أحسن الحديث

أحسن الحديث

06/05/2019

موجز في تفسير سورة »المَسَد«

 

موجز في تفسير سورة »>المَسَد«

ردّ إلهيّ معجز على أعدى أعداء الرسالة

ـــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ

 

* السورة الحادية عشرة بعد المائة في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، آياتها خمس، وهي مكّية، جاء في الحديث النبويّ الشريف: «من قرأها رجوتُ أن لا يجمعَ اللهُ بينه وبين أبي لهبٍ في دارٍ واحدة».

* سُمّيت بـ«المسد» نسبة لآخر كلمة منها، وتسمّى أيضاً (تَبَّتْ) نسبة لأوّل كلمة فيها بعد البسملة.

 

عندما نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ الشعراء:214، صعد  صلّى الله عليه وآله وسلّم على جبل الصفا، ونادى: «يا صباحاه!»، وهو نداء يطلقه العرب حين يهاجَمون بغتة كي يتأهّبوا للمواجهة، وإنّما اختاروا هذه الكلمة لأنّ الهجوم المباغت كان يحدث في أوّل الصبح غالباً.

عندما سمع أهل مكّة هذا النداء قالوا: من المنادي؟ قيل: محمّد. فاقبلوا نحوه، ثمّ بدأ صلّى الله عليه وآله ينادي قبائل العرب بأسمائها، وقال لهم: «أرأيتم لو أخبرتُكم أنّ العدوّ مصبحُكم أو ممسيكم، أما كنتم تصدّقوني؟» قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وآله: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال عمّه أبو لهب: تبّاً لك لهذا دعوتنا جميعاً؟! فأنزل الله تعالى السورة تعِدُ أبا لهب بالهلاك.

 

قال المفسّرون

جاء في (تفسير الأمثل) لآية الله الشيخ مكارم الشيرازي ما ملخّصه: «ترُدّ السورة على بذاءات أبي لهب عمّ  صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان من ألدّ أعداء الإسلام، فحين صدح النبي بدعوته وأعلنها على قريش، وأنذرهم بالعذاب الإلهي قال له: تبّاً لك ألهذا دعوتنا جميعاً؟! فتقول السورة في أولى آياتها: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ). و«التبّ» و«التباب» يعنيان الخسران المستمرّ، كما يقول «الراغب» في (مفرداته)، أو هو الخسران المنتهي بالهلاك، كما يقول «الطبرسي» في (مجمع البيان).

وقد يثار تساؤل بشأن سبب ذمّ هذا الشخص باسمه وبهذه الشدة؟! ولكنّ الأمر يتّضح لو عرفنا مواقف أبي لهب من الدعوة.

اسمه عبد العزّى، وكنيته أبو لهب، وقيل إنّه كنّي بذلك لحمرة كانت في وجهه.

وامرأته أم جميل  هي أخت أبي سفيان، وكانت من أشدّ الناس عداوة وأقذعهم لساناً تجاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ودعوته.

في الرواية عن طارق المحاربي قال: بينا أنا بسوق «ذي المجاز»، إذا أنا بشابّ يقول: «يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا». وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه، ويقول: يا أيّها الناس إنّه كذّاب فلا تصدّقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا هو محمّد يزعم أنّه نبيّ، وهذا عمّه أبو لهب يزعم أنّه كذّاب.

وكان من عظيم خطر أبي لهب ضدّ الدعوة الإسلامية –كما في رواية أخرى- أنّه كلّما جاء وفد إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يسألون عنه عمّه أبا لهب -اعتباراً بكبره وقرابته ومنزلته- كان يقول لهم: إنّه ساحر. فيرجعون ولا يلقون ، فأتاه وفدٌ فقالوا: لا ننصرف حتّى نراه، فقال لهم: إنّا لم نزل نعالجه من الجنون، فتبّاً له وتعساً.

ممّا تقدّم نفهم بوضوح أنّ أبا لهب هذا كان يتتبّع  صلّى الله عليه وآله وسلّم غالباً كالظلّ، وما كان يرى سبيلاً لإيذائه إلّا سلكه، وكان يقذعه بأفظع الألفاظ. ومن هنا كان أشدّ أعداء الرسول والرسالة. ولذلك جاءت هذه السورة لتردّ على أبي لهب وامرأته بصراحة وقوّة.

﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾، يستفاد من الآية الأولى أنّ أبا لهب كان ثريّاً ينفق أمواله في محاربة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومن الثانية أنّ ناره ذات لهب يصلاها يوم القيامة. وقيل: يصلاها في الدنيا قبل الآخرة. وجاءت (لهب) بصيغة النكرة لتدلّ على عظمة لهب تلك النار.

 

هلاك أبي لهب في الدنيا

لم تُغنِ أبا لهب أموالُه في الدنيا من سوء المصير، حيث جاء في الرواية أنّه لم يشترك في بدر، بل أرسل من ينوب عنه. وبعد اندحار المشركين وعودتهم إلى مكّة، هرع أبو لهب ليسأل أبا سفيان عن الخبر. فأخبره أبو سفيان بالهزيمة، وقال له: «وأيمُ الله ما لُمتُ الناس. لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض». فقال أبو رافع (مولى العباس بن عبد المطّلب) -وكان جالسا-: تلك الملائكة. فرفع أبو لهب يده فضرب وجهه ضربة شديدة، ثمّ حمله وضرب به الأرض، ثمّ برك عليه يضربه، وكان رجلاً ضعيفاً.

وما إن شهدت أمّ الفضل (زوجة العباس)، وكانت جالسة أيضاً، ذلك حتّى أخذت عموداً وضربت أبا لهب على رأسه، وقالت: تستضعفه إن غاب عنه سيّده؟! فقام أبو لهب مولّياً ذليلاً.

قال أبو رافع: فوالله ما عاش إلّا سبع ليال حتّى رماه الله بالعدسة (مرض يشبه الطاعون) فمات. وقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفنانه حتّى أنتن في بيته.

فلمّا عيّرهما الناس بذلك أُخذ وغسّل بالماء قذفاً عليه من بعيد، ثمّ أخذوه فدفنوه بأعلى مكّة وقذفوا عليه الحجارة حتّى واروه.

 

امرأته أمّ جميل

﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾.

تتحدّث الآيتان عن أمّ جميل امرأة أبي لهب، وتصفانها بأنّها تحمل الحطب كثيراً، وفي رقبتها حبل من ليف النخيل. قيل: إنّ القرآن وصفها بأنّها حمّالة الحطب لأنّها كانت تأخذ الحطب المملوء بالشوك وتضعه على طريق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتدمي قدماه.

و«الجيد» هو الرقبة، وجمعه أجياد. و«مسد» هو الحبل المفتول من الألياف. وقيل هو حبل يوضع على رقبتها في جهنم، له خشونة الألياف، وحرارة النار، وثقل الحديد.

وقيل: إنّ نساء الأشراف كنّ يرين شخصيّتهن في وسائل الزينة وخاصّة القلادة الثمينة، والله سبحانه يلقي في عنقها يوم القيامة حبلاً من ليف للإهانة.

 

 

 

دعاء اليوم الرابع

«اللّهُمّ قَوِّني فيه على إقامة أمرِك، وارزُقني فيه حلاوةَ ذِكرك، وأوزِعني فيه أداءَ شُكرِكَ يا خيرَ الناصرين».

* إقامة الأمر: بمعنى إقامة ما أمر به الله تبارك وتعالى، وكلّ ما افترضه ودعا إليه؛ كالصلاة والجهاد والحجّ..

* أما طلب القوة منه عزّ وجلّ، فبمقتضى انسجام الموحّد مع اعتقاده بأنه عزّ وجلّ هو القويّ العزيز، ومصدر كلّ قوة، وأنْ لا حولَ ولا قوّة إلا به سبحانه. وفي بعض أدعية يوم الغدير: «اللّهُمّ إنّي ضعيفٌ فَقَوِّ في رِضَاكَ ضَعفي وخذْ إلى الخير بناصيتي...».

اخبار مرتبطة

  إصدارات

إصدارات

07/05/2019

إصدارات

نفحات