العلامة الشيخ جعفر المهاجر في حوار مع «شعائر»:

العلامة الشيخ جعفر المهاجر في حوار مع «شعائر»:

منذ 3 أيام

العلامة الشيخ جعفر المهاجر في حوار مع «شعائر»:


 
العلامة الشيخ جعفر المهاجر في حوار مع «شعائر»:
* «واقعةُ السَّبي» سطّرت نهايةَ البيت السفياني
* شُتِم يزيد في قلب دمشق، فألقى باللّائمة على «ابن مرجانة»
* لسنا مَدينين للمؤرّخين، وإنّما للجمهور الذي تنبَّه للخَديعة
 

_____ حاوره: د. محمد أمين كوراني ______



المحقّق والأكاديمي العلّامة الدكتور الشيخ جعفر المهاجر، صاحب المؤلفات المتميّزة في تاريخ الشيعة وتاريخ جبل عامل؛ (التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسوريا)، (ستة فقهاء أبطال)، (الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي)، (جبل عامل بين الشهيدين)، (حسام الدين بشارة أمير جبل عامل)، (مالك الأشتر.. سيرته ومقامه في بعلبك) وغيرها ممّا يدور على توثيق حقباتٍ هامّةٍ ومغيّبةٍ من تاريخ شيعة آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وتاريخ جبل عامل، الحاضرة الموالية للإسلام المحمّدي - العَلويّ منذ أن نزلها أصدقُ مَن أقلّت الغبراء وأظلّت الخضراء.
تناول هذا الحوار مع سماحته –على ضوء كتابه: (موكب الأحزان) الذي يرسم خارطة طريق موكب السبايا من كربلاء إلى دمشق- جملةً من العناوين؛ منها هدف الأمويّين من سَبي عيال الإمام الحسين عليه السلام والتّطواف بهم من بلد إلى بلد - دلالات تشييد المشاهد في المواقع والمنازل التي اجتازها موكب السبايا - الخارطة العامّة للطريق التي سلكها الموكب - ولماذا اعتُمدت دون غيرها من الطرق - تداعيات الحدث على مستوى البيت الأموي بعد وصول الموكب إلى الشام.

* ما هو مفهوم السّبي تاريخيّاً، وكيف ترونه من حيث التخطيط الأموي، في حادثة سَبي عيال الإمام الحسين عليه السلام؟
بسم الله الرحمن الرحيم. ترجع فكرة السَبي إلى ما قبل الإسلام حيث كان من المعمول به على صعيد المعارك التي تجري في شبه الجزيرة، أنّ مَن ينتصر في المعركة يكون من جملة نتائج انتصاره أن يستولي على النسوة والأطفال.
لكنّ التخطيط الأموي كان مختلفاً، العمل الذي قام به عبيد الله بن زياد بعد يوم كربلاء كان أمراً له مقاصده السياسيّة، ولم يكن المطلوب منه أو المقصود منه أن تكون النساء مملوكات. لذلك أنا أتحفّظ على لفظ السبايا، كان هناك عمل سياسي ومقاصده سياسيّة. سنذكره في حديثنا إن شاء الله.

* ما هي هذه المقاصد السياسيّة؟
لقد حقّق عبيد الله بن زياد الهدف السياسي من المعركة، ذلك أنّه نجح في أن يَدفع الكوفة التي كانت في ذلك الأوان المدينة الوحيدة المناجزة -المعارِضة- للحكم الأموي، أن تَقتل الخصم الأساسي لهذا النظام، يعني استخدَم عدوَّه في قتل عدوِّه، وهذه هي الحقيقة. ولو أنّه توقّف عند هذا الحدّ لكان انتصاراً باهراً، ولكنّه أقدمَ على عملَين مستهجنَين وغير مسبوقين.

العمل الأوّل: هو أنّه أمر بِرَضّ الجسد الطاهر للإمام الحسين عليه السلام.
العمل الثاني: أنّه جمع النساء والأطفال وكَوَّن منهم موكباً، وتحرّك هذا الموكب من ساحة كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام. هذان العاملان كانا غير مسبوقَين. الثقافة العربيّة حتى قبل الإسلام لديها حُرمة للمرأة، وأنّ الميّت لا يُهان، إنْ قُتِل لا يُهان، لا يُمثَّل به، المرأة أيضاً تُسبى ولكن لا يُشهَّر بها.
حين أمر عبيدُ الله بن زياد بِدَوس الجسد الطاهر للإمام الحسين، وحين أمر بتكوين هذا الموكب وتوظيفه بالشكل الذي نعرفه، إنتهك حرمَتين أساسيّتين عند الإنسان العربي في الجاهليّة وفي الإسلام.
المقصود السياسي لابن زياد من هذين العملَين هو خلقُ نوع من القمع الداخلي عند الناس، بحيث لا يفكِّرون بعمل اعتراضي ضدّ السلطة الأموية، أراد التهديد بما هو أبعد من القتل والموت، الرّسالة كانت أنّ مَن يُعارض السلطة يُعاقب بالقتل والتمثيل بجسده وسَبْي عياله وأطفاله
.
* متى خرج موكب السبايا من الكوفة باتجاه الشام؟
نحن نملك تاريخاً دقيقاً لدخول موكب السبايا إلى الكوفة لأنّهم دخلوا علَناً. فبعد ظهيرة يوم عاشوراء بات النسوة والأطفال في ساحة المعركة، وفي اليوم التالي بدأ تحرُّك الموكب من ساحة المعركة إلى الكوفة. وفي مساء اليوم الحادي عشر، وصلوا إلى المكان المعروف الآن في النجف بإسم «مسجد الحنّانة»، وهو أوّل مشهد من المشاهد التي سنأتي على ذكرها إن شاء الله. [أنظر: «تحقيق» هذا العدد، وفيه تفصيل المشاهد التي شُيّدت على الطّريق التي سلكها موكب السبايا من كربلاء إلى الشام]
لكنَّ عبيد الله بن زياد أراد أن يكون دخولهم بشكل علني، وأراده استعراضاً لغطرسة القوّة، فأجّل دخولهم إلى المدينة إلى اليوم التالي. لذا من المؤكَّد أنّ الموكب دخل إلى الكوفة في اليوم الثاني عشر من محرَّم.
لكن نلاحظ أنَّ المورخين لا يذكرون إطلاقاً تاريخاً لخروج الموكب من الكوفة، ممّا يدلّ على أنّ خروج السبايا كان سريّاً، بينما الدخول كان علنيّاً، ولنا أن نتساءل عن السبب.
كان هناك مسألة تأمين الأمور اللوجيستيّة لهذا الرَّكب الذي سيقطع المسافة من الكوفة إلى دمشق. هذا يحتاج إلى تحضير التموين والرجال الذين سيرافقون هذا الركب، لأنَّ هناك خشية أن تحصل ردَّة فعل، فلا بدّ أن يكون هناك تدبير أمني في مقابل هذا الإحتمال، لذلك تقول بعض المصادر إنَّ عدد الذين رافقوا هذا الركب كان في حدود 1500 جندي.
هذا الرَّكب بكامل تشكيلته مِن جنود، ومِن خَدَم، ومِن حاملي التموين، إلى آخره، فإمّا أنّ تجمّعه داخل الكوفة كان أمراً عسيراً يحتاج إلى مكان واسع، وإمّا أنّه كان من المقصود أن يكون خروجه سريّاً لأنّه سيقطع مسافة طويلة داخل العراق حيث الناس يعرفون مَن هؤلاء، وبالتالي كان هناك احتمال بأن تحدث ردّات فعل على هذا الرَّكب ومَن معه. لذلك أنا أجد أنّه من المقنع جداً أن نقول أنّ خروجه كان سرّياً حتى لا يتوقَّع الناس مروره بينهم، وبالتالي قد تحدث بعض الأمور التي تشكّل إعتراضاً أو عملاً عدوانياً ضدّ هذا الموكب. [أي ضدّ العساكر الأمويّين]، لذلك نقول أنّه ليس هناك تاريخ دقيق لخروج موكب الأحزان من الكوفة.

* ما هي المدّة التي استغرقها مسير الرّكب من الكوفة إلى الشام؟
أيضاً نحن لا نملك مصادر مؤكَّدة أبداً، لماذا؟ لأنّ الموكب لم يَفُز باهتمام المؤرِّخين أو ورواة الأخبار، ذلك أنّ فكرة التاريخ المكتوب نشأت بعد قرنين أو ثلاثة.
هذا التاريخ المكتوب يعتمد على الأخباريّين، أي تناقل الأحداث شفويّاً، والثروة الشفويّة عندنا -سواء في تاريخ الأدب أو تاريخ الأيّام والأحداث التي جرت- هي التي استفاد منها المؤرَِّخون فيما بعد ودَوّنوها.
لاحظ معي أنّ الذين حفظوا لنا من أدبيّات الحدث في كربلاء هم أناس عاديّون. مثلاً «عقبة بن سمعان» -الذي كان مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، ولم يُقتل- صادف أنّه سُئل عن أدبيّات الأحداث، فسُجّلت أقواله ووصلتنا إلى اليوم.
لكنّ الناس الآخرين الذين شاهدوا الموكب لم يكترثوا بأن يحفظوا، أو يسجّلوا، أو يتذكّروا، أو يتذاكروا بين بعضهم البعض، بحيث يوثّقوا الخبر شفويّاً. بل تمّ التعامل مع الحدث أنّه عبارة عن قضيّة بسيطة؛ مجرّد موكب مارّ في طريقه إلى عاصمة الدولة، ليس أكثر. ولولا ما حصل فيما بعد من استفاقة الناس على الحقيقة، واكتشافهم للخديعة التي مارستها السلطة عليهم، فعمدوا إلى تشييد المشاهد على طول طريق الموكب، لمَا وصلنا شيء.
نحن مَدينون للجمهور هنا. لسنا مدينين لمؤرّخين ولا لرواة الأخبار، بل نحن مدينون للجمهور الذي استيقظ من الخديعة الكبيرة التي مارستها عليه السلطة الأمويّة، فعمد إلى إقامة المشاهد التي كانت في البداية كومة أحجار، لنعرف بأنّ الرّكب نزل هَهنا، لذلك نرى عدداً كبيراً منها على طول الطريق، وهي سبيلنا الوحيد لمعرفة المَسار الذي سلكه هذا الموكب.

* لماذا اختار النظام هذا الطريق الطويل لإرسال الموكب إلى الشام؟ كعمل استعراضي ام لإرهاب الآخرين؟
كلاهما، لكن فعل إرهاب الناس لا يتحقّق إلّا إذا عرف الناس هويّة الرّكب، في حين أنّ مصلحة ابن زياد كانت في أن يُخفي حقيقة مَن هم في عِداده. لذلك نعتقد أنّ قصده الأساسي كان أن يقدّم نفسه للسّفيانيّين -الأسرة الحاكمة في دمشق، والتي يعتبر ابن زياد أنّه منها، لأنّ معاوية قد استلحق أباه بأبي سفيان - أنّه الرجل الذي حقّق لهم هذا النصر وهذا الإنجاز السياسي.
لم يبقَ من بعد الإمام الحسين عليه السلام وحادثة كربلاء مَن يمكن أن تقول عنه أنّه عدوّ للسلطة الأمويّة، أو أنّه عدوٌّ يُخشى خطرُه. لكنّ جريمة الأمويّين في سَبي العيال ورَضّ الجسد الشريف، قلَبتْ «نصرَهم» إلى هزيمة. ﴿..ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ الأنفال:30.

* ما هي أبرز المحطات والمشاهد في طريق موكب السبايا؟
هذه السلسلة من المشاهد ما بين كربلاء والشّام تثير عندنا أقصى العَجب:
أوّلاً: تثير عندنا شكّاً كبيراً بأنّ الأمويّين في دمشق كانوا يملكون مشاعر الناس، بل يتبيّن أنّ الأكثرية الصامتة كانت تطوي قلوبها وعقولها على أمر مختلف تماماً عمّا عليه الجوّ في دمشق، ولولا ذلك لما كان عندهم أيّ حافز لتسجيل مشاعرهم وولائهم ووجدانهم عن طريق تشييد هذه المشاهد.
ثانياً: إقامة هذا العديد من المشاهد عبر 2000 كلم تقريباً يدلّك على أنّه كان هناك نوع من التواصل الجماهيري الهائل، وإلّا كيف اتّفق هؤلاء الناس -في ذلك الزمان- على أن يعبِّروا عن وجدانهم وولائهم عن طريق إقامة المشاهد.
هناك قاعدة معروفة جيداً في العمل السياسي هي أنّك تستطيع أن تغلق الأفواه، لكنّك لا تستطيع أن تُلغي الذاكرة. لا تستطيع أن تُلغي الأساليب البسيطة التي يلجأ إليها الناس للتعبير عن هويَّتهم الحقيقيّة المطموسة بفعل سطوَة السلطة.
لذلك ممّا يثير عندنا أقصى العَجب اليوم، أنّنا نرى من الكوفة إلى دمشق هذا العديد من المشاهد التي بُنيت بناءً جعلها قابلة لأن تبقى حتى اليوم. هذا يدلّ دلالة كبيرة على أنَّ ولاء الناس كان لأهل البيت عليهم السلام، لكنّه كان ولاءً مطموساً.
نحن نعرف من خلال التركيبة السكانيّة لمنطقة الجزيرة من الموصل إلى حلب، أنّها كانت مصبّاً لهجرات متتالية من العراق. فمثلاً بعضُ بطون ربيعة -وكانوا من أصحاب الإمام عليّ عليه السلام- هاجروا إلى منطقة الجزيرة. بدورها حمص كانت مصبّاً لهجرة همدانيّة قبل كربلاء بحوالي عشرين سنة. كذلك الموصل كان فيها جالية من الموالين لأهل البيت. نحن عندنا تصوُّر خاطئ أنّ الشام التاريخي كان مملوكاً وجدانيّاً من الأمويّين، وهذا أمر غير صحيح إطلاقاً.

* هل اختارت السلطة المرور عبر المراكز التي تتميّز بثقل سكّاني لإيصال رسالة؟
لا شكّ في ذلك. السلطة أو عبيد الله بن زياد بالتحديد، كان أمام خيارين في تحديد مسار الموكب. هو محكوم بالأماكن التي تتوفّر فيها المياه والظِّلال، الخيار الأقرب هو أن يسلك طريق الكوفة، عانة، قرقيسيا، دير الزور، والرقّة وهي مجرى الفرات، وتتوفّر فيه المياه، لكنّه مأهول بتجمّعات صغيرة شبه بدوية.
في حين أن طريق دجلة يمرّ بتِكْريت، والموصل، ونَصيبين، وحرّاء، والرقّة، وهي مناطق عريقة ومعروفة منذ الرُّومان. هو أراد أن يوصل رسالته إلى أكبر عدد ممكن من الناس. هناك فارق كبير في المسافة بين طريق دجلة وطريق الفرات حوالي ستّمائة كيلومتر، وهذا ليس فارقاً قليلاً. فعندما عمد عبيد الله بن زياد إلى اختيار طريق دجلة، يعني أنّه يريد أن يوصل رسالته إلى أكبر عدد من الناس، ذلك لأنَّ الطريق الفراتي، وإنْ وُجد فيها حياة، لكنّها في قلب الصحراء وهي عبارة عن مراكز بدويّة ليس فيها الثقل السكّاني الكبير. 

* هذا يقودنا إلى الحديث عن المشاهد.
الحقيقة أنّ ممّا يذهلنا أنْ نجد حتى اليوم هناك مجموعة من المشاهد المتوالية حيث استقرّ المقام ولو لليلة أو ليلتين. ولا شكّ أنّ المشاهد المتبقيّة حتى يومنا هذا هي أقلّ بكثير من المشاهد التي أقامها الناس حيث نزل الموكب.
على سبيل المثال، هناك 600 كلم ما بين المشهد الأوّل في الكوفة -مسجد الحنّانة- والمشهد الثاني في الموصل، وهذه المسافة تستغرق على الأقل خمسة عشر يوماً لاجتيازها، إذن هناك خمس عشرة محطة، لكنّنا لا نجد مشاهد فيها. لا بدَّ أنّه كانت هناك مشاهد واندرست نتيجة الإهمال. فهذه المشاهد التي نجدها هي البقيّة الباقية من عديد أكبر بكثير من تلك التي اندرست مع طول الزمان.
هذه المشاهد تبدأ من «مسجد الحنانة» قبل مدينة الكوفة وهو في الأساس مشهد تحوّل مع الوقت إلى مسجد.
المشهد الثاني: في الموصل، وهو مشهد معروف، ربّما درَس، لكنّ بعضَهم وعد بأن يزوّدني بصوَر لمشهدٍ موجودٍ في المدينة حتّى يومنا هذا.
المشهد الثالث: في نَصبين وهي اليوم داخل تركيا.
المشهد الرابع: مشهد بالس في بلدة «المسكنة»، ولا يزال قائماً على الرغم من أنّ «بحيرة الأسد» الإصطناعيّة غمرت كامل البلدة القديمة.
 المشهد الخامس: في حلب، -وهو جبل جوشن- أضحى اليوم ضمن الأحياء المستحدثة.
المشهد السادس: في حماه، وهو الذي تعرّض للتحريف على يد "نورالدين" محمود زنكي المعروف بنشاطاته المعادية للتشيّع، فجعله مسجداً ليخفي حقيقته التي هي مشهد -كما في بعلبك- فسمّاه «مسجد الحسنَين» ونزع عنه صفة المشهديّة.
المشهد السابع: في مدينة حمص التي كانت مصبّاً لهجرة الهمدانيّين، فتحوّلت من مناصرة الأمويّين إلى التشيّع لأهل البيت عليهم السلام.
المشهد الثامن: في مدينة بعلبك اللبنانيّة، حيث يُوجد مسجد خَرِب يُسمّيه الناس «مسجد رأس الحسين عليه السلام». لكنّه لم يكن مسجداً في الأساس، وإنّما حوّله الظاهر بيبرس إلى مسجد في محاولةٍ منه لنزع صفة المشهديّة عنه.
هذا المشهد هو أهمّ المشاهد الحسينيّة المُشيّدة على طول الطريق الذي سلكه «موكب الأحزان»، والسبب هو أنّ منطقة بعلبك كانت –كحِمص- من منازل قبيلة همدان، وبابُها المؤدّي إلى حمص، كان يُسمّى «باب همدان»، وهذه الجبال حافلة بآثار الهمدانيّين، وهم سلفنا الطاهر. لذلك نرجّح بأنّ الهمدانيّين هم مَن شيّدوا هذا المشهد، ورفع الظاهر بيبرس -لاحقاً- بنيانه بهدف التعمية على صفته الأساسيّة.

* هل مرّ الموكب من الطريق الشرقي لبعلبك، أي من «سرغايا» و«جنتا»؟
ليس هناك دليلٌ على ذلك بتاتاً. والمعروف جيّداً أنّ طريق دمشق هو هذا الطريق الموجود حتّى الآن واسمُه طريق الشام. ثمّ أنّه ليس ثمّة ما يدعو هذا الموكب الكبير المؤلّف من ألفي شخص تقريباً -وفيهم الأطفال والنساء- إلى الصعود باتجاه هذه الجبال العسيرة، لذلك نقول إنّ مرور الموكب بـ «جنتا» و«سرغايا» أمرٌ صعبٌ جدّاً. وقد قلنا إنّ الغاية من الموكب أن يراه أكبر عدد من الناس، فلماذا يسلك الطريق غير الطبيعي حيث المراكز السكانيّة الصغيرة، في حين أنّ طريق الشام كان دائماً عامراً بالسكّان. لذلك لا بدّ أن يكون الطريق الذي سلكه الموكب هو: بعلبك - شتورا - عنجر - وادي الحرير - الشام. [أنظر: «تحقيق» هذا العدد].

* ما هي التداعيات السياسيّة على مستوى البيت الأموي، نتيجة إقدامهم على سبي حُرَم رسول الله صلّى الله عليه وآله؟
ممّا لا ريب فيه أنّ ما أراده ابن زياد استعراضاً لغطرسته ووسيلةً إلى قمع الناس قمعاً داخلياً وإرهابها، أدّى إلى عكس المقصود فقضى عليه تماماً. ﴿...ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ الأنفال:30.
سُرّ يزيد بادئ الأمر بهذا الإنتصار المزيّف، وتمثّل بأبيات شعريّة تنمّ عن تشفّيه وزهوه، لكنّ وجهة الأحداث سرعان ما تبدّلت، بعد دخول السبايا إلى الشّام. حينها اضطُرّ يزيد إلى منح الإمام زين العابدين عليه السلام شيئاً من الحريّة لامتصاص النقمة الجماهيريّة، وقال في ما قال: كنت أرضى من طاعتكم دون قتل الحسين، وأخذ يُعيّر ابن زياد بأمّه، ويُحمّله مسؤولية ما جرى.
وبديهيٌّ أنّ الأمر لم يكن عن صحوة ضمير، وإنّما هالَه تغيُّر الناس عليه، وهو ما عبّر عنه صراحة بقوله: «فبغّضَني -ابنُ زياد- إلى قلوب المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، فبغضني البرّ والفاجر».
تتحدّث النصوص التاريخيّة عن حالة تشبه الإنفجار، فقد بدأت تترامى إلى مسامع يزيد عبارات شتمه في أرجاء الأمصار الإسلاميّة، وحتى في دمشق العاصمة حيث بات لعنُه علنيّاً من غير مواربة.
ومن التداعيات الكبرى، الإضطراب الذي حصل داخل البيت الأموي، وأدّى إلى انتقال السلطة من البيت السُّفياني إلى البيت المرواني، ومن ثمّ إلى الزبيريّين الذين لولا أخطاؤهم السياسيّة الفظيعة لمَا رجع الملك إلى الأمويّين، الذين تراجع سلطانهم فبات محصوراً بتلال «البلقاء»، أي موضع مدينة «عمّان» اليوم في الأردن.
بل إنَّ هناك من تداعيات الحدث ما يدلّ بشكل واضح جداً على أنّه نشأت حالة من الصراع الشرس داخل البيت الأموي، الذي لمس التفاعل الهائل عند الجماهير فَحَمَّل يزيد ما آلت إليه الأمور. نتلمّس ذلك من خلال مقتل ثلاثة من الخلفاء -يزيد ومعاوية ابنُه ومروان بن الحكم الذي غمّته زوجته بوسادة- في غضون أربع سنوات وبطريقة غامضة، مبالغٍ في غموضها، ما يؤكّد على أنّ القَتلَة كانوا من داخل البيت الأموي.

اخبار مرتبطة

  آلُ محمّد صلّى الله عليه وآله  بين الحُبِّ والنّصب

آلُ محمّد صلّى الله عليه وآله بين الحُبِّ والنّصب

  سببُ ازديادِ حُبِّ الدّنيا

سببُ ازديادِ حُبِّ الدّنيا

  دوريات

دوريات

منذ 3 أيام

دوريات

نفحات