.. حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها

.. حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها

26/09/2011

.. حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها

بَعْثُ الحَكَمَين
.. حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها

الشيخ عبّاس كوراني

من السُّنن المهجورة بعثُ الحكمين عندما يختلف الزَّوجان للإصلاح بينهما، وذلك قبل أن يستحكم الخلاف والشِّقاق، لقوله تعالى: ﴿فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها..﴾ النساء:35.
كيف يعالج الإسلام هذه المشكلة، وما هي صلاحيّات الحَكَمين، ومَن يجب عليه أن يختارهما. تقدّم «شعائر» هذا الموضوع بتفاصيله نظراً لأهمّيته الخاصة.

إنَّ الله تبارك وتعالى هو مصدر التّشريعات الإسلاميّة، وهو العالم بكلّ مكنونات الإنسان وما يُصلحه وما يُفسده. وعليه، فإنّ هذه التشريعات قد وضعت حلولاً ومعالجات لكلّ ما يحصل للإنسان في حياته، لو التزم بها لتلافى كثيراً من المشاكل والإنحرافات والمخالفات التي يرتكبها. ومن جملة هذه المشاكل: الشِّقاق بين الزّوجين.

معنى الشِّقاق

الشِّقاق هو نشوز الزّوج والزّوجة معاً، فكأنّ كلّ واحد منهما جانب [وشِقّ] (الفتّال النيسابوري، روضة المتقين: 9/134)، والشّقاق المخالفة وكونك في شقٍّ غير شقّ صاحبك، أو مِن شقّ العصا بينك وبينه (مفردات الراغب، مادة "شق" 264).
يقول صاحب الجواهر قدّس سرّه: والظّاهر تحقُّق الشّقاق بينهما بالنّشوز من كلٍّ منهما، ومن هنا كان المحصّل من الأصحاب في المراد من الآية ﴿فإن خفتم شقاق بينهما..﴾ إضمار الإستمرار، بمعنى وإن خفتم استمرار الشّقاق بينهما، أو كَوْن المُراد بالخوف، العلم والتّحقّق (الجواهري، جواهر الكلام: 3/233 عنه الشيخ محسن آصف، حدود الشريعة: 9/95).

الوجوب، وعلى مَن

قال تعالى: ﴿فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إنّ الله كان عليماً خبيراً﴾ النساء:35.
ظاهر الآية وجوب البعث شرعاً لقوله تعالى (فابعثوا).
وعلى مَن يجب؟
مَن هو المخاطَب في قوله تعالى (فابعثوا) و(خفتم)؟ هل هو الرجل أم المرأة لأنّ الأمر يتعلّق بهما، ولو كان المطلوب منهما أن يبعثا الحكمين لأتى نصّ الآية (فإن خافا شقاق بينهما) وكذلك (بعثا)، ولكن النصّ لم يأتِ كذلك.
أي أنّ المخاطَب غير الزوجين؟
المتيقّن منه الحاكم الشرعي، وفي مثل عصرنا لا يبعد شمول الخطاب للعلماء، ويحتمل أن يكون المخاطَب به جميع المكلّفين سوى الزّوجين، فيجب عليهم بالوجوب الكفائي محاولة الإصلاح ورفع الشّقاق ولو بالتّفريق المشروع، والقول بتوجيه الخطاب المذكور من الآية إلى الزّوجين نفسيهما ضعيف جداً (حدود الشريعة: 3/94).

ما يُشترط في الحَكمين

1- يعتبر في الحكمَين العقل والبلوغ وأهليّة التّوفيق، أمّا العدالة فغير معتبرة لعدم الدّليل عليها.
2- والمهمّ في الحكمَين أن يكون كلّ واحدٍ منهما يريد الخير للزّوجين، ويكون لديهما اطّلاع عليهما ليتمكّنا من حلّ المشاكل بينهما توصّلاً للإصلاح.
3- والأهمّ من كلّ شيء أن يكون الحكمان عالمَين بالأحكام الشرعيّة المتعلّقة بعملهما من جهة فصل المخاصمات بين الزّوجين، وإلزام كلّ منهما ما يجب عليه من الحقوق والواجبات (حدود الشريعة: 9/95).

عمل الحَكمَين

إنّ وظيفة الحَكمين وظيفة خطيرة جداً، إذ يتوقّف على عملهما مصير أسرة قد تكون مؤلّفة من مجموعة أفراد، فإن تفرّق الزّوجان وانفصمت عُرى هذه الأسرة وتفكّكت، وخاصّة إذا كان الأولاد والبنات صغار السِّن، فإنّهم سوف يعيشون حالات غير سويّة من حيث العواطف، وتنمو شخصيّاتهم على المكايدة من جهة تأثير الأبوين عليهما تأثيراً سلبيّاً يؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه. ولذا، لا بدّ للحَكمَين من أن يُحكِّما ضميريهما في شأن الزَّوجين، وهنا لا بدّ من القيام بخطوات عدّة:
أولاً: أن يسمعا رأي كلّ من الزّوج والزّوجة ليقفا على أصل المشاكل التي أدّت إلى الشّقاق، وتحليل موقفيهما تحليلاً دقيقاً، والوقوف على مراميهما ومقاصدهما من كلامهما بمختلف الأمور.
ثانياً: البحث في حقوق كلّ من الزّوج والزّوجة الشرعيّة، ومعرفة الأحكام الشرعيّة التي لا بدّ من تطبيقها في حقّهما، مثل حفظ مهر الزّوجة وحقّها في الحضانة، وكذلك حقّ الزّوج في حضانة أولاده، وما يترتّب عليه من الحقوق حين الطّلاق.
ثالثاً: تذكير كِلا الزوجين بعواقب أعمالهما وما يترتّب عليه افتراقهما من الحقوق لكلٍّ تجاه الآخر، ومن تدمير أسرتهما وضياعها، وكذلك إطلاعهما على ما في الإصلاح من النّفع لهما.
رابعاً: أخذ الإذن من الرّجل والمرأة في القيام بالمفاوضة عنهما بمختلف الأمور، وأنّهما مُطلقا الصلاحيّة في الإصلاح والطّلاق إنِ اتّفق الحَكمان عليه.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: «لا يكون تفريقٌ حتى يجتمعا [أي الحَكمان] على التّفريق، فإن اجتمعا على التّفريق جاز تفريقهما». وفي نصٍّ آخر سُئل الإمام: «أرأيت إن قال أحد الحَكمَين قد فرّقت بينهما، وقال الآخر لم أفرّق بينهما، قال عليه السلام: لا يكون تفريقٌ حتى يجتمعا على التّفريق ".." فإن اجتمعا جاز التّفريق بينهما» (روضة المتقين: 9/134).

شروط التّفريق

لا يصحّ التّفريق بين الزوجين إلّا بثلاثة شروط:
الأوّل: إذن الزَّوجين للحَكمَين بالتّفريق.
الثاني: إتّفاق الحَكمَين على التّفريق.
الثالث: توفّر الشّرائط المعتبرة في الطّلاق، وهي كون المرأة في طُهْرٍ لم يقاربها فيه زوجها (حدود الشريعة: 3/94).
جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «ليس للحكَمين أن يُفرّقا حتى يستأمرا الرّجل والمرأة ويشترطان عليهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرّقا؛ فإن جَمعا فجائز، وإن فرّقا فجائز» (روضة المتقين: 9/135).

نفوذ حُكم الحَكمَين

المفهوم من الآية ﴿فإن خفتم شقاق بينهما..﴾ والأحاديث التي أوردناها في هذا الموضوع، أنّ نفوذ حُكم الحكمَين على الزّوجين في غير الطّلاق، بل في الطّلاق أيضاً في صورة الإشتراط من الأوّل، فيجب على الزّوجين إمضاء ما حكم به الحَكمان المذكوران.
نعم، إن رفعا شقاقهما قبل حُكم الحَكمَين أو تراضيا بعدما حكما، يسقط وجوب الإمضاء. وجاء في روايتين قول الإمام الصادق عليه السلام: «جاز تفريقهما، وإن فرّقا فجائز» معناه نفذ ونافذ (حدود الشريعة: 9/94).

تحصين البيت والأُسرة بالقرآن

«.. البيتُ الذي يُقرأ فيه القرآن، ويُذكر الله عزّ وجلّ فيه، تكثر بركتُه، وتحضرُه الملائكة، وتهجرُه الشياطين، ويُضيء لأهل السماء كما يُضيء الكوكب الدُّرّيُّ لأهل الأرض..»
                                                     

الإمام الصادق عليه السلام

اخبار مرتبطة

  مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

نفحات