حوارات

حوارات

09/10/2018

زيارة الإمام الحسين عليه السلام «عارفاً بحقّه»

 

 زيارة الإمام الحسين عليه السلام «عارفاً بحقّه»

هجرة بدنية روحية إلى الله عزّ وجلّ

ـــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ

إنّ «أعمال زيارة سيّد الشهداء عليه السلام» من الطرق التي انتهجها أهل البيت عليهم السلام لتصحيح مسار الأمّة والبشرية من حضيض الانحراف واتّباع الأهواء إلى كمال الطاعة وحُسن آثارها على جميع الأبعاد الوجودية للإنسان، وإنّ دراسة نصوص زياراته عليه السلام بتأنٍّ ودراية تُثبت أنّها هجرة بدنية روحية إلى الباري عزّ وجلّ».

وقد قام الباحث الإسلامي فضيلة الشيخ عليّ التميميّ بتلك الدراسة في كتابه القيّم (زيارة الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه) مبيّناً الأسس والمنطلقات المعرفية والعملية للزيارة. في ما يلي اقتباسات من الكتاب تعرضها «شعائر» بأسلوب السؤال والجواب.

 

* شرَطتْ الروايات عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام حصول الزائر لسيّد الشهداء عليه السلام على الآثار العظيمة للزيارة بقيد «عارفاً بحقّه»، منها ما عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «مَن أتى قبر الحسين زائراً له عارفاً بحقّه يريد به وجهَ الله والدارَ الآخرة غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر». لمَ كان هذا القيد؟

ج: يتّضح ذلك من خلال أمور عدّة، منها:

أوّلاً: إنّ المعرفة في القرآن والسنّة هي نبراس من يريد سلوك جادّة الحقّ، وبهذا ضَمِن للحقّ امتناعه عن التزوير والتحريف، لأنّ كلّ من حاول التحريف والتزوير كان منحرفاً في أصل مشروعه وحركته المعرفية، فيكون كذبه ظاهراً ﴿..وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ..﴾ (محمّد:30)، فمَن أراد الحقّ فإنّه لا يجد عن المعرفة بدلاً، فيكون صادقاً ومقبولاً على الدوام، وهكذا من يريد زيارة الحسين عليه السلام بحسب حقيقتها فإنّه لا يجد عن المعرفة بدلاً.

ثانياً: المعرفة هي أساس الاعتقادات، والأخيرة ليست مجرّد معلومات وشعارات، وإنّما هي معلومات عُقد عليها القلب لحبّه ومعرفته إيّاها، وهكذا أيضاً زيارة الحسين، فهي إمّا أن تكون مجرّد شعار ومعلومات، أو معلومة عُقد عليها القلب وأحبّها، وهو ما لا يكون إلّا بالمعرفة في قلبٍ طاهر.

ثالثاً: المعرفة هي الحدّ الفاصل بين التقليد والعبودية للهوى والشيطان، وبين الحكمة والعبودية لله سبحانه، إذ بالمعرفة يحتكم الإنسان في حركته إلى حقائق الأمور في نفسها لانكشافها لديه، فيتعامل معها كما هي، بينما من يسلك غير طريق المعرفة لا يتعامل مع الأمور كما هي، وإنّما يتعامل معها على الفرض والتخمين، ولذا يكون دائماً على خطأ وضلال.

* قلتم إنّ البحث في روايات الزيارة الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام يُفضي إلى نتائج كثيرة تمتد إلى جوانب عديدة من حياة الإنسان، فما هي هذه الجوانب؟

ج: نجد في تلك الروايات إشارات كثيرة إلى مفردات لا علاقة لها بأصل هذه الزيارة أو تلك، كإشارتها إلى نتائج الانحراف عن نهج أهل البيت عليهم السلام. أو إشارتها إلى حوادث تاريخية مُغيَّبة،  أو إشارتها إلى سلوكيّات ونفسيّات القريبين أو البعيدين من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، أو إشارتها إلى علومٍ مجهولة لا يعلمُها مَن غرِق في براثن المادّة، وغير ذلك ممّا يصلح أن يكون بحثاً مستقلاً.

إنّ روايات الزيارة شبكة متكاملة من «معالجات كونيّة» تفوق البُعد الفرديّ والاجتماعيّ، وتفوق البُعد الدنيويّ، وتفوق البُعد البرزخيّ أو الحسابيّ، تفوق كلَّ هذه الأبعاد لأنّها عروجٌ متعدّد الطُّرُق والأنحاء إلى الله سبحانه وتعالى !والأهمّ في ذلك أنّ بعضاً منها ينتهي إلى مشاهد من القُربِ والعطايا لا نظير لها في شيءٍ من العبادات .

* ما هي الأسس والمنطلقات المعرفية لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام التي تبيّنت لكم من خلال استقراء روايات الزيارة؟

ج: تبيّن لي من ذلك أُسُس معرفيّة سبعة، هي:

أوّلاً: أنّ المزور الحقيقيّ هو الله سبحانه وتعالى.

ثانياً: أنّ زيارة الإمام عليه السلام من المِنن الإلهية على عباده.

ثالثاً: أنّ زيارته عليه السلام مناسبة للتذكير باصطفاء الله واختياره لأوليائه.

رابعاً: أنّ زيارة الحسين عليه السلام أوسع أبواب الخير الإلهي.

والأساس الخامس: أنّ زيارته عليه السلام من حقوق أهل البيت صلوات الله عليهم. والسادس: أنّ زيارته عليه السلام صِلة مستمرة بالله تعالى وبأوليائه.

والأساس السابع والأخير: أنّ زيارته عليه السلام مشحونة بألوانٍ من القُرب والصلاح.

* كيف استفدتم من روايات زيارة الحسين عليه السلام أنّ المزور الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، واعتبرتموه الأساس المعرفيّ الأوّل لها؟

ج: إنّ زيارات الإمام الحسين عليه السلام مشحونة بعبارات التوجّه والانقطاع الى الله سبحانه وتعالى، يتّضح ذلك إذا ما استعرضنا صورة إجمالية مختزَلة من إحدى الزيارات، وهي الزيارة السادسة عشرة على ما جاء في كتاب (كامل الزيارات) لابن قولويه بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال الصادق عليه السلام: «إذا أردتَ المسيرَ إلى قبر الحسين عليه السلام... اغتسلْ قبل خروجك، وقل حين تغتسل: اللّهُمّ طهّرني وطهّر قلبي، واشرح لي صدري، وأجرِ على لساني ذِكرَك ومدحتَك والثناءَ عليك..».

ثمّ يقول الإمام عليه السلام: «فإذا خرجتَ فقل: اللّهُمّ إنّي إليك وجّهتُ وجهي، وإليك فوّضتُ أمري، واليك أسلمتُ نفسي، وإليك ألجأتُ ظهري..».

كذلك يقول الإمام موجّهاً الزائر: «ثمّ قل: بسم الله وبالله، ومن الله وإلى الله، وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، على الله توكّلتُ وإليه أَنَبْتُ..». وهكذا إذا تتبّعتَ مراسم الزيارة على ما يصفها أبو عبد الله الصادق عليه السلام ستجد أنّها مشحونة بذكر الله تعالى والتوجّه إليه، بما في ذلك صلوات الزيارة، والتكبيرات، وغير ذلك من الأذكار.

* كيف عبّرت الروايات عن أنّ زيارة سيّد الشهداء عليه السلام تذكير بالاصطفاء الإلهي له عليه السلام؟

ج: في روايات الزيارة إشارات معرفية واضحة إلى ذلك:

الإشارة الأولى: التأكيد على وقوع الاصطفاء الإلهي في الذرّية الطاهرة، ولذا نجد في كثير من زيارات سيّد الشهداء البدء بالسلام عليه ومخاطبته بـ«يا ابنَ رسول الله»، وأنّه «الطُّهر الطاهر من طُهرٍ طاهر»، وأنّه «صفوة الله»، وأنّه «ابنُ خالصة الله» و«ابن خِيَرة الله»، ولذا جاء متواتراً: «السلام عليكَ يا وارثَ آدمَ صفوةِ الله... أشهدُ أنّك كنتَ نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة..»..

الإشارة الثانية: التأكيد على اصطفائه عليه السلام لمقام الإمامة، وهو ما عبّرت عنه روايات الزيارة بالصريح، أو ببيان بعض جهات وخصائص الإمامة، فمن ذلك توصيفه بـ«حجّة الله»، و«الوصيّ»، و«إمام الهدى»، و«خيرة الله»، و«الشاهد لله على خلقه»... وأنّ «ميراث النبوّة عنده وعند أهل بيته»..

الإشارة الثالثة: التأكيد على لوازم الاصطفاء الإلهي، وهي عبارة عن وظائف ومقامات لا تكون إلّا في عباد الله المصطفَين على دينه وعباده، من قبيل الشهادة أو الإخبار عن: أنّه «صادق صِدّيق». أو أنّه قد «أمر بالقسط والعدل ودعا إليهما»، وأنّه قد «دعا إلى الله وإلى رسوله»، وأنّ «الحقّ معه وإليه»، وأنّه «أهله ومعدنه»، وهذا كلّه يعني نتيجة كبرى، هي: «أنّ رضاه من رضا الرحمن، وسخَطه من سخط الرحمن».

الإشارة الرابعة: التأكيد على مقامات التفضيل الإلهي المترتّبة –ظاهراً- على وفاء وإيفاء سيّد الشهداء مع ربّه سبحانه وتعالى، وهو ما جاء في تعبيرات، منها: أنّ زيارته عليه السلام «زيارة الله تبارك وتعالى»، والتوجّه إليه «توجّه إلى الله سبحانه وتعالى»، وأنّه «ثأر الله»، و«قتيل الله»، و«وِترُ الله الموتور». ومنها: أنّ «دمه سكَنَ في الخلد، واقشعَرّتْ له أظِلّةُ العرش». ويمكن أن نجد الكثير غير هذه المفردات التي ذكرناها في هذه المحاور الأربعة، ولكن فيما ذكرناه كفاية..

* من الطبيعي أن تكون زيارة سيّد الشهداء عليه السلام أوسع أبواب الخير الإلهي كما قلتم في الأساس المعرفي الرابع، ولكن علام استندتم في ذلك؟

ج: اعتقادنا بهذا الأساس يستند إلى أمور، منها:

أوّلاً: تعدّد وتنوّع التراكيب اللفظية الواردة في الروايات المرتبطة ببيان آثار زيارة سيّد الشهداء عليه السلام ونتائجها، والصحيح أنّ تلك التراكيب المتنوّعة تدلّ على نتائج وآثار متنوّعة أيضاً، فليس هذا التنويع اللفظي خالياً من الحكمة الواقعية، وأمثلة هذه التراكيب متنوّعة وكثيرة.

ثانياً: اختصاص زيارة سيّد الشهداء بالعديد من الأحكام والآثار الخاصّة، وهو ما يؤكّد التنوّع في آثار زيارته عليه السلام.

ثالثاً: الروايات المرتبطة بالحثّ والترغيب بزيارته عليه السلام من الكثرة والاستفاضة مع استنادها إلى تعبيرات وألفاظ صريحة ومهمّة في بيانها لأهمّية زيارته، تلزمنا بالاعتقاد بالأساس المذكور! ومن شواهد ذلك ما ورد في زيارته عليه السلام من أنّها من «البرّ برسول الله» ومن «الصِّلة به» صلّى الله عليه وآله، وببضعته الزهراء عليها السلام، وبالأئمّة عليهم السلام، وأنّها ممّا يُدخل السرور على النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وأنّها من الجهاد...

* صرّحت بعض الروايات بأنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام واجبة ومفترضة! فما المراد بهذا الوجوب والفرض؟ هل هو بمعناه الاصطلاحي المعهود في علم الأصول؟

ج: هناك أوجه عدّة محتملة لذلك:

الأوّل: ما عن بعض مشايخنا من أنّ المراد بهذا الوجوب أو الفرض هو مجموع شيعتهم، فليست هي واجبة على كلّ فرد منهم، بل على مجموعهم، فلو أدّاها بعضهم سقط ذلك الوجوب عن الجميع وبقي استحبابها.. ولكن هذا خلاف ظواهر الروايات، إذ إنّ طبيعة الأمور الشرعية العموم لكلّ الأفراد، لا سيّما مع اصطباغها بصبغة الولاء لحُجج الله سبحانه.

الثاني: أن يقال إنّ هذا الوجوب مشروطٌ بشرط الإيمان بالولاية، وهو متناسب جدّاً مع خريطة التكاليف التي أخذت في حسبانها الاستعداد الذاتي والروحي لدى الإنسان، ولذا نجد أنّ تعجّبهم عليهم السلام ممّن ترك زيارة سيّد الشهداء كان مرتبطاً بمن يدّعي أنّه من شيعتهم.

الثالث: أن يقال إنّ هذا الوجوب ناشئ من نفس خصائص وآثار زيارة سيّد الشهداء باعتبارها ممّا يحفظ دين الإنسان وإيمانه من التقهقر والنقصان، لأنّ الإنسان بحسب طبيعته بحاجة متواصلة إلى ديمومة إيمانه وتناميه، وإلّا لم يستطع مواجهة ما يُستحدث ويستجدّ من وساوس النفس الأمّارة بالسوء ومكائد الشيطان، ولذا جاءت زيارته عليه السلام -بما تتضمّنه من معانٍ وجوانب معرفية كثيرة- للحفاظ على الدين والإيمان، وهو أمر واجب.

الرابع: أنّ زيارة قبره الشريف قد تحوّلت من طابعها الاعتيادي الخاصّ عند زيارة القبور إلى طابع آخر، هو طابع المناواة والإغاظة للمنحرفين، وهذا من درجات الجهاد، ولذا واجهها الطرف الآخر بالشدّة والعنف، ولكنّهم لم يجنوا شيئاً إلّا الخيبة والخسران، لثبات أئمّة أهل البيت وشيعتهم على مواصلة الزيارة إلى درجاتٍ لا تخلو من رائحة الفرض! وهو ما أنتج «جواز ترك التقية» في زيارته عليه السلام.

والأرجح من هذه الأقوال هو القول الثاني.

* ماذا تقولون كخلاصة لما تقدّم من حديث؟

ج: أقول: إنّ الزيارة التي ورد الحثّ عليها بنحو لافت للانتباه، والمرتّب عليها الكثير من الآثار الكبرى إنّما تُعرف من العارفين بها، الآمرين بها، وهم الأئمّة عليهم السلام. وقد ذكرنا في ما مضى الأسس المعرفية المستفادة من كلماتهم، وهي بمثابة الحدود التعريفية لحقيقة زيارته، ولذا فما يرد من آثار ونتائج كبيرة ينبغي أن يُحمل على زيارته بحسب هذه الحدود الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام.

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات