الملف

الملف

منذ 5 أيام

قراءة في (سيرة ابن إسحاق) و(مغازي الواقدي)

قراءة في (سيرة ابن إسحاق) و(مغازي الواقدي)

أصول السيرة النبوية وتطوّراتها في القرنين الأوّل والثاني

  • العلامة الشيخ محمّد هادي اليوسفي

* لا شكّ في الاهميّة الكُبرى التي كانت لأقوال النبيّ صلّى الله عليه وآله وأعماله في حياته، وأكثر منها بعد وفاته. ومن الطبيعي أنْ تورِث هذه الأهمّية عنايةً بتدوين تفاصيل حياته وجمْع الأخبار والأحاديث عنه صلّى الله عليه وآله، وطبيعي أيضاً، أن يكون بعض الصحابة قد تفوَّق على أقرانه في علمه بسيرته ومغازيه.

المقالة أدناه، مختصر لما أورده المحقّق الشيخ محمّد هادي اليوسفي في الجزء الأوّل من كتابه (موسوعة التاريخ الإسلامي) في التعريف بأشهر مَن كتب في سيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله.

«شعائر»

 

 

أوّل من صنّف في السيرة النبوية هو عُروة بن الزبير بن العوّام (ت: 92 هـ)... ثمّ تنبّه إلى جمع أخبارها والتحديث بها وهب بن منبّه اليمني (ت: 110 هـ)، ثمّ عاصم بن عمر بن قتادة (ت: 120 هـ)، ثمّ (جماعة من التابعين وتابعيهم)، ثمّ محمّد بن إسحاق بن يسار المدني (ت: 153 هـ)، ثمّ راويته زياد بن عبد الملك البَكّائي (ت: 183 هـ)، ثمّ محمّد بن عمر بن واقد المعروف بالواقدي صاحب كتاب المغازي (ت: 207 هـ)، ثمّ راوية ابن زياد البكّائي عن ابن إسحاق: عبد الملك بن هِشام الحِمْيَري اليمني البصري (ت: 218 هـ).

ولم يصلنا من كُتب هؤلاء شيء سوى (سيرة ابن إسحاق) برواية ابن هشام عن البكّائي عن ابن إسحاق، و(مغازي الواقدي).

وإلى جانب هؤلاء ظهر مَنْ لم يقتصر على أخبار سيرة الرسول صلّى الله عليه وآله، بل جمع إليها أخبار الجاهليّة قبل الأسلام، ثمّ أخبار الخُلفاء بعده، أو جمع أخبار بعض الخُلفاء، أو الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام فقط، فكانوا مؤرّخين بالمعنى العامّ. منهم: أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (ت: 157 هـ)، ومحمّد بن جرير الطبري (ت: 310 هـ).

الأثر الباقي في السيرة

عرفنا أنّ الكتابة في سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله كانت قد حصلت في التابعين وتابعي التابعين، ولكنّها لم تكن كثيرة، بل لا تعدو أن تكون صُحفاً فيها بعض الأخبار عن سيرة المختار صلّى الله عليه وآله.

أمّا الكتاب الذي كُتبتْ له الموفّقيّة والنجاح وشهرة الاعتماد والوثوق فهو (سيرة محمّد بن إسحاق)، التي ألـّفها في أوائل أيـّام العبّاسيّين. ثمّ أصبح ابن إسحاق في الحقيقة عُمدة المؤلّفين في السيرة، فما من كاتب في هذا الباب إلّا وهو مستمدّ منه وراوٍ عنه، اللهمَّ إلاّ ما نأتي عليه من (مغازي) الواقدي ورواية كاتبه ابن سعد عنه، وما رُوي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

 

عمل ابن هشام في سيرة ابن إسحاق

بعد نحو نصف قرنٍ من وفاة ابن اسحاق، جاء عبد الملك بن هشام الحِمْيَري البصري، فروى سيرة ابن إسحاق برواية زياد بن عبد الملك البكّائي، ولكنّه لم يروها كما هي، بل تناولها بكثير من التمرير والاختصار والإضافة والنقد أحياناً، والمعارضة بروايات أُخر لغيره، عبَّر عن أعماله هذه بقوله في صدر سيرته: «وأنا إن شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم، ومَن ولَد رسولَ الله من وُلده... وتاركٌ ذكر غيرهم من وُلد إسماعيل للاختصار... وتاركٌ بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب ممّا ليس لرسول الله فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سبباً لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيراً له ولا شاهداً عليه، لما ذكرت من الاختصار، وأشعاراً ذكرها لم أرَ أحداً من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به (!) وبعض يسوء بعضَ الناس ذكرُه (!) وبعض لم يُقرّ لنا البكّائي بروايته (!) ومُستَقْصٍ ما سوى ذلك منه».

إذاً فقد أسقط ابن هشام من عمل ابن إسحاق: تأريخ الأنبياء من آدم إلى إبراهيم عليهما السلام، ومِن وُلد إسماعيل مَن ليس في عمود النسب النبويّ الشريف، كما حذف من الأخبار ما يسوء بعض الناس! ومن الشعر ما لم يثبت لديه. ولكنّه زاد فيه ما ثبت لديه، ولذلك نُسبت السيرة إليه وعُرفت به، حتّى لا يكاد يُذكر ابن إسحاق معه، فقد عُرفت (سيرة ابن إسحاق) بين العلماء منذ عهدٍ بعيد باسم (سيرة ابن هشام)، لما له فيها من رواية وتشذيب.

مغازي الواقدي

أمّا الواقدي محمّد بن عمر بن واقد، فقد ذكر تلميذه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) أنـّه وُلد في المدينة سنة 130 أي بعد خروج ابن إسحاق منها بخمسة عشر عاماً، ولذلك لم يَرْوِ عنه.

وكثيراً ما يقدِّم لنا الواقدي قصّة الواقعة بإسنادٍ جامع، وإنّ ما أورده في الكتاب من التفاصيل الجغرافيّة لَيوحي بجهده ومعرفته للدقائق في الأخبار التي جمعها في رحلته إلى شرق الأرض وغربها طلباً للعلم. وقد رُوي عنه قوله: «ما أدركتُ رجلاً من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولىً لهم إلّا سألته: هل سمعتَ أحداً من أهلك يُخبرك عن مشهده وأين قُتل؟ فإذا أعلمني مضيتُ إلى الموضع فأعاينه، وما عَلِمتُ غزاةً إلّا مضيت إلى الموضع فأعاينه، حتّى لقد مضيتُ إلى (المريسيع) فنظرت إليها».

وعن هارون الغرويّ، قال: «رأيت الواقديّ بمكّة ومعه رَكْوَة فقلت: أين تريد؟ قال: أريد أن أمضي إلى حُنين، حتّى أرى الموضع والوقعة».

وقال عنه ابن النديم في الفهرست: «كان عنده غلامان يعملان ليلاً ونهاراً في نسخ الكُتب».

حول تشيّع الواقدي وابن اسحاق

قال ابن النديم في (فهرسته) عن الواقدي: «كان يتشيّع، حسن المذهب، يلزم التقيّة، وهو الذي روى أن عليّاً  عليه السلام كان من معجزات النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ كالعصا لموسى وإحياء الموتى لعيسى بن مريم عليهما السلام..».

ونقل هذا القول عنه السيّد الأمين العاملي صاحب (أعيان الشيعة) وترجم له. وكذلك ذكره آقا بزرك الطهراني في (الذريعة)، بينما لم يذكره الشيخ الطوسي في (فهرسته) ولا (رجاله) ولا ذكر كتاباً من كُتبه، حتّى (مقتل الحسين عليه السلام).

ومن الطريف أن يلاحَظ أنّ ابن إسحاق أيضاً كان يُنسَب إلى التشيّع. ولعلّ السبب في وصفهما بالتشيّع لا يرجع إلى عقيدتهما الشخصيّة، بل إلى ما ورد في كتابيهما من الأخبار التي يعرضانها ممّا تقتضيه طبيعة التأليف في مثل هذه الموضوعات، لا عن عقيدة صحيحة بها، وإلى ما أورداه في بعض المواضع من كتابيهما بشأن جماعة من الصحابة، منهم بعض الخلفاء، فيذكرانهم بعبارات لا تضعهم في الموضع المعتبر لهم عند فريقٍ من المسلمين.

والعجيب أنـّك لا تجد شيئاً من هذا التشكيك في عبد الملك بن هشام الحِميري، مهذِّب سيرة ابن إسحاق، فلو كان العيب في هذا الباقي من سيرة ابن إسحاق لشمل الشكّ ابن هشام أيضاً. وعندئذ نطمئنّ إلى أنّ العيب ليس في هذا الباقي، بل في ما قال عنه ابن هشام: «..وتاركٌ بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب... أشياء بعضُها يشنعُ الحديث به، وبعضٌ يسوءُ بعضَ الناس ذِكرُه...».

ونحن إذا استثنينا هذين «المتّهمين» بالتشيّع، لم يبقَ لعامّة المسلمين شيءٌ يُذكر في السيرة ولا المغازي.

 

تدوين السنّة النبويّة

  • أحمد حسين يعقوب*

الكتابة والتدوين من الأمور المألوفة في كلّ مجتمع، ومن أبرز المظاهر الحضارية التي تسالمت على ضرورتها المجتمعات البشرية. ومن المتّفق عليه بين المؤرّخين أن تدوين السنّة النبويّة كان أمراً مألوفاً ومستقرّاً وشائعاً في أواسط المسلمين أيامَ حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

روى سُليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «كنتُ إذا سألت رسولَ الله أجابني، وإن فَنيتْ مسائلي ابتدأني، فما نزلتْ عليه آيةٌ... إلّا أقرأَنيها وأملاها عَلَيّ وكتبتُها بيدي... فما نسيتُ آيةً من كتابِ الله، ولا عِلماً أملاه عَلَيّ وكتبتُه..».

وأنجز أمير المؤمنين مهمّة تدوين السنّة الطاهرة، وجُمعت في صحيفة طولها سبعون ذراعاً، بخطّ عليّ وإملاء الرسول، يتوارثها الأئمّة من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وفيما عهد رسول الله إلى أمير المؤمنين بكتابة سنّته وتدوينها، أمر في الوقت نفسه كلّ قادرٍ، بالكتابة والتدوين. فكان الرجل من المسلمين يمتلك مدوّنة أو أكثر تتضمّن شيئاً من حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله.

روى البخاري أنّ رجلاً من أهل اليمن قال: أُكتب لي يا رسول الله. فقال النبيّ: «أكتبوا لأبي فلان».

وروى الترمذي أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبيّ فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ، فقال له: «استعِن بيمينك»، وأومأ بيده، أي خُطّ.

لكن بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله، شرع «الأمر الواقع» في عملية إبادة الإرث النبويّ، ومنه سُنّته المدوّنة، فرفعت «دولة بطون قريش» شعار «لا كتابَ مع كتاب الله»!

قال عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبوه من أركان دولة بني أمية: «كنتُ أكتب كلّ شيءٍ أسمعه من رسول الله، أريد حِفظَه، فنهتني قريش»!

كما أن (فلان) نفسه كتب بيده خمسمائة حديث، لكنه عمد إلى إحراقها بعد وفاة الرسول عملاً بتوجّهات دولة بطون قريش.

وقال ابن سعد في طبقاته: «إنّ أحاديث رسول الله قد كثرت على عهد (فلان)، فناشد الناس أن يأتوه بها، فلمّا أتوه بها أمر بحرقها»، وحُرقت فعلاً..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث إسلامي من الأردن

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  اجنبية

اجنبية

منذ 4 أيام

اجنبية

نفحات