّا فإنّ جهاز الحاسوب، أو المكتبة المركزية، أو مخزن الكتب الضخم، سادة المثقفين.

ويتوقّف نجاح كلّ مدرسة فكرية، أو منهج ثقافي على طبيعة بناء النظام التثقيفي الذي يمكّن من تذكير المنتمي إلى تلك المدرسة، أو ذلك المنهج، بأسس الثقافة التي يحرص على نشرها وتعزيزها.

إنّ تكرار التذكير بهذه المفردة الثقافية وتلك يعزّز فرصة تفاعل العقل معها، ويعزّز أيضاً فرصة نقلها من العقل إلى القلب الذي هو «أمير الجوارح» كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ثمّ إنّ هذا التكرار وإتاحة الفرصة المشار إليها، عندما يكونان شاملين لكلّ المفردات الثقافية، فإنهما يشكّلان الدروس الدائمة والمتجدّدة المنتشرة على مساحة التذكير التي يشغلانها، فإن كانت المساحة تتّسع لكلّ دورة الزمن، كان الزمن كلّه جامعة تفتح أبوابها لينتظم المنتمون إلى ذلك المنهج الفكري في صفوفها.

وهذا هو بالتحديد وجه إعجازٍ يكاد يكون مضيّعاً في البناء الثقافي الإسلامي.

قدّم الإسلام فكراً في مجال الرؤية الكونية للوجود وبالخصوص الدنيا والإنسان، أي في مجال العقيدة، وسائر المفاهيم التي تتفرّع عليها، وقدّم القانون الإلهي الذي ينسجم مع تلك الرؤية الكونية والقيَمية.

دورة على مدار السنة

وحيث إنّ الثقافة التي يريد الإسلام إيصالها إلى كلّ فرد، لا يمكن أن تتحقق بالصورة الفضلى بمجرّد معرفة الفرد بها، بل لا بدّ من عملية التذكير المستمرة، الهادفة إلى امتزاج العارف بمعرفته، ليتحوّل هو إلى معرفة، كما يمتزج الشهيد بهدف شهادته، فيتحوّل إلى شاهد على موقف الناس من هذا الهدف، فإنّ الإسلام بنى نظامه التثقيفي على دورة الزمن، كما في قوله تعالى:

﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ التوبة:36.

تجد بوضوح وأنت تتابع آلية توزيع المستحبّات على دورة السنة، أنّ المسلم الذي يتواصل مع هذه المستحبّات لا يمكن إلّا أن يكون بصيراً بما تغتذي به روحه، مجدِّداً العهد بأسس ثقافته القرآنية، متواصلاً مع كلّ ما انطوى عليه القلب في خطّ العقل، مجدّاً في تعزيز تفاعله معه، متّجهاً إلى حيث يتحوّل المعلوم عنده وفيه إلى عمل، فالعمل هو الهدف من الثقافة الإسلامية.

قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.. الملك:3.

وفي تفسير الآية ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «ليسَ يعني أكثرَكُم عملاً، ولكن أصْوبَكم عملاً، وإنّما الإصابةُ خشيةُ الله والنيّةُ الصادقة والخشية، ثم قال: الإبقاءُ على العملِ حتّى يخلص أشدُّ من العمل. والعملُ الخالص الذي لا تريد أن يَحمدَك عليه أحدٌ إلّا الله عزّ وجلّ، والنيّة أفضلُ من العمل، ألا وإنّ النيّة هي العمل، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ.. يعني على نيّته». (الإسراء:84)

ولأنّ حسن العمل والإصابة فيه رهن الممارسة وتكرارها، حيث لا علم بدون تطبيق، كان لا بدّ للمسلم من أن يوضع في الجو الذي يمكّنه من التطبيق العملي والذي يتيح له أن يحوّل المنظومة الفكرية العقيدية، والنظرية الثقافية المصاغة في ضوئها، إلى يقين يحرّره من أدنى شوائب الشك الذي هو مناخ التذبذب، والذي هو بدوره مكمن الانحراف في الشخصية التي لا تهتدي إلى مسار التدرّج في مراتب اليقين.

وفي هذا السياق يجب أن ينظر إلى ظاهرة دور العبادة في حركة الأديان باعتبارها في الأصل وبقطع النظر عن التفاصيل مراكز التثقيف الدائم، وأنّ المنطلق لهذه الخطّة الإلهية هو أنّ الثقافة والفكر أسمى من أن يحصرا بجانب من عمر الإنسان، هو عبارة عن مراحله الدراسية على اختلافها، بل يجب أن يكون الإنسان دائماً في خط العلم تلقّياً دائماً وإلقاءً حيث تتحقق القدرة على ذلك.

أمّا المادة المقررة لهذه المدارس والجامعات الدائرة أبداً، فهي بالدرجة الأولى الأحكام الشرعية «حدود الله»، والهدف هو تعميم ثقافة القانون، لتأخذ جميع المفردات الثقافية الأخرى موقعها الطبيعي في منظومة الفكر الملتزم، الذي يجسّد أفضل تناغم مع الثوابت التي حدّدتها العقيدة، وشكل القانون الناظم لها والحارس الأمين الذي يسهر على تأمين التوازن في شخصية الفرد والمجتمع.

وفي إطار ثقافة الأحكام الشرعية، تتاح للفرد دورات تطبيقية لا ينحصر مجالها ولا تقتصر ساحتها على المسجد، وهو الصيغة المتقدّمة للمركز التثقيفي العبادي، بل تستوعب حركة الحياة كلّها، فالقانون الناظم لهذه الثقافة هو فقه القلب والحياة، وطبيعي أن تكون ساحة التثقيف هي كلّ ساحة الحياة.

تواكب الدورات الثقافية التطبيقية المسلم في بيته ومحل عمله، وفي حلّه وترحاله، بل قد تفرض عليه الترحال عندما تحظى هذه الدورة الثقافية بصفة الإلزام كما هو الحال في الحجّ.

وقد تكون دون ذلك إلّا أنّها تحظى بدرجة متقّدمة من الحث عليها كما هو الحال في زيارة المراقد، التي يضيء على جانب من واقعيتها حرص الناس بطبيعتهم على الرحلات السياحية، أو ذات الطابع السياحي- العلمي، ليتّضح من خلال هذه الإضاءة أنّ في التواصل الحضاري مع مرتكزات التاريخ تلبيةٌ لحاجة فطرية للإنسان.

وليست هذه الحاجة في العمق إلّا ثقافية بامتياز، فإّن حصيلة تواصل القلب مع سِيَر المنارات الفكرية والعملية، سوف تظهر تلقائياً في قناعاته لتأخذ طريقها إلى الظهور في سلوكه.

سياحة النفس

وحيث إنّ السفر والترحال لا يمكن إلّا أن يملآ حيّزاً من حياة الفرد، كان من الطبيعي جداً أن تتاح إمكانية التواصل مع كل ركائز تاريخ الحركة الثقافية المنطلقة من الحقائق الكبرى، والمتفاعلة معها، أو المجسّدة لها.

ولا بديل في باب إتاحة إمكانية التواصل هذه، عما اصطلح عليه بالمناسبات الإسلامية الموزعة تلقائياً على كل دورة الزمن.

ومن الأمثلة على ذلك: مَن لا يستطيع الذهاب إلى الخليل لزيارة مقام نبيّ الله إبراهيم، فإن فكرة المناسبة تجعله حيث كان من أربع رياح الأرض، يتواصل في اليوم الأول من ذي الحجّة مع ذكرى مولده عليه السلام، فما دام لا يمكنه السفر للاعتبار، فإن المناسبة تسافر إليه ليتحقق الهدف.

ومن كان لا يستطيع السفر إلى عرفات في يوم الموقف العبادي العظيم، فإنّ أنوار المناسبة تشرق عليه حيث يقيم، لتمكنّه من المشاركة التي هي فعل روح ولا مدخلية للجسد فيها إلّا لتعزيز تفاعل الروح ليعظم فعلها.

وتكفي نظرة سريعة في توزيع المناسبات الإسلامية على مدار السنة، ليخشع القلب في محراب عظمة هذا البناء الثقافي الفريد الذي يتكفّل صيانة المرتكزات الثقافية المختلفة، لتعزيز مرتكزاتها الفكرية والعقيدية.

وتتجلّى فرادة الروعة حين ندرك مدى فاعلية إخراج التأمل في المناسبة والاعتبار بها من دائرة الرتابة القائمة على التلقين من هذا الدليل، أو ذلك المحاضر، إلى الفعل الذي ينبغي لكل فرد أن يقوم به، ليدخل في دورة تطبيقية هي أبعد أثراً وأوفر حصيلة في العقل والقلب والوجدان.

من هنا اقترنت المناسبات كما أرادها الإسلام بما يعرف بالأعمال العبادية.

فهناك أيام يستحب صومها.

وهناك صلوات بترتيب خاص ورد الترغيب الكبير بها.

وثمة أدعية يشكّل كل منها مقاربة محكمة السبك البرهاني المستثيرِ لكلّ ومضة عقل، والمتناغم مع كلّ خفقة قلب والملامس لكلّ نبضة إحساس.

وثمّة أذكار خفيفة على اللسان إلّا أنها مداميك للرؤى، ومرتكزات لطبيعة الوعي وتصويب المسار لحركة الفكر.

ولا مجال إطلاقاً لتجاوز حقيقة كبرى هي أعظم تجليات هذا البناء الثقافي الإلهي الفريد. إنّها الحرص على تقديم ذلك كلّه بلغة المستحب بعيداً عن صرامة الإلزام، واستفزازها التلقائي حتى لمَن قرر الإلتزام.

لقد خلق الله تعالى الإنسان مفطوراً على الحرية، لا يمكن لأيّ قدرة في الدنيا أن تجبره على القناعة بما لا يريد، والثقافة بالإجبار هي النقيض الطبيعي للثقافة.

هكذا قد ندرك بوضوح فداحة الخسارة الفكرية والثقافية المرعبة التي نلحقها بإنسانيتنا، حين نصرّ على تهميش المستحبات والاستخفاف بها!

 


البيت وأهل البيت عليهم السلام

حضور القلب في ساحة القِيَم الرفيعة

إنّ كل شأن من شؤون العظيم عظيم، فالقلم الذي يوجد منه في السوق بالملايين، يحظى بقيمة خاصة حين يكتب به شهيد.

من هنا فإنّ الحديث عن أيّ شأن يرتبط بأهل البيت الذين لا سبيل إلى اتّباع رسول الله وبالتالي الوصول إلى رضا الله تعالى، إلّا بحبّهم، ليس حديثاً تاريخياً، ولا هو حديث في ما يصحّ السكوت عنه.

إنّه مرتبط جذرياً بالعقيدة، وشأن من شؤونها.

ولا يكاد ينقضي العجب من هذه الغفلة المطبقة، عن الربط بين البيت وبين أهل البيت.

وأخطر ما فيها أنّها الغفلة عن الباب المحمّدي، الذي منه يؤتى الله تعالى.

يجمع المسلمون على ثوابت، لا بدّ لمن أراد أن يتلمّس سلامة المعتقد من أن ينطلق منها:

1-   ﴿..وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا..﴾ الحشر:7.

2-   ﴿..وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ..﴾ آل عمران:7. ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ الواقعة:79.

3-   ﴿..إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب:33.

4-   ﴿..قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ..﴾ الشورى:23.

* وخلاصة هذه الثوابت بما يتسع له المجال:

نطلب من الله تعالى الهداية إليه وبيان الطريق، فيحصر ذلك بالمصطفى صلّى الله عليه وآله، ونطلب من المصطفى الدليل، فيقول: كتاب الله وعترتي، ونطلب فقه القرآن الكريم وفهمه، فيقول: قفوا بباب الراسخين في العلم المطهّرين، لتنهلوا العلم من معينهم.

لذلك كان كلّ ما يرتبط بأهل البيت عظيماً.

ولذلك كان كلّ ما يرتبط بهم متداخلاً مع صلب العقيدة.

ناقة ثمود ناقة الله وباب أهل البيت ليس باب الله؟!!

يا لسوء عاقبة مَن يظنّ أنّ سلامة العقيدة تجتمع مع ذلك.

الأيام العشر

 هذه الأيام العشر موسم العاكف والبادي موسم التوحيد يتم تعزيزه في القلوب كما اهتدت إليه العقول، موسم كلّ الإبراهيميين الصادقين، الواصلين منهم أو المصرّين بصدقهم على الوصول.

هنا بالتحديد ينبغي البحث عن سرّ أفضلية هذه الأيام المتميّزة، وفرادتها الطليعية.

إنّها أيام الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض، والراسيات.

وأيام الميثاق الذي يتعاهده بالرعاية مَن أسلم وجهه لله وهو محسن.

 

وأيام طواف العقول والقلوب حول التوحيد الكعبة الحقيقية التي يشبهها طواف البيت المعمور، ويظهرها الطواف بالبيت العتيق، ويقع في مداها الطواف الواحد في جوهره من أصغر خلية إلى أعظم مجرات الأقلاك.

وأين كنت من أربع رياح الأرض يمكنك أيّها القلب حين تصدق في اقتباس النور المحمدي أن تردد: «أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة» [الذكر الذي يستحب للطائف أن يقوله كلما بلغ في طوافه محاذي الحجر الأسود].

إن قلت ذلك تجاه الحجر الأسود، فقد يشهد لك وربما شهد عليك.

ليس الحجر الأسود إلّا مخزن أسرار القلوب في باب التوحيد، والشاهد عليها في محضر الحكم العدل، العليم المحيط، والسميع البصير، ﴿..وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ..﴾ الحديد:4. ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ غافر:19.

والمدار في شهادة الحجر الأسود المحببة، ما انطوى عليه القلب الأبيض، الذي لا يشكّل بياض الوجه إلّا بعض تمظهراته والتجليات، ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ..﴾ آل عمران:106.

ولا بياض للقلب إلّا بمقدار الإنقطاع إلى الله عمّا سواه، ومدى حضورِ القلب حيث ينبغي أن يكون، وحيث يليق بشأن الكعبة الأولى، والإنسان الأكرم، الذي خلق الله له ما في السماوت والأرض.

وتُختزل رحلة الإنسان في هذه الدار الممر، بالإصرار على حضور القلب في ساحة القيم الرفيعة، عبر الإحرام الدائم وغير الموسمي عن سفاسف الأمور، ليترجم هذا الإصرار تلقائياً إلى دخول الحرم القلب، لفرط ما أقام القلب في الحرم، وتكتمل الرحلة بعد أشواط طواف القلب، فيكون هو الحرم:  «القلب حرم الله؛ فلا تسكن في حرم الله إلّا الله».

فرادة السر في هذه العشر الأوائل محمّدية، كما هي فرادة سر الوجود كلّه محمدية.

وعندما تتّخذ حركة العقل والقلب مدارها المحمّدي، تبدأ رحلة الانطلاق في مسار البراق، ويرتسم في أفق النفس الخط البياني للعروج، ومع تكبيرة الإحرام، حتمية القربان المتقبل.

يتنفس الفجر المحمدي في صفحة وجود النفس فيبدأ الإسراء، إلى المسجد الحرام.

ومَن لم يحج بالجسد، فهو مدعوّ إلى التحليق بجناحي العقل والقلب، لتغرّد الروح في سربها، ويلتحق بضيوف الرحمن في الطواف والسعي والمواقف كلها، كما شاركهم الإحرام بتكبيرته، فالتلبية التي لا ينعقد إلّا بها، ساحتها ما بين اللابتين، المبدإ والمعاد، وليس الميقات إلا مساحة الكشف عن حقيقة العصف بين الجوانح.

حقاً، إن لم يكن اللحاق بضيوف الرحمن متاحاً لمن لم يوفَّق للتواجد في ديار الوحي، فما هو الفرق بين أمنيتين طالما استبدّتا بالقلب على أعتاب الدعاء عموماً، وفي ضيافة الله في شهر رمضان بامتياز:

أولاهما: أن ترزقني حجّ بيتك الحرام.

والثانية: أن تكتبني من حجّاج بيتك الحرام.

وهل الدين إلّا الحب؟

وهل الحجّ إلّا القصد؟

فما ظنّك بقصدٍ لا يخفق بالحبّ منه حرف؟

أيّ حجٍّ هذا الذي ينشغل فيه القلب بغير المحبوب الذي لا محبوب سواه عزّ وجلّ؟

وأيّ دين هذا الدين الذي لا يعمر الحبّ كلّ نبضاته؟

مَن أحبّ اللهَ تعالى فقد حجّ، وإن لم يستطع إليه سبيلاً..

ومن لم يتلاطم موج الحب في حناياه، أو لم يبرح به الوجد إلى الحب، فهو من الركام والضجيج، وإن لبّى واعتمر وحج، وأشهد على قلبه المناسك أجمع.

سلامة الدين، هي ذاتها سلامة العقل، وهي بعدُ لين القلب، وإرهاف الحس، وفيض الحب، وألحانه والترانيم، والشذا المتضوّع.

﴿..يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ.. المائدة:64، الوسام الأعلى من الفردوس، الذي لا يوشِّح إلّا صدر قلبٍ استقر في حبّة مهجته أنّ حبّ الله تعالى للقلب هو الطريق إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر، فإذا مطمح الآمال ومعقد العزمات والأعمال، نظرة منه رحيمة يستكمل بها الكرامة، وتحلّه وهو في الدنيا دار السلامة.

ولا حديث عن رحمة الله إلّا حين يدرك القلب أنّه الحديث عن رسول الله:

﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ..﴾ آل عمران:31.

﴿..وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ..﴾ النساء:64.

***

لقد وجد يعقوب ريح يوسف لما فصلت العير.

فهل وجد القلب ريح العطر المحمّدي؟!

كم تجرّع القلب غصّة الفراق؟!!

أمّا يعقوب فقد ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. وكان بما آتاه الله تعالى عالماً بحقيقة الحال، وحسن العاقبة، وإلى الله المصير.

كيف يكون إذاً ضرم النار المستعرةِ في قلبٍ لسان حاله: وما أدري إلى ما يكون مصيري، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت؟

إن رأى هذا القلب أنّه ارتد بصيراً في مواسم العشر الأول من ذي الحجة أو غيرها، فذلك علامة صدق الحبّ للمصطفى الحبيب مظهرِ حبّ الله تعالى؟

أما إن حُجبت عن القلب الرؤية، وإن أطال التحديق، فهو الرَّين بما كسب، وهو الضلال البعيد.

ويتناسب الجزع مع الألم، والصدى مع الصوت، والصوت مع الحال، والحال مع إدراك الخطر المحدق، وسوء المصير.

ومن أين تكون البداية؟

قال الخبراء في الجواب: وهل رأيت أمّاً ثكلى بحاجة إلى من يعلمها النواح والأنين؟

نعم، تمسّ الحاجة إلى التذكير ببعض المسلّمات، لا التأسيس.

﴿..وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا..﴾ البقرة:189.

من كان يريد البيت، فليقف بالباب: يا رسول الله يا أيّها العزيز مسَّنا وأهلنا الضرّ.

وليحذر القلب المكر والخداع، والتلبيس والتدليس.

لغة الحب كلّها آداب..

أرأيت أدب حبّ النبيّ يعقوب ليوسف مع قميصه؟

فكيف هو أدب حبّك للمصطفى أيّها القلب مع نفسه وروحه، والبضعة منه والشجنة، والريحانتين، والنور المحمّدي الواحد.

كيف هو أدب حبّك لمحمّد مع أهل بيته، واحذر البتراء فلا تقل إلّا: صلّى الله عليه وآله.

هل تطوف حول الكعبة وتنسى عليّاً؟

أو تتجول في بلد الزهراء وأهل البيت غافلاً عنهم؟

وتعقد الإحرام للحج في آخر يوم التروية الذي غادر فيه سيّد الشهداء الحسين مكة، واستشهد فيه مسلم بن عقيل، وتظلّ مصراً على الفصل بين البيت وأهله والحجّ وكربلاء وسبي زينب وأخواتها، حُرم الرسول، وأنت منصرف إلى أداء المناسك بمعزل عن كلّ ذلك.

أيّ حبٍّ هذا لرسول الله صلّى الله عليه وآله؟

وأيّ قصد هذا القصد والحجّ؟

وأي بيت هذا الذي نقصد، وننسى أهله؟

والبيت بعدُ وأوّلاً وآخراً أول بيت وضع للناس، وهو المثابة والأمن والقيام لهم، ومنه تنطلق حركة ظهور وصيّ رسول الله المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لتحقيق العولمة الأصيلة في هدي التوحيد، فهل يتحقّق الحج والغفلة مطبقة، تحول دون الحنين إلى بقية الله المهديّ ونوره الإلهي؟

لسان حال المحبّ للرسول الأعظم في مكّة والمدينة والميقات وعرفات ومِنى:

 

يا نزولاً بين جمع والصفا

يا كرام الخلق يا أهل الوفا

كان لي قلب حمول للجفا   

ضاع مني بين هاتيك التلال

 

اللهمّ ارزقنا حبّك وحبّ من يحبّك، يا من يعطي من لم يعرفه تحنناً منه ورحمة.

 


الحجّ عرفــة

جوهره حُسنُ الظنّ بالله تعالى

 

عرفة وعرفات اسمان لمكان واحد، وقد ورد الثاني في القرآن الكريم، وورد الأول في الروايات،كما يأتي.

وحيث إن السائد الآن هو التوجه إلى عرفة ليلة التاسع مع أنّ المستحبّ هو التوجّه إلى منى والمبيت فيها ثمّ التوجه منها في اليوم التالي - التاسع - إلى عرفة.

ومن الحجّاج من يبقى في مكّة إلى ضحى اليوم التاسع ويحرص على الواجب فيصل إلى عرفة قبل الزوال، فمن المناسب الإشارة هنا إلى ما يرتبط بالتوجه إلى عرفة.

من المستحبّات التي يجدر الحرص عليها، أن يكون البدء في الانطلاقة من مكة إلى عرفة من داخل الحرم.

أورد الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق، قوله عليه السلام: «إن تهيّأ لك أن تصلي صلواتك كلّها الفرائض وغيرها عند الحطيم فافعل، فإنّه أفضل بقعة على وجه الأرض».

أضاف: «والحطيم ما بين باب البيت والحجر الأسود وهو الموضع الذي فيه تاب الله عزّ وجلّ على آدم عليه السلام، وبعده الصلاة في الحِجر أفضل، وبعد الحِجر ما بين الركن العراقي وباب البيت وهو الموضع الذي كان فيه المقام، وبعده خلف المقام حيث هو الساعة، وما قرُب من البيت فهو أفضل».

كما ينبغي التنبّه إلى أهمية التلبية للمحرم عموماً، وبالخصوص أن يلبّي سبعين مرة، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قوله: «ومن لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا أشهد الله له ألف ملك ببراءة من النار، وبراءة من النفاق».

فمن استطاع أن يعقد إحرام الحج عند مقام إبراهيم أو في حجر إسماعيل كما روي وأفتى به الفقهاء، ويصلي عند الحطيم، حيث لا يكون الحرم مزدحماً في هذا اليوم، فليفعل. ثمّ يتوجه إلى عرفة.

وينبغي أن يؤدّي الحاج ذلك بحيث لا يؤثّر على نشاطه في وقت أعمال عرفة.

وليلاحظ هنا أن فترة ما قبل الظهر من يوم عرفة، لا تحمل أعمالاً خاصة بها، وكأنها فترة حرة، يتم الاستعداد فيها للعمل الجاد الذي يبدأ مع الزوال وحلول وقت صلاة الظهر.

ومن الجدير جداً بكل اهتمام أنه ينبغي للحاج بشكل خاص، أن يعيش قلبه مع وصيّ رسول الله صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

يحضر عليه السلام الموسم، كما ورد في الروايات، ويرى الناس وهو يعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه.

وهذه رُبى عرفات أصغر منطقة جعرافياً يجزم المؤمن بوجوده فيها مع إمام زمانه؛ باب الاتصال برسول الله وبالله تعالى.

تصرح بعض المنقولات المعتبرة نقلاً عنه عليه صلوات الرحمن بأنه يزور خيم الحجاج، وأنّ للعزاء في عرفة موقعاً خاصاً لديه سلام الله تعالى عليه.

موقف الاعتراف بالذنب

قال الشيخ الصدوق: «وسمّيت عرفة لأن جبرئيل عليه السلام قال لإبراهيم عليه السلام، بعرفات: اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فلذلك سميت عرفة».

أهمّ ما ينبغي أن يشغل القلب في هذه الربى وعلى هذه الأعتاب، هو التفكير الجاد والجذري في حال النفس ومدى مصداقيتها.

هل أريد حقاً أن أكون مؤمناً؟

ما هو مدى الجد في خشيتي لله تعالى.

ويستعرض كل شريط حياته بوضوح، مركّزاً على العقيدة أولاً، والأخلاق ثانياً والسلوك ثالثاً، دون أدنى انطلاق في ذلك من الرضا عن النفس؛ فهو يحاسبها الآن محاسبة الشريك شريكه، ويترك التقييم النهائي إلى حيث يحين وقته.

باب العلاقة بالناس شديد الحساسية. قال تعالى: ﴿..وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ طه:111.

فمن كان يحتطب على ظهره عقوداً من ظلم أهله، ومن حوله أو هم وغيرهم، فهو ظالم.

والقاسم المشترك بينه وبين الحكام الطواغيت والظلمة خطير، وربما لو أتيح له أن يحكم لكان صدّاماً بحسبه، أو فرعوناً آخر بما يناسبه.

وباب حمل هم المسلمين في صلب تزكية النفس، فلا تسجّلنّ الملائكة على هذا القلب أو ذاك أنه ليس مسلماً، فإنّهم إن سجّلوا ذلك لم ينفعه عمل عرفة ولا غيرها.

أليس مَن لم يحمل هم المسلمين خارجاً عن دائرتهم؟؟

ألم يقل المصطفى الحبيب سيّد الرسل صلى الله عليه وآله:

«من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»؟

ولا ينفصل حمل همّ المسلمين إطلاقاً عن خفقة القلب مع مظلومية كلّ مظلوم مستضغف ولو لم يكن مسلماً، فالوقوف مع العدل وضد الظلم لا يتجزّأ.

سيجد القلب بلا أدنى ارتياب أنّه يقترب رويداً رويداً من خيمة المولى وصيّ رسول الله الإمام المهدي المنتظر، وإن لم يعرفها، بل ربّما وجد القلب أنّ الإمام بكرمه المحمّدي الإلهي قد بسط عليه غامر حنانه واللطف، وخاطب قلبه، وربما وفق المؤمن للمزيد، فالله تعالى وأولياؤه عادتهم الإحسان إلى المسيئين.

منه تعالى ما يليق بكرمه ومنّي ومنك ما يليق بضعفنا والطين والحمإ المسنون.

لزوم الصدق في الطلب

أيها العزيز، هذه عرفة، والحجّ عرفة، والقلب الضعيف لا يقوى على نور مصابيح كاشفة، فكيف يقوى على كلّ هذا التوهّج الفريد، وفيض النور الإلهي الأبهى، النور المحمّدي والكوكب الدري، والعظمة الزاهرة التي اشتقّت من نور عظمة الله تعالى.

ها هي الزيتونة المباركة التي يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور.

وها هو القلب المربد طخية الديجور.

ولا كلام لي ولك أيها العزيز، ولا بنت شفة. بل العجز المفرط ذاتي، فهل تلازمه مصداقية الإعتراف القلبي بهذا العجز؟

أمرَنا ربُّنا الرؤوف الرحيم إذا ظلمنا أنفسنا أن نقف بباب من جعله الله تعالى الرؤوف الرحيم.

وهذا باب رسول الله صلّى الله عليه وآله وصيّه المهدي في عرفات!

فهل يهتدي القلب من بين مشتبك الغرائز، وتلاطم أمواج الأهواء، وكلّ هذا الضجيج، أن يجيد الوقوف بهذا الباب؟

ولك كل الحقّ أن تقول: إن كان الوصول مطلوباً منّا، فمن ذا يمكنه الوصول؟

ولكن أيها العزيز: أليس الصدق في الطلب مطلوباً منّا؟

فهل يصدق الطلب؟ هل يصدق القلب في التضرّع مقراً بالعجز عن الوصول؟

ليس موحّداً مَن كان يظن أنه هو الذي يصل، فالأنا البغيضة تحجب التوحيد.

وليس موحّداً مَن استبدّ به اليأس وأقعده الإحباط.

إنّما الموحّد الذي أقرّ بالعجز عن الوصول، يئس من نفسه يقيناً، فإذا معقد الأمال لديه، ومعاكف الهمم، ومحط الرحال جود الله تعالى وكرمه، ولطفه عزّ وجلّ والحنان الغامر الرحيم، ليستشعر هذا القلب، أوالخرقة الباليةلا فرق- بصدق، ولو مرة واحدة، هذه الحال:

«اإلـهي اِنْ لَمْ تَبْتَدِئنِي الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفيقِ، فَمَنِ السّالِكُ بي إلَيْكَ في واضِحِ الطَّريقِ، وَإنْ أسْلَمَتْني أناتُكَ لِقائِدِ الأَمَلِ وَالْمُنى فَمَنِ الْمُقيلُ عَثَراتي مِنْ كَبَواتِ الْهَوى، وَإنْ خَذَلَني نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ، فَقَدْ وَكَلَني خِذْلانُكَ إلى حَيْثُ النَّصَبُ وَالْحِرْمانُ.

إلـهي أتَراني ما أتَيْتُكَ إلاّ مِنْ حَيْثُ الآمالِ، أمْ عَلِقْتُ بِأطْرافِ حِبالِكَ إلاّ حينَ باعَدَتْني ذُنُوبي عَنْ دارِ الْوِصالِ، فَبِئْسَ الْمَطِيَّةُ الَّتي امْتَطَتْ نَفْسي مِنْ هَواهـا، فَواهاً لَها لِما سَوَّلَتْ لَها ظُنُونُها وَ مُناها، وَ تَبّاً لَها لِجُرْأتِها عَلى سَيِّدِها وَ مَوْلاها.

إلـهي قَرَعْتُ بابَ رَحْمَتِكَ بِيَدِ رَجائي، وَ هَرَبْتُ إلَيْكَ لاجِئاً مِنْ فَرْطِ أهْوائي، وَعَلَّقْتُ بِأطْرافِ حِبالِكَ أنامِلَ وَلائي، فَاْصْفَحِ اللّـهُمَّ عَمّا كُنْتُ أجْرَمْتُهُ مِنْ زَلَلي وَخَطائي، وَأقِلْني مِنْ صَرْعَةِ رِدائي، فَإِنَّكَ سَيِّدي وَمَوْلاي وَمُعْتَمَدي وَرَجائي، وَأنْتَ غايَةُ مَطْلُوبي وَمُناي في مُنْقَلَبي وَمَثْواي». [من دعاء الصباح المروي عن أمير المؤمنين عليّ عليه صلوات الرحمن]

أيّها العزيز، والعمل الأول والأخير الذي هو في الحقيقة جوهر كلّ عمل في يوم عرفة، هو حسن الظن بالله تعالى، وطرد اليأس وسوء الظنّ به عزّ وجلّ. ففي الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «وإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر لغفَرَها اللهُ لك».

وعن الإمام الباقر عليه السلام: «ما يقف أحدٌ على تلك الجبال برٌّ ولا فاجرٌّ إلّا استجاب الله له، فأمّا البرّ فيُستجاب له في آخرته ودنياه، وأمّا الفاجر فيُستجاب له في دنياه».

ولا يقتصر الأمر في شمول الرحمة على الحاضرين، بل يمتد منهم إلى غيرهم:

قال الصادق عليه السلام: «ما من رجلٍ من أهل كورة وقف بعرفة من المؤمنين، إلّا غفر الله لأهل تلك الكورة من المؤمنين، وما من رجلٍ وقف بعرفة من أهل بيت من المؤمنين إلّا غفر الله لأهل ذلك البيت من المؤمنين».

لذلك كان أشدّ الناس جرماً مَن يقنط من رحمة الله تعالى في يوم عرفة:

وأعظم الناس جرماً من أهل عرفات الذي ينصرف من عرفات وهو يظنّ أنه لم يغفر له، يعني الذي يقنط من رحمة الله عزّ وجلّ.

وأختم هنا ببشارة لمن تكرّر حجّه ثمّ لم يوفق في بعض الأعوام للحجّ:

*قال الصادق عليه السلام: «إذا كان عشيّة عرفة بعثَ الله عزّ وجلّ ملكَين يتصفحّان وجوه الناس، فإذا فقدا رجلاً قد عوَّد نفسَه الحج، قال أحدهما لصاحبه: يا فلان ما فعل فلان؟

قال: فيقول: الله أعلم، فيقول أحدهما: اللّهمّ إن كان حبَسَه عن الحجّ فقرٌ فأغنه، وإن كان حبَسَه دَينٌ فاقضِ عنه دَينه، وإن كان حبَسَه مرضٌ فاشفِه، وإنْ كان حبَسَه موتٌ فاغفر له وارحمه».

ولا بد من التذكير بأن أعمال يوم عرفة تستغرق الوقت كله من الظهر إلى الليل، فليحرص المؤمن عليها، وليهيّئ الأدعية المتعددة لهذا اليوم، بالإضافة إلى الدعاء المركزي دعاء الإمام الحسين عليه السلام، ولا ينس دعاء عرفة للإمام السجاد عليه السلام.

 

﴿..فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ..

الإفاضة من الحضور إلى الشهود

يختتم موسم عرفة الذي يتلو في الفضل ليلة القدر كما عرفت، بالانتقال المباشر إلى موسم عبادي بالغ الفرادة والتميّز، وهو للأسف بالغ التضييع والإهمال.

إنّه الوقوف بـ«المشعر الحرام»، أي «المزدلفة»، أي «جَمْع»، فهي ثلاثة أسماء لمكان واحد عظيم الحرمة عند الله تعالى.

ولا تنفصل الحرمة عن مدى قرب من يبلغها، وحرمتِه، على أنّ بلوغَ القرب حركةُ عقل وقلب، وما الجسد إلّا براق أو حجاب، أو وسيلة مرتبة من هذا أو درْكٍ من ذاك.

إن قلتَ في الإفاضة من عرفات، إنّها الإفاضة من الحضور إلى الشهود، فلم تعْدُ الحقيقة، وإن قلت فيها إنّها بالغفلة عنها الإفاضة من الحرم إلى الحرمان، ومن القرب إلى الطرد، فقد أصبت كبد الحقيقة.

وفي محاولة التعرّف على دلالات التسميات الثلاث، لهذا المكان الواحد الذي يفيض الحاج إليه من عرفات، نجد التالي:

1)   جَمْع:

قال الشيخ الصدوق: «وسمّيت المزدلفة جمعاً لأنه يجمع فيها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين». أي يصلَّيان جمعاً فسمي المكان «جَمْع».

وفي الدعاء المروي ما يصلح تفسيراً آخر للتسمية، وهو عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد روي بصيغتين:

* «اللهمّ هذه جَمْع، اللهمّ إني أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجمع لي فيها جوامع الخير الذي جمعت لأنبيائك وأهل طاعتك من خلقك، وقد أمرتَ عبادَك بذكرك عند المشعر الحرام، فصلِّ على محمّد وآل محمّد ولا تؤيسني من خيرك وعرّفني في هذا المكان ما عرّفت أولياءك، ولا تخيّبني في ما رجوتك، وأعتقني ولوالدي ولجميع المؤمنين من النار برحمتك».

* «اللهمّ هذه جَمْع، أللهمّ إني أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجمع لي فيها جوامع الخير. اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي. وأطلب إليك أن تعرّفني ماعرّفتَ أولياءك في منزلي هذا، وأن تقيَني جوامعَ الشر».

2)  المشعر الحرام:

في الدعاء الخاص بالمشعر، ما يضيء على سبب هذه التسمية، وهو:

«فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعتَه، وذلّ لك فأكرمتَه، وجعلتَه علَماً للناس، فبلِّغني فيه مُناي ونيل رجائي، اللهمّ إنّي أسألك بحقّ المشعر الحرام أن تحرّم شعري وبشري على النار، وأن ترزقَني حياةً في طاعتك وبصيرةً في دِينِك وعملاً بفرائضك، واتِّباعاً لأوامرك وخير الدارين جامعاً».

3) مزدلفة:

روي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّ جبرئيل قال لإبراهيم عليهما السلام: «ازدلِف، فسمّيت المزدلفة».

ولعلّه توضيح من الإمام عليه السلام للمعنى بالحكمة التي تشارف السرّ، ولا مصلحة في المزيد. والله العالم.

 

حجّ النفس

من الإبراهيمية إلى المحمّدية البيضاء

كان يوم عرفة مفصلاً أبرز للعقل والقلب قبل أن يكون مفصلاً في العمر.

وسيظل لهذه اليوم حضوره الفاعل في ما نستقبل، وإن طال عنه الغياب.

من معاني الوسام النبويّ «الحجُّ عرفة» أنّ مخزن الأسرار عرفة، وأنّ سائر المناسك تطهير وإعداد، ورعاية وتظهير.

وليست أسرار عرفة للعقول، بمعزل عن القلوب، ولا العكس، فالفصل البارد بين العقل والقلب فصام الجاهلين، ومكمن لوثة الشياطين.

عرفة اعتراف، وهي معرفة، وهما جوهر واحد، لا يعرف الوجهين ولا اللسانين، مهما تعددت الوجوه، وتباينت رطانة اللسان.

﴿..فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ..﴾ يونس:32.

ولا يحجب الحقَّ حجاب، بل يحجبنا نحن عن الحقّ كلّ حجاب بقرار لا يمكن أن يشترك في اتخاذه العقل أو القلب، فضلاً عن أن يتفرّد به أحدهما.

العقل قانون، والقلب فطرة، يمكن للهوى إلغاؤهما، ولا يمكنه الفصل بينهما.

قال تعالى: ﴿لا يعقلون﴾.

وعن عليّ عليه السلام في سياق ذلك: «كم من عقل أسير تحت هوى أمير».

وقال تعالى: ﴿..بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ.﴾ المطففين:14

وقال الصادق عليه السلام في معناها: «فإذا غطّى السوادُ البياضَ لمْ يرجع صاحبُه إلى خيرٍ أبداً».

تجتاح الجيوش مواطن الأحرار، وتعيث في الأرض فساداً، ولكنها لا يمكن أن تلوي فيهم الإرادة، أو تلغي الإصرار.

ويجتاح الشرُّ بخيله ورَجِله، بقواته المؤلّلة والمشاة، كلّ معاقل العقل والقلب، وينفث على اللسان، ويغدو هو كالمحتلّ السلطان، إلّا أنّ جوهر الإنسانية يعصى على الليِّ أو الإلغاء.

وكما تهتزّ الأرض تحت أقدام المحتلّين، وتنقضُّ فوق الرؤوس الصواعق، وينجلي النقع عن فجر الاستقلال، بعد أن زاعت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وظنّوا بالله الظنونا.

كذلك هي التوبة، بل الثورة في عالم الذات الإنسانية الرحب، الذي ننسى أنّ هذه المجرّات «مسخّرات» لخدمته.

وكما هي كل ثورة رهن الظروف المؤاتية، كذلك هي الثورة الأعظم، توبة من يحسب أنه جرم صغير، وفيه انطوى العالم الأكبر.

ومن معاني الوسام النبويّ لعرفة: «الحجُّ عرفة» أنّ الظروف المؤاتية فيها لهذا التحوّل النوعيّ، تفوق كل بيان.

وهل تحقّق ذلك بحضور الحجيج، ولولاهم لما كانت عرفة إلا صحراء؟

أم أنّ في هذه الصحراء سرّاً يصوغ العقول والقلوب؟

وهل تقوى الزينة و البهارج، على ما تعجز عنه الحقيقة؟!

يوم عرفة، عودة الضالّ

تلمّس أيها العزيز القلب، واعرضه على عين العقل، تجد الفرق كبيراً، والبون شاسعاً، وأنت تودّع صحراء عرفة.

لم يتحقّق ذلك بحَولٍ مادي، وقوة بشرية، إنّها يد الغيب تبلسم الجراح، وتنقذ الغرقى في بحار الأهواء والغرائز والشهوات.

إنّه ملهم العقل والقلب والمشاعر، لتتحقّق المعرفة، كانت لديه وما تزال خير مستقرٍّ لحمل الأمانة، وفي عرفة يعيد صيانتها والصياغة، وهو أهون عليه من بعثها يوم النشور.

وما هذا الحفل البهيج في بيت الأسرة الواحدة وعلى أطرافه، ومنه وإليه، إلّا تجلّي الفرحة بعودة الضالّة، وصحوة ضمير العاق، والحنين إلى أصله والمنبت.

ولا يتّخذ الحديث في الحفل البهيج وعنه غير العفوية سبيلاً، ويعني ذلك بالتأكيد إحكام الأسس، وروعة الوصول من المقدّمات إلى النتائج.

يبدأ الحفل بالكفّ عن الشهوات، وتبلغ البداية الرجبية النهاية التي كانت ليلة القدر ميدانها، وعيد الفطر العنوان.

يسمّى الصوم هنا الإحرام، وهو الصوم المتقدّم، الذي يكشف أنّ ولوج أعتاب المعرفة رهن الموضوعية والعقلانية، وأن الغرائزية والأهواء والشهوات شيطانه الرجيم.

ولا تكتمل العقلانية مع الإقامة على الظلم فالظلم دليل استلاب العقل والقلب والمشاعر العاقلة.

وللعودة الغالية للعقل والقلب إلى أصلهما وسالف العهد، علامة، هي سلامة المشاعر.

هل ذلك هو السرّ في البدء بعرفة اعترافاً بكلّ شوائب الظلم يتوقف عليه الفوز بالمعرفة؟ ثمّ الإفاضة كما يفيض الكريم سَيبه، والأستاذ في البيان، والتلميذ مستظهراً.

الإفاضة الواعية وجناحا وعيها الذكر بما هو الدليل على الفكر، والحنان في معاملة الآخر بما هو مظهر كرامة الإنسان.

ويبلغ الحفل المشعر الحرام.

ليس الاسم غريباً وإن كنّا عنه غرباء، كم تنكّرنا لكل نبضة شعور صادقة، ولكنها لم تتنكّر لنا طرفة عين.

وهل العاقّ إلّا مًن يركب رأسه، ويفكر بما يمشي عليه؟!

الغريب عن مشاعره، رغم كلّ إلحاحها عليه وقوة الحضور، وبالغ الحدب والمواكبة.

وهل العاقل إلّا من يفقه المشاعر المعافاة ثمرة عقل وقلب، فلا يفصل بين الثمرة والشجرة فإذا هو «أحسن تقويم»،  كما لم يفصل بين شجرة العقل والقلب الواحدة أبداً، وإن راق الجهلَ شطرُهما والمسخُ النكد.

وهل القلب للمشاعر إلا المصنع؟ وهل العقل إلا المصفاة والحكم؟

بين المشاعر والمعرفة

شديد إذاً هو الربط بين المشاعر والمعرفة، يسافر القلب بالمشاعر ومنها إلى العقل، ثم يفيض منه إليها وبها، محمّلاً بما صفا وطاب.

لهذه النتيجة الحقّ شرط واحد، أن يكون سفر القلب من الميقات وبِثوبَي الإحرام، وفق الأسس التي تحدّدها ثقافة القانون، وقانون الثقافة، ليصدق القصد، أو فقل: يتحقّق الحج.

وهل من ربط بين هذين التنقلَين والسفرَين، بين بلوغ عرفة من منى عبر المشعر، والعودة منها إلى منى عبره؟

لا تهدف هذه المقاربة من بدايتها للمختتم، إلى أكثر من التساؤل.

وكما هي المشاعر الخلاصة والثمرة والنتيجة والقرار، فهذا هو المشعر الحرام متعددة منه الأسماء: المشعر. جَمْع. مزدلِفة.

والكلّ واحد؛ فالمشاعر باب البعد إن اتبعَتِ السُّبُل- كما هي باب القرب - إن اهتدتِ الصراط المستقيم- وسلامتها علامة جمع الخير كلّه.

إنّها علامة المعرفة السوية، والبناء العقلي القلبي السوي. وهي بعد علامة حمل الرسالة، والوفاء بالعهد، لتبدأ الرحلةُ في سُوح الجهاد ضد الظالمين.

ألم تكن بداية المعرفة بالتمايز عنهم؟

بعد المشعر الحرام، وادي محسِّر، ليس من اجتيازه بدّ، ولكن الهرولة أو الإسراع، الأمثل.

ماذا هناك؟!!

وادي محسّر، تذكير الحاج في بدء دورته التدريبية العملية بعد المعرفة وصياغة المشاعر، بكل فرعون، وكل دمى الفراعنة.

وادي محسّر هي ساحة الطير الأبابيل تنقضُّ على أبرهة وجيشه المؤلّل بأضخم الفيلة، بحجارة من سجّيل.

ههنا كانت واقعة أصحاب الفيل. ههنا صاروا كعصفٍ - منكَّرٍ- مأكول.

كل قاذفاتهم التي تذكِّر بها ذات الأطنان السبعة، دمرتها هذه الطيور الصغيرة بحجارة أصغر.

ليس المحور في القوة الشكل، ولا المقياس في الغلبة الكثرة.

المحور والمقياس سلامة العقل والقلب، والثمرةِ المشاعر.

هل هذا هو الدرس الذي تتولّى ساحة الوقعة بيانه؟

وهل الإسراع أو الهرولة إشارة إلى استحضار الماضي، دون الغرق.

أم أنّ الهرولة والإسراع إشارة إلى أنّ الحاضر والآتي أولى.

أم أنّهما الإشارة إلى ما ينتظر بدء الدورة، من مراحل الثورة التي لاتبدأ إلا باكتمال البراءة من الطواغيت والهرولة الجادة في البعد عن خطواتهم.

وهل رجم الجمرات إلّا تعبير عن المحتوى العقلي والقلبي وسالم المشاعر، في مواجهة الطاغوت؟

لا تجدي الثورة نفعاً ولو انضوت عليها أضالع الدهور.

بدء الثورة ترجمة الوعي إلى عمل.

لا بد من تحريك الأيدي وتهيئة القبضات.

تكتمل بالعمل دورة تعزيز النظرية، وإلّا استُلبت.

لا يُفتح سجل الثوار، المجاهدين، الأحرار إلا بالدخول من باب العمل. شرط أن يكون في الساحة والميدان.

سيقولون في الرجم الكثير، ولكنهم لا يقولون في طوابير الإزعاج في الدورات حتى اليسير.

﴿..قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ..﴾ الأنعام:91.

سيقولون في الحلق الكثير، ولكنّهم المعجبون بقوانين الجيش الصارمة، ومنها الحلق بالذات.

لا تأبه، فليس المجاهد الثائر، إلّا المنصرف إلى خدمة الناس وإن رجموه.

إن بلغت ذلك فقد بلغت مشارف الاستعداد لذبح النفس بين يدي الحقيقة، بل بلغت مشارف ذبح الابن الأغلى من النفس.

بلغت مشارف الاستعداد للإبراهيمية، وصولاً إلى المحمّدية البيضاء.

وكلّ عام وأنت بخير، فليس بعد هذا العيد عيد.

 والحمد لله ربّ العالمين.

   

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات