«إيمان أبي طالب»

«إيمان أبي طالب»

منذ يومين

«إيمان أبي طالب»

«إيمان أبي طالب»

للشَّيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النّعمان

ـــــــــــــــ قراءة: سلام ياسين ـــــــــــــــ



الكتاب: «إيمان أبي طالب»
المؤلّف: محمّد بن محمّد بن النعمان، المعروف بـ «الشيخ المفيد» المتوفّى سنة 413 هجريّة
تحقيق: «مؤسّسة البعثة»، قم المقدّسة
الناشر: «دار المفيد»، بيروت
الطبعة: الثانية 1414 هجريّة، 1993 م

(إيمان أبي طالب) للشيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان هو أقدم المصادر التي وَصلت للباحثين في موضوعه، طُبع في العراق ضمن مجموعة «نفائس المخطوطات» التي قام بتحقيقها وإصدارها العلّامة الشيخ محمّد حسن آل ياسين سنة 1372 هجريّة، كما طُبع ضمن «عدّة رسائل للشيخ المفيد» منشورات مكتبة المفيد في إيران، إعتماداً على ثلاث نسخ خطّية.
مع الكتاب
يقول مؤلّف الكتاب الشيخ المفيد قدّس سرّه في مقدّمته: «..فإنّني مُثبِتٌ بتوفيق الله عزّ وجلّ، وما يهَب من التّسديد، طرفاً من المقال ".." من الدّلائل على إيمان أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنه وأرضاه، المقتضبة من مقالِه وفعاله، التي لا يمكن دفعُها إلّا بالعناد، وإن كنتُ قد أشبعتُ الكلام في هذا الباب في مواضع من كُتبي المصنّفات، وأماليَّ المشهورات، ليكون ما يحصل به الرّسم في هذا المختصر تذكاراً، ولِما أخبرتُ عنه بياناً، وفي الغرض المُلتمَس منه كافياً، وبالله أستعين».
ثمّ يسوق الشيخ المفيد الأدلّة على إيمان المولى أبي طالب تحت عناوين:
1- ما اشتُهر عنه من الولاية والمحبّة والنُّصرة لرسول الله صلّى الله عليه وآله.
2- حزنُ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وألمُه لِمَوت عمّه، وأمرُه عليّاً عليه السلام بتغسيله وتكفينه وتحنيطه، ثمّ دعاؤه صلّى الله عليه وآله له بالخيرات، وقوله بحقّه: «أما والله  لَأشفعنّ لعمّي شفاعة يعجب منها أهل الثّقلين».
3- أشعارُه الكثيرة الدالّة على توحيده وتصديقه بنبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله.
* ففي العنوان الأوّل يَستشهِد قدّس سرّه بما فعله أبو طالب رضوان الله عليه مع زعماء قريش حين بلغه أنّ أحد سفهائهم قد آذى النبيّ صلّى الله عليه وآله بِوَضع سلى النّاقة على ظهره وهو يصلّي، فما كان منه إلّا أن ألزم القوم جميعاً بالتعرّض لِمَا أصاب النّبيّ صلّى الله عليه وآله، آمراً عبيده بإمرار السّلى على روؤسهم.
ثمّ يذكر موقفه المُشابه حينما فَقد النّبيَّ صلّى الله عليه وآله ليلة الاسراء، فقد جمع وُلدَه ومواليه، وسلّم إلى كلّ رجل منهم مِدية، وأمرهم أن يُباكروا الكعبة، فيجلس كلّ رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممّن كان يجلس بفناء الكعبة، فإن أصبح ولم يعرف للنّبيّ صلّى الله عليه وآله خبراً أو سمع فيه سوءاً، أومأ إليهم بقتل القوم.
يقول الشيخ المفيد تعليقاً على هذين الموقفَين: «ولم تزل قريش بعد ذلك خائفة من أبي طالب، مشفقةً على أنفسها من أذىً يلحق النّبيَّ صلّى الله عليه وآله، وهذا هو النّصر الحقيقيّ؛ نابعٌ عن صدقٍ في الولاية، وبه ثبتت النّبوّة، وتمكّن النّبيّ صلّى الله عليه وآله من أداء الرسالة، ولولاه ما قامت الدّعوة».
 * وفي العنوان الثاني – الدّعاء له وتولّي أمير المؤمنين عليه السلام تجهيزه- يرى الشيخ أنّ في واقعة تكليف النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام بتجهيز والده، دليلَين على إيمان أبي طالب، أحدهما: «أمرُ رسول الله عليّاً صلوات الله عليهما وآلهما بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده، إذ كان مَن حَضَره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهليّة، لأنّ جعفراً رحمه الله كان يومئذٍ ببلاد الحبشة، وكان عقيل وطالب حاضرَين، وهما يومئذٍ على خلاف الإسلام، وأمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام مؤمن بالله تعالى ورسوله، فخصّ المؤمن منهم بولاية أمره، وجعله أحقّ به منهما، لإيمانه ووفاقه إيّاه في دينه ".."».
والدّليل الآخر -يقول الشيخ-: «دعاءُ النّبيّ صلّى الله عليه وآله له بالخيرات، ووعدُه أمّته فيه بالشّفاعة إلى الله، وإتباعه بالثّناء والحمد والدُّعاء، وهذه هي الصّلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الإسلام، ولو كان أبو طالب مات كافراً لما وَسع رسول الله صلّى الله عليه وآله الثّناء عليه بعد الموت، والدُّعاء له بشيء من الخير، بل كان يجب عليه اجتنابه».
* أمّا العنوان الثّالث، فقد أورد الشيخ المفيد نبذاً من أشعار أبي طالب الدالّة على توحيده الله تعالى، وتصديقه بنبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وإيمانه برسالته.
يقول قدّس سرّه في اعتقاده التَّوحيد: «فأمّا دليل توحيده لله عزَّ وجلَّ، فمِن كلامه المشهور ومقاله المعروف أكثر من أن يُحصى ".."، فمن ذلك قوله في قصيدة طويلة:

مليكُ الناس ليس له شريكٌ            هو الوهّابُ والمُبدي المعيدُ
ومن فوقِ السماء له ملَاكٌ           ومن تحتِ السماء له عبيدُ».

ويُعقِّب على البيتين بقوله: «فأقرّ لله تعالى بالتَّوحيد، وخلعِ الأنداد من دونه، وأنَّه يُعيد بعد الإبداء، ويُنشئ خلقَه نشأة أخرى، وبهذا المعنى فارق المسلمون أهلَ الجاهليّة وباينوهم في ما كانوا عليه من خلاف التّوحيد والملّة».
ويقول في تصديق أبي طالب بنبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله: « فأمّا قوله رضي الله عنه، المُنبِّه على إسلامه وحُسن نصرته، وإيمانه الذي ذكرناه عنه، فهو ظاهرٌ مشهورٌ في نظْمه المنقول عنه على التَّواتر والإجماع، وسأُورد منه جزءًا يدلّ على ما سواه، إن شاء الله تعالى، فمن ذلك قوله في قصيدته الميميّة:

أترجون أن نسخو بقتلِ محمّدٍ     ولم تختضبْ سمرُ العوالي من الدَّمِ
كذبتُم وبيتِ الله حتّى تفرّقوا      جماجم تُلقى بالحطيم وزمزمِ
وتقطّع أرحامٌ وتَنسى حليلةٌ      خليلاً ويغشى محرّم بعد محرّمِ
وينهض قومٌ في الحديد إليكمُ     يذودون عن أحسابهم كلّ مجرمِ
على ما أتى من بَغْيِكُم وضلالكم     وعصيانكم في كلّ أمرٍ ومظلمِ
بظلمِ نبيٍّ جاء يدعو إلى الهدى      وأمرٍ أتى من عند ذي العرش مُبرَمِ
فلا تحسبونا مسلّميه ومثلُه          إذا كان في قومٍ فليس بمُسَلَّمِ».

ثمّ يقول قدّس سرّه معقّباً: «أفلا ترى الخصومُ إلى هذا الجدّ من أبي طالب رضي الله عنه في نصرةِ نبيّ الله صلّى الله عليه وآله، والتّصريح بنبوّته، والإقرار بما جاء من عند الله عزّ وجلّ، والشّهادة بحقّه، فيَتَدبَّرون ذلك، أم على قلوبٍ أقفالها؟!».

المؤلّفات في موضوع الكتاب

أورد قسم الدِّراسات في «مؤسّسة البعثة» -في مقدّمة التحقيق للكتاب- تعريفاً بسبعة وثلاثين مؤلَّفاً حول إيمان المولى أبي طالب عليه السلام، والردّ على مُدّعي موته على الشِّرك. وما يجدر ذكرُه هو أنّ تلك المؤلّفات صدرت عن علماء أعلام من الفريقَين السُّنّة والشِّيعة.
وإليك سَرْداً بِما كَتبه هؤلاء الأعلام بحسب التّسلسل الزّمني:
* القرن الثّالث
:
1- (أخبار أبي طالب وولده)، عليّ بن محمّد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني (215 وقيل 225 هـجريّة). 2- (فضل أبي طالب وعبد المطّلب وأبي النبيّ صلّى الله عليه وآله)، سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي (299 هـجريّة).
* القرن الرّابع:
3- (إيمان أبي طالب)، أحمد بن محمّد بن عمّار الكوفي (346 هـجريّة). 4- (إيمان أبي طالب)، عليّ بن حمزة البصري اللّغوي (375 هـجريّة). 5- (ديوان أبي طالب وذكرُ إسلامه)، أيضاً لعليّ بن حمزة البصري. 6- (إيمان أبي طالب)، سهل بن أحمد بن عبد الله الدّيباجي البغدادي (380 هـجريّة). 7- (شعر أبي طالب بن عبد المطّلب وأخباره)، عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمي (321 هـجريّة). 8- (فصاحة أبي طالب)، الحسن بن عليّ بن الحسن بن عمر بن عليّ الأطروش.
* القرن الخامس:
9- (إيمان أبي طالب)، أحمد بن القاسم (411 هـجريّة). 10- (إيمان أبي طالب)، أحمد بن محمّد الجرجرائي. 11- (مُنى الطالب في إيمان أبي طالب)، محمّد بن أحمد بن الحسين النيسابوري. 12- (إيمان أبي طالب)، محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (413 هـجريّة)، وهو هذا الكتاب. 13- (البيان عن خيرة الرحمن في إيمان أبي طالب وآباء النّبيّ صلّى الله عليه وآله)، عليّ بن بلال المهلبي الأزدي.
* القرن السابع:
14- (إيمان أبي طالب)، أحمد بن موسى بن جعفر بن طاوس الحلّي (673 هـجريّة). 15- (الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب)، فخار بن معد الموسوي (630 هـجريّة).
* القرن العاشر:
16- (بغية الطالب لإيمان أبي طالب)، يُنسب للحافظ جلال الدِّين، عبد الرحمن السّيوطي الشافعي (911 هـ هـجريّة).
* القرن الحادي عشر:
17- (إيمان أبي طالب)، يُحتمل أنّه للسيد حسين المجتهد المفتي الموسوي العاملي (1001 هـجريّة). 18- (بغية الطالب في بيان أحوال أبي طالب وإثبات إيمانه وحسن عقيدته)، محمّد بن حيدر بن نور الدين عليّ الموسوي العاملي.
* القرن الثاني عشر:
19- (إثبات إسلام أبي طالب)، مولانا محمّد معين بن محمّد أمين بن طالب الله الهندي الحنفي (1161 هـجريّة). 20- )بغية الطالب لإيمان أبي طالب)، محمّد بن عبد الرّسول البرزنجي الشافعي (1103 هـجريّة).
* القرن الثالث عشر:
21- (إيمان أبي طالب وأحواله وأشعاره)، محسن بن الميرزا محمّد القره داغي التبريزي.
* القرن الرابع عشر:
22- (أسنى المطالب في نجاة أبي طالب)، أحمد زيني دحلان، مفتي الشافعية (1304 هـجريّة). 23- (بغية الطالب في إسلام أبي طالب)، محمّد عبّاس بن السيد عليّ أكبر الموسوي التّستري اللّكهنوي (1306 هـجريّة). 24- (الرغائب في إيمان أبي طالب)، مهدي بن عليّ الغريفي البحراني النجفي. 25- (الشّهاب الثاقب لرجم مكفّر أبي طالب)، نجم الدين جعفر الشريف ابن الميرزا محمّد بن رجب عليّ الطهراني (1395 هـجريّة). 26 – (شيخ الأبطح)، محمّد عليّ ابن العلّامة السيد عبد الحسين آل شرف الدين الموسوي. 27 – (شيخ بني هاشم)، عبد العزيز سيد الأهل. 28- (فيض الواهب في نجاة أبي طالب)، أحمد فيضي ابن الحاج عليّ عارف بن عثمان بن مصطفى الجورومي الحنفي (1327 هـجريّة). 29- (القول الواجب في إيمان أبي طالب)، محمّد عليّ ابن الميرزا جعفر علي الفصيح الهندي. 30- (مقصد الطالب في إيمان آباء النبيّ صلّى الله عليه وآله وعمّه أبي طالب)، محمّد حسين بن عليّ رضا الربّاني الجرجاني. 31- (مُنية الطالب في إيمان أبي طالب)، حسين الطباطبائي اليزدي الحائري (1307 هـجريّة). 32- (مواهب الواهب في فضائل أبي طالب)، جعفر بن محمّد النّقدي التّستري النجفي.

من مؤلّفات المعاصرين:

33- (أبو طالب عمّ الرسول صلّى الله عليه وآله)، محمّد كامل حسن المحامي. 34- (أبو طالب مؤمن قريش)، عبد الله بن علي الخنيزي القطيفي. 35 – (مُنية الراغب في إيمان أبي طالب)، محمّد رضا الطبسي النجفي. 36 – (منية الطالب في حياة أبي طالب)، حسن بن عليّ بن الحسين القبانجي. 37 – (الياقوتة الحمراء في إيمان سيد البطحاء)، طالب الحسيني آل علي خان المدني الشهير بالخرسان.

.. مَن ظنَّ ضوْءَ النَّهار الظّلاما

قال «ابنُ أبي الحديد» في (شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 83-84):
 «.. صنَّفَ بعضُ الطالبيِّين في هذا العصر كتاباً في إسلام أبى طالب، وبعثَه إليّ، وسألني أنْ أكتبَ عليه  بخطّي نظماً أو نثراً، أشهد فيه بصحّة ذلك، وبوثاقة الأدلّة عليه، فتحرَّجتُ أن أحكمَ بذلك حكماً قاطعاً، لِما عندي من التوقُّف فيه، ولم أستجِز أن أقعدَ عن تعظيم أبى طالب، فإنّي أعلم أنّه لولاه لَما قامت للإسلام دعامة. وأعلمُ أنّ حقّه واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في الدنيا إلى أن تقوم الساعة، فكتبتُ على ظاهر المجلّد:
ولولا أبو طالب وابنِه * لَما مَثل الدّينُ شخصاً فقاما
فذاك بمكّة آوى وحامى * وهذا بيثربَ جَسَّ الحِماما
تكفَّل عبدُ منافٍ بأمرٍ * وأَوْدى، فكانَ عليٌ تماما
فَقُل في ثبيرٍ مضى بعد ما * قضى ما قضاه، وأبقى شماما
فللَّه ذا فاتحاً للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
وما ضَرَّ مجدَ أبى طالبٍ * جهولٌ لَغا، أو بصيرٌ تعامى
كما لا يضُر إياة الصَّباح * من ظنَّ ضّوْءَ النَّهار الظَّلاما.
".. فوفّيتُه حقّه من التعظيم والإجلال، ولم أجزم بأمرٍ عندي فيه وقفة».
**
ومن الواضح أنّ ابن أبي الحديد عبّر عن حقيقة رأيه، دون أن يُعرِّض نفسه للمساءلة، أو يشيط بدمه.



اخبار مرتبطة

  في توجيهات وليّ الأمر

في توجيهات وليّ الأمر

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

  إصدارات اجنبية

إصدارات اجنبية

نفحات