الملف

الملف

09/12/2018

الإمام العسكريّ والدُ المهديّ الموعود عليهما السلام

الإمام العسكريّ والدُ المهديّ الموعود

أصلُه فاتحة الوجود، وفرعُه خاتمة الشُّهود

 

 

اقرأ في الملف

استهلال

التوسّل بالعسكريّ عليه السلام

تمهيد

إعداد: «شعائر»

الزكيّ الفاضل الأمين

 

رواة وأصحاب الإمام العسكريّ عليه السّلام

 

كرامات الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام

 

من وصايا الإمام العسكريّ وعلومه

 

منهجه السياسي.. الكتمان والإعلان

 

مسجد الإمام العسكريّ ومقامه في جرجان

الشيخ علي الكوراني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

استهلال

هذا يَوْمُكَ.. وَأَنا ضَيْفُكَ

يوم الخميس، وهو يوم الحسن بن عليّ، صاحب العسكر، صلوات الله عليه.

زيارته عليه السلام:

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ الله وَخالِصَتَهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا إِمامَ المُؤْمِنِينَ، وَوارِثَ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةَ رَبِّ العالَمِينَ. صَلّى الله عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، يا مَوْلايَ يا أبا مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنَ عَلِيٍّ، أَنا مَولىً لَكَ وَلالِ بَيْتِكَ، وَهذا يَوْمُكَ وَهُوَ يَوْمُ الخَمِيسِ، وَأَنا ضَيْفُكَ فِيهِ وَمُسْتَجِيرٌ بِكَ فِيهِ، فَأَحْسِنْ ضِيافَتِي وَإِجارَتِي بِحَقِّ آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

(السيد ابن طاوس، جمال الأسبوع: ص 41)

 

لقد بَدا سِرُّ المليكِ الأكبرِ * في قائدِ الحَقِّ الزكيِّ العَسكري

بلْ فيهِ سرُّ الحقِّ بالحقِّ نزلْ * إذ هُوَ مستودَعُ ناموسِ الأزَلْ

وأَصلُهُ فاتحةُ الوجودِ * وفرعُهُ خاتمةُ الشّهودِ

(الكمباني، الأنوار القدسية)

 

تمهيد

لقد عاش الإمام الحسن العسكري عليه السلام تسعاً وعشرين سنة، منها ثلاث وعشرون مع أبيه الهادي عليه السلام، وستّ سنين بعده.

لكن عمره الشريف اتّسع لإدارة أمور الشيعة المنتشرين في البلاد، وترسيخ عقائدهم، وتقوية وجودهم، وحفل بمقاومة خُطط الخلفاء لقتله قبل أن يولَد منه المهديّ الموعود، الذي سيزيل حكم الجبابرة!

لقد فرضوا عليه الإقامة الجبرية، وكان يراقبه الخليفة بجهاز خاص، ومع ذلك قام بأعمال كبار ومعجزات، جعلت بعض شخصيات السلطة يؤمنون به ويقدّسونه، والفيلسوف الكنديّ من أتباعه.

ولا عجب فهو أحد الذين قال عنهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يكون بعدي اثنا عشر إماماً، لا يضرّهم تكذيب من كذّبهم».

فاعجب للإمامين العسكريّين عليهما السلام، كيف قاما بأعمال عظيمة، وهما في الإقامة الجبرية في عاصمة الخليفة، والرقابة الجبرية من شخص الخليفة!

خاصة، إذا عرفنا أن الإمام كان ينتزع هامش الحرية لحركته انتزاعاً، بقوّة شخصيته ومعجزاته، ليكوّن هامشاً أوسع من الحرية التي يفرضها المجتمع.

كان الإمام العسكريّ عليه السلام يقاوم ظروفه الضاغطة الحرجة، ويقوم بتركيز قِيم الإسلام وعقائده، ويقاوم محاولات السلطة لتحريف الإسلام، وخططها لقتل الإمام.

وفي نفس الوقت يقوم ببناء مجتمع الشيعة وتقويتهم، حتى اتسع وجودهم، وصاروا شطر الأمة، كما شهدت به الخلافة.

لقد استطاع الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، أن يعمّق هذا الوجود ويؤصّله في الأمة، ليتحمّل هزّة فقد إمامه، وهزّة غَيبة ولده المهديّ الموعود عليه السلام، فأبقى هذا الشطر من الأمة مؤثّراً غير متأثر، كما تشهد بذلك فصول سيرته البليغة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من مقدّمة كتاب (الإمام الحسن العسكريّ والد الإمام المهديّ الموعود) للعلامة الشيخ علي الكوراني العاملي

 

 

الزكيّ الفاضل الأمين

موجز في سيرة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام

  • إعداد: «شعائر»

هو الإمام الحسن العسكريّ، بن الإمام عليّ الهادي، بن الإمام محمّد الجواد، بن الإمام عليّ الرضا، بن الإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمّد الباقر، بن الإمام عليّ السجّاد زين العابدين، بن الإمام الحسين سيّد الشهداء، بن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم أفضل الصلاة والسّلام.. فتكون جدّته العُليا فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليها السّلام، وجدّه الأعلى المصطفى محمّداً سيّد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.

كنيته

كُنّي سلام الله عليه بولده الأوحَد، الإمام المهديّ المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، فقيل: أبو محمّد، لا غير.

ألقابه

هي كثيرة، كخصائصه، ومنها:

1. العسكريّ: كما في اللوح الذي أهداه الله تعالى إلى رسوله الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم. وذكر ابن خلِّكان أنّه هو ووالده عليّ الهادي عليهما السّلام عُرِفا بهذا اللقب نسبةً إلى العسكر، وهي المحلّة المعروفة في (سُرّ مَن رأى) إذ أشخصهما المتوكّل إليها، فأقام الإمام الهادي عليه السّلام فيها عشرين سنة وتسعة أشهر، فنُسب هو وولده الحسن عليه السّلام إليها.

2. الرفيق: كما في صحيفة اللوح المقدّس الذي كان محفوظاً عند فاطمة الزهراء عليها السّلام.

3. الزكيّ: هكذا ورد على لسان النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم حين عدّد أوصياءه، رواه الصدوق بسنده.

4. الفاضل: كما في وصية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد أملاها على أمير المؤمنين عليه السّلام.

5. الأمين: وهذا اللقب الشريف ورد أيضاً على لسان النبيّ الهادي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسّلام، حين عدّد أوصياءه لجندل اليهوديّ وقد سأله عن أسمائهم ليتمسّك بهم...

وقال الطبرسيّ: كان هو وأبوه (الهادي) وجدّه (الجواد) عليهم السّلام، يُعرَف كلٌّ منهم في زمانه بـ«ابن الرضا».

أمّا ألقابه في الكتب الرجالية فهي: الفقيه، العالِم، وغيرهما.

نقش خاتَمه

«سُبحانَ مَن له مَقاليدُ السماواتِ والأرض».

منصبه الإلهيّ

هو الإمام الحادي عشر مِن أئمّة الحقّ والهدى، بأحاديث صريحة من النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله، نصّت على اسمه وألقابه في عدّة روايات عامّة وخاصّة. عاش مع أبيه قرابة ثلاث وعشرين سنة، ثمّ كانت إمامته عليه السّلام من سنة 254 هجريّة إلى سنة 260 هجريّة.

ولادته

تعدد تاريخها، إلاّ أنّ أشهرها: يوم الجمعة الثامن من ربيع الآخِر سنة 232 من الهجرة النبويّة المباركة، في المدينة الطيّبة المنوّرة.

أوصافه

قال القطب الراونديّ: «كانت أخلاقه كأخلاق رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان رجلاً أسمر حسَن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حَدَث السنّ، له جلالة وهيبة وهيئة حسنة، يعظّمه العامة والخاصّة اضطراراً، يعظّمونه لفضله، ويقدّمونه..».

أمّه

قال محمّد بن طلحة الشافعيّ: أُمّه يُقال لها: «سوسن»، ويُقال لها: «حُدَيث»، ويقال: «حُديثة»، ويُقال: «سَليل» رضي الله عنها.. من العارفات الصالحات.

وفي (بحار الأنوار) للشيخ المجلسيّ، أنّها تُدعى بـ «الجدّة»، وكفى في فضلها أنها كانت مفزع الشيعة بعد شهادة ابنها الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام.

إخوته وأخواته

1 ـ الحسين، 2 ـ محمّد، 3 ـ جعفر، 4 ـ عالية.

زوجته

المرأة الجليلة الطاهرة «نرجس»، أو مليكة بنت يشوعا بن قيصر (ملك الروم)، أُمّها من وُلد الحواريّين وتُنسب إلى شمعون وصيّ عيسى عليه السّلام.

ولَده

لم يكن للإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام من الأولاد إلاّ ولده المسمّى باسم رسول الله صلّى الله عليه وآله والمكنّى بكنيته، وهو الحجّة بن الحسن المنتظر عجّل الله تعالى فرجه، وجعلنا من شيعته ومُواليه ومن المنتظرين له.

بوّابه

عثمان بن سعيد العَمْريّ، وابنه محمّد بن عثمان العَمْريّ.

آثاره

اشتهر للإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام تفسير أيضاً، بيّن فيه فقرات كلّ آية، وربّما انسابَ حديثه إلى بحث روائيّ.

وإذا كان البعض قد توقّف في نسبة هذا التفسير إلى الإمام العسكريّ عليه السّلام لأسبابٍ يراها.. فإنّ الأعاظم من العلماء كالصّدوق، والطبرسيّ، والراونديّ، وابن شهرآشوب، والكركيّ، والشهيد الثاني، والمجلسيّيَن، والحرّ العامليّ، والفيض الكاشانيّ، والسيّد هاشم البحراني، والشيخ الحويزيّ العروسيّ، والشيخ الأنصاريّ.. وغيرهم، قد عدُّوا هذا التفسير من الكتب المعتمدة بين الشيعة الإماميّة.

الوقائع المهمّة

• وفاة أخيه أبي جعفر، محمّد بن الإمام عليّ الهاديّ النقيّ عليه السّلام المعروف بـ «السيّد محمّد سَبُع الدُّجَيل»، والمدفون في منطقة (بَلَد) بالعراق. وكان هذا الرجل فاضلاً عابداً، أشار إليه والده الإمام الهادي عليه السّلام وعرّف بمقامه.

• الفاجعة التي حلّت بشهادة الإمام عليّ الهادي سلام الله عليه، إذ دُسّ إليه السمّ على يد المعتزّ العبّاسيّ، فقضى شهيداً مظلوماً.

• هجرته إلى (سُرّ مَن رأى) بالإجبار.. قال المسعودي: «وشَخَص بشُخوص والده -الهادي عليه السّلام- إلى العراق باستدعاء المتوكّل سنة 236 هجريّة، وله أربع سنين وشهور».

شهادته

قال الشيخ الطبرسيّ: «قُبض عليه السّلام بسُرّ مَن رأى لثمانٍ خَلَون من شهر ربيع الأوّل سنةَ ستّين ومئتين، وله يومئذ ثمانٍ وعشرون سنة... وقد ذهب كثير من أصحابنا إلى أنّه عليه السّلام مضى مسموماً... تُوفّي عليه السّلام يوم الجمعة، وخلّف ولده الحجّة المنتظر لدولة الحقّ..».

وقد أكّد شهادتَه عليه السّلام جملة من المصادر المهمّة، يقول ابن الصبّاغ المالكيّ: «ولما رُفع خبر وفاته، ارتُجّت سرّ من رأى وقامت ضجّة واحدة: مات ابن الرضا! وعُطّلت الأسواق، وغُلّقت أبواب الدكاكين.. فكانت سُرّ من رأى شبيهاً بالقيامة».

وأراد جعفر بن الإمام الهادي عليه السّلام أن يصلّيَ على أخيه الحسن العسكريّ عليه السّلام، فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سُمرة، فجَذَب رداءَ جعفر وقال: «يا عمّ، أنا أحقّ بالصلاة على أبي». فتأخّر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ، فتقدّم الصبيّ فصلّى عليه.

قال الشيخ الكلينيّ: «ودُفن في داره، في البيت الذي دُفن فيه أبوه (الهادي) عليهما السّلام بسُرّ مَن رأى».

أمانٌ لأهل الجانبين

رُوي عن الإمام العسكريّ قوله: «قبري بِسُرّ مَن رأى أمانٌ لأهل الجانبين». قيل في تفسير الحديث: «يعني أهل البلاد التي من جانبَي القبر». وقيل: «الخاصة والعامة، أو عراق العرب والعجم».

والصحيح أنه عليه السلام يقصد جانبَي نهر دجلة، والقدر المتيّقن من هذا الأمان، التأمينُ من الخسف والزلازل الكبيرة، وأن وجود البلد محفوظ منها ببركة هذا القبر. وقد ورد شبيهُه في بغداد ببركة قبر الإمام الكاظم عليه السلام. كما ورد في حفظ قمّ، ببركة قبر زكريا بن آدم الأشعريّ رحمه الله.

 

بينهم والد الشيخ الصّدوق وصاحب (بصائر الدرجات)

مِن رواة وأصحاب الإمام العسكريّ عليه السّلام

إعداد: «شعائر»

من الضرورة بمكان، أن نتعرّف إلى جماعةٍ من أصحاب الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام ورواته الذين روَوْا: مشافهةً، أو مكاتبةً، أو كانوا معه في مجلسٍ وحديث وهو عليه السّلام يتكلّم مع حاكمٍ أو أميرٍ أو شخصيّة اجتماعيّة أو محدِّث.. فنقَلَ هؤلاء الرواة ما سمعوه من الإمام العسكريّ عليه السّلام، ثمّ روى عنهم أهلُ الحديث وأثبتوا ذلك في كتبهم.

وقد بلغ عدد الرواة عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام 149 رجلاً، حدّثوا عنه أحاديثَ بلا واسطة، وأثبتَها المحدّثون، وها نحن مع اختيارات من ذِكْر أصحاب الإمام العسكريّ عليه السّلام ورواته:

• إبراهيم بن هاشم القمّيّ

محدّث جليل القدر مشهور، روى عن الأئمّة: الرضا والجواد والهادي والعسكريّ عليهم السّلام. أصله من الكوفة، وانتقل إلى قمّ، وقيل: هو أوّل مَن نشر حديث الكوفيّين بقم.

• أبو الأديان الخادم

كان يخدم الإمامَ العسكريّ عليه السّلام، ويحمل كتبه ورسائله إلى الأمصار والبلاد.

• أبو حمزة نصير الخادم

يروي هذه الدلالة في الإمامة، قائلاً: «سمعتُ أبا محمّد ( الحسن العسكريّ عليه السّلام ) غير مرّةٍ يكلّم غلمانه بلغاتهم: تُرْك وروم وصقالبة.. فتعجّبتُ من ذلك وقلت: هذا وُلِد بالمدينة، ولم يظهر لأحدٍ حتّى مضى أبو الحسن ( الهادي ) عليه السّلام، ولا رآه أحد، فكيف هذا؟! أُحدّث نفسي بذلك، فأقبل علَيّ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى بيّن حُجّته من سائر خَلْقه بكلّ شيء، ويعطيه اللّغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحُجّة والمحجوج فَرْق».

• أحمد بن إسحاق الأشعريّ القمّيّ

رأى صاحب الزمان الإمامَ المهديّ عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف. وهو شيخ القمّيّين ووافدهم إلى الأئمّة عليهم السّلام.

• داود بن القاسم الجعفريّ

من وُلد المولى جعفر الطيار. يُكنّى أبا هاشم، من أهل بغداد، جليل القَدْر، عظيم المنزلة عند الأئمّة عليهم السّلام، وقد شاهد: الرضا والجواد والهادي والعسكريّ عليهم السّلام، حُبِس مع الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام مراراً، وله عنه أخبار كثيرة.

• صالح بن وصيف

كان من رجال الأتراك ومن أمراء الدولة العبّاسيّة.

• عبدالله بن جعفر الحِمْيَريّ القميّ

من وجوه أهل قم وشيوخهم. جاء اسمه في 75 مورداً في أسناد الروايات.

• عثمان بن سعيد العَمْريّ

يكنّى أبا عَمْرو السمّان، وهو من ثقات المحدّثين، عُرف بحسن السيرة والعدالة والأمانة مع جلالة القدر وعظيم المنزلة، وكان ممدوحاً وموضع اعتماد الأئمّة عليهم السّلام ومن أبوابهم. صحب الأئمّة: الجواد والهادي والعسكريّ عليهم السّلام، وكان وابنه محمّد وكيلَين للإمامين العسكريَّين عليهم السّلام، ثم للإمام المهديّ عليه السّلام في الغَيبة الصغرى، ولهما منزلة جليلة ومقام رفيع.

• عليّ بن الحسين بن بابوَيه القمّي

والد الشيخ الصدوق، كان فقيهاً جليلاً ثقة، وله كتب كثيرة، قَدِم العراق، واجتمع مع الحسين بن روح (السفير الثالث) وسأله مسائل، ثمّ كاتَبَه يسأله أن يوصل له رقعةً إلى الإمام المهديّ عليه السّلام يسأله فيها الولَد. فكتب عليه السّلام إليه: «قد دَعْونا اللهَ لك بذلك، وستُرزق وَلَدينِ ذكرين خيّرين». تُوفّي سنة 329 هجريّة.

• عليّ بن محمّد الصيمريّ

روى عنه السيد ابن طاوس دعاء الإمام العسكريّ عليه السّلام عند الصباح، وفيه: «يا كبيرَ كلِّ كبير، يا مَن لا شريكَ له ولا وزير، يا خالقَ الشمس والقمر المنير، يا عِصمةَ الخائف المستجير..».

• القاسم بن العلاء الهمدانيّ

من أهل آذربيجان. وهو وكيل أبي محمّد الحسن العسكريّ عليه السّلام. خرج إليه: «إنّ مولانا الحسين عليه السّلام وُلد يوم الخميس لثلاثٍ خلون مِن شعبان، فصُمْه وادْعُ بهذا الدعاء: اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ المولود في هذا اليوم، الموعودِ بشهادتهِ، قبل استهلاله ووِلادته..».

• محمّد بن الحسن الصفّار القمّي

صاحب كتاب ( بصائر الدرجات )، كان من أصحاب الإمام العسكريّ عليه السّلام وله إليه مسائل. قال النجاشيّ: كان وجهاً في أصحابنا القمّيين، ثقةً عظيم القَدْر راجحاً، قليل السَّقْط في الرواية... تُوفّي بقمّ سنة 290 هجريّة.

• محمّد بن صالح الأرمنيّ

له روايات عديدة عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، منها في باب القرآن..

• يوسف بن محمّد بن زياد

روى عن الإمام العسكريّ عليه السّلام رواياتٍ عديدة، منها في باب العلم.. أنّه عليه السّلام قال: حدّثني أبي ( أي الهادي ) عن آبائه عليهم السّلام، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «أشدُّ مِن يُتْم اليتيمِ الذي انقطع مِن أُمّه وأبيه، يُتْمُ يتيمٍ انقطع عن إمامه..».

 

كرامات الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام

إعداد: «شعائر»

تقرأ عن الإمام العسكريّ عليه السلام من كلامه أو كلام غيره، فتجد أنه شخصية ربانية مليئة بالإعجاز. ملكَ إعجاب المسلمين وغير المسلمين، فأسلم على يده راهب مسيحيّ، وقال: «وجدتُ المسيح وأسلمتُ على يده»!

وظهرت معجزاته وكراماته في صغير الأمور وكبيرها، فهو يعرف ما في ذهنك، ويُجيبك على سؤالٍ فكرت فيه، ويستجيب الله تعالى دعاءه فوراً، وتعرفه المخلوقات كافّة وتخضع له. وعلمه الربانيّ يتجدّد ولا ينضب.

ومن كرامات الإمام الحسن العسكريّ، المذكورة في كتب الخاصّة والعامّة بروايات مسندة موثَّقة:

• عن عيسى بن صبيح، قال: «دخل الحسن العسكريّ عليه السّلام علينا الحبس، وكنتُ به عارفاً، فقال لي: لك خمس وستّون سنةً وشهرٌ ويومان.

وكان معي كتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي، فنظرت فيه فكان كما قال.. ثمّ قال: هل رُزِقتَ مِن ولد؟ قلت: لا، فقال: اللهمّ ارزقه ولداً يكون له عَضُداً، فنِعمَ الولد العضد. ثمّ تمثّل عليه السّلام وقال:

مَن كان ذا عَضُدٍ يُدركْ ظُلامتَهُ               إنّ الذليلَ الذي ليست له عَضُدُ

فقلت له: ألك ولد؟ قال: إي، واللهِ، سيكون لي ولدٌ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فأمّا الآنَ فلا.

ثمّ تمثّل وقال:

لعلّك يومـاً أن تراني كـأنّـما                    بَنـيّ حَوالَيّ الأُسـودُ اللَّوابِـدُ

فـإن تَميماً قبل أن يَلِدَ الحصى                 أقام زماناً وهو في الناس واحدُ».

• رُوي عن محمّد بن عبدالعزيز، قال: «أصبحتُ يوماً فجلستُ في شارع الغنم، فإذا بأبي محمّدٍ عليه السّلام قد أقبل من منزله يريد دار العامّة، فقلت في نفسي: إن صِحْتُ: يا أيُّها الناس، هذا حُجّة الله عليكم فاعرفوه، يقتلوني.

فلمّا دنا منّي أومأ إليّ بإصبعه السبّابة على فيه ( أي فمه الشريف ) أن اسكُتْ! ورأيته تلك الليلة يقول: إنّما هو الكتمان أو القتل، فاتّقِ الله على نفسك».

• عن جعفر بن محمّد القلانسي قال: «كتب محمّد أخي إلى أبي محمّد، وامرأته حامل يسأله الدعاء بخلاصها وأن يرزقه اللهُ ذَكَراً، وسأله أن يُسمّيَه، فكتب عليه السّلام: .. ونِعْمَ الاسم: محمّد، وعبد الرحمن.

فولدت له اثنين توأمين، فسمّى أحدَهما محمّداً والآخر عبد الرحمن».

• عن الحسن بن ظريف قال: «اختلج في صدري مسألتان أردتُ الكتابة فيهما إلى أبي محمّد عليه السّلام، فكتبتُ أسأله عن القائم عليه السّلام إذا قام بما يقضي، وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّى الربع فأغفلت خبر الحمّى، فجاء الجواب: سألتَ عن القائم، وإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه السّلام لا يسألُ البيّنة، وكنتَ أردتَ أن تسأل لحمّى الربع فأُنسِيت، فاكتبْ في ورقةٍ وعلّقه على المحموم؛ فإنّه يبرأ بإذن الله، إن شاء الله: ﴿..يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾..».

 

ومن كراماته عليه السلام ما رُوي، في غير مصدر، عن أحد حواريّيه؛ أبي هاشم، داود بن القاسم الجعفريّ، من ذراري الشهيد جعفر الطيّار رضوان الله عليه، قال:

* «كنت عند أبي محمّدٍ عليه السلام، فقال: إذا قام القائم أمر بهدم المنائر والمقاصير التي في المساجد.

فقلت في نفسي: لأيّ معنى هذا؟ فأقبلَ عَلَيّ فقال: معنى هذا: أنها مُحْدَثَة مُبتدَعَة، لم يبنِها نبيّ ولا حجّة».

* «لم تَطُل مدّة أبي محمّد الحسن ( العسكريّ ) في السجن، إلى أن قَحَط الناسُ بِسُرّ مَن رأى قحطاً شديداً، فأمر المعتمد العبّاسي بخروج الناس إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيّامٍ يستسقون ويَدْعون فلم يُسقَوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء، وخرج معه النصارى والرهبان، وكان فيهم راهبٌ كلّما مدّ يده إلى السماء ورفعها هطلت بالمطر! ثمّ خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أوّل يوم، فهطلت السماء بالمطر وسُقوا سقياً شديداً حتّى استعفَوا ( أي اكتفوا )، فعجب الناس من ذلك وداخَلَهمُ الشكّ، وصغا بعضُهم إلى دين النصرانية.

فأنفذ المعتمد إلى صالح بن وصيف أن أخرِجْ أبا محمّد الحسن بن عليّ من السجن وائتِني به، فلمّا حضر أبو محمّد قال له: أدرِكْ أُمّةَ محمّدٍ فيما لَحِق بعضَهم في هذه النازلة.

فقال أبو محمّد عليه السلام: دَعْهُم يَخرجون غداً اليوم الثالث.

قال: قد استعفى الناس واكتفَوا، فما فائدةُ خروجهم؟!

قال: لأُزيلَ الشكَّ عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة.

فأمر المعتمدُ العبّاسي الجاثليقَ والرهبان أن يَخرُجوا أيضاً في اليوم الثالث على جاري عادتهم، وأن يخرج الناس، فخرج النصارى وخرج لهم أبو محمّدٍ الحسنُ العسكريّ ومعه خَلْقٌ كثير، فوقف النصارى على جاري عادتهم يَستسقُون، إلاّ ذلك الراهب، فقد مَدّ يدَيه رافعاً لهما إلى السماء، ورفَعَت النصارى والرهبانُ أيديَهم على جاري عادتهم، فغيّمت السماء في الوقت ونزل المطر، فأمر أبو محمّد الحسن بالقبض على يد الراهب وأخْذِ ما فيها، فإذا بين أصابعه عظمُ آدميّ! فأخذه أبو محمّد الحسن ولفّه في خرقةٍ وقال له: اِستَسْقِ! فانكشف السَّحابُ وانقشع الغيم وطلعت الشمس! فعَجِب الناس من ذلك، وسأل المعتمد العباسي: ما هذا يا أبا محمّد؟! فقال: عظمُ نبيٍّ من أنبياء الله عزّوجلّ، ظفر به هؤلاءِ من قبور الأنبياء، وما كُشِف عظمُ نبيٍّ تحت السماء إلاّ هطلتْ بالمطر.

فاستحسنوا ذلك فامتحنوه، فوجدوه كما قال عليه السلام، فرجع أبو محمّد الحسن إلى داره بسرّ مَن رأى وقد أزال عن الناس هذه الشبهة».

* «سمعتُ أبا محمّد عليه السّلام يقول: من الذنوب التي لا تُغفَر قولُ الرجل: ليتني لا أُؤاخذ إلاّ بهذا!

فقلت في نفسي: إنّ هذا لَهُو الدقيق! وقد ينبغي للرجل أن يتفقّد من نفسه كلَّ شيء.

فأقبل علَيّ أبو محمّد عليه السّلام فقال: صدقتَ يا أبا هاشم، الزمْ ما حدّثتْك به نفسُك؛ فإنّ الإشراك في الناس أخفى مِن دبيب الذَّرّ على الصّفا (أي الصخر الأملس) في الليلة الظلماء، ومن دبيب الذرّ على المِسْح الأسوَد» (الكساء من الشَّعر).

 

قبسٌ من وصايا الإمام الحسن العسكريّ وعلومه

اكتبْ إلى الله عزّ وجلّ رقعةً وأنفِذها إلى مشهد الحسين

  • إعداد: «شعائر»

إنّ المتبصّر في حِكم ومواعظ الإمام العسكريّ عليه السّلام، يجدُه إذا أراد أن يوصيَ أحداً هداه إلى أوضح المسالك، وأراه أنجحَ السُّبل، ودلّه إلى حيثُ كرامةُ الدنيا وسعادة الآخرة.

• فمِن وصيّة له عليه السّلام إلى شيعته.. جاء فيها:

«أُوصيكم بتقوى الله، والورعِ في دينكم، والاجتهاد لله، وصِدقِ الحديث، وأداء الأمانة إلى مَن ائتمنكم مِن برٍّ أو فاجر، وطولِ السجود، وحُسن الجوار.. فبهذا جاء محمّدٌ صلّى الله عليه وآله وسلّم..».

• وكتب عليه السّلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوريّ:

«يا إسحاق، ليس تَعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور؛ وذلك قول الله في محكم كتابه حكايةً عن الظالم إذ يقول: ﴿.. رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾. وأيّ آيةٍ أعظمُ من حُجّةِ الله على خَلْقه وأمينهِ في بلاده، وشهيدهِ على عباده؟!..». (طه:125-126)

• وأوصى عليه السّلام أحدَهم، فقال له:

«اِدفعِ المسألةَ ما وجدتَ التحمّل يُمكنك؛ فإنّ لكلّ يومٍ رزقاً جديدا، واعلم أنّ الإلحاحَ في المطالب يسلب البهاء، ويُورِث التعبَ والعناء، فاصبر.... فربّما كانت الغِيَر ( أي الأحداث المتغيّرة أو المصائب ) نوعاً من أدب الله...».

• وكتب عليه السلام، إلى رجل شكى له سوء حاله في السجن: «يا عبدَ الله، إن الله عزّ وجلّ يمتحنُ عباده ليختبرَ صبرهم... فعليك بالصبر، واكتبْ إلى الله عزّ وجلّ رقعةً وأنفِذها إلى مشهد الحسين عليه السلام، وارفعها عنده إلى الله عزّ وجلّ».

• كَتبَ إليه بعضُ مَواليه يسأله أن يعلّمه دعاءً، فكتب إليه: «أُدْعُ بهذا الدعاء: يا أسمعَ السامعين، ويا أبصرَ المبصِرين، ويا أنظرَ الناظرين، ويا أسرعَ الحاسبين، ويا أرحمَ الراحمين، ويا أحكمَ الحاكمين، صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد، وأوسِعْ لي في رزقي، ومُدّ لي في عمري، وامنُنْ علَيّ برحمتك، واجعلني ممّن تنتصرُ به لدِينك ولا تَستَبدِلْ بي غيري».

• وعنه عليه السلام: «ما من مؤمن ظلم، فتوضّأ وصلّى ركعتين، ثمّ قال: (اللّهمّ إنّي مظلوم فانتصِرْ)، وسكتْ، إلاّ عجّل اللهُ تعالى له النصر».

 

مواجهة الغلوّ

استفحل أمر الغُلاة في عصر الإمام العسكريّ، ونسبوا إلى الأئمّة الهداة صلوات الله عليهم أجمعين، أموراً هم عنها براء، ولأجل ذلك ركّز الإمام على نفي الغلوّ، وصرّح في غير مناسبة بأسماء المغالين، وبراءته منهم.

• عن إدريس بن زياد الكفرتوثائي، قال: «كنتُ أقول فيهم قولاً عظيماً -أي ينسب إلى المعصومين الخلْق والرزق- فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمّدٍ عليه السلام، فقدمتُ وعلَيّ أثرُ السفر ووعثاؤه، فألقيت نفسي على دكّان حمّام، فذهب بيَ النوم، فما انتبهتُ إلاّ بمقرعة أبي محمّد، قد قرعني بها، حتّى استيقظت فعرفته، فقمتُ قائماً أُقبّل قدميه وفخذه وهو راكب، والغلمان من حوله، وكان أوّل ما تلقّاني به أن قال: يا إدريس! ﴿..بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَيَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾..». (الأنبياء:26-27)

• ورُوي عنه عليه السلام، في تفسير قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، قال: «الصّراطُ المستقيم هو: صِراطان: صراطٌ في الدنيا وصراطٌ في الآخرة:

أما الأول: فهو ما قصُر عن الغلوّ وارتفع عن التقصير، واستقامَ فلم يعدِل إلى شيءٍ من الباطل.

وأما الطريق الآخر: فهو طريقُ المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم، لا يعدِلون عن الجنّة إلى النّار، ولا إلى غير النّار، سوى الجنّة».

• وكتب إليه أحد الموالين أنّ: «..قوماً يتكلمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك... ولا يجوز لنا ردّها إذ كانوا يروون عن آبائك عليهم السلام، ولا قبولها لما فيها... رجلٌ يُقال له عليّ بن حسكة، وآخر يقال له القاسم اليقطيني. من أقاويلهم أنهم يقولون: إن قول الله تعالى: ﴿..إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر..﴾؛ معناها رَجُل، لاسجودٌ ولا ركوعٌ. وكذلك الزكاة؛ معناها ذلك الرّجل، لاعددُ درهم ولا إخراجُ مال!... فكتب عليه السلام، في جوابه: «ليس هذا ديننا، فاعتزِله». (العنكبوت:45)

وفي كُتب الرجال: عليّ بن حسكة الحوّار، كان أستاذ القاسم الشعراني اليقطيني، من الغلاة الكبار، ملعون.

 

نظام الوكلاء

يُعتبر «نظام الوكلاء» حلقة الوصل والمؤسسة الوسيطة بين الإمام وأتباعه في حال حضور الإمام عليه السلام، ولا سيّما عند صعوبة الارتباط به.

كما أنه أصبح البديل الوحيد للارتباط بالإمام عليه السلام في الغَيبة الصغرى.

ومن هنا كان الاعتماد على الثقات من جهة، وتعويد الأتباع للارتباط بالإمام عليه السلام من خلال وكلائه أمراً لا بد منه، وهذا الأمر يحتاج إلى سياسة تعتمد السُّنن الاجتماعية وتأخذها بنظر الاعتبار، ولا يمكن لمثل هذه المؤسسة البديلة أن تُستحدث في أيام الغَيبة الصغرى، بل لا بدّ من التمهيد لذلك بإنشائها وإثبات جدارتها تاريخياً من خلال مراجعة الوكلاء والتثبّت من جدارتهم، وتجذّر هذه المؤسسة في الوسط الشيعي ليكون هذا البديل قادراً على تلبية الحاجات الواقعية للموالين، ولئلا تكون صدمة الغَيبة فاعلة وقوية. ومن هنا كان يتّسع نشاط هذه المؤسسة ويصبح دورها مهماً كلّما اشتدت الظروف المحيطة بالإمام المعصوم عليه السلام، وكلّما اقترب الأئمة من عصر الغَيبة.

وعلى هذا يتّضح أن عصر الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، الذي كان يشكّل نقطة الانتقال المهمّة والجوهرية من عصر الحضور إلى عصر الغَيبة، كان يستدعي الاعتماد الكبير على الوكلاء، ويستدعي إحكام نظامهم، وكثرة مهامّهم، واتّساع دائرة نشاطهم وتواجدهم، اتّساعاً يمهّد للانتقال بأتباع أهل البيت عليهم السلام إلى دور الغَيبة التي ينقطعون فيها عن إمامهم وقيادتهم المعصومة.

إنّ مقارنة عدد وكلاء الإمام العسكريّ عليه السلام بوكلاء الإمام الهادي عليه السلام، ومناطق تواجد هؤلاء الوكلاء والمسؤوليات الملقاة عليهم، وكيفية الارتباط في ما بينهم، تشهد على تميّز الدور الكبير للوكلاء في هذه الفترة القصيرة جدّاً، وهي ستّ سنوات، كما أن استقرار الوكلاء في مناصبهم واعتماد الإمام العسكريّ عليهم، وبيان ذلك لأتباعه، قد حقّق الهدف المرتقب من نظام الوكلاء في مجال تسهيل الانتقال إلى عصر الغَيبة بأقلّ ما يمكن من الأخطار والتبعات.

(أعلام الهداية)

 

الكتمان والإعلان

المنهج السياسيّ للإمام العسكريّ عليه السّلام

  • إعداد: «شعائر»

عاصر الإمامُ الحسن العسكريّ عليه السّلام في فترة إمامته ثلاثةً من خلفاء بني العبّاس؛ بقيّة حكم المعتزّ، ثمّ حكم المهتدي، ثمّ شطراً من حكم المعتمد، حيث قضى شهيداً بالسمّ بعد مُضيّ خمس سنين من حكم هذا الأخير.

وقد تعرّض الإمام العسكريّ عليه السّلام للسجن مرّات عديدة، حيث سجنه المعتمد بن المتوكّل، ولما ظهرت كرامات الإمام عليه السّلام أطلق سراحه، ثمّ عاد وأمر بقتله. ومِن قبله حُبس مرّات في حكم والمعتزّ والمهتديّ ومع أبيه الهادي عليهما السلام أيام حكم المستعين.

وامتازت تلك الحقبة بكونها واحدة من أصعب فترات الحكم العبّاسيّ، حيث أُلقي القبض على عدد كبير من العلويّين وزُجُّوا في السجون الرهيبة، فنال بعضَهم القتل، وبعضهم الحبس الطويل، وبعضهم التعذيب الشديد، وشُرّدوا في الأرض.. وكانت بعد هذا ثورات وانتفاضات في أماكن عديدة، منها:

أ) انتفاضة الحسين بن محمّد بن حمزة، الذي خرج بالكوفة.

ب) انتفاضة عليّ بن زيد بن الحسين، الذي خرج بالكوفة أيضاً.

ج) ثورة صاحب الزنج.

ثورة صاحب الزنج وموقف الإمام العسكريّ منها

من الحوادث الهامّة التي وقعت في عصر الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، ثورة صاحب الزنج التي بدأت سنة 255 هجرية، وانتهت سنة 270. وقد اتّفق المؤرّخون على أنّه ليس من العلويّين، على الرغم من إصراره على نسبة نفسه إليهم، وذكر بعض المؤرّخين، ومنهم المسعوديّ، أنّ صاحب الزنج من فرقة الخوارج.

وكان صاحب الزنج قد دعا الزنوج الإفريقيّين الذين كانوا يتعرّضون لظلم مرير من أصحاب الأراضي الذين كانوا يقومون باستصلاحها في جنوب العراق، دعاهم إلى الثورة، فاتّبعه منهم جمع غفير، ثمّ إنّه استولى على البحرين والأحساء، وأباح لجنده الأموال والنساء، ثمّ توجّه إلى البصرة فأغار عليها سنة 257، وأمعن في أهلها نهباً وسلباً وقتلاً وتحريقاً، ثمّ سبى النساء وباعهنّ بأثمان زهيدة.

ثمّ توجّه صاحب الزنج إلى الأهواز، وهزم الحملات التي أرسلها المعتمد العبّاسيّ لقتاله. ثمّ قصد مدينة واسط وهمّ بالتوجّه إلى بغداد، فجهّز له المعتمد جيشاً كثيفاً قاده أخوه الموفّق، فدارت بينهم معارك ضارية قُتل فيها صاحب الزنج.

وقد صرّح الإمام العسكريّ عليه السّلام بموقفه من صاحب الزنج بما لا يدع مجالاً لريب ولا شبهة، فنفى صِلته بأهل البيت عليهم السّلام في بيانٍ بليغ موجز، قال عليه السّلام: «صاحب الزنج ليس منّا أهلَ البيت».

التمهيد لغَيبة الإمام المهديّ

واجه الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، في الظروف الخطيرة التي عاصرها، مسؤوليّةً كبيرة على المستوى السياسيّ والثقافيّ، فقد كان عليه أن يتصدّى لجملة من المخاطر التي تُهدّد خطّ الإمامة، وتسعى جاهدة في استئصال القواعد المؤمنة الموالية لخطّ الولاية؛ وأن يُمهّد، فوق ذلك، لحدث خطير كان على مشارف الحدوث، هو غَيبة الإمام المهديّ عليه السّلام، من أجل تخفيف الوطأة على القواعد الشيعيّة، ورسم الخطوط العامّة لوظائف وتكاليف تلك القواعد في عصر الغَيبة.

وكان الإمام العسكريّ عليه السّلام يفعل كلّ هذه المهام الصعبة في ظروف دقيقة كان السلطان يبتغي له فيها الغوائل، وقد نقل المؤرّخون أنّ المهتدي العبّاسيّ تَهدّد الإمام العسكريّ عليه السّلام بقوله: «واللهِ لأجلينّهم عن جديد الأرض».

عَلِم الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام أنّ عمره الشريف لا يطول في عهد الحكم العبّاسيّ الجائر، فقام بأمرَين مهمّين:

أ) ثبّت نظام الأموال والوكلاء، حفظاً على أموال المسلمين من الضياع والتلف، ورعايةً لشؤونهم وحقوقهم.

ب) ثبّت موضوع الغَيبة والسفارة، فغاب مدّة عن الناس وعيّن مَن ينوب عنه، ليتهيّأ الناس لغَيبة ابنه الإمام المهديّ صلوات الله عليه، وليتعرّفوا على الرجوع إلى سفراء الحجّة عليه السّلام، يتّصلون بالإمام من خلالهم، ويرفعون إليه أسئلتهم وحوائجهم عن طريقهم.

ومن الأمور الهامّة التي قام بها الإمام العسكريّ عليه السّلام في التمهيد للغيبة:

1) تقديم الهويّة الكاملة للإمام المهديّ عليه السّلام وبيان دوره المستقبليّ في إقرار العدل والأمان في ربوع البسيطة.

ونلاحظ في هذا المجال أنّ الإمام العسكريّ عليه السّلام قد أخرج ولده المهديّ عليه السّلام في اليوم الثالث من مولده، وعرضه على أصحابه قائلاً: «هذا صاحبكم مِن بَعدي، وخليفتي فيكم، وهو القائمُ الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار؛ فإذا امتلأت الأرض جَوراً وظلماً خرج فيملأها قسطاً وعدلاً».

كما أنّ الإمام العسكريّ عليه السّلام كتب إلى خواصّ شيعته وأطلعهم على ولادة الإمام المهديّ عليه السّلام. يروي الشيخ الصدوق عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي، قال:

لمّا وُلد الخلف الصالح عليه السّلام ( وهذا من الألقاب التي لُقّب بها الإمام المنتظر عليه السّلام ) وَرَد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام إلى جدّي أحمد بن إسحاق كتاب، فإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه السّلام الذي كانت تَرِد به التوقيعات عليه: «وُلد لنا مولود، فليكُنْ عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً، فإنّا لم نُظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته، والوليّ لولايته؛ أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثلَ ما سرّنا به، والسلام».

2) المحافظة على الإمام المهديّ عليه السّلام، من خلال سَتره عن أعين أعدائه، وإخفاء أمره ولادته عنهم.

وقد نجح الإمام العسكريّ عليه السّلام في هذين المجالين نجاحاً كبيراً، فلم يطّلع أعداؤه على ولادته عليه السّلام، ولم يعرفوا مكانه. وهكذا، جمع سلام الله عليه بين أمرين: الكتمان، والإعلان. الأوّل للحفاظ عليه، والثاني لتثبيت إمامته ووصايته.

 

لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر

مسجد الإمام العسكريّ عليه السلام ومقامه في جرجان

  • الشيخ علي الكوراني

مدينة جرجان (أو أسترآباذ)، تقع في شمال إيران، وكانت جزءاً من طبرستان التاريخية، على الساحل الجنوبي لبحر قزوين. وفيها شيعة لأهل البيت عليهم السلام من أول الفتح الإسلامي، وكانت في عهد الإمام العسكريّ عليه السلام، تحت حكم الحسن بن زيد العلويّ، المعروف بالداعي الكبير.

قال القطب الراوندي في (الخرائج: 1/424)؛  وابن حمزة في (الثاقب: ص 215): «عن جعفر بن الشريف الجرجانيّ، قال:

حججتُ سنةً فدخلت على أبي محمّد (العسكريّ) عليه السلام بسرّ مَن رأى، وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئاً من المال، فأردتُ أن أسأله إلى من أدفعه؟

فقال قبل أن قلت له ذلك: (إدفع ما معك إلى المبارك خادمي).

ففعلت وخرجتُ، وقلت: إن شيعتك بجرجان يقرؤون عليك السلام. قال: (أولستَ منصرفاً بعد فراغك من الحجّ)؟

قلت: بلى!

قال: (فإنّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وسبعين يوماً، وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليالٍ يمضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار، فأعلِمهم أنّي أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار، فامضِ راشداً، فإن الله سيسلّمك ويسلّم ما معك، فتُقْدمُ على أهلك ووُلدك...)...

فانصرفت من عنده، وحججتُ، وسلّمني اللهُ حتّى وافيتُ جرجان في يوم الجمعة، في أول النهار، من شهر ربيع الآخر على ما ذكر عليه السلام، وجاءني أصحابنا يُهنّئوني، فأعلمتهم أن الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم، فتأهّبوا لما تحتاجون إليه، وأعدّوا مسائلكم وحوائجكم كلّها.

فلمّا صلّوا الظهر والعصر، اجتمعوا كلّهم في داري، فوَاللهِ ما شعرنا إلا وقد وافانا أبو محمّد عليه السلام! فدخل إلينا ونحن مجتمعون. فسلّم هو أولاً علينا، فاستقبلناه وقبّلنا يده. ثم قال: (إنّي كنتُ وعدتُ جعفر بن الشريف أن أُوافيكم في آخر هذا اليوم، فصلّيت الظهر والعصر بسرّ مَن رأى، وصرتُ إليكم لأجدّد بكم عهداً، وها أنا جئتكم الآن، فاجمعوا مسائلكم وحوائجكم كلّها)...

ثمّ تقدّم رجلٌ فرجل، يسألونه حوائجهم، وأجابهم إلى كلّ ما سألوه، حتّى قضى حوائج الجميع، ودعا لهم بخير، وانصرف من يومه ذلك».

وقدحفظ أهل جرجان ذلك المكان المبارك الذي زارهم فيه الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام. ففي وسط مدينتهم مسجد باسم: «مسجد وقدمكاه امام حسن عسكري عليه السلام». ومعنى قدمكاه: موطئ قدم. وهم يفتخرون به ويُحيون يوم زيارة الإمام عليه السلام، لهم في الثالث من شهر ربيع الثاني كلّ سنة، لأنه عليه السلام، قال لجعفر بن الشريف: «وتدخلها يوم الجمعة، لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر، في أول النهار، فأعلِمهم أنّي أوافيهم في ذلك اليوم آخرَ النهار».

 

حولَ طيّ الأرض

كان الأئمّة عليهم السلام يسافرون بنحو الإعجاز، وهذا معروفٌ في سيرتهم عليهم السلام، بواسطة طيِّ الأرض أو غيره، فقد ذهب أمير المؤمنين عليه السلام إلى المدائن وصلّى على جنازة سلمان الفارسيّ رحمه الله، ورجع الى المدينة في نفس اليوم!

وكل المعصومين عليهم السلام عندهم القدرة على ما يريدون، لأنهم لا تُرّدُّ لهم دعوة، لكنهم لا يستعملون هذه القدرات إلا أن يأمرهم الله تعالى.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: «.. قالت قريش للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء، من مكة، ويرجع إليها في ليلة واحدة، مَن لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً؟ وذلك حين هاجر منها».

ثم قال عليه السلام: «جَهِلوا واللهِ أمرَ الله وأمرَ أوليائه معه! إن المراتب الرفيعة لا تُنال إلا بالتسليم لله جلّ ثناؤه، وترْك الاقتراح عليه، والرضى بما يدبّرهم به.

إن أولياء الله صبروا على المِحن والمكاره صبراً لمَّا يُساوِهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك بأنْ أوجب لهم نُجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريدُه لهم».

اخبار مرتبطة

  ايها العزيز

ايها العزيز

  دوريات

دوريات

10/12/2018

دوريات

  اجنبية

اجنبية

10/12/2018

اجنبية

نفحات