الملف

الملف

منذ يومين

الصبرُ على ولاية الله ورسوله

الصبرُ على ولاية الله ورسوله

دلالات التشابه بين اسم السورة القرآنية ومستهلّ الزيارة

قد يتبادر إلى الذهن تساؤلٌ حول إمكانية التطابق بين اسم سورة «المُمتحنة» في القرآن الكريم، وبين مفردة «مُمتحَنة» في الزيارة، ومن ثمّ الدلالات التي ينبغي التأمل فيها، متى ثبت ذلك.

وبالرجوع إلى القرآن الكريم، نجد أنّ مشتقّات الجذر «مَحن»، وردت:

* في الآية الثالثة من سورة الحجرات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى...﴾. والمعنى أنه تبارك وتعالى اختبر قلوبهم. تقول: امتحنتُ الذهب والفضّة: إذا أذبتَهما لتختبرهما.

* وفي الآية العاشرة من سورة المُمتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ...﴾. أي فاختبروا إيمانهنّ وتوثّقوا منه.

وطبيعيّ أن يربط الباحث بين تعبير ﴿..امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى..﴾، في الآية الأولى، وبين مفردة ﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ في الآية الثانية.

وبالنظر إلى شأن نزول الآيتين، نجد أن من أبرز القواسم المشتركة بينهما: «الردّ على الله تعالى وعلى رسوله».

* أما في سورة «الحجرات»، فإنّ المحور الذي تعالجه الآيات الخمس الأولى منها، هو «الجرأة على الله تعالى»، من خلال الجرأة على رسوله صلّى الله عليه وآله، وصولاً إلى تحديد أن المؤمنين الذين يتأدّبون مع الله تعالى ورسوله هم الذين ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾.

ومن الواضح مدى علاقة مضمون هذه الآيات بموضوع الردّ على رسول الله، وأن الرادّ عليه رادٌّ على الله تعالى. وفي (تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 4/213)؛ و(الدرّ المنثور للسيوطي: 6/84)، تصريحٌ بأن هذه الآيات نزلت لمّا تمارى عمر وأبو بكر حتى ارتفعت أصواتهما بمحضرٍ من رسول الله صلّى الله عليه وآله.

* وأما سورة «الممتحنة» -ومن أسمائها أيضاً سورة الامتحان أو سورة المودّة: نجد في (مجمع البيان)، وغيره، أنها نزلت عقب «صلح الحُدَيْبِيَة»، وكان من شروطه أن مَن جاء المسلمين هارباً من المشركين، ردّه المسلمون إلى أهل مكّة. أما من أتى المشركين هارباً من المسلمين، فليس لأهل مكّة أن يردّوه إلى المسلمين. وفي البَين، وقعت حادثتان:

الحادثة الأولى: جاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية، مسلمةً بعد الفراغ من كتاب الصّلح، فأقبل زوجها في طلبها، وكان كافراً، فقال: يا محمّد! أردُد عليّ امرأتي، فإنك قد شرطتَ لنا أن تردّ علينا مَن أتاك منّا، وهذه طينةُ الكتاب لم تجفّ بعد.

فنزلت الآية: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ..﴾ من دار الكفر إلى دار الإسلام ﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾.

وامتحانُ المرأة المهاجرة الهاربة من المشركين، أن يستحلفها رسول الله. ولهذا كان صلّى الله عليه وآله يأمر أن تقول المرأةُ المُمتحَنةُ: «باللهِ الّذي لا إلهَ إلا هو، ما خرجتُ من بُغض زوج. باللهِ ما خرجتُ رغبةً عن أرضٍ إلى أرض. باللهِ ما خرجتُ التماسَ الدنيا. باللهِ ما خرجتُ إلا حبّاً للهِ ورسولهِ».

فاستحلف رسول الله سبيعةَ المذكورة، فلمّا حلفتْ، أعطى صلّى الله عليه وآله وسلّم زوجَها مهرَها، وما أنفقَ عليها، ولم يردّها عليه.

الحادثة الثانية: هرب أبو جندل بن سهيل بن عمرو، من مكّة، فلجأ إلى المسلمين وأخذ يستغيث. وكان قد عُذِّب عذاباً شديداً. فجاء أبوه سهيل يستردّه، متذرّعاً بشرط كتاب الصلح. فألحّ رسول الله على أبيه أن يقبل إجارته في ابنه، فتعنّت الأبُ رفضاً.

فأقبل عمر بن الخطاب على رسول الله، فقال: ألستَ نبيَّ الله؟ فلِمَ نُعطي الدنِيّةَ في ديننا، إذاً؟!

فأجابه صلّى الله عليه وآله: إنّي رسولُ الله، ولستُ أَعصيه، وهو ناصري.

وفي (الدرّ المنثور للسّيوطي: 6/77)، و(الإحكام لابن حزم: 4/424)، وغيرهما: عن عمر بن الخطاب أنه قال: «واللهِ ما شككتُ مذ أسلمتُ إلا يومئذٍ»!

تشابه في الردّ، واتحاد الرادّ

لا تنحصر دلالات التشابه بين لفظ «ممتحنة» في الزيارة، وبين اسم سورة «الممتحنة» في التشابه اللفظيّ، بل يشترك موردا التسمية في «الردّ على الله تعالى والرسول»، كذلك باتحاد الرادّ وهو «عمر بن الخطّاب»، كما تصرّح بذلك المصادر السنيّة التي لا تصدر من تحاملٍ عليه، بل تصدر من روح البحث الموضوعيّ والأمانة في نقل الحقائق.

توضيح ذلك: أن امتحان المرأة المهاجرة، كان يتضمّن أن تقول: «.. باللهِ ما خرجتُ إلا حبّاً للهِ ورسوله».

يلفت ذلك إلى أمرين هامّين:

1) أن «التّولّي والتّبرّي» محورُ سورة «الممتحنة»، وهما عبارة عن حبّ الله ورسوله، أو الردّ عليهما.

2) أن امتحان الزهراء عليها السلام في الدنيا، هو في الصبر على مواقف من لم يَرعوا في حقّها حبَّ الله تعالى وحبَّ الرسول صلّى الله عليه وآله، أي لم يرعوا واجب التولّي، فآذوا رسول الله صلّى الله عليه وآله من خلال إيذائها عليها السلام.

يقودنا الجمع بين الأمرين إلى أنّ التشابه بين لفظ «مُمتحَنة» في الزيارة، وبين اسم سورة «المُمتحنة» مقصودٌ، بعناية بالغة، للإشارة الحكيمة إلى هذه المعطيات العقائديّة.

 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  شعر

شعر

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات