الملف

الملف

09/10/2018

الظليمةَ لأمّةٍ قتلت ابنَ بنت نبيّها

الظليمةَ لأمّةٍ قتلت ابنَ بنت نبيّها

الوقائع المتّصلة بشهادة الإمام الحسين عليه السلام*

  • الشيخ حسين كَوراني

كانت شهادة الإمام الحسين عليه السلام باتفاق الروايات يوم عاشوراء عاشر المحرَّم، سنة إحدى وستّين من الهجرة النبوية، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف.

وفي تفاصيل هذه الجريمة التي أشفقت منها الملائكة قبل خلْق الخلق، يوم أطلعهم الله تعالى أنه جاعلٌ في الأرض خليفة، ما رُوي عن أبي عبد الله الصادق، قال عليه السلام:

«..وأقبلَ عدوّ الله سنان بن أنَس الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجالٍ من أهل الشام حتّى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل. فنزل سنان بن أنس الإيادي لعنه الله وأخذ بلحية الحسين عليه السلام وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول: واللهِ إني لأَحتزّ رأسك، وأنا أعلم أنك ابن رسولِ الله وخيرُ الناس أباً وأماً...».

وعن منبت سنان القاتل، روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبيه أنَس: «والله حدّثني حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم..أن في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله». وكان ابنه سنان يومئذٍ طفلاً يحبو.

ولما خرج المختار رحمه الله هرب ابن أنس إلى البصرة، فالقادسية، فأخذه المختار على مقربةٍ منها، فقطع أطرافه، وقتله بما يستحقّ، لعنه الله.

الظليمةَ الظليمة!

عن عبد الله بن قيس، قال: كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفّين وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس، فشكى المسلمون العطش، فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين.. فقال له ولده الحسين عليه السلام: «أمضي إليه يا أبتاه؟».

فقال: «امضِ يا ولدي».

فمضى مع فوارس فهزم أبا أيوب عن الماء، وبنى خيمته وحطّ فوارسه، وأتى إلى أبيه وأخبره. فبكى عليّ عليه السلام، فقيل له: ما يُبكيك يا أمير المؤمنين، وهذا أول فتحٍ ببركة الحسين؟

فقال: ذكرت أنه سيقتل عطشاناً بطفّ كربلا، حتّى ينفر فرسه ويُحمحم ويقول: «الظليمةَ الظليمة لأمّةٍ قتلتْ ابنَ بنت نبيّها».

فلما استُشهد الإمام الحسين عليه السلام، غار الفرس من بين أيدي القوم وامتنع عليهم، فوضع رأسه في دم الحسين عليه السلام، وأقبل يركض إلى خيمة النساء وهو يصهل. فلما نظر أخوات الحسين وبناته وأهل بيته رضوان الله عليهم إلى الفرس وليس عليه أحد، رفعوا أصواتهم بالصراخ والعويل.

سلْبُ ريحانة رسول الله!

وسُلب الحسين عليه السلام ما كان عليه! فأخذ قيس بن الأشعث بن قيس الكِنديّ قطيفةً له وكانت من خزّ؛ فسُمّي «قيس قطيفة».

وتقدّم إليه رجلٌ من بني تميم يقال له: الأسود بن حنظلة - لعنه الله - وأخذ سيفه، وتقدم إليه جعفر بن الوبر الحضرمي - لعنه الله - فأخذ قميصه فلبسه فصار أبرص، وأسقط شعره... وأخذ عمامته جابر بن زيد الأزدي فاعتمّ بها فصار مجذوماً، وأخذ درعه مالك بن بشر الكنديّ فلبسه فصار معتوهاً.

وارتفعت في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة، فيها ريحٌ أحمر، لا يُرى فيها أثرُ عينٍ ولا قَدَم، حتى ظنّ القوم أنْ قد نزل بهم العذاب، فبقوا كذلك ساعةً ثمّ انجلت عنهم.

نهبُ خيام آلِ النبيّ

وأقبل القوم حتى أحدقوا بالخيمة، وأقبل الشمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - حتى وقف قريباً من خيمة النساء، فقال لقومه: ادخلوا فاسلبوا... فدخل القوم فأخذوا كلّ ما كان في الخيمة، حتى أفضوا إلى قرْطٍ كان في أُذن (إحدى بنات الحسين عليه السلام) فأخذوه وخرموا أذنها، وخرج القوم من الخيمة وأضرموها بالنار.

وعنه قال: انتهيتُ إلى عليّ بن الحسين... وهو منبسطٌ على فراشٍ له وهو مريض، وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجّالة معه يقولون: ألا نقتل هذا؟.... قال حميد: «فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كلّ من جاء، حتى جاء عمر بن سعد، فقال: (ألا لا يدخلنّ بيتَ هؤلاء النسوة أحد، ولا يعرضنّ لهذا الغلام المريض، ومَن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم). فوالله ما ردّ أحدٌ شيئاً..».

ومال الناس على الورس والحُلل والإبل فانتهبوها.

رضُّ الصدر الشريف

في اليوم التاسع من المحرّم، أرسل عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً مع الشمر بن ذي الجوشن، يأمره فيه بقتال الإمام الحسين صلوات الله عليه، ومما جاء في الكتاب: «..فإنْ قُتل حسينٌ فأوطِ الخيلَ صدره وظهره... وليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قولٌ: لو قد قتلتُه فعلتُ هذا به».

فلمّا استُشهد أبو عبد الله الحسين عليه السلام، نادى عمر بن سعد في أصحابه مَن ينتدب للحسين ويوطئه فرسه! فانتدب عشرة، منهم: إسحاق بن حياة الحضرمي وهو الذي سلب قميص الحسين فبرُص بعد، وأحبش - أو أخنس - بن مرثد الحضرمي، فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره.

قال الطبريّ: «فبلغني أن أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سَهْمُ غَرْبٍ [أي لا يُدرى راميه] وهو واقفٌ في قتال، ففلق قلبه فمات».

وجاء هؤلاء العشرة عليهم لعائن الله حتى وقفوا على ابن زياد، فقال: من أنتم؟

قالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين... فأمر لهم بجائزة يسيرة.

وفي (اللهوف): «قال أبو عمر الزاهد: فنظرنا إلى هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعاً أولاد زناء. وهؤلاء أخذهم المختار فشّد أيديهم وأرجلَهم بسكك الحديد، وأوطأ الخيلَ ظهورهم حتّى هلكوا».

 

الرأس الشريف في الكوفة

بعد دخول موكب السبي النبويّ إلى الكوفة، أمر ابن زياد بعليّ بن الحسين عليه السلام وأهله فحُملوا إلى دارٍ جنب المسجد الأعظم، فقالت زينب بنت عليّ عليه السلام: «لا تدخلنّ علينا عربيةٌ، إلا أُم ولَد أو مملوكة، فإنّهنّ سُبينَ كما سُبينا».

ولما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام فدِير به في سِكك الكوفة كلّها وقبائلها. ورُوي أنه صُلب رأس الحسين صلوات الله عليه بالصّيارف في الكوفة، فتنحنحَ الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى: ﴿..إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾، فلم يزدهم -أي الجلاوزة- ذلك إلا ضلالاً.

 وفي أثر، أنهم لما صلبوا رأسه على الشجرة سُمع منه: ﴿..وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾. وسُمع أيضاً صوته بدمشق يقول: «لا قوّةَ إلا بالله».

وعن زيد بن أرقم قال: «مُرَّ به علَيَّ وهو على رمح، وأنا في غرفة، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا﴾. فقَفَّ -واللهِ- شعري، وناديت: رأسُك واللهِ -يا ابن رسول الله- أعجبُ وأعجب».  (الكهف/13، الشعراء:227، الكهف/9)

ولما فرغ القوم من التّطواف به بالكوفة، ردّوه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى جماعةٍ من جلاوزته وسرّحه إلى يزيد بن معاوية، عليهم لعائن الله ولعنة اللاعنين في السماوات والأرضين.

 

دفنُ سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه

قال المسعودي في (إثبات الوصية: ص 173): «أقبل زين العابدين عليه السلام في اليوم الثالث عشر من المحرّم لدفن أبيه، لأنّ الإمام لا يلي أمرَه إلا إمامٌ مثله».

وكان قومٌ من بني أسد يسكنون بالغاضرية، ولما أطمأنّوا برحيل جيش يزيد جاؤوا لدفن الحسين وأصحابه، ففاجأهم فارسٌ ملثّم، وهو الإمام زين العابدين، جاء من الكوفة بطريق المعجزة ليتولّى معهم مراسم دفن أبيه صلوات الله عليهما وآلهما.

وقد تعجّب بعضهم كيف حضر إلى كربلاء وهو أسيرُ قيوده في الكوفة! ولكنّهم صدّقوا أنه خرج من قيوده وذهب إلى عبد الملك في الشام! فقد نقل الزهريّ عن الموكلين بالإمام زين العابدين، الذين أخذوه إلى عبد الملك: «إنه لنازلٌ ونحن حوله لا ننام نرصدُه، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديدَه!

قال الزهريّ: فقدمتُ بعد ذلك على عبد الملك بن مروان، فسألني عن عليّ بن الحسين، فأخبرته. فقال لي: إنه جاءني في يومِ فَقَدَهُ الأعوان، فدخل عَلَيَّ فقال: (ما أنا وأنت)؟!

فقلت: أقِمْ عندي. فقال: (لا أحبّ)، ثمّ خرج، فواللهِ لقد امتلأ ثوبي منه خيفةً». (تاريخ دمشق: 41 / 372).

 

 

حفيد معاوية يتبرّأ من أفعال أبويه

لما هلك يزيد سنة 63 للهجرة ملك ابنُه معاوية. بُويع بعهدٍ من أبيه. وكان شابّاً ديّناً خيراً من أبيه. فوليَ أربعين يوماً...ومات وله ثلاث وعشرون سنة... وامتنع أن يعهد بالخلافة إلى أحد، وخلع نفسه؛ بأنْ صعد المنبر فجلس طويلاً، ثمّ حمد الله وأثنى عليه، ثمّ ذكر النبيّ صلّى الله عليه وآله بأحسن ما يذكَر به.

ثمّ قال: «يا أيها الناس، ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم... إلا أن جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر مَن كان أولى به منه ومن غيره لقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وآله»، وأثنى على أمير المؤمنين عليه السلام ثناءً ينمّ عن سلامة عقيدته وتجذّرها. وصرّح بأن جدّه وأباه معذّبان لجرائمهما بحق آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وقَتْل ذريّته.

ثم قال: «ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه، غيرَ خليقٍ بالخلافة على أمّةِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، فركب هواه ... فشأنكم أمركم فخذوه، ومَن رضيتم به عليكم فولّوه، فلقد خلعتُ بيعتي من أعناقكم، والسلام»....

ثم نزل فدخل عليه أقاربه وأمّه، فوجدوه يبكي، فقالت له أمّه: ليتك كنتَ حيضةً، ولم أسمع بخبرك!! فقال: وددتُ واللهِ ذلك، ثم قال: ويلي، إنْ لم يرحمني ربّي.

ثم إن بني أمية قالوا لمؤدّبه عمر المقصوص أنتَ علّمتَه هذا ولقّنته إيّاه، وصدَدته عن الخلافة، وزيّنت له حبّ عليٍّ وأولاده، وحملتَه على ما وسَمَنا به من الظلم، وحسّنتَ له البِدع حتى نطق بما نطق، وقال ما قال.

فقال: واللهِ ما فعلتُه! ولكنه مجبولٌ ومطبوعٌ على حبّ عليّ، فلم يقبلوا منه ذلك، وأخذوه ودفنوه حيّاً حتى مات!

وعمرُ المقصوص، ترجمته مصادر الجرح والتعديل: فهو عمر بن نعيم العَنسي، الملقّب بالمقصوص، معلّم أولاد يزيد، يروي عن الصحابيّ أبي ذرّ الغِفاريّ.

وفي (تاريخ المختصر) للملطي: «لما بايعه -أي معاوية الثاني- الناسُ قال للمقصوص: ما ترى؟ قال: إما أن تعتدِل أو تعتزل».

وذكر بعض المؤرّخين أن معاوية الثاني عملَ كلّ ما بوسعه، وضحّى بمُلكه من أجل أن يخوِّله بنو أمية إعطاء الخلافة إلى صاحبها الشرعيّ؛ الإمام زين العابدين عليه السلام. ويُحتمل أن تكون علاقته بالإمام عليه السلام، من أيام أَسْرِه في دمشق، وبواسطة أستاذه عمر المقصوص الذي هو من تلاميذ الصحابيّ الجليل أبي ذرّ الغِفاري، لكنها كانت علاقة في غاية السرية، خوفاً من بطش يزيد!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذا المتن مقتبس عن مجموعة محاضرات لسماحة الشيخ حسين كَوراني ألقاها في المركز الإسلامي/ محرّم 1432

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات