الملف

الملف

11/05/2020

تآمر طلقاء قريش مع هوازن على النبيّ صلّى الله عليه وآله

 

تآمر طلقاء قريش مع هوازن على النبيّ صلّى الله عليه وآله

ذكر القرآن الجوّ العام الذي سبَّب هزيمة المسلمين في حنين، وهو إعجابهم بكثرة عددهم، فقد كانوا في خيبر ألفاً وخمسمائة، وفي مؤتة ثلاثة آلاف، ورأوا أنفسهم في حنين اثني عشر ألفاً فأعجبتهم كثرتهم! فنبّههم الله تعالى إلى خطأ تفكيرهم، وأنّ النصر لم يكن يوماً بالكثرة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة:25-27.

والخطاب في الآية للمسلمين دون الطلقاء، لأنّها تخاطب الذين نصرهم الله من قبل، والطلقاء ليسوا منهم، وهي تذكر اغترارهم بكثرتهم في أسباب الهزيمة، لكنّها لا تنفي وجود عوامل أخرى، وفي أوّلها اتّفاق الطلقاء مع النجديّين على أن يُسهّلوا لهم هزيمة النبيّ صلّى الله عليه وآله، مقابل عدم هجوم هوازن على مكّة، وبذلك يثأر الطلقاء منه صلّى الله عليه وآله، لأنّه أخضعهم وأجبرهم على خلع سلاحهم!

".." أمّا تآمر قريش مع هوازن على النبيّ صلّى الله عليه وآله، فليس من الضروري أن يكون اتفاقاً مكتوباً، بل تناغماً في هدفهما في قتل النبيّ صلّى الله عليه وآله أو هزيمته.

وتدلّ الحوادث التالية على ضلوع قريش في الهزيمة:

1 - استقسم أبو سفيان بالأزلام، وهو نوع من التبصير بالمستقبل! «أخرج أزلاماً من كنانته فضرب بها وقال: إنّي أرى أنّها هزيمة لا يردّها إلّا البحر».

2 - وقعت محاولتان على الأقل لقتل النبيّ صلّى الله عليه وآله! فقد قال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة: «اليوم أُدرِكُ ثأر أبي»! وكان أبوه قُتل ببدر، وجاء ليَقتل رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، فأخبره رسول الله بما نواه وأحبط الله سعيه! ثمّ النضير بن كلدة العبدري وقد اعترف بأنّه قصد قتل النبيّ صلّى الله عليه وآله، فأحبط الله تعالى سعيه!

3 - كشف النضير خطة الطلقاء بصراحة، فقال كما رواه الواقدي: «خرجتُ مع قوم من قريش هم على دينهم بَعدُ: أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أميّة، وسهيل بن عمرو، ونحن نريد إن كانت دَبْرَةُ [هزيمة] على محمّد أن نُغير عليه فِيمن يُغير. فلمّا تراءت الفِئَتَان ونحن في حيّز المشركين، حملت هوازن حملة واحدة ظننّا أنّ المسلمين لا يجبرونها أبداً، ونحن معهم وأنا أريد بمحمّد ما أريد، وعمدتُ له فإذا هو في وجوه المشركين واقفٌ على بغلة شهباء حولها رجال بيض الوجوه، فأقبلتُ عامداً إليه، فصاحوا بي: إليك! فأُرعبَ فؤادي وأرعدتْ جوارحي! قلت: هذا مثل يوم بدر، إنّ الرجل لَعلى حقّ وإنّه لمعصوم! وأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام، وغيَّره عمّا كنتُ أهمّ به».

4 - قال الطلقاء بعضهم لبعض عند الهزيمة: «أُخذلوه فهذا وقته، فانهزموا أوّل من انهزم وتبعهم النّاس».

5 - أسرع الطلقاء بخبر الهزيمة إلى مكّة، فوصل رسُلهم في يوم وليلة، وبشّروا أهل مكّة بهزيمة رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاغتمّ عتّاب بن أسيد حاكم مكّة من قبل النبيّ صلّى الله عليه وآله، وسُرَّ بذلك الطلقاء في مكّة وأظهروا الشماتة، وقالوا: ترجع العرب إلى دين آبائها وقد قُتل محمّد وتفرّق أصحابه! فما أمسَوا من ذلك اليوم حتّى جاء الخبر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أوقع بهوازن، فسُرَّ عتَّاب وكبَت الله تعالى أعداء النبيّ صلّى الله عليه وآله.

وممّا يؤيّد وجود هذا التواطؤ بين قريش وهوازن، قولُ الإمام الصادق عليه السلام: «ما مرَّ بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، يوم كان أشدّ عليه من يوم حنين! وذلك أنّ العرب تَباغتْ عليه».

كما يؤيّده تناقض روايتهم عن سبب الهزيمة، فقد قالوا إنّ هوازن كمنت في الشعاب في مدخل وادي حنين، فتفاجأت المقدّمة بقيادة خالد بن الوليد بوابل سهامهم وأوقعت منهم قتلى، فانهزم خالد، وتبعه الطلقاء، وتبعهم الباقون، وتركوا النبيّ صلّى الله عليه وآله وبني هاشم وحدهم مقابل هوازن!

وساعد قريش أنّ مقدمة جيش النبيّ صلّى الله عليه وآله، كانت بني سليم بقيادة خالد! وقالوا إنّ الوقت كان فجراً فلم يرَ خالد الكمائن! لكن رووا أنّ الوقت كان قريب الظهر! وقد ناقش مقولاتهم ومبرراتهم للهزيمة صاحب (الصحيح: 24/100).

 

هوازن وأوطاس

قبيلة «هوازن» إحدى قبائل العرب. جاء الإسلام وهذه القبيلة في أوج قوّتها، وقد خرجت للتوّ من انتصار كبير في «حرب الفجار»، وكان هذا من أسباب عتوّها وعدم انقيادها للدين الجديد.

لمّا سمع أبناء هوازن بفتح مكّة على يد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وما تحقّق له من النصر، أعدّوا للحرب ضدّ المسلمين، وذلك في السنة الثامنة من الهجرة في غزوة حنين بأوطاس في الطائف، والتي انتهت بهزيمتهم.

بعد ذلك، وفي صدر الإسلام وحتى القرن الرابع الهجري، انتشرت هوازن في الشام والعراق وشمال إفريقيا.

أشهر بطون هوازن، قبيلة بني سعد بن بكر، وهي قبيلة حليمة السعدية مرضع النبيّ صلّى الله عليه وآله.

و«أوطاس» وادٍ بين مكّة والطائف، وهو ساحة غزوة حُنين. وأما «سَرِيّةُ أوطاس»، فهي التي قادها أبو عامر الأشعريّ -في أعقاب غزوة حنين وقبل غزوة الطائف- ضدّ المشركين الفارّين من جيش هوازن، والذين كان في قيادتهم دُريد بن الصّمة.

 

 

اخبار مرتبطة

نفحات