فكر و نظر

فكر و نظر

09/10/2018

أخلاق المسيرة الحسينية

أخلاق المسيرة الحسينية

العلّامة الشهيد الشيخ نمر باقر النمر*

 

الإمام الحسين عليه السلام هو وارث الأنبياء جميعاً؛ من آدم عليه السلام إلى جدّه المصطفى رسول الله صلّى الله عليه وآله. لذا، فإنّ الآيات القرآنية التي تخاطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وتبيّن سجاياه وخصاله تشمل الإمام الحسين عليه السلام.

فالخُلق العظيم، والرحمة والرأفة النبويّان قد ورثهما سيّد الشهداء صلوات الله عليه عن جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وهذه الأخلاق النبويّة تجسدت في ثورته ونهضته وصراعه مع أعدائه. وفي مثل تلك اللحظات تبرز أهمية الأخلاق. فالحرب عبارة عن حياة أو موت، لذلك يستخدم الإنسان في الحروب كل ما يمتلك من قدرات، وإمكانات، وأسلحة للانقضاض على عدوه والقضاء عليه، ولا يلتزم بأخلاق، ولا بدين، ولا بقِيم؛ وهو ما نلاحظه في التاريخ، أو في الواقع المعاصر.

تأمّلوا كيف تعامل أعداء الإمام الحسين معه، وكيف تعامل هو عليه السلام مع أعدائه.

عندما التقى الإمام الحسين بالجيش الذي كانت مهمته الحؤول دون دخوله إلى الكوفة، كانوا على مشارف الموت من العطش، لكنّ الإمام الحسين سقاهم من الماء الذي معه، بل حتّى رشّف خيول الجيش الذي جاء لمنعه وقتله إذا اضطرّوا لذلك كما أمرهم ابن زياد. نعم، سقى الإمام الحسين جيش الحرّ الرياحي وخيلهم مع علمه بشديد حاجته إلى الماء. فعل ذلك، لكي يُعلِّم البشرية جمعاء درساً في أخلاقيات الحروب لا يُنسى أبداً.

 وهكذا كان منهج مسلم بن عقيل في الكوفة: لم يغدر، ولم يخدع، بل التزم أخلاق النبيّ وأمير المؤمنين والحسنين سلام الله عليهم أجمعين. هكذا كانوا يتعاملون مع الناس، يعفون عمّن ظلمهم، كان العفو سجيّتهم. طبيعة مترسّخة وراسخة في سلوك الحسين سلام الله عليه، وأهل بيته، والرسول قبل ذلك هو المعلّم لهم جميعاً.

لاحظوا الفارق! كم هي الهوّة بين مَن يسقي خيول أعدائه من الظمأ، وبين مَن يمنع الماء عن الطفل الرضيع، فضلاً عن سيّد الشهداء، وهو الأَولى بشرب الماء من الجميع.

هذه الأخلاقيات انتهجها الإمام الحسين لكي تكون نموذجاً لنا في جميع المجالات. إذا كانت الحرب، وهي أعقد المجالات، لا بدّ أن ترتكز على الأخلاق، فبطريقٍ أولى أن تكون الأخلاق ركيزة المجالات الأخرى أيضاً.

أزمة الأخلاق في العالم المعاصر

مشكلة البشرية اليوم تكمن في انعدام روح الأخلاق. الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية منشأها التنكُّر للأخلاق والقِيَم. نظرية ميكيافلي في السياسة، ونظرية رأس المال في الاقتصاد. والحصيلة أنّ اثنين بالمائة من سكان العالم يمتلكون ثمانين بالمائة من موارده عن طريق: الاستغلال، والاحتكار، والكذب.

الولايات المتحدة هي دولة رأس المال التي تبحث عن الرفاه على حساب شعوب العالم أجمع، مع ذلك ترى أن الفقر المدقع يعشعش في أحشائها، وينتج عن ذلك تفشّي الجريمة في أرجائها.

وهكذا في المجال الاجتماعي: يروّجون للترفيه على حساب الآخرين؛ فتُهتك الأعراض وتشيع أخلاقيات الفسق والفجور بغرض التسلية.

هذا هو حال البشرية اليوم؛ شريعة الغاب، القويّ يأكل الضعيف، وصراع مِنْ أجل البقاء، الكلّ ينهب، ويعتدي، لكي يبقى ويعيش. لأجل ذلك، لا بدّ من إعادة النظر في أخلاقيات هذه الأمّة، وإحياء الأخلاقيات التي أسّس لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارمَ الأخلاق». ولا يخفى أن أصل هذه المكارم هو التوحيد، لكن السلوكيات أيضاً منها.

النهضة الحسينية مشروع أخلاقي

 المسيرة الحسينية انطلقت من أجل الأخلاق، وبنيانها أساسُه الأخلاق، لكي يأمن الضعفاء، وتشيع الفضائل الرادعة على الصعد كافة. حتى مع الأعداء، كما فعل الإمام الحسين عليه السلام، حذّرهم وأنذرهم، خطابٌ تلو خطاب، لكنه لم يبدأهم بحرب. كان بإمكانه عليه السلام أن يُجعجع بجيش الحرّ ويفنيه عن بكرة أبيه، وأن يُبيد كلّ قوة تأتيه قبل اكتمال جمْعهم، لكنه لم يبدأهم بقتال؛ لأن المعيار ليس النصر الظاهري، وإنما  النصر الحقيقي على منهاج أمير المؤمنين الإمام عليّ، والإمام الحسن عليهما السلام.

من أهداف المسيرة الحسينية إيقاظ الناس وتعريفهم إلى أخلاقيات الإسلام، وتحذيرهم من الطرف الآخر الذي تنعدم فيه الأخلاق، وما يترتّب على ذلك من فساد المجتمعات وانهيارها. ولهذا خاطب من قبلُ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام الأمّة بقوله: «فأيمُ الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني أميّة، واللهِ ليَسومونكم سوءَ العذاب...». وكان كما حذّر عليه السلام، فهدم الأمويون الكعبة، ورموها بالمنجنيق، واستباحوا مدينة رسول الله ثلاثة أيام متتالية.

لقد تمكّن الإمام الحسين عليه السلام بأخلاقه النبوية، وبأخلاقيات ثورته أن يحرّك شيئاً في ضمير الأمّة النائم. ولذلك يتوجّب علينا نحن أيضاً أن نقتبس تلك الأخلاق، فتكون أساس تصرفاتنا وسلوكياتنا؛ في البيت، في العمل، في الحرب، في السِّلم، في الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، ومع الأصدقاء، وحتى مع الأعداء.

هذه هي أخلاقيات الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام. أنتم سمعتم حينما تمكّن «حزب الله» في جنوب لبنان من دحر الجيش الصهيوني، كان هناك عملاء لبنانيون ساعدوا الصهاينة في عدوانهم، فكيف كانت أخلاقيات أولئك المجاهدين في التعامل مع العملاء؟ كانت مستمدّة من أخلاق الحسين عليه السلام، ومن عناوينها أنّ الأسير يُعامَل بإنصاف.

فإذا كنا حسينيّين حقاً، يجب أن نلتزم بوصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام: «كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم» «كونوا زَيناً لنا، ولا تكونوا شَيناً علينا». فلنَتحلّ بالرحمة، والعاطفة، واللّين، وحبّ الهداية لأعدائنا. اللّهم إلّا المعاند الذي طُبع على قلبه.

الالتزام بأخلاق سيّد الشهداء، هو تخلّقٌ بأخلاق السماء، وهذا وحده كفيلٌ بنشر رسالة الإمام الحسين عليه السلام في جميع مناحي الحياة.

 _________________________________________

 * المقال مختصر عن محاضرة لسماحته، ألقاها في شهر محرّم من العام 1422 هجرية

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات