الملف

الملف

منذ 4 أيام

كلاهما من صميم الدين

 

كلاهما من صميم الدين

مظلوميّة الزهراء عليها السلام والوحدة الإسلامية

 

قد يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: نحن نعيش في مرحلة حسّاسة من عمر الإسلام، فقد «برز الإيمان كلّه إلى الكفر كلّه»، ودماء الشهداء تغلي، وهذه أصداؤها تتردّد في أرجاء العالم الإسلامي، ونحن مدعوّون إلى توحيد الكلمة في مواجهة الغارة الأمريكية والصهيونية على أمّتنا، فكيف توفّقون بين الحديث عن ظلامة الزهراء عليها السلام، وبين الحديث عن وحدة الأمّة ووحدة الكلمة، ألا ينافي الوحدة إدانة خصوم الزهراء عليها السلام؟

والجواب على هذا السؤال: نحن نقف أمام أمرين، كلٌّ منهما دينٌ لا يمكننا إلّا أن نتعامل معه ونحرص عليه.

الأمر الأول: إظهار الإسلام المحمّديّ، والحفاظ على هويّة الإسلام الأصيل.

الأمر الثاني: وحدة الصفّ، وحفظ قوّة الإسلام والمسلمين في مواجهة الأعداء.

وكِلا الأصلَين دينٌ لا نتعاطى معه على أساس أنّه شعار للاستهلاك. عندما ندعو إلى وحدة الكلمة نعني ما نقول، وعندما نتحدّث عن ظلامة الزهراء عليها السلام لا نرى في ذلك تنافياً مع الدعوة الصادقة إلى توحيد كلمة المسلمين في معترك الصراع ضدّ العدوّ الأمريكيّ والصهيونيّ.

ذلك أنَّ معرفة الزهراء عليها السلام، هي معرفة الإسلام المحمّديّ الأصيل، بل لا أبالغ أبداً إذا قلت إنَّ الزهراء عليها السلام هي الإسلام.

الوحدة لا تلغي الفوارق

الأمر الذي لا بُدَّ من إيضاحه، هو أنَّ لكلٍّ من الفريقين الشيعي والسنّي أن يتحدّث في دائرته الخاصّة بما يعتقده حقّاً بينه وبين الله تعالى. يعزّز كلّ فريقٍ قناعته، يربّي جمهوره على ما يعتقد أنّه الدين، إلّا أنّ خصوصيات الوحدة الإسلامية، يجب أن تُلحظ، لا سيّما في الدائرة العامّة.

لا تعني الوحدة إلغاء الفوارق الموجودة أصلاً، وإنّما تعني أن لا نسمح لهذه الفوارق أن تمزّقنا فننشغل بالصراع في ما بيننا ونغفل عن الصراع مع الأعداء، يمكن أن نجمّد الصراع، ولكنّ الحوار والبحث والتحقيق ومحاولة التعرُّف على الإسلام المحمّديّ الأصيل؛ كلٌّ من وجهة نظره أمرٌ آخر.

وينبغي التنبّه جيّداً إلى أنّ تثبيت معادلة أنّ الوحدة تساوي المداراة -التي هي بالنفاق أشبه- والامتناع عن البحث في ما نشعر بضرورة البحث فيه يشكّل خطراً كبيراً على المعتقَد، وعلى الوحدة معاً.

تزييف الحقائق يمسّ بالوحدة الإسلامية

هناك محظوران متصوّران عادةً في هذا المجال، أيّ حديث عن الصِّديقة الكبرى عليها السلام ينبغي أن يُدخلهما في حسابه، أوافق عليهما، ولكنّي أختلف مع البعض في طريقة تفادي المحظور الثاني.

المحظور الأوّل الذي يجب أن يبنى عليه الحديث عن الصِّديقة الكبرى عليها السلام هو الحذر من أي مسّ بقدسيّتها عليها السلام. لا يجوز على الإطلاق لأيّ حديث عنها عليها السلام أن يقلّل من شأنها، أن يقلّل من قدسيّتها. لا يجوز أن تُمس سلباً شخصيتها عليها السلام، سواءً بالتقليل من القدسية أو المكانة أو بالتقليل من ظلامتها.

ليكن واضحاً أنّ البحث في ظلامة الصِّديقة عليها السلام، لا يمكن له إلّا أن يكون بحثاً في غاية الأهمّية والقداسة، فهو إمّا أن يكون بحثاً عقائدياً، وإمّا أن يلامس البحث العقائدي.

المحظور الثاني الذي يُطرح وأختلف مع البعض في طريقة تفاديه، هو أن لا يمسّ الحديث عن الصِّديقة الكبرى عليها السلام وحدة المسلمين. أوافق عليه من حيث المبدأ، ذلك أنّ وحدة المسلمين دينٌ وليست شعاراً سياسياً شكلياً، نحن ندين الله عزّ وجلّ، نعتقد بيننا وبينه سبحانه وتعالى بوجوب حفظ وحدة المسلمين. إلّا أنّ الذي يمسُّ بوحدة المسلمين بالدرجة الأولى هو تزييف الحقائق وخصوصاً المرتبط منها بالصِّديقة الكبرى، وبأمير المؤمنين عليهما السلام. كلّ ما يقلّل من شأن الصِّديقة الكبرى عليها السلام يهدّد وحدة المسلمين ويضرّ بها. مرفوض كلياً ومُدان أن يقال: إنّ الحديث عن ظلم الصِّديقة هو ضرب لوحدة المسلمين. إنّ المسّ بقدسية الصِّديقة الكبرى هو الذي يضرب وحدة المسلمين المبنيّة على أُسس الاعتصام بحبل الله ورضاه عزّ وجلّ، والصِّديقة عليها السلام في صُلب هذه الحقيقة، في لبِّ حبل الله والاعتقاد به عزَّ وجلّ، وحبّه ورضاه سبحانه.

لا نحمّل مَن يختلف معنا تبعة ظلامتها عليها السلام

من منطلق الحرص على وحدة المسلمين ينبغي أن نفرّق بين أمرين:

الأمر الأول: البحث العلمي بهدف الكشف عن الحقيقة.

الأمر الثاني: أن تُحمَّل تبعة هذه الأمور للذين يختلفون معنا في الرأي، وهذا أمر آخر لا معنى له ولا مبرّر، ولسنا بصدده. كلّ ما نريده، هو أن نستوضح الحقيقة من دون أن ننطلق من مسبقات، وإنّما لله وفي سبيل الله، قربةً إليه عزّ وجلّ، اتّباعاً للمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، فحبّنا لرسول الله صلّى الله عليه وآله يدفعنا لأن نعرف حقيقة ما جرى بعده على الصِّديقة الكبرى عليها السلام، هذا الأمر لا علاقة له بأنَّ البحث هنا يؤدّي إلى التعصّب الأعمى ضدّ سائر المسلمين. فهذا شيءٌ وذاك شيءٌ آخر، نحن لا نحمل التعصّب الأعمى ضدّ إخواننا المسلمين السنّة على الإطلاق، ونفرّق جيداً بين النواصب الذين يُبغضون أهل البيت وبين غيرهم، ونحكم على النواصب، تبعاً لفقهاء المسلمين جميعاً، بأنّهم رجس وكفّار ولا مجال للتواصل معهم، أمّا المسلم السنّي الذي يحبّ الزهراء عليها السلام، ويحبّ أمير المؤمنين، والحسنَين، يحبّ أهل البيت عليهم السلام، فهو الذي نُصرُّ على الوحدة معه، إلّا أنّ الوحدة مع أخيك لا تمنعك من التحقيق في أمرٍ تختلف معه حوله، الوحدة مع شريك لا تمنعك أن تبحث وتحقّق في شأن تمتين أواصر هذه الشراكة وتقوية ركائزها، وأنت مصرّ على الوحدة والشراكة. نحن نصرّ على الوحدة الإسلامية ونبذل الدّمَ من أجل تحقيقها.

الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، هو رائد الوحدة الإسلامية، وهو الذي أطلق نداءها، ومع ذلك فإنّه يتعاطى مع هذه الحقائق الثابتة حول الصّدّيقة الكبرى عليها السلام، ويصرّ عليها. نحن لا نريد أن تُبنى الوحدة على المجاملات والعواطف والشكليّات، لأنها من الدِّين في الصّميم، ولذلك ينبغي أن تُبنى على الحقائق.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ 4 أيام

إصدارات

نفحات