أحسن الحديث

أحسن الحديث

09/10/2018

موجز في تفسير سورة «الهُمَزة»

 

موجز في تفسير سورة «الهُمَزة»

«لا يجتمع المال إلّا بـإيثار الدنيا على الآخرة»

ـــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ

* السورة الرابعة بعد المائة في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد «القيامة».

* سُمّيت بـ«الهُمَزة» لابتدائها بقوله تعالى بعد البسملة: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾.

* آياتها تسع، وهي مكّية، وجاء في الرواية أنّه مَن قرأها: «نفتْ عنه الفقر، وجلبتْ عليه الرزق، وتدفعُ عنه مِيتةَ السوء».

 

قال جمع من المفسّرين إنّ آيات هذه السورة نزلت في «الوليد بن المغيرة» الذي كان يغتاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويطعن فيه، ويستهزئ به.

وقيل إنّها نزلت في أفراد آخرين من رؤوس المشركين وأعداء الإسلام، مثل «الأخنس بن شريق»، و«أميّة بن خلف»، و«العاص بن وائل».

محتوى السورة

(تفسير الميزان): وعيد شديد للمغرمين بجمع المال، المستعلين به على الناس، المستكبرين عليهم، فيُزْرون بهم، ويُعيبونهم بما ليس بعيب.

(تفسير الأمثل): هذه السورة من السور المكّية، وهي تتحدّث عن أناس كرّسوا كلّ همّهم لجمع المال، وحصروا كلّ قيم الإنسان الوجودية في هذا الجمع، ثمّ هم يسخرون من الذين لا يملكون المال، وبهم يستهزئون.

هؤلاء الأثرياء المستكبرون والمغرورون المحتالون أسكرهم الطغيان فراحوا يستهينون بالآخرين ويعيبونهم، ويتلذّذون بما يفعلون من غِيبة واستهزاء.

والسورة تتحدّث في النهاية عن المصير المؤلم الذي ينتظر هؤلاء، وكيف أنّهم يُلقَون في جهنّم صاغرين، وأنّ نار جهنم تتّجه بلظاها أوّلاً إلى قلوبهم المليئة بالكبر والغرور، وتحرقها بنار مستمرّة.

فضيلة السورة

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «من قرأ ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ..﴾ في فريضةٍ من فرائضه، نفَتْ عنه الفقر، وجلبتْ عليه الرزق، وتدفعُ عنه مِيتةَ السوء».

تفسير آيات منها

قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ الآية:1.

* الإمام السجّاد عليه السلام: «المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر ".." وأمّا العقرب فكان رجلاً همّازاً لمّازاً فمسخه الله عقرباً».

قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾ الآية:2.

* الإمام الرضا عليه السلام: «لا يجتمع المالُ إلّا بخمس خصال: بُخلٍ شديد، وأملٍ طويل، وحرصٍ غالب، وقطيعةِ رحم، وإيثار الدنيا على الآخرة».

** عن الصادق عليه السلام أنّه جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وأمّي عِظني موعظة.

فقال عليه السلام: «إنْ كان الحساب حقّاً فالجمع لماذا؟ وإن كان الخُلفُ من الله عزّ وجل حقّاً فالبخل لماذا؟..».

قوله تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ الآيتان:8-9.

الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ الكفّار والمشركين يُعيّرون أهلَ التوحيد في النّار، ويقولون: ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئاً وما نحن وأنتم إلّا سواء؟

قال: فيأنفُ لهم الربّ تعالى، فيقول للملائكة: اشفعوا! فيشفعون لمن شاء الله، ثمّ يقول للنبيّين: اشفعوا! فيشفعون لمن شاء الله، ويقول الله: أنا أرحم الراحمين، اخرجوا برحمتي! فيخرجون كما يخرج الفراش. ثمّ مُدّت العَمَد، وأُوصدت عليهم، وكان واللهِ الخلود».

قال المفسّرون

(تفسير الأمثل): «الهُمَزة»، و«اللُّمَزَة» صِيغتا مبالغة. ومن مجموع آراء اللّغويين في الكلمتين يستفاد أنّهما بمعنى، ولهما مفهوم واسع يشمل كلّ ألوان إلصاق العيوب بالناس، وغِيبتهم، والطعن والاستهزاء بهم، باللّسان، والإشارة، والنميمة، والذمّ.

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ألا أنبّئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبُرآء المعايب».

ثمّ تذكر الآية التالية منبع ظاهرة اللّمز والهَمْز في الأفراد، وترى أنّها تنشأ غالباً من كِبْر وغرور ناشئَين بدورهما من تراكم الثروة لدى هؤلاء الأفراد، وتقول: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾ بطريق مشروع أو غير مشروع. فهو انشدّ بالمال انشداداً جعله منشغلاً دائماً بِعَدِّه، والالتذاذ ببريق الدرهم والدينار.

* ﴿وَعَدَّدَهُ﴾ من «عدّ» بمعنى حسَب. وقيل من «العُدّة» بمعنى تجهيز الأموال ليوم الشدّة. على أيّ حال، هذه الآية تقصد الذين يدّخرون الأموال ولا ينظرون إليها باعتبارها وسيلة بل هدفاً، ولا يحدّهم قيد أو شرط في جمعها، حتّى ولو كان من طريق الحرام والاعتداء على حقوق الآخرين وارتكاب كلّ دنيئة ورذيلة، ويعتبرون ذلك دليلاً على عظَمتهم وشخصيتهم.

* في الآية التالية يقول سبحانه: ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾. جاءت ﴿أَخْلَدَهُ﴾ بصيغة الماضي، ويعني أنّ هذا «الهُمزة اللُّمُزة» يحسب أنّ ماله قد صيّر منه موجوداً خالداً، لا يستطيع الموت أن يصل إليه، ولا عوامل المرض والحوادث قادرة أن تنال منه، فالمال في نظره هو المفتاح الوحيد لحلّ كلّ مشكلة، وهو يملك هذا المفتاح.

القرآن الكريم يرد على هؤلاء ويقول: ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾، فليس الأمر كما يتصوّر، بل سرعان ما يُقذف باحتقار وذلّة في نار مُحْطمة.

* ﴿لَيُنْبَذَنّ﴾ من نَبَذ، أي رمْي الشيء لتفاهة قيمته. أي إنّ الله سبحانه يرمي هؤلاء المغرورين المتعالين يوم القيامة في نار جهنّم كموجودات تافهة لا قيمة لها.

* ﴿الْحُطَمَةِ﴾ صيغة مبالغة من «حَطَمَ» أي هشَم. وهذا يعني أنّ نار جهنّم تهشِم أعضاء هؤلاء. ويستفاد من بعض الروايات أنّ «الحُطَمَةَ» ليست كلّ نار جهنّم، بل هي طبقة رهيبة في حرارتها.

* عبارة ﴿نَارُ اللَّهِ﴾ دليل على عظمة هذه النار، و﴿الْمُوقَدَةُ﴾ تعني استعارها المستمرّ. والعجيب أنّ هذه النار ليست مثل نار الدنيا التي تحرق الجلد أوّلاً ثمّ تنفذ إلى الداخل، بل هي تبعث بلهبها أوّلاً إلى القلب، وتحرق الداخل، وتبدأ أوّلاً بالقلب ثمّ بما يحيطه، ثمّ تنفذ إلى الخارج.

* الآيات الأخيرة من السورة تقول: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾. و﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ من الإيصاد، بمعنى الإحكام في غلق الباب.

هؤلاء في الحقيقة يقبعون في غرف تعذيب مغلقة الأبواب لا طريق للخلاص منها، كما كانوا يجمعون أموالهم في الخزانات المغلقة الموصدة. و﴿عَمَدٍ﴾ جمع عمود، و﴿مُمَدَّدَةٍ﴾ تعني طويلة.

جمع من المفسرين قال إنّها الأوتاد الحديدية العظيمة التي تُغلق بها أبواب جهنّم حتّى لا يبقى طريق للخروج منها أبداً، وهي بذلك تأكيد الآية السابقة التي تقول: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات