الدُّنيا المذمومة

الدُّنيا المذمومة

25/09/2011

الدُّنيا المذمومة

الدُّنيا المذمومة
انصرافُ القلبِ إلى حظوظ النّفْس

إعداد: مازن حمّودي

«فإنّ أمور الدُّنيا لا يُفتح منها باب إلّا وتنفتح لأجله عشرة أبواب أُخَر، وهكذا يتداعى إلى غير حدٍّ محصور وكأنّها هاوية لا نهاية لِعُمقها، ومَن وَقَع في مهواة منها سقط منها إلى أخرى».
وقفة مع مدى خطورة توثيق العلاقة بالدّنيا، من كتاب (جامع السعادات) للفقيه الشيخ محمّد مهدي النراقي قدّس سرّه.

الدُّنيا المذمومة هي الهوى، وقد ظهر أنّ الدُّنيا المذمومة حظّ نفسك الذي لا حاجة إليه لِأَمر الآخرة، ويُعبَّر عنه بالهوى، وإليه أشار قوله تعالى: ﴿...ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنة هي المأوى﴾ النازعات:40-41. ومجامع الهوى هي المذكورة في قوله تعالى: ﴿..إنّما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد..﴾ الحديد:20. والأعيان التي تحصل منها هذه الأمور هي المذكورة في قوله سبحانه: ﴿زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب﴾ آل عمران:14. فهذه أعيان الدُّنيا.

تعلُّقُ القلبِ والبَدن بأعيانِ الدّنيا

وللعبد معها [مع أعيان الدنيا] علاقتان:
1- علاقة مع القلب: وهي حبُّه لها وحظُّه منها وانصراف همِّه إليها، حتى يصير قلبه كالعبد ".." ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلِّقة بالدُّنيا: كالرِّياء، والسُّمعة، وسوء الظَّنّ، والمداهنة، والحسد، والحقد، والغِلّ، والكِبر، وحبّ المدح، والتفاخر، والتكاثر. فهذه هي الدُّنيا الباطنة، والظَّاهرة هي الأعيان المذكورة.

2- وعلاقة مع البدن
: وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان لِتصلح لحظوظه وحظوظ غيره، وهذا الإشتغال عبارة عن الصِّناعات والحِرَف التي اشتغل النّاس بها، بحيث أَنْسَتْهم أنفسهم وخالقهم وأَغْفَلَتهم عمَّا خُلِقوا لأجله، ولو عرفوا سبب الحاجة إليها واقتصروا على قدر الضّرورة، لم يستغرقهم اشتغال الدُّنيا والإنهماك فيها. ولمّا جهلوا بالدُّنيا وحكمتها وحظّهم منها، لم يقتصروا على قدر الإحتياج، فأَوقعوا أنفسهم في أشغالها، وتتابعت هذه الأشغال واتّصلت بعضُها ببعض، وتداعت إلى غير نهاية محدودة، فغفلوا عن مقصودها، وتاهوا في كثرة الأشغال.

الدنيا هاويةٌ لا قعْرَ لها

 فإنّ أمور الدُّنيا لا يُفتح منها باب إلّا وتنفتح لأجله عشرة أبواب أُخَر، وهكذا يتداعى إلى غير حدٍّ محصور وكأنّها هاوية لا نهاية لِعُمقها، ومَن وَقَع في مهواةٍ [ما بين جبلين] منها سقط منها إلى أخرى. وهكذا على التَّوالي، ألا ترى أنّ ما يُضطرّ إليه الإنسان بالذات منحصر بالمأكل والملبس والمسكن؟ ولذلك حدثت الحاجة إلى خمس صناعات هي أصول الصِّناعات: الفلاحة، والرّعاية للمواشي، والحياكة، والبناء، والإقتناص -أي تحصيل ما خلق الله من الصَّيد والمعادن والحشائش والأحطاب- وتترتَّب على كلٍّ من هذه الصِّناعات صناعات أُخَر، وهكذا إلى أن حدثت جميع الصِّناعات التي تراها في العالم، وما من أحد إلَّا وهو مشتغل بواحدة منها أو أكثر، إلَّا أهل البطالة والكسالة، حيث غفلوا عن الإشتغال في أوّل الصِّبا، أو منعهم مانع واستمرّوا على غفلتهم وبطالتهم، حتّى نشأوا بلا شغل واكتساب، فاضطرُّوا إلى الأخذ ممّا يَسعى فيه غيرهم، ولذلك حدثت حِرفَتان خبيثتان هما اللُّصوصيّة والكدية [أو الكداية وهي الإستجداء]، ولكلّ واحدٍ منهما أنواع غير محصورة لا تخفى على المتأمّل.


 

اخبار مرتبطة

  مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

نفحات