بسملة

بسملة

منذ 5 أيام

الاستعمار الغربيّ للشرق

الاستعمار الغربيّ للشرق

وحدة الهدف، وتشابه السياسات، والأداة آل سعود والوهّابية

بقلم: الشيخ حسين كوْراني

أربَعُ حقائقَ مركزيّة، يكشفها البحث المنهجيّ في أهداف الاستعمار البريطانيّ سابقاً والأمريكيّ في جميع أطواره، وسياساته، والأساليب، هي:

  1. إنّ الهدف المشترك للمستعمر، منذ اجتياح «الحلفاء» لبلادنا، وإلى الآن، هو القضاء على الإسلام.

سيتّضح أنّ محوريّة هذا الهدف لبريطانيا وأميركا -وملاحقهما في الاستعمار- لا يلغي ما يذكر عادة من أهدافٍ للمستعمر كالتسلّط، ونهب الثروات، وغيرهما، بل يثبت أنّ المشروع الاستعماريّ الغربيّ في جميع أطواره ولتحقيق جميع أهدافه التي بات يعرفها القاصي والداني قد ارتكز إلى قاعدة لم يَحِد عنها ولا يحيد، وهي أنّ القضاء على الإسلام هو الضمان الوحيد لنجاح مخطّطاته، والضمان الوحيد لاستمرار هذا النجاح وحصْد أفضل النتائج.

  1.  تشابه السياسات، وهي الطريق إلى تحقيق هذا الهدف. من أمثلته: تمزيق العالم العربيّ إلى دول ودويلات في خطّ «هل من مزيد»؟
  2.  أنّ الأداة التي اعتمدتها بريطانيا لإنجاح السياسات، هي «آل سعود والوهابية» تُناقض هذه الحقيقة الصُّراح، السائد السياسيّ المغالطة التي تربّت عليها أجيال، وما زالت أبرز المسلّمات السياسيّة، والتي تتلخّص في أنّ «إسرائيل» هي أداة تمرير الاستعمار لمخطّطاته في «الشرق» أي منطقة غرب آسيا.

لا شكّ أنّ «إسرائيل» أداة الاستعمار، والخنجرُ المزروع في قلوبنا، ولكنَّ «إسرائيل» هذه عندما كانت فكرة، توقّف وجودها الخارجيّ -واستمراره- على «أداةٍ» حاضنةٍ ورافعةٍ، فلم يجد المستعمر البريطانيّ غير «آل سعود والوهابية»:

قال تشرشل لحاييم وايزمن، كما جاء في مذكّراته: «إنشاء الكيان السعوديّ هو مشروع بريطانيا الأول.. والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيونيّ بواسطته»!..

 

  1. أنّ «الوهّابية» ليست مذهباً من المذاهب الإسلاميّة، وبالتالي ليس الوهابيّون سلفيّين. «الوهابيّة» هي الدّين البديل عن الإسلام. هي دين بريطانيا الجديد، الذي ورّثته العجوز الشمطاء لأميركا. السلفيّون بالإسم هم أتباع «الإسلام البريطانيّ المُمَوّه بالإسلام الأمويّ» الذي صار كما سمّاه الإمام الخميني: «الإسلام الأميركيّ».

***

يستدعي تقديم الأدلّة القطعيّة على هذه الحقائق الأربع الوقوف بأناة مع كلٍّ منها.

 لذلك سأقتصر في هذه البسملة على إثبات الحقيقة الأولى: أنّ الهدف المشترك للمستعمرين هو القضاء على الإسلام، لتتولى البسملات القادمة -بحوله تعالى- تقديم الأدلّة المذهلة حول باقي الحقائق.

***

 يبدأ البحث المنهجيّ لإثبات هذه الحقيقة الأولى، من الصفحة 158، الجزء الثالث من كتاب «الجزيرة العربيّة في الوثائق البريطانيّة - نجد والحجاز ( 1917- 1918) إعداد: نجدة فتحي صفوة».

في هذه الصفحة من هذا الجزء، تبدأ «المذكّرة» المبسوطة جداً وعلى مساحة خمس وعشرين صفحة، كتبها الكابتن «براي» في «جدّة» بتاريخ 25 مارس 1917م، وعنوانها حرفيّاً كما تَقدّم:

«مذكّرة عن القضية الإسلاميّة، تأثيرها في الحوادث في الهند، وفي بلاد العرب.

مستقبل الإحياء الإسلامي العظيم في الوقت الحاضر حين لا تعود تركيّة دولة يعلّق العالم الإسلاميّ آماله عليها».

ويتوقّف حُسن قراءة هذه المذكّرة، على الخطوط العامة التالية:

  • التنبّه إلى أنّ هذه المذكّرة كتبت قبل اكتمال سقوط الدولة العثمانيّة، وهو يعني أنّ بريطانيا كانت تخطّط للقضاء على الإسلام احترازاً من ردّات فعل الشعوب المسلمة بعد اكتمال سقوط كيانها السياسي الجامع، وقد أسهب «براي» في الحديث عن ذلك، بل أورده في عنوان المذكّرة بقوله «مستقبل الإحياء الإسلامي العظيم في الوقت الحاضر حين لا تعود تركيّة دولة يعلّق العالم الإسلاميّ آماله عليها».
  •  التنبّه إلى أنّ القضاء على روح «الإحياء الإسلامي العظيم» لا يتحقّق إلا بالقضاء على الإسلام.
  •  الإحاطة بحقيقة المشهد الأمنيّ الذي تكشف معالمه الوثائق البريطانيّة عن تلك المرحلة، وعلى الإحاطة بالمشهدين العسكريّ والسياسيّ في بلادنا عندما كتب «الكابتن براي» مذكّرته هذه.

***

كان المشهد الأمنيّ يتلخص بما يلي:

  •  «الدولة العثمانيّة» شديدة الحذر من أنشطة بريطانيا الأمنيّة في تواصلها الدائم والمكثَّف مع مراكز الثقل العشائريّ والسياسيّ والعسكريّ، وأبرزها «الشريف حسين» في مكّة، و«عبد العزيز بن سعود» في الرياض.
  •  وكانت جهود بريطانيا تنحصر في العمل الأمنيّ لأنّها لم تكن قد وسّعت بعد دائرة احتلالها، فلا تواجد للجيش البريطانيّ في الحجاز ونجد.
  •  وكانت مرجعيّة العمل الأمنيّ البريطانيّ موزّعة بين «المكتب الهنديّ»، و«مكتب القاهرة»، وكان الضابط الإنجليزيّ المكلّف بملازمة «الشريف حسين» هو «لورانس العرب»، بينما كان الضابط المكلّف بملازمة عبد العزيز هو «جون فيلبي».
  •  كانت الأولويّة لبريطانيا في عملها الأمنيّ تمكين «عبد العزيز بن سعود» ليصل من القوّة إلى حيث تستغني بريطانيا عمّا اضطرّت إليه من حاجتها العسكريّة الماسّة إلى الإستعانة بالشريف حسين وأولاده لاستكمال مهمّة إخراج الجيش التركيّ من المنطقة.
  • كان الشريف حسين رغم سقوطه المدوّي في حضن بريطانيا لانتزاع البلاد العربيّة من الأتراك، لا يمكن إطلاقاً أن يتنازل عن وحدة البلاد العربيّة بزعامته، ولا يمكن أن يتنازل عن فلسطين لليهود. وكانت بريطانيا تدير عملها الأمنيّ على قاعدة أنّها مستعدّة للتنازل لعملائها عن كلّ شيء إلا عن هذين الأمرين، بل تعتبرهما أمراً واحداً هو تقسيم البلاد العربيّة لتمكين اليهود من فلسطين، ولذلك فهي تتعامل مع «الشريف حسين» بمنتهى التمويه والحذر الأمنيّ، ولا تتنازل إطلاقاً عن تبنّيها النهائيّ والسرّيّ «لعبد العزيز بن سعود» المستعدّ - بلهفة يهوديّة - للتنازل عن فلسطين.

 يؤكّد ذلك ما قاله «السير كوكس» في القاهرة بتاريخ 23 مارس 1918: «سنمشي على قدمين (يقصد عبد العزيز والشريف حسين) مع أنّ الإنسان قد يستغني عن واحدة إذا أصيبت بداء يقطعها..  إنّني أكّدت لكم أن ابن السعود أصلح لنا من الشريف حسين الذي رفض التوقيع أو الموافقة لإقرار وضع اليهود في فلسطين، ولهذا نريد أن نرسل ابن السعود لتأديب الشريف حسين وإخضاعه لنا، وإذا لم يخضع فسيرى الجميع آنذاك أنّ استئصاله أصلح لنا مع الاستفادة من أبنائه في أماكن غير الحجاز وتسليم الحجاز لابن السعود».

***

وكان المشهد العسكريّ يتلخّص في الآتي:

  1.  تعدّدت الجُزُر العسكريّة القبليّة في الجزيرة العربيّة التي كانت بمجملها تحت سيطرة الجيش العثمانيّ الذي دبّ فيه الضعف جرّاء التطورات السياسيّة والإقتصاديّة المتسا رعة، وكان أبرز تلك القوات العسكريّة القبَليّة، ما يمكن للشريف حسين أن يستنفره، تليها القوّات العسكريّة القبليّة التي يمكن أن يستنفرها عبد العزيز آل سعود، بدعمٍ مطلقٍ من بريطانيا.
  2.  استطاعت بريطانيا -بارتماء الشريف حسين وأبنائه في أحضانها، وبتمويهها عليهم- أن تزيل من طريق بريطانيا عقباتٍ شاقة، بعضها -بحسب ما جاء في هذه المذكرة-: «لقد دُمّرت فرقة تركيّة كاملة، وعُزلت فرقة ثانية، وضويقت ثالثـة مضـايقةً شـديدة، وأُرغمت على الوقوف نهائيّاً موقف الدفاع، واحتُلت ثلاث مدن واستولت على مراكز عديدة أو دمّرتها. احتفظ (الشريف حسين) على الأقل بـ 10000 محارب في الميدان بصورة دائمة لمدة ثمانية أشهر. إنّ زحف الشريف فيصل مسافة 200 ميل مع قوّة قدرها 8000 رجل. ولو أنّه لم يتم بالسرعة المأمولة، فإنّه لم يكن ولا ريب إنجازاً عسكرياً صغيراً».

***

وكان المشهد السياسيّ في العالم الإسلاميّ، بخطوطه العامّة كما يلي:

  1. ترقُّب اكتمال سقوط «الدولة العثمانيّة»، بلهفة المفجوع، أو نشوة الشامت.
  2. توثُّب روح «إحياء الإسلام» -في المفجوع والشامت- لاستعادة الرّمز السياسيّ الجامع لشعوب الأمّة المسلمة ولو باسمٍ آخر وقادةٍ آخرين غير «الدّولة العثمانيّة» وسلطانها وأركانه.
  3. تكاثرت الجمعيّات السرّيّة -أي الأحزاب السياسيّة السرّيّة- وكان أبرزها في الهند «أنجمن خُدّام كعبه» أي «جمعيّة خدّام الكعبة» التي بالغ «براي» في اللطم على صدره وصدر بريطانيا من خطرها وهَوْل المكاسب التي كانت ستحققها، لولا أن المخابرات البريطانيّة اكتشفتها في وقت متأخّر.

جاء في مذكرة «الكابتن براي» عن «الأنْجُمَن» أي «جمعيّة خدّام الكعبة»: «إن القوة والتنظيم هما اللذان كانا السبب في ظهور «الأنجمن» وسائر المنظمات المماثلة إلى الوجود، وذلك ما يجب أن يثير اهتمامنا. وإنّ اكتشاف هذه المؤامرة التي كما قلت، لم يكن من المقدّر لها أن تصيب نجاحاً، (له أهميّته الحيويّة لمجرد أنه يقودنا) خطوة أقـرب لتقدير العوامل التي أدّت إلى وجودها.

واعتقال أعضاء الجمعيّة الرئيسيّين، ولو أنّه يزيـل في الوقت الحاضر مادّة قابلةً للالتهاب، فإنّه لا يؤثّر في تحريرنا من مخاطر مماثلـة فـي المستقبل، أو وقف سيْر الأحداث الإسلامية، أكثر من تأثير سَحْب بضعة دلاءِ ماءٍ من نهـرٍ لوقف جريانه».

***

في هذه الأجواء السياسيّة أيقن «الكابتن براي» أنّ القضاء على «الدولة العثمانيّة» سيُحدث في العالم الإسلاميّ فراغاً مدوّياً يُلهب مشاعر الشعوب الإسلاميّة فتتفجّر شلّالات «الإحياء الإسلاميّ» الذي كتب مذكّرته المبسوطة هذه محذّراً منه، منادياً بالويل والثبور، وعظائم الأمور، إذا قصّرت «بريطانيا» في التخطيط لمواجهته، أو قصّرت في تنفيذ الخطط التي تضمن منع «إحياء الإسلام».

مما قاله «الكابتن براي» في التحذير من خطر «القضيّة الإسلاميّة»: «فهـي فـي الوقـت الحاضر مجرّد شعورٍ لدى الجماهير، وعبارةٌ عن أوهام، ولكنّ الزمن سيجعله أكثر موضوعيّة، وحالما يصبح للحركة في عقول المسلمين بصورة عامّة هدف واضح، وأمل، وطمـوح، فإنّـه يصبح خطراً حقيقيّاً وعاجلاً. ولن يكون بالضرورة خطراً في حد ذاته، كعامل عسـكريّ، بـل سلاحاً، وسلاحاً قويّاً جدّاً، بأيدي أيّ عدو في المستقبل. وحتى في هذه الحرب الحاليّة سبّبت لنا المسألة الإسلامية قلقاً كثيراً جداً. ولكنّها في هذه المرحلة لا تزال مفكّكة، وليس لديها أيّ تنظيم حقيقيّ، والمستقبل قد يعالج أو يحسّن كِلا هذين الخللين. فإذا كنّا في ذلك الوقت قد سبّبنا نفـرة الشعور الإسلاميّ، فإنّنا نتعرّض لخطر شديد إذ نكون عاجزين عن معالجة ذلك الخطر».

***

يكشف التدبُّر في هذه المذكّرة التي كُتبت عام 1917م، وفي الوثائق البريطانية حول تلك السنة وغيرها، النتائج الأبرز التالية:

  1.  أنّ استئصال روح الإحياء الإسلاميّ لا يعني غير «القضاء على الإسلام».
  2.  رغم أنّ «الكابتن براي» بالغ في محاولة إقناع رؤسائه في مخابرات الجيش البريطانيّ باعتماد الشريف حسين، مبالغاً كذلك في تظهير موقعه في نفوس المسلمين، وسائر «مناقبه» وأبرزها خدماته العسكريّة للتاج البريطاني -رغم ذلك كلّه- فإنّ رؤساء الكابتن براي قد رأوا أنّ خنق روح الإحياء الإسلامي، يتوقّف على اعتماد «عبد العزيز بن سعود».

***

 سيتّضح في الحديثين القادمين في بسملتين (افتتاحيّتين) -بحوله تعالى- أنّ السرّ في ذلك -كما تكشفه الوثائق البريطانية بجلاء- هو أنّ استئصال روح الإحياء الإسلاميّ يتوقّف على تعلّق قلوب الشعوب المسلمة بشخصيّة ظاهرها الإسلام، وباطنها غير الإسلام، كما يتوقف على التزام المسلمين ديناً ملتبساً ظاهره الإسلام وباطنه غيره، وعلى أساس هذا السرّ اعتمدت بريطانيا «آل سعود والوهابيّة». آل سعود ليهوديّتهم، والوهابيّة لأنّ ظاهرها الإسلام، وباطنها البديل عن الإسلام، المموّه بمناشىء انتزاعٍ من الإسلام الأمويّ.

***

والنتيجة الأبرز لكل ما تقدّم أنّ التناقض مستحكمٌ أبداً بين مسارين: مسار منع إحياء الإسلام لتحقيق هدف الاستعمار وهو «القضاء على الإسلام»، وبين مسار الصّحوة الإسلاميّة الهادفة إلى إحياء العقول والقلوب بالإسلام، ليتحقق الأمن النفسيّ والسّلم والسّلام في الفرد والمجتمع والعالمين، وتُقطَع أيدي الاستعمار والمستعمرين، والفراعنة والمستكبرين، وأدواتهم من الحكّام الدّمى، والمترَفين، والمفسدين في الأرض.

ويشتدّ هذا التناقض وتبلغ القلوب الحناجر عندما تحصد الصحوة الإسلاميّة نصراً، ويرى فرعون وهامان وجنودهما ما يحذرون.

***

قال الإمام الخمينيّ:

«لقد خرج بلدٌ من يدهم، وهم يخشَوْن تكرار ذلك في الدول الإسلاميّة الأخرى (وعسى) أن يتحقق ذلك».

وقال رضوان الله عليه:

«ألا يرى المسلمون أنّ مراكز الوهابيّة في العالم تحوّلت إلى مراكز فتنة وجاسوسيّة وهي تروّج لإسلام الأعيان، إسلام أبي سفيان، إسلام المَلالي القذرين، إسلام أدعياء القداسة عديمي الشعور في الحوزات العلميّة والجامعات، إسلام الذّلّ والنكبة، إسلام المال والقوّة، إسلام الخداع والمساومة والإستعباد، إسلام حاكميّة الرأسمال والرأسماليين على المظلومين والحفاة، وبكلمة: الإسلام الأمريكي!.

ومن جهة أخرى تسجد على أعتاب أسيادها أمريكا آكلة العالم!».».

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 4 أيام

إصدارات عربية

نفحات