أعلام

أعلام

15/02/2019

الفقيه العارف الشيخ حسن علي النُّخودكي الأصفهاني

أُسوة العابدين

الفقيه العارف الشيخ حسن علي النُّخودكي الأصفهاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: الشيخ أحمد التميمي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مصداقُ وصف أمير المؤمنين عليه السلام، لشيعته: «شيعتي، واللهِ الحكماء، العلماءُ باللهِ ودِينه، العاملون بطاعته وأمرهِ، المهتَدون بِحُبّه، أنضاءُ عبادة، أحلاسُ زهادة...».

* أُعدّت هذه الترجمة الموجزة استناداً إلى ما ورد في كتاب (سيماء الأولياء وكراماتهم) النّسخة العربيّة لـ (نشانى از بى نشانها)، من تأليف العلامة الشيخ علي المقدادي الأصفهانيّ، نجل المترجَم، ومصادر أخرى.

 

 

 

 

 

هو الفقيه العارف، والحكيم الزّاهد، والعالم الربّاني الجليل، الشّيخ حسن علي المقدادي الأصفهانيّ النُّخُودكي رضوان الله تعالى عليه.

وُلِدَ في أصفهان منتصف شهر ذي القعدة الحرام، سنة 1279 للهجرة (حدود 1860م)، في أُسرة عُرِفَت بالزهد والورع والتقوى.

أبوه الملاّ علي أكبر، كان رجلاً ورعاً زاهداً، وجليساً لأهل العلم والتّقوى، وفي الوقت نفسه كان كاسباً، وما يحصل عليه من كسبه يقسمه نصفين: نصف لقوت عياله، والنصف الآخر يهديه للسّادة وذرّية الصّديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام.

دراسته وأساتذته

بدأ الشّيخ «الأصفهانيّ» بالدراسة في أصفهان، فتتلمذ على أساتذة عصره الكبار؛ كالشّيخ محمد الكاشي، وجهانكيرخان القشقائي.

هاجر إلى النجف الأشرف، وواصل دراسته لدى أساطينها؛ كالسّيد مرتضى الكشميري، والشّيخ حبيب الله الرشتي، والسّيد محمّد كاظم اليزدي (صاحب العروة الوثقى).

انتقل إلى مشهد المقدسة وحضر دروس أعلامها؛ كالسّيد علي الحائري اليزدي، والسّيد حسين القمّي.

تدريسه وتلامذته

كان الشّيخ «الأصفهانيّ» يدرّس الفقه والتفسير والهيئة والرياضيات، وكان له باعٌ طويل في علم الطب والكيمياء والعلوم الغريبة.

من أبرز تلامذته: المرجع الديني السّيد عبد الأعلى السبزواري، والفقيه الشّيخ حسن علي مرواريد.

يتحدّث السّيد السبزواري عن أستاذه، قائلاً: «إنّ الشّيخ الأصفهانيّ في أحد مجالس درس التفسير كان يدرّس كتاب (الصافي) للفيض الكاشاني، فأغمض عينيه أثناء الدرس وكأنّه قد غطّ في نومٍ عميق، ولم يجرؤ أحدٌ من تلامذته أن يوقظه، إلى أن مرّ وقت ليس بالقصير، ففتح عينيه وهو يردد (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم) واعتذر عن الدرس، فأراد أحد تلامذته معرفة سرّ هذه الحالة فلم يُصرّح له بشيء».

يضيف السّيد السبزواري: «لمّا علمت بأنّ هذه الحالة خاضعة لبعض الأسرار الغيبيّة، صرتُ ألحّ عليه كثيراً لمعرفة السرّ إلى أن أجابني، فقال: (إنّي في تلك الساعة ذهبتُ إلى النجف الأشرف لحضور تشييع جثمان أحد العلماء الصالحين).

وكنّا في مشهد الإمام الرضا عليه السلام، فبادرتُ إلى ورقة وكتبتُ اليوم والسّاعة بالتحديد. ومرّ وقتٌ على الحادثة حتى جاء أحد المؤمنين من النجف الأشرف، فسألته عن يوم وفاة ذلك العالم ووقت تشييعه، فأفاد بأنّ يوم الوفاة ووقت التشييع هو نفس اليوم ونفس الوقت الذي ذكره الشّيخ الأصفهانيّ»

سيرته وأخلاقه

كان الشّيخ «الأصفهانيّ» على جانب كبير من التقوى والورع والزهد وخدمة النّاس، وهذا ما يوضّحه ولده الشّيخ علي، قائلاً: «كان الوالد المرحوم على أتمّ الاستعداد ليلاً ونهاراً لقضاء حوائج المحتاجين والمساكين.

وفي أحد الأيام قلت له: ألا يُستحسن تحديدُ وقتٍ معيّنٍ لمراجعات النّاس؟

قال: بُني، ليس عند ربّنا صباح ولا مساء، ومن يريد خدمة النّاس في سبيل نيل رضى الله يجب أنْ لا يحدّد وقتاً معيّناً.

كان يهتم في أول الليل وبعد أداء الفرائض بكتابة الردود على الرّسائل التي ترِده، والنّظر في حاجات المراجعين، ثم ينشغل بعد ذلك بالمطالعة. ويُثابر من منتصف الليل وحتّى شروق الشّمس على الصّلاة والذِّكر والنّوافل والتّعقيبات. وبعد شروق الشّمس يركن إلى الرّاحة بعض الوقت ليعود ثانية لمُقابلة المراجعين والتحدّث معهم، وتهيئة أو تركيب الدواء للمرضى.

وأخيراً يتّجه عصراً للتدريس في المدرسة، ويجلس بعدها لقضاء حوائج المحتاجين والمساكين والفقراء. وفي جميع الظروف والأحوال كان يخلد للراحة بعض الوقت من بعد شروق الشّمس، أو بعد الظهر ساعة».

عبادته وكراماته

منذ شبابه، شمّر الشّيخ «الأصفهانيّ» عن ساعد الجدّ في جهاد النفس، وقد ظهر منه في هذا المجال ما يكشف عن علوّ الهمّة وفرادة الجَلَد والاستقامة. يُدرك ذلك بيُسر من يتأمّل في سيرته في مجالَي العبادة والكرامات، فقد كان يحمل نفسه في العبادة على ما لا يتحمّله إلاّ القليل من النّاس، يقول ولده:

«كان يُبدي اهتماماً فائقاً بالاعتكاف وزيارة المشاهد المقدّسة للأئمّة، والمراقد الشريفة للأولياء، وكان يواظب دائماً على أداء الفرائض اليوميّة في أوّل وقتها، والإتيان بالنوافل، والنهوض في الأسحار، والتهجّد، وإحياء ليالي الجمعة، والليالي الشريفة، والصوم في الأيام البيض، وخدمة خلق الله ولا سيما السّادات منهم، وزيارة قبور الأنبياء والأوصياء والأولياء خاصّة في ليالي وأيّام الجمعة».

أمّا كراماته فكانت في الكثرة والنوعيّة ممّا لا يتفق إلاّ للأوحديّ، فقد جمع ولده (95) كرامة له، منها:

* «ذكر الشّيخ ذبيح الله العراقي: أُصبت بمرضٍ عُضالٍ صعُب على الأطباء في أراك وطهران علاجه، فيئست من الشفاء واضطررتُ للذهاب إلى مشهد وحظيت بمقابلة الشّيخ وقلت له: (أدفع لك ما تشاء إذا شافيتني من هذا المرض).

تأثّر من كلامي هذا وقال: (راجع طبيباً فأنا لستُ بطبيب)، ولم يَقبلْ بمعالجتي رُغم شدّة إصراري، إلى أن اتجهت آيساً في آخر المطاف إلى الإمام الرّضا عليه السلام. وفي إحدى الليالي رأيت في عالم الرؤيا أنّني زرته وشكوت له حالي، فقال عليه السلام لي: (راجع الشّيخ).

قُلت: (راجعته عدّة مرّات لكنّه طردني)، قال عليه السلام: (اذهب إليه مرّة أُخرى).

قلتُ: (اعطني علامة لتكون لي بُرهاناً يرضى به)، قال عليه السلام: (قُل: عالجني بدلالة طفل الجيران الذي مات وأعدتَهُ للحياة).

ذهبتُ إلى الشّيخ ثانيةً بهذه العلامة، وما أن وقع بصره عليَّ حتّى قال غاضباً: (ألمْ أقُل لك راجع طبيباً؟)، قلتُ: (أرسلني إليك الإمام الرّضا عليه السلام بهذه العلامة)، ولمّا سمِعَ ذلك الكلام منّي، قال: (اسكُتْ! ولا تُطلعْ أحداً على هذا السّر ما دمتُ حيّاً).

ثم أنّه أعطاني عدّة حبّات من ثمرة التين ومقداراً من المعجون، وبعد تناولهما ارتفع مرضي نهائياً وعُوفيتُ». (سيماء الأولياء: 72)

* ومنها ما ذكره ولده، قائلاً: «في منتصف إحدى ليالي الشتاء أيقظني والدي من النوم وقال: (لقد دخل البُستانَ لصٌ يريد تسلّق سور الدار، قُمْ وأطلِق عياراً نارياً في الهواء، ليهرُب من قبل أن يدخل الدار ويتسبب في إيذائنا وإيذاء نفسه).

قلتُ: (كيف عَرفتَ يا أبي بوجود اللّص وأنتَ في هذه الغرفة المغلقة المحاطة بالأسوار العاليّة؟ وكيف فَهمتَ أنّه يبغي تسلّق السور؟).

قال: (اصعد إلى سطح الدار وانظر، فهو الآن في وسط البُستان مُستندٌ إلى شجرة توت ويُدخّن سيجارة).

صَعدتُ إلى سطح الدار وأجَلتُ النظر في البُستان الذي بَدتْ الأشياء واضحة فيه تحت ضوء القمر، ورأيتُ بكل دهشةٍ رجلاً مستنداً إلى شجرة التوت والسيجارة بيده. نَزلتُ وأطلقتُ عياراً نارياً في الهواء فهربَ الرّجلُ، ثم رَجعتُ إلى غرفتي.

وفي الصباح سألتُ والدي: (إذا كُنتَ قد رأيتَ ذلك الشخص في اللّيل من وراء كلّ تلك الحُجب والموانع، وعَرفتَ ما في نفسه، فلماذا لم تَقُمْ بعملٍ يصرفه عمّا قَصدَ إليه؟).

قال: (ولماذا نقتني البندقيّة؟ ما دام المرءُ قادراً على درءِ العدوّ بمثل هذه الوسائل، لا يصحّ اللجوء إلى الأساليب الأخرى، ونظراً لعدم تَوفّر الأداة التي نكشف بها عن وجود اللّص خارج السور، ونكشف بها عن نيّته، استخدمنا سبيل الغَيب، ولكن بما أنّ الوسيلة لدفع شرّه موجودة، كان لزاماً علينا استخدامها. إنّ كلّ ما خلقه الله لم يَخلقه عبثاً، بل لابدّ من الانتفاع منه في الوقت المناسب، وقُدرة الباطن لا ينبغي أنْ تكون مُوجباً لتعطيل الأسباب الطبيعية الظاهرية، لأنّ هذا يتنافى مع الحكمة من الخلق)..».

(سيماء الأولياء: 77).

مؤلفاته

حقّق الشّيخ «الأصفهانيّ» (إرشاد البيان) و(أسرار نامه) للشيخ فريد الدين العطّار، وترجم كتاب (الصّلاة) للفيض الكاشاني، والذي طُبِع بعنوان (اسرار نماز). وكتب تعليقات ورسائل في الأخلاق وآداب السّلوك والسّير إلى الله تعالى وفي الفقه والتفسير، وقد جمع ولده ما تبقّى منها في كتاب (سيماء الأولياء وكراماتهم).

مع الإمام الخميني والسيد الزنجاني

يذكر السّيد جعفر الزّنجاني -شقيق المرجع الديني السّيد موسى الشبيري الزّنجاني- تفاصيل لقاء والده السّيد أحمد الزّنجاني والإمام الخميني بالشّيخ «الأصفهانيّ» أثناء سفرهم إلى مدينة مشهد المقدّسة، حيث يقول: «رأى المرحومان الإمام ووالدي، الشيخَ حسن علي جالساً عند ضريح الإمام الرضا عليه السلام من ناحية الرأس الشريف، فاتَّجها نحوه ليُحدِّثاه، وكان مشغولاً بقراءة الزيارة، فطلب إليهما أن ينتظراه أمام (مدرسة الحاج ملاّ جعفر) ريثما يفرغ من زيارته.

وفي فترة لاحقة، أخبرني أخي السّيد موسى أنّ الشّيخ حسن علي قال لهما: سأُعلِّمُكما شيئاً يُغنيكما عن الحاجة إلى الآخرين، وهو أن تقرأوا آية الكرسي أوّلاً، ثمّ تسبيحات الزهراء عليها السلام، بعدها سورة التوحيد ثلاث مرّات، والصّلاة على النبيّ وآله ثلاث مرّات، وقراءة الآيتين 2 و3 من سورة الطلاق: ﴿.. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.

كان والدي يقول: بعد المواظبة على هذا العمل، لم أفتقِر أبداً».

وفاته ومدفنه

في صباح يوم الأحد 17 شعبان سنة 1361 للهجرة، وصلت شمس روح الشّيخ «الأصفهانيّ» إلى أُفق مغربها في هذه الحياة، وأشرقت في عالم القّدس والبقاء، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «ألا انّ أولياءَ اللهِ لا يموتونَ بلْ يُنقلونَ من دارٍ إلى دارٍ».

لمْ تَمضِ ساعة حتى شاع خبر وفاته في كلّ أرجاء مدينة مشهد المقدّسة، وبعد الغُسل والتّكفين في محلّ سُكناه في قرية «سمرقند»، توجّه موكب التّشييع المهيب صَوب المدينة قاصداً المرقد المطهرّ للإمام الرّضا عليه السلام، وبعد تأدية مراسيم الزيارة، دُفِنَ، في الصحن العتيق، في الموضع الذي أوصى بأن يُدفنَ فيه، ومرقده اليوم معروف يُزار.

 

ما أجمل أن تُهتكَ الكرامة في سبيل الله

من وصيّة العالم الربّاني، الشيخ حسن علي الأصفهاني، لولده: «أُوصيكَ يا بُنيّ بأُمور، هي:

أوّلاً: أنْ تأتي بالصّلاة اليوميّة في وقتها.

ثانياً: أنْ تسعى جهدَ المستطاع لقضاء حوائج النّاس، ولا تتوهّم أنّ هذا العمل أو ذاك عمل كبير لا تَقدر على أدائه، لأنّ العبد إذا سار على طريق الحقّ، أعانهُ الله.

(يقول ابنه الشيخ علي: هنا قلت له: يا أبَه، إنّ السّعي لقضاء حوائج النّاس يؤدّي أحياناً إلى الحَطّ من كرامة الإنسان. فأجابني: ما أجملَ أنْ تُهتَكَ كرامته في سبيل الله.

ثالثاً: أن تُبدي للسّادة الهاشميّين المزيدَ من الإكرام والتجليل، وأن تَبذل لهم كلّ ما لديك، ولا تَخشَ من عملك هذا فقراً ولا إملاقاً، فإذا افتقرتَ، فلا تكليفَ عليك من بعدُ.

رابعاً: لا تَتْرُكِ التهجّد وصلاة الليل، واجعلِ الورعَ والتقوى نُصبَ عينيك.

خامساً: اكتسب من العلم ما يكفيك للخلاص من قَيد التّقليد».

(سيماء الأولياء: 39).

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  شعر

شعر

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات