حوارات

حوارات

11/05/2020

حوار مع الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدّس سرّه

مكارم الأخلاق من أعظم المنجيات

حوار مع الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدّس سرّه

مآتم «أهل البيت» دعوة إلى الدّين بأحسن صورة وألطف أسلوب

ـــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــــ

 

«تأتيه حين تأتيه مالكاً لأمرك، مسيطراً على نفسك، فإذا استقرّ بك المقام عنده، لم تتمالك دون أن تضع قيادك بين يديه، فإذا هو يتملّك زمام أمرك، ويدخل إلى قرارة نفسك، فيسيطر عليك بطبيعة قوّته وأدبه وعلمه.

وأنت لا تخشى مغبّة العاقبة من هذه السيطرة؛ فإنّها سيطرة مضمونة الخير، مأمونة الشرّ، بعيدة عن الكيد والمكروه بُعد الصحّة عن الفساد، وكن واثقاً أكبر الثقة -حين يأخذك بيانه وبرهانه- أنّه إنّما يرِد بك مناهل مترعةَ الضفاف، بنميرٍ ذي سلسبيل، كلّما كرعتَ من فراته جرعة، تحلّبتْ شفتاك لجرعات تحسب أنْ ليس لظمئك راوياً غيرها».

كان ذلك مطلع الترجمة التي سطّرها العالم الجليل الشيخ مرتضى آل ياسين للإمام العلَم السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي، طاب ثراه.

وهي واحدة من الشهادات التي عبّر فيها أهل العلم والأدب عن عظيم انجذابهم إلى سحر بيان السيّد المقدّس، وهذا ما سيكتشفه القارئ الكريم في هذه الجولة التي سنصحبه فيها مع كلمات في مجالات متعدّدة للإمام شرف الدين، اخترناها من إصدار (الكلمات القصار للسيد عبد الحسين شرف الدين) الذي نشرته «جمعية المعارف الإسلامية الثقافية» في بيروت، ونعرضها بأسلوب السؤال والجواب.

 

س: ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تمثيله أهلَ بيته عليهم السلام بـ«باب حطّة» في بني إسرائيل، وبـ«سفينة نوح» على نبيّنا وآله وعليه السلام، فما هو وجه هذا التمثيل؟

ج: الوجه في تشبيههم، عليهم السلام، بباب حطّة، هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله. والبخوعُ لحكمه عزّ وجلّ، بالاقتداء بهم والاستسلامُ لأوامرهم ونواهيهم سببٌ للمغفرة، كما كان دخول «باب حِطّة» كذلك. [باب حِطّة: من أبواب المسجد الأقصى، أُمر بنو اسرائيل أن يلجوا عبره خاشعين راكعين ليحطّ الله عنهم ذنوبهم، ورد ذكره في الآية 58 من سورة البقرة، ومنها التسمية. وقيل: حِطّة كلمة أُمروا بالإقرار بها لكنّهم بدّلوا وحرّفوها. وفي النبويّ الشريف: عليٌّ بابُ حِطّة]

وأنت تعلم أنّ المراد بتشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح، أنّ من لجأ إليهم في الدّين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمّتهم الميامين نجا من عذاب النّار، ومن تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطوفان إلى جبلٍ ليعصمه من أمر الله، غير أنّ هذا غرق في الماء وذاك في الحميم، والعياذ بالله.

س: ما تقولون في مسألة حرص شيعة أهل البيت عليهم السلام على إحياء أمر أئمّتهم، لا سيّما المآتم ومظاهر الحزن في مناسبات شهاداتهم؟

ج: إنّ هذه المآتم دعوة إلى الدّين بأحسن صورة وألطف أسلوب، بل هي أعلى صرخة للإسلام توقظ الغافل من سباته، وتنبّه الجاهل من سكراته، بما تُشرِبه في قلوب المجتمعين، وتَنفُثه في آذان المستمعين، وتبثّه في العالم، وتصوّره قالباً لجميع بني آدم، من أعلام الرسالة، وآيات الإسلام، وأدلّة الدِّين، وحُجج المسلمين، والسيرة النبويّة، والخصائص العلويّة، ومصائب أهل البيت في سبيل الله، وصبرهم على الأذى في إعلاء كلمة الله.

إنّها جامعة إسلاميّة ورابطة إماميّة باسم النبيّ وآله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ينبعث عنها الاعتصام بحبل الله عزّ وجلّ، والتمسّك بثقلَي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفيها من اجتماع القلوب على أداء أجر الرسالة بمودّة القربى، وترادف العزائم على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، ما ليس في غيرها.

س: ما هي وصاياكم لمن يريد سلوك طريق طلب العلوم الدينيّة؟

ج: إنّ أعظم ما يجب على طلبة العلم: تطهير النيّة، وتصحيح القصد، وابتغاء وجه الله تعالى في الطلب، ومجالسة الروحانيّين الّذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ويحذرون بطشه. ويجب عليهم خصوصاً: أن يبدأوا بتزكية أخلاقهم، وتطهير قلوبهم وأعراقهم.

فإذا أحرزوا المكارم، شرعوا في الفنون العربيّة، والعلوم الدينيّة، أو اللغات الأجنبيّة، والفنون الرياضيّة، أو غيرها من المعارف العصريّة "..".

وأقول لهؤلاء الأعزّاء: أوصيكم بأن لا يكون غرضكم من المحاضرة والمناظرة والدرس والتدريس والكلام في مسائل العلم، إلّا الاستفادة أو الإفادة مع الإخلاص لله في هذه العبادة.

وإذا هجمت عليكم معضلة أو هجمتم على مشكلة، فاصبروا لحلّها صبر الأحرار، ولا يهولنّكم أمرها فتُبلسوا، ولا تستصغروا فيها نفوسكم فتيأسوا، ولا تستخفّوا بها فيفوتكم العلم، بل أمعنوا النظر فيها، ومحّصوها بالبحث عن مكنونها، والتنقيب عن مخزونها حتّى تسبروا غورها، وتقفوا على كُنهها.

التزموا بأحد ثلاثة أوجه:

الأوّل: أن تصغوا إلى من يتكلّم في العلم بمجامع قلوبكم لتفقهوا ما يقول وأنتم ساكتون سكوت الجهّال، فتنالوا ثواب النيّة من الله تعالى، وتحصلوا على كرم المجالسة ومودّة من تجالسون.

الثاني: أن تسألوا سؤال المستفيد أو المفيد أو الناشد ضالّته، فتحصلوا على ما ذكرناه وزيادة.

الثالث: أن تراجعوا مراجعة العلماء، بأنْ تعارضوا المخاطب بما ينقض كلامه نقضاً يحكم به الإنصافُ، فإنْ لم يكن عندكم غيرُ الدعوى دليلاً وتكرارها سلاحاً فأمسكوا عن الكلام، فإنّكم لا تحصلون بكلامكم حينئذٍ على تعليمٍ ولا تعلّم، بل على الغيظ لكم ولمناظركم، والعداوة الّتي لا يأمن العاقل منها على دينه ومجده.

إيّاكم وسؤال المعنِت، ومراجعة المكابر الّذي يطلب الغلبة بغير علم، فهما خلُقا سوء، ودليلان على الوقاحة والفضول وضعف الدّين والعقول.

عليكم برسالة شيخنا الشهيد الثاني أعلى الله مقامه في (آداب المفيد والمستفيد)، فإنّ فيها الشفاء من الأدواء كلّها.

س: ما هو سبيل المرء لتحصيل الأخلاق المرْضية، اقتداءً بسيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

ج: المستنّ بسُنن نبيّه والمقتفي لأثره إنّما هو الكريم في خُلقه، المهذّب في أفعاله، ولا بدّ في تحصيل هذه المراتب أو بعضها من المجاهدة العظيمة، والمراقبة الدائمة، والمحاسبة بكلّ دقّة حتّى ينقى قلبه وتزكو أخلاقه.

فإنّ مكارم الأخلاق من أعظم المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبديّة، ورذائلَها من أكبر المهلكات الموجبة للشقاء السرمديّ.  

ومَن حاز مكارم الأخلاق فإنّه الأمثل بالصدّيقين، والأَولى بسُنن النبيّين (والأئمّة من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله)، سلام الله عليهم أجمعين.

س:  أنتم من أعلام الدعوة إلى الوحدة بين المسلمين، ولكم المواقف المشهودة قولاً وعملاً، فما هو نداؤكم للمسلمين اليوم؟

ج: أرجو من المسلمين أجمَع أن يؤْثروا وحدتهم الإسلاميّة على خصائصهم المذهبيّة، فلا يتعصّب أهل مذهب منهم على أهل مذهب آخر، ليكون الجميع أحراراً في ما قادهم الدليل الشرعيّ إليه، فإنْ فعلوا ذلك، كانوا في ظلّ مِنعة لا تُضام، وإلّا فهم هدف السهام وموطئ الأقدام، أعاذهم الله.  

وأقول لهم: كونوا جميعاً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، أو كالجسد الواحد يشتكي منه العضو فتئنّ له سائر الأعضاء، وبذلك تسيرون في مهمّاتكم على خطّة واحدة، ترمون فيها بيدٍ واحدة، عن قوسٍ واحد، إلى غرضٍ واحد، ويدُ الله حينئذٍ معكم، لأنّ يد الله مع الجماعة، فلا تُخطئون ولا تُغلبون، لأنّ يد الله لا تخطئ ولا تُلوى، فإنّه لا حياة لهذه الأمّة إلّا بإجماع آرائها، وتوحيد أهدافها -بجميع مذاهبها، وشتّى مشاربها- على إعلاء كلمتها بإعلان وحدتها..

س: ما تقولون تعليقاً على ما قامت به الزمرة الوهابية من هدم قبور البقيع والمشاهد الكريمة في مكّة والمدينة؟

ج: يا له من خطب قرعتْ قارعته شعائر الله العظام ومشاعره الحرام في البلدَين الأمينَين والحرمَين المنيعَين، وحقّتْ حاقّته في بقعة البقيع، وعصفتْ عاصفته في ذلك المشهد الرفيع، فنسفتْ طور النور والبيت المعمور، ونقضت محكم الكتاب المسطور في رقٍّ منشور، وعتتْ على مهبط الوحي والتنزيل، ومختلف جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، معقل الملائكة المقرّبين ومهوى أفئدة الخلَف والسلَف من كافّة المسلمين...

أَيَلِجُ الوهّابيّون في هذه الجهالة ويتمادون في هذه الضلالة، ويركبون متن هذا الغرور، ويمضون على غلوائهم في هذا الطغيان، ويسترسلون في الوقاحة، ويتتابعون في التهجّم على حرمات الله وشعائره، وتسوّل لهم أنفسهم محو المشاهد المقدّسة، والضرائح المعظّمة من جديد الأرض، ويمنّيهم غرورهم بالخلافة الإسلاميّة، والإمبراطوريّة العربيّة، فيضربون على ذلك أطنابهم، ويلقون عليه جِرانهم، استخفافاً بالملّة، واستضعافاً للأمّة؟!

أمّا ومجد الروضة الطاهرة، وأنوار القبّة الزاهرة، وقدس الضريح المفدّى، وشرف المنبر الأعلى، وما بينهما من جنّة المأوى، ودار بقعة في البقيع وارتْ سادات الورى، لئن أغضى المسلمون على هذا القذى، وشربوا هذا الكأس على الشجى، ولم تأخذهم حفيظة ولا حميّة ولا أنفة ولا عزّة نفس، ليذوقنّ وبال تفريطهم كالمهل مرّاً حرّاً، وليجنُنّ ثمره ذعافاً ممقراً، وليتجرّعنّ الأسف غصصاً، وليجرِضنّ بِرِيقهم كمداً [جرض بريقه: ابتلع ريقه على همّ وحزن]، ثمّ لا يُجديهم قرع السنّ، ولا عضّ البنان، ولا أكلُ الشفتَين ولا اليدَين ندماً.

س: ما هي شهادتكم بحقّ الموالين من العجم؟

ج: مختصر القول فيهم... أنّهم ممّن لا يجاذبهم بحبل الإيمان أحد، ولا يكايلهم بصاعه بشر، فطوبى لهم وحسن مآب. ولعمري إنّ لهم في الإسلام رتبةً بعيدة المرتقى، باذخة الذرى، وحسبهم ما في الذكر الحكيم من الثناء عليهم، والبشارة بهم في عدّة آيات، إحداها قوله تعالى: ﴿..فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..﴾ (المائدة:54)، إذ قيل في تفسيرها -كما في (مجمع البيان) وغيره: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سُئل عنهم، فضرب بيده على عاتق سلمان، فقال: «هذا وذووه». ثمّ قال: «لو كان الدّين معلّقاً بالثريّا لتناوله رجالٌ من أبناء فارس».

.. شعبٌ أخلص لله عزّ وجلّ في طاعته، وانقطع إلى رسول الله وأهل بيته في ولائه، ينهج في الدّين سبيلهم، ويقفو فيه أثرهم، ولا يطبع إلّا على غرارهم، وله في تعظيم شعائرهم ومشاعرهم -الّتي أذن الله أن تُرفع- بالقيام عليها، غايةٌ تتراجع عنها سوابق الهمم..

اخبار مرتبطة

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات