الملف

الملف

11/05/2020

النبيّ صلّى الله عليه وآله يدافع عن ذراري المشركين

النبيّ صلّى الله عليه وآله يدافع عن ذراري المشركين

لا ندري كيف يمكن تفسير ما ورد في بعض الروايات من أنّ المسلمين حنقوا على المشركين، فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشركين، حتّى اضطرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى النداء: «ألا لا تقتل الذرية، ألا لا تقتل الذرية» ثلاثاً. غير أنّنا نكتفي هنا بالإلماح إلى ما يلي:

أوّلاً: إنّ المشركين كانوا يعدّون بالألوف، إن لم نقل بعشرات الألوف.. ومجموع من قُتل منهم كان حوالي مائة.. وأكثر قتلى المشركين قُتلوا على يد عليّ عليه السلام، فإنّه عليه السلام بعد قتل أبي جرول قتل أربعين رجلاً، ولا ندري كم قَتل قبل ذلك.. وقد كان قتل أبي جرول هو السبب في كسر شوكة المشركين، وفي هزيمتهم.

ولو أردنا تصديق ما زعموه من أنّ أبا طلحة قتل عشرين رجلاً من المشركين، وحصل على سلبهم، وأضفنا إلى ذلك الأسير الذي قتله عمر بن الخطاب، والأسير الذي قتلته أم عمارة، والرجل الذي زعموا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، قتله.. وأضفنا إلى ذلك المرأة التي قتلها خالد، والذراري الذين قُتلوا من دون مبرّر، فلا يبقى سوى قلّة قليلة جداً لا تستحقّ هذه المبالغات، التي يتخيّل سامعها أنّ المسلمين قد حصدوا مئات من المشركين في فورة حنقهم..

وفي جميع الأحوال يبقى السؤال قائماً: أين أمعن المسلمون في قتل رجال المشركين؟! وما هي حصيلة هذا الإمعان سوى ما ذكرناه؟!

ثانياً: إذا كان المسلمون عشرة آلاف، أو اثنا عشر ألفاً، ويقابلهم ضعف أو أضعاف عددهم من المشركين، قيل: أربعة وعشرون، بل ثلاثون ألفاً، فلا بدّ من أن نتوقّع سقوط عدد من القتلى يتناسب مع عدد الجيشَين، ولو بأن يُقتل واحد من كلّ عشرة من المشركين، وواحد من كلّ مائة من المسلمين..

وهذا معناه أن تكون الحصيلة النهائية تعدّ بالمئات بل بالألوف، ولا سيّما مع الحنق والهيجان المنسوب للمسلمين، ومع الإسراع في القتل المنسوب إليهم في المشركين، حتى تجاوز الرجال إلى الذرية..

ثالثاً: إنّ المسلمين قد حاربوا أعداءهم طيلة ثماني سنوات في عشرات الحروب، فما معنى أن يجهل أسيد بن حضير، وهو الرجل الذي يعظّمونه وينسبون إليه المقامات والفضائل، وهو ينافس على زعامة قبائل الأوْس كلّها في المدينة، كيف وما معنى أن يجهل أنّه لا يحقّ لأحد أن يقتل ذرّية، ولا عسيفاً، ولا امرأة، ولا شيخاً؟!

وهذه هي وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله لكلّ بعوثه، وفيها يقول: «لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبيّاً، ولا امرأة».

بل إنّه صلّى الله عليه وآله قد أرسل إلى خالد يقول له: «لا تقتل ذرية ولا عسيفاً». وهم، وإن لم يصرّحوا باسم الغزوة التي أرسل إليه فيها هذا الأمر، لكنّها إمّا حنين، وإمّا الفتح بلا شكّ "..".

رابعاً: إنّ الإسراع في قتل الذرية معناه أنّهم قد انتقلوا من ساحة المعركة، إلى موضع وجودها، إذ إنّ الذرية لا تكون في ساحة القتال، بل تُجعل مع النساء بعيداً عن موضع الخطر، لكي لا ينالها مكروه في حالات الكرّ والفرّ..

وهذا يشير إلى أنّهم إنّما فعلوا بالذرية ذلك في حال لم تكن هوازن قادرة على التفكير بهم، والدفع عنهم. وليس ذلك إلّا حال فرارها من سيف عليّ عليه السلام، ومن جند الله تعالى، فشغلها ذلك عن التفكير بأيّ شيء آخر، فاغتنم المسلمون الفارّون الفرصة للفتك بذرية المشركين في نفس هذه اللحظات..

وهذه رذيلة، وليست فضيلة، وهي تدلّ على منتهى العجز والخوار، وليست دليل بسالة وشجاعة "..".

وأخيراً نقول:

أوّلاً: قد اتّضح: أنّ ظواهر الأمور تعطي: بأنّ بعض الناس، العاجزين، وغير الملتزمين بأوامر النبي صلّى الله عليه وآله وتوجيهاته، قد بادروا إلى قتل الذرّية، فنهاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله. ويدلّ على ذلك: نفس قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتّى بلغ الذرية»؟!

ثانياً: إنّ نفس كلمات النبيّ صلّى الله عليه وآله، أيضاً تشير إلى أنّ ما يفعله هؤلاء في الذرّية كان بدافع الحقد وشهوة القتل، ولذلك قال صلّى الله عليه وآله لهم: «بلغ بهم القتل حتّى بلغ الذرية..». أي إنّ حبّ وشهوة القتل نفسه قد ساقهم إلى هذا الحدّ غير المعقول ولا المقبول.

وهذا في حدّ نفسه رذيلة لا بدّ من التنزّه عنها، بل هو مرض لا بدّ من علاجه، وتخليص النفوس منه"..".

وزعموا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، أمر المسلمين بقتل مَن قدروا عليه من المشركين، وأنّه قال لهم: اجزروهم جزراً، وأومأ بيده إلى الحلق.

وهو كلام مكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وآله بلا ريب، فإنّ المطلوب إذا كان ذلك، فلماذا لم يقتلْهم حين قدر عليهم، وأسرهم؟! ".."

 

اخبار مرتبطة

نفحات