تحقيق

تحقيق

09/12/2018

ثورة المختار الثقفي

ثورة المختار الثقفي

«وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام»

______ إعداد: «شعائر» ______

* انطلقت ثورة المختار الثقفي للاقتصاص من قتلة سيّد الشهداء عليه السلام سنة 66 هجرية في الكوفة، وكان شعارها «يا منصورُ: أَمِتْ»، والإذن بها من محمّد بن أمير المؤمنين (ابن الحَنفية)، وفي بعض الروايات أنّ الإذن كان من الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام.

* هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، أبو إسحاق، وُلد في السنة الأولى من الهجرة النبويّة. اشتهر بقيادته إحدى أشهر الثورات الموالية لأهل البيت عليهم السلام، حيث تمكّن من الاقتصاص من معظم قتلة الإمام الحسين عليه السلام: عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وسنان بن أنس، وحرملة بن كاهل، وغيرهم.

* روي أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام، دعا رافعاً يديه، على حرملة بن كاهل الأسدي، قاتل الطفل الرضيع: «اللّهُمّ أَذِقْهُ‏ حَرَّ الحَدِيد، اللّهُمّ أَذِقْهُ حَرَّ النّار»، وقد حقّق الله عزّ وجلّ هذا الدعاء على يد المختار الثقفي.

* استُشهد المختار الثقفي رضوان الله عليه، سنة 67 هجرية، على يد مصعب بن الزبير، بعد أن أقام حكومته في الكوفة ثمانية عشر شهراً. دُفن في مسجد الكوفة، إلى جوار الشهيد مسلم بن عقيل، وقبره مزارٌ مقصود طيلة أيام السنة.

* هذا التحقيق، تعريف موجز بأهم وقائع ثورة المختار، تمّ إعداده استناداً إلى ما ورد في الموسوعة الإلكترونية لـ«المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام».

 

كان المختار الثقفي في سجن عبيد الله بن زياد أيام واقعة كربلاء؛ ولذلك لم يتمكّن من نصرة الإمام الحسين عليه السلام. وكان معه في السجن ميثم التمّار، وهو من خواصّ أمير المؤمنين عليه السلام. قال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): «فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه».

فلمّا خرج المختار من السجن أقسم قائلاً: «لآخذنّ بثأر الحسين عليه السلام، ولأقتلنّ بقتله عدّة من قُتل على دم يحيى بن زكريا».

انتقل المختار قبل القيام بالثورة إلى الحجاز، وقدِم على عبد الله بن الزبير، لكنهما لم يتوافقا فلم يبايعه، ولحق بالطائف وبقي فيها سنة، ثمّ عاد إلى الحجاز، وقاتل الجيش الأموي بقيادة الحصين بن نمير، وبقي في مكّة خمسة أشهر بعد هلاك يزيد بن معاوية وانصراف جيش الحصين.

وطوال هذه المدة، كان يستطلع أحوال أهل الكوفة من الوافدين إلى مكّة، فأخبروه أنّهم على «طاعة ابن الزبير، إلّا أنّ طائفة من الناس -أي الموالين لأهل البيت- لو كان لهم مَن يجمعهم على رأيهم أكل بهم الأرض..»، فقال المختار: «أنا أبو إسحاق، أنا والله لهم أن أجمعهم على الحقّ، وألقى بهم ركبان الباطل، وأُهلك بهم كلّ جبارٍ عنيد».

لقاؤه بابن الحنفية

عندما عزم المختار على الخروج من الحجاز إلى الكوفة، قصد محمّد ابن الحنفية وطلب منه الإذن من أجل الثأر لدم الإمام الحسين عليه السلام، وقتل قَتَلَته، فلم يأمره ولم ينهَه، فقال المختار: «إنّ سكوته عنّي إذنٌ لي»، وودّعه، فقال له ابن الحنفية: «عليك بتقوى الله ما استطعت».

ثمّ ركب راحلته نحو الكوفة فوصل إلى نهر الحيرة يوم الجمعة، فاغتسل ولبس ثيابه، ثمّ ركب فمرّ بمسجد السكون، وجبّانة كندة، لا يمرّ على مجلس إلّا سلّم على أهله، وقال: «أبشِروا بالنصرة والفُلْج، أتاكم ما تُحبّون»، فاجتمع معه الكثير من الشيعة.

تحشيد القوی

قام مجموعة من أصحاب المختار، بجمع الشيعة لنصرته، وأخذ البيعة منهم من أجل القيام بالثورة لأخذ الثأر لدم الإمام الحسين عليه السلام.

وذكر المؤرخون أن المختار عندما رجع إلى الكوفة قال لهم: «إن محمّد ابن الحنفية بعثني إليكم أميناً ووزيراً، وأمرني بقتال الملحدين، والطلب بدم أهل بيته، فبايعوه».

حينها خرج نفرٌ من وجوه الشيعة في الكوفة إلى ابن الحنفية، فلمّا لقوه سألوه عن إدعاء المختار في أنّه مبعوثٌ منه للأخذ بثأر الإمام الحسين عليه السلام. فقال لهم ابن الحنفية: «قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم عليّ بن الحسين عليه السلام». فلمّا دخل ودخلوا عليه، أخبر خبرهم الذي جاؤوا لأجله، فقال عليه السلام: «يا عمّ، لو أنّ عبداً زنجيّاً تعصّب لنا أهلَ البيت، لَوَجب على النّاسِ موازرته، وقد ولّيتُك هذا الأمر، فاصنَعْ ما شِئت».

فخرجوا وقد سمعوا كلامه، وهم يقولون: «أذِن لنا زين العابدين عليه السلام، ومحمّد ابن الحنفية».

وقد ذهب بعض علماء الشيعة كالسيّد الخوئي، إلى أنّ ثورة المختار الثقفي كانت بإذنٍ من الإمام زين العابدين عليه السلام. ثمّ كان التحوّل الإيجابي الأكبر، عندما ذهب المختار إلى إبراهيم بن مالك الأشتر، وسلّمه كتاباً من محمّد ابن الحنفية يدعوه فيه للثورة، فاستجاب إبراهيم لهذه الدعوة، وبايع المختار الثقفي.

تاريخ بداية الثورة

اتّفق المختار الثقفي مع أنصاره على أن تكون بداية الثورة في النصف من ربيع الأول 66 للهجرة، ولكن لاستكمال بعض الاستعدادات تقرّر النهوض يوم الخميس في النصف من شهر ربيع الثاني، وكان أنصار المختار يتردّدون عليه، ما أثار حفيظة أمير الكوفة الزبيريّ عبد الله بن مطيع.

طلب ابن مطيع من رئيس شرطته إياس بن مضارب أن ينشر الجواسيس ليستطلع حال المختار وأصحابه، وفي يوم الأربعاء -أي قبل يوم من موعد الثورة- اعترض إياس بن مضارب وجماعة معه، إبراهيمَ بن مالك ومَن معه، حيث كان في طريقه لبيت المختار، فقتل إبراهيمُ إياسَ، فبدأت الثورة بذلك.

شعار الثورة

بعد أن أخبر إبراهيمُ بن مالك المختارَ بقتله إياس بن مضارب، قال المختار: «بشّرك اللهُ بخير فهذا أولُ الفتح»، ثم لبس المختار سلاحه وأمر، فنُودي: «يا مَنْصُورُ: أَمِتْ»، وهو شعار النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في معركة بدر، وفي غزوة بني المصطلق، وقد رُفع هذا الشعار في الكثير من الثورات الشيعية التي قامت فيما بعد، كثورة زيد الشهيد، ونقلت روايات أخرى أن المختار أمر بعض أصحابه برفع شعار «يا لثارات الحسين».

وهكذا دارت في الكوفة حرب طاحنة بين إبراهيم بن مالك الأشتر والمختار الثقفي وأنصارهما من جهة، وبين عبد الله بن مطيع وراشد بن إياس من جهة أخرى، قُتِلَ فيها راشد، وتراجع ابن مطيع إلى القصر، فحاصره إبراهيم بن مالك الأشتر فيه، وبعد أيام فرّ ابن مطيع.

الانتقام من قتلة الحسين عليه السلام

قام المختار الثقفي بتتبّع كل مَن شارك في واقعة الطفّ، وقتلةَ الإمام الحسين عليه السلام، وأهل بيته وأصحابه في كربلاء، وقتل منهم العشرات، وبينهم الجماعة التي اشتركت في رضّ الصدر الشريف، وأولئك الذين سلبوا سيّد الشهداء ونهبوا الخيام.

معركة الخازر وقتل ابن زياد

بعد انتصار ثورة المختار الثقفي في الكوفة، واقتصاصه من أكثر قتلة الإمام الحسين عليه السلام ومَن شارك في كربلاء، قرّر الاقتصاص ممّن أمر بقتل الإمام الحسين عليه السلام، فجهّز جيشاً، وكان تعداده تسعة الآف، بقيادة إبراهيم بن مالك الأشتر، وأمره بالتوجّه إلى الشام للاقتصاص منهم.

أرسل المختار الثقفي يوم 6 من شهر ذي الحجّة سنة 66 للهجرة، جيشاً بقيادة إبراهيم بن مالك الأشتر إلى الشام، وخرج عبيد الله بن زياد بجيش كبير لمواجهة إبراهيم وجيشه، وصارت المواجهة بين الجيشين في منطقة قرب الموصل.

بدأت الحرب في يوم 10 محرّم سنة 67 للهجرة على شاطئ خازر -بين الموصل وأربيل- قرب «الزّاب» -اسم بلدة ونهر في ذلك الموضع- على مسافة 20 كلم تقريباً من الموصل، انتصر فيها جيش إبراهيم وقَتل عبيد الله بن زياد وعدداً من قتلة الإمام الحسين عليه السلام، ومنهم: الحُصين بن نُمير، وشُرحبيل بن ذي كلاع، وقيل: إن إبراهيم أحرق أجسادهم بعد قتلهم، بعد أن بعث برؤوسهم إلى المختار، فأرسلها فنُصبت بمكة.

جيش الخشبية

بعد انتصار ثورة المختار الثقفي في الكوفة، وأخذه للثأر بدم الإمام الحسين عليه السلام، ضاق ابن الزبير بابن الحنفية ذرعاً؛ فجمعه مع عبد الله بن عباس في سبعة عشر رجلاً من بني هاشم وحصرهم في شعب بمكّة يعرف بشعب عارم، وقال: لا تمضي الجمعة حتى تبايعوا، أو أضرب أعناقكم، أو أحرقكم بالنار.

وذهب بعض المؤرّخين إلى أن ابن الزبير جمعهم قرب بئر زمزم، فوجّه المختار الثقفي مجموعة من أصحابه الأشدّاء لإنقاذهم؛ فتوجّهوا حتّى دخلوا المسجد الحرام، وهم ينادون: «يا لثارات الحسين»، حتى انتهوا إلى زمزم، وقد أعدّ ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قد بقي من الأجل يومان، فطردوا الحرس وكسروا أعواد زمزم، ودخلوا على ابن الحنفية، فقالوا له: «خلِّ بيننا وبين عدوّ الله ابن الزبير»، فقال لهم: «إنّي لا أستحلّ القتال في حرم الله عزّ وجلّ»، ثم تتابع المدد، فخرج ابن الحنفية من مكّة في أربعة آلاف مقاتل.

قال المؤرّخون: «إن سبب تسميتهم بالخشبية؛ لأنهم دخلوا مكّة وبأيديهم الخشب، كراهةَ إشهار السيوف في الحرم».

الحرب مع الزبيريّين

بعد تخليص المختار الثقفي لمحمّد ابن الحنفية من القتل بواسطة جيش الخشبية، وبعد فرار بعض قتلة الإمام الحسين عليه السلام؛ كشبث بن ربعي، ومحمّد بن الأشعث بن قيس، والتحاقهم بمصعب بن الزبير في البصرة، أخذوا يُحرّضون مصعباً على حرب المختار، فكتب مصعب إلى المهلّب، وهو عامله على فارس: «أقبِلْ إلينا تشهدْ أمرنا، فإنّا نريد المسير إلى الكوفة».

وبلغ المختار الخبر، فخرج حتى نزل حروراء -قرية قرب الكوفة- وتزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم جيش مصعب، فاستعان بالمهلّب ومَن معه، حتى هزموا جيش المختار.

الحرب داخل الكوفة

بعد هزيمة جيش المختار وتفرّق معظم مَن كانوا حوله، جاء حتى دخل قصر الإمارة، ودخل مصعب وجيشه الكوفة حتّى نزل السَّبْخة -وهي أرض جرداء ومالحة قريبة من قصر الإمارة- فقطع عن المختار وأصحابه الماء والطعام، فاشتدّ عليهم العطش، فقال المختار لمَن بقي معه: «ويحَكُم، إن الحصار لا يزيدكم إلّا ضعفاً، فانزلوا بنا فنقاتل حتى نُقتل كراماً، إن نحن قُتلنا». ثمّ تطيّب وتحنّط وخرج من القصر في تسعة عشر رجلاً، وتقدّم فقاتل حتى قُتل، ثمّ أمر مصعب بن الزبير بكفِّ المختار، فقُطعت وسُمِّرت إلى جانب المسجد.

قتل الأسرى

بعد أن سيطر مصعب بن الزبير على الكوفة، قتل سبعة آلاف أسيرٍ من جيش المختار! كما أخذ أسماء بنت النعمان بن بشير زوجة المختار، فقال لها: «ما تقولين في المختار بن أبي عبيد؟»، قالت: «أقول إنه كان تقيّاً، نقيّاً صوّاماً». قال: «يا عدوّة الله، أنتِ ممّن يزكّيه»! فأمر بها فضُرب عنقها، وكانت أول امرأة ضُرب عُنقها صَبراً.

***

الوَرَع ثمّ الورَع ثمّ الورَع

* «دخل سُماعةُ بن مهران على الإمام الصادق عليه السلام، فقال الإمام له: يا سُماعة، مَن شرُّ الناس؟!

قال: نحن يا ابن رسول الله!

فغضب الإمام حتّى احمرّت وجنتاه، ثمّ استوى جالساً وقال: يا سماعة، مَن شرُّ الناس؟

فقال: واللهِ ما كَذَبتُك يا ابنَ رسول الله، نحن شرُّ الناس عند الناس؛ لأنّهم سَمّونا كفّاراً ورَفَضة.

قال سماعة: فنظر إليّ ثمّ قال: كيف بكم إذا سِيق بكم إلى الجنّة، وسِيقَ بهم إلى النار؟! فينظرون إليكم فيقولون: ﴿..مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَار﴾. يا سماعة بن مهران، إنّه مَن أساء منكم إساءةً مَشَينا إلى الله تعالى يوم القيامة بأقدامنا، فنشفع فيه فنُشَفَّع. واللهِ لا يدخلُ النارَ منكم عشرةُ رجال، واللهِ لا يدخل النارَ منكم خمسةُ رجال، واللهِ لا يدخلُ النار منكم ثلاثةُ رجال، واللهِ لا يدخل منكم رجلٌ واحد. فتنافَسوا في الدرجات، واكمدوا عدوَّكم بالوَرع». (ص:62)

* وعن ابن معاوية الأسديّ، قال: «سمعتُ أبا عبد الله، جعفرَ بن محمّدٍ عليهما السلام، يقول: أما واللِه إنّكم لَعلى دين الله وملائكته، فأعِينونا على ذلك بورعٍ واجتهاد. عليكم بالصّلاةِ والعبادة، عليكم بالوَرع».

 

(أمالي الطوسي: ص 295 و33)

 

اخبار مرتبطة

  ايها العزيز

ايها العزيز

  دوريات

دوريات

10/12/2018

دوريات

  اجنبية

اجنبية

10/12/2018

اجنبية

نفحات