فكر ونظر

فكر ونظر

منذ يومين

درسٌ في صِدق الانتظار

درسٌ  في صِدق الانتظار

تشابه أحوال الأمم في الفترة... قبل البِعثة وقبل الظهور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ حسين كوراني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«فرقٌ شاسع بين ادّعاء انتظار الإمام المهديّ، وبين الانتظار الحقيقيّ له عليه السلام. والمائز بينهما حُسن الخُلُق في خُطى خاتَم النبيّين صلّى الله عليه وآله. ومثالُ الحالَين واقع المنتظِرين لبعثة النبيّ صلّى الله عليه وآله من أهل الكتاب، حيث إنّ منهم مَن آمن، وأكثرهم الكافرون، ولا يزالون».

هذه هي الفكرة الأساس التي تتناولها هذه المقالة، المختصرة عن مضمون محاضرة لسماحة الشيخ حسين كوراني، ألقاها في «المركز الإسلامي» في ذكرى البعثة النبوية الشريفة.

«شعائر»

 

من جملة البشارات التي وردت في الكتب السماوية، قبل القرآن الكريم، عن مبعث النبي صلّى الله عليه وآله، ما أورده العلامة المجلسي في ( بحار الأنوار: 15/231)، حيث يقول:

«..من ذلك بشائرُ موسى عليه السلام في السِّفر الأوّل، وبشائر إبراهيم عليه السلام في السفر الثاني، وفي السفر الخامس عشر، وفي الثالث والخمسين من مزامير داود عليه السلام، وبشائر عويديا، وحيقوق، وحزقيل، ودانيال، وشعيا. وقال داود في (زَبوره): اللّهُمّ ابعثْ مُقِيمَ السُّنّةِ بعدَ الفترة». والفترة هي التي تكون بين نبيّ ونبيّ.

وقال عيسى عليه السلام في الأنجيل: إنّ ابن البَرّة ذاهبٌ والبارقليطا جائي من بعده، وهو يخفّف الآصار، ويفسّر كلّ شيء، ويشهدُ لي كما شهدتُ له، أنا جئتُكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل».

يضيف العلّامة المجلسي، نقلاً عن كعب الأحبار في صفة النبيّ صلّى الله عليه وآله، كما في التوراة، قال: «.. نجد مكتوباً: محمّدٌ رسول الله، لا فظّ، ولا غليظ، ولا صخّاب بالأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، أمّته الحامدون، يكبّرون الله على كلّ نجْد، ويحمدون في كلّ منزل، صفّهم في القتال وصفّهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دويٌّ كدويّ النحل».

..كما يعرفون أبناءهم

أستعرض بعض النصوص حول أنّ الأنبياء جميعاً، عليهم السلام، كانوا يبشّرون برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

* قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..﴾. [الصفّ:6]

إذاً، النبيّ عيسى قال لأمّته أنّه يبشّر بنبيّ من بعده اسمه «أحمد»، فحتّى الاسم كان واضحاً، «أحمد» و«محمّد» اسمان مشتقّان من «الحمد»، وهما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بنصّ القرآن الكريم.

* وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ..﴾. [آل عمران:81]

إنّ الأنبياء جميعاً كانوا يؤكّدون نبوّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد انتشرت معرفة أُممهم برسول الله إلى حدّ أنّهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ويصرّح القرآن الكريم بهذا الخصوص: ﴿الذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. [البقرة:146]

إضافة إلى هذه المعرفة، فإنّهم عندما كانوا يدخلون في جدال ونقاش ديني مع قريش ومع العرب في الجزيرة العربية كانوا يهدّدونهم برسول الله: غداً يظهر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! كان اليهود والنصارى يستفتحون برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على قريش والعرب، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ..﴾. [البقرة:89]

إذاً، بعد أن قامت الحجّة على أهل الكتاب لم يؤمنوا برسول الله صلّى الله عليه وآله، وهذا درس كبير ينبغي أن ننتبه له، حتى نلتفت إلى صدق انتظارنا للإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وصِدق الانتظار مرتبط بالطاعات، فليس انتظاراً أنّ يدّعي أحدنا أنّه ينتظر، وهو يعصي الله تعالى، أو ينتظر وهو لا يهتمّ بمكارم الأخلاق، لأنّ مسيرة الإمام المهديّ هي مسيرة صاحب الخُلُق العظيم، فلا يمكن أن يكون أحدنا سيّئ الخُلق، ومقيم على سوء الخلق، ويكون من المنتظرين.

 

الانتظار وحده لا يكفي

 

كما ننتظر الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، كان اليهود والنصارى وكثيرٌ ممّن سمع منهم ينتظرون رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد انتقلت قبائل من اليهود إلى المدينة المنوّرة لمعرفتهم أنّ بعثته صلّى الله عليه وآله ستكون في يثرب.

سلمان الفارسيّ رضوان الله عليه، باعتبار أنّه كان في خطّ أوصياء نبيّ الله عيسى، على نبيّنا وآله وعليه السلام، انتقل من بلدٍ إلى بلد، واستقرّ في المدينة لأنّه كان ينتظر رسولَ الله صلّى الله عليه وآله.

أقام الله تعالى الحجّة على الأجيال، فلم يُبعث نبيٌّ إلّا بالاعتقاد بنبوّة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، وولاية أهل البيت مظهر الحقيقة المحمّدية عليهم جميعاً صلوات الرحمن، وكان كلّ نبيّ يُخبر أمّته عن خاتَم الأنبياء، ويتحدّث معهم عن التوسّل به صلّى الله عليه وآله وبأهل بيته عليهم السلام.

ولا تعجب من أنّه ما دام الأمر بهذا الوضوح، فلماذا لم يؤمن أكثر أهل الكتاب برسول الله صلّى الله عليه وآله؟

لا تعجب، وانتبه إلى الدرس الذي لا بدّ من أن يستفاد من هذا الأمر، وهو أنّنا مهما ادّعينا أنّنا ننتظر الإمام المهديّ أرواحنا فداه، فقد نُفاجأ بأنّ الذين لا يتّبعون الإمام المهديّ عند ظهوره هم الأكثرية من الناس، وقد يحاربه بعض من يَتصوّر أنّه ينتظره عليه صلوات الرحمن.

لقد حارب رسولَ الله صلّى الله عليه وآله أكثرُ هؤلاء الذين كانوا ينتظرونه. أمّا اليهود فقد حاربه منهم بنو النضير، وبنو القينقاع، ويهود خيبر. وأمّا النصارى فإنّ التعبير العمليّ عنهم كان آنذاك نصارى نجران، الذين جاؤوا إلى المدينة وأرادوا أن يُباهلوا رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تراجعوا وصالحوا على أن يدفعوا الجزية، ولم يدخلوا في الإسلام.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ يومين

إصدارات عربية

نفحات