تحقيق

تحقيق

07/04/2019

المسجد ذو القبلتَين

 

 

المسجد ذو القبلتين

الكعبة المشَرفة قِبلةُ الرسالَة الخاتمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: شعائر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

يقع «مسجد القِبْلَتين» أو «ذو القِبْلَتين» شمال غربي المدينة المنورة، على مقربة من مسجد الفتح، وكان يُعرف قبل الهجرة النبويّة بـ «مسجد بني سالم»، أمّا سبب تسميته بهذا الاسم فهو أنّ الرسول صلَّى الله عليه وآله، وبعد الهجرة إلى المدينة، كان يؤمّ المسلمين فيه لصلاة الظهر وكانت قِبْلَة الصلاة هي بيت المقدس ، القِبْلَة الأولى التي توجَّه إليها المسلمون بعد البعثة النبوية الشريفة في صلاتهم، وحين الصلاة أمر الله تعالى رسوله بالتوجّه إلى الكعبة الشريفة فعُرف هذا المسجد، منذ ذلك اليوم، بالمسجد ذي القِبْلَتين.

 

جاء في تفسير النعماني بإسناده إلى الصادق عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم، لمّا بُعث كانت الصلاة إلى قِبْلَة بيت المقدس سنَّة بني إسرائيل، وقد أخبرنا الله في كتابه بما قصَّه في ذكر موسى عليه السلام أن يجعل بيته قِبْلَة، وهو قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة﴾، فكان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم، في أوَّل مبعثه يصلّي إلى بيت المقدس جميع أيَّام مقامه بمكة» .

 

مسجد بني سالم

الآثار في هذا المسجد الشريف تحكي الحَدَث الإلهي بتحويل القِبْلَة، ففي المسجد محرابان:

المحراب الأول: مَبْنيٌّ في الاتجاه الذي كان يصلّي إليه النبيّ صلَّى الله عليه وآله، نحو بيت المقدس الركعتيْن الأولَيَيْن من صلاة الظهر قبل نزول الآية: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ..﴾ التي تُخبر بتغيير جهة القِبْلَة.

والمحراب الثاني: مَبْنيذٌ في الاتجاه الذي صلَّى إليه النبيّ صلَّى الله عليه وآله، الركعتين الأخيرتيْن من صلاة الظهر، أي نحو الكعبة المعظّمة، وهذه المعالم لا تزال موجودة حتّى يومنا هذا.

 

القِبْلَة الكعبة الشريفة

عن عليّ بن إبراهيم بإسناده عن الإمام الصادق عليّه السَّلام أنّه قال: «تحوّلت القِبْلَة إلى الكعبة بعدما صلَّى النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلَّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر، ثم وجّهه الله إلى الكعبة، وذلك أن اليهود كانوا يُعيّرون رسول الله صلَّى الله عليه وآله ويقولون له أنت تابع لنا تصلّي إلى قِبْلَتنا، فأغتمّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم، من ذلك غمّاً شديداً وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك أمراً، فلمّا أصبح وحضر وقت الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلَّى من الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرائيل عليه السَّلام فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة وأنزل عليه: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَة تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ فكان أن صلَّى رَكعتين إلى بيت المقدس ورَكعتين إلى الكعبة». وورد أنَّ تحويل القِبْلَة كان ظهر يوم الثلاثاء النصف من شهر شعبان من السنة الأولى للهجرة النبوية المباركة، فحوّل النبيّ صلَّى الله عليه وآله وجهه إلى الكعبة، وحوَّل من خَلفه وجوههم حتّى قام الرجال مقام النساء، والنساء مقام الرجال.

انتقاد اليهود وهاجس المسلمين

ما يجدر الإشارة إليه أن اتجاه القِبْلَة التي صلَّى إليها النبيّ صلَّى الله عليه وآله نحو الكعبة المشرّفة قد حوَّل النبيَّ إليها جبرائيلُ عليه السلام، وهي دقيقة جداً ولا تختلف مع أدق الأجهزة الحديثة، ولكن اليهود والسفهاء لم يعلِّقوا على ذلك وانتقدوا بقولهم كما ذكر الله تعالى في القرآن المجيد ﴿...مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا...﴾ (البقرة:142).

أما المسلمون فقد أظهروا أمام الرسول صلَّى الله عليه وآله خشيَتهم على صلواتهم وأعمالهم السابقة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لمَّا صرف الله نبيَّه إلى الكعبة عن بيت المقدس، قال المسلمون للنبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: أرأيتَ صلاتنا التي كنَّا نصلِّي إلى بيت المقدس ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلُّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، فسمَّى الصلاة إيماناً..»

 

علَّة تحويل القِبْلَة

أخبرنا الله عزَّ وجل العلّة التي من أجلها لم يحوِّل قبلته من أوَّل مَبعث الرسول صلّى الله عليه وآله، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

وذكر مفسّرو القرآن الكريم عللاً لتحويل القِبْلَة منها أنّه في سنوات حضور النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله في مكة المكرمةكانت الكعبة مكاناً لأصنام المشركين، ففي تلك الفترة وبأمر من الله وبصورة مؤقتة اتّجه النبيّ صلَّى الله عليه وآله إلى بيت المقدس كي تنفصل صفوف المسلمين عن المشركين الذين كان جلّ اهتمامهم إلى الكعبة وعبادة الأوثان.

لكن، بعد أنْ هاجر النبيّ صلَّى الله عليه وآله إلى المدينة ومع تأسيس الحكومة الإسلاميَّة في المدينة قام اليهود باستغلال موقف مسلمين باتخاذهم بيت المقدس قِبْلَة لهم، وكانوا يرون ذلك علامة على النقص في الإسلام وأحقيَّتهم أو يدّعون بأن المسلمين ما كان لديهم قِبْلَة، واليهود هم الذين وجهوهم إلى بيت المقدس. فكانوا يشمخون ويفتخرون على المسلمين بأنهم يصلّون باتجاه قِبْلَة اليهود. فلما جاء الأمر الإلهي بتحويل القِبْلَة إلى الكعبة وبيت الله الحرام، البقعة التي طالما كانت مركزاً لأنبياء الله، نزل ذلك كالصاعقة على اليهود والمنافقين، وسلبَتْ ما بأيديهم من ذريعة للإنقاص من الدين الجديد وتعيير أتباعه. فحينئذ وبأمر من الله تعالى صارت الكعبة قِبْلَة المسلمين في صلواتهم، وعباداتهم تمييزاً لهم عن اليهود وقِبْلَتهم، بيت المقدس.

وبتحويل القِبْلَة كذلك قصرت ألسنة الطاعنين من المشركين الذين كانوا يذمُّون المسلمين بسبب توجُّههم إلى بيت المقدس، كما أنَّ جمعاً غفيراً منْ سكَّان الحجاز الراغبين للكعبة اقتربوا إلى الإسلام وأزيلت الحواجز التي كانت تمنع من إسلامهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى، حيث يقول:﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾.

ومن الحِكم التي تكمُنْ خلف هذه القضيَّة هي سنة ابتلاء الله المسلمين؛ لأنّ من كان مطيعاً ومخلصاً لله في عقيدته تقبّل هذا الأمر، تحويل القِبْلَة، دون أي اعتراض لكن مَنْ كان متزلزلاً في مبادئه، ضَمّ صوته إلى صوت اليهود المحتجِّين ، وكان من الصعب عليهم تَقَبُّل هذه القضيَّة، وهذا الامتحان كان من الاختبارات الإلهيّة الصعبة للمسلمين.

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/04/2019

الموعود

  عربية

عربية

09/04/2019

عربية

نفحات