مقاطعةُ البضائع الأميركيّة، ضرورةُ المرحلة

مقاطعةُ البضائع الأميركيّة، ضرورةُ المرحلة

22/02/2012

مقاطعةُ البضائع الأميركيّة، ضرورةُ المرحلة

مقاطعةُ البضائع الأميركيّة،
ضرورةُ المرحلة

• الشيخ حسين كوراني


هل سنبرأ إلى الله تعالى من مداهنة قَتَلَةِ شعوبنا، الذين جرّأتهم مداهنتُنا -وعدم الجرأة على مقاطعتهم- على «الإساءة» إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله؟
إلى متى تحرم الأمَّة نفسها من إشهار السِّلاح المعجز بسلميِّته، وفتكه في مَصّاصي الدماء؟
سلاحُ مقاطعة البضائع الأميركية، هو الدّليل الأبرز على أنّ من يقاوم أميركا، لا يُقاومها «أميركيّاً» بل ينطلق من سلامة فطرته وعقيدته والتزامه الحقّ ومواجهة الظلم.
ليس «ثوريّاً» مَن يمكِّن خصمه من تحديد «قواعد اللّعبة». يَحكم على نفسه بالتَّدجين مسبقاً لأنّه انطلق في ما يظنُّه حراكاً ثوريّاً من بيت الطاعة للفرعون.
أبرز سِلاحيْن مُتاحَيْنِ للمستضعفين هما: «إرهاب العدو»: ﴿..ترهبون به عدوَّ الله وعدوكم..﴾ الأنفال:60. والمقاطعة  الإقتصاديَّة.
أما الأوّل فقد أمكنّا العدوَّ من رقابنا حين بدأنا نفتتح أيَّ عملٍ نظنُّه ثوريّاً بتقديم البراءة من الإرهاب.
وأما الثاني فقد هالنا أنّ «أميركا» تعتبره خطّاً أحمر أشدّ حساسيّة من «معاداة السّاميَّة»، فقرّرنا أن نحيد عنه ولا نقاربه حتّى بمجرد التفكير!
ما أشدّ غرابة «المشهد الثّوري» -والربيع العربي بالخصوص- حين تزدحم ساحاتُ حشوده المليونيّة وغيرها، بـ «البيبسي، والمارلبورو، والهامبرجر» ولوحات الإعلان للشركات الأجنبيَّة!
نخطىء حين نظنّ أنّ «الثوريّة» أكبر من أن تخدشَها هذه السِّلع وأمثالها.
ونضرب في التّـِيه بعيداً حين نَفْصل بين الإدمان الإستهلاكي وبين الثقافة والروح، والمصير، أو نَفْصل بين محاربة هذه الظاهرة وبين صميم تزكية النفس وبناء المجتمع المقاوم.
قال بعض المختصِّين: تكاد اللقمة الحرام أن تمسخ «إبن الحلال» إلى النقيض!

***

أولى الشعائر والواجبات أن نَصُون الجبهة الداخليَّة. كلُّ سِلعةٍ نُدمنُها بمثابة عميلٍ يُدير شبكة عملاء واسعة الإنتشار.
أخطر ما في العمالة إتقان الساتر الأمني، وأخطر السَّواتر الأمنيّة ما شُدَّت إليه النفس بألف وِثاق. أدمنَتْه حتى صار جزءاً من تركيبتها والسّعادة!
هذه الحالة الملتبسة هي المعبّر عنها في القرآن الكريم بتعبير: ﴿..وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً﴾ الكهف:104. وفي  الحديث الشريف بتعبير: «يرى المعروفَ منكراً، والمنكرَ معروفاً».
كانت هذه الأولوَّية ثابتةً منذ فجر الصحوة الإسلاميَّة الخمينيَّة الهادرة. وكانت المحاولات حثيثةً مذْ ذاك لإطلاق مقاومةٍ إسلاميَّةٍ اقتصاديّة ترفد باقتدارٍ حصريّ المقاومة الإسلامية العسكرية.
باختصار: أحرزَ شيطانُ الإدمانِ والتَهويلِ النّصرَ، فإذا بدعوات المقاطعة هي المحاصَرة.
ونحن الآن في عصرٍ مختلف، ببركة الإنجازات الثوريَّة غير المسبوقة التي حقَّقها المستضعفون، ونعمة الفضائيّات التي حطّمت أسوار السجون الكبيرة التي بناها الحكّام النّواطير، بالقمع والجماجم: هل سنُخرج دعوة مقاطعة البضائع الأميركيّة من برّاد الملذّات والشَّهوات والتّهميش إلى «ميادين التحرير»؟!

***

تعزّز أولوية طرح هذه الدعوة في الراهن السياسي، المستجدّات التالية:
 الرّدُّ على عملياتِ تهويد القدس، وعزْل «الأقصى»، والتصعيدِ الصّهيوني بتشجيع أميركي في مجالات البطش والإعتقال والأَسر، وهدم البيوت وتجريف الزيتون، ومصادرة الأراضي. يتحقّق هذا الرَّد من خلال: فتح الشعوب لملف «القدس» وتقديمه على سائر المطالب والقضايا، لشقّ جدار الصّمت المُطبق -الذي يُمكِّن الصّهاينة من تسريع خطوات «تهويد القدس» دون أن ينبس أحدٌ بكلمة، إلّا القليل- بشرط رفع منسوب ثقافة المقاطعة؛ لأنّ من شأنه إذا تعاظم أن يقطعَ الطريق على كلّ محاولات المساومة والتَّهويد، والتطبيع القطريّ وغيره.
 الأزمة الماليّة العالميّة والتي تُصيب من الإدارة الأميركية مقتلاً لم يخطر لها ببال.  ليس أصعبَ على اللِّصِّ من ضياع ما سرق، ولا أخطر على العابد من خسارة معبوده.
معبودُ أميركا يتداعى، فَلْنَرْبَأ بأنفسنا عن تمكين أميركا من إحكام زرع الخنجر المسموم في قلوبنا مجدّداً، عبر مساعدتها على ترميمِ اقتصادها.
مهمّة نواطير أميركا الجُدد -الذين تحاول الإلتفاف بهم على حراك الشعوب- مهمّةٌ اقتصادية بالدرجة الأولى ولصالح أميركا، فإنْ صَعّدنا منسوب ثقافة المقاطعة ستجد أميركا نواطيرَها الجدد عديمي النّفع فلا تواصل الرَّهان عليهم. بإمكانِ تعزيز هذه الثقافة خلطَ كلِّ الأوراق والتحكِّم لاحقاً بكلّ قواعد «اللّعبة» السياسية.
واجب استبراء أجيالنا الشابّة من «سرطان» الإدمان على «السِّلع الأميركية» -بما يشمل الثقافة والفنّ والحكّام النواطير- الذي تُهدِّد خلاياه غير الحميدة بالإنتشار، فنخسر وهجَ الحراك الثوري ونخسر -بالمآل- الكثيرين ممّن يفرحون اليوم -أو يُسهمون- بحالة التوثّب الحقيقيّة التي تشهدها منطقتنا والعالم.
لم يسقط ثائرٌ في براثن القعود إلّا من خلال اللّذّة والتّرف والطّمع، فَلْنَحفظ أنفسنا وشبابنا من أبرز مظاهر التعلُّق بالعدوّ والإدمان على «الأُنس» بمنتجاته. هذا التّعلُّق القاتل هو بذرة التّرف المدمِّر والطّمع والجشع.
ردُّ التحيّة للصِّين وروسيا بمثلها، من خلال رفد نار الحراك الثوري بلهيب دعم الصّديق ومقاطعة العدوّ باستبدال منتجاته بالمنتجات الصينيّة والروسيّة. وبما أنّ الوضع الإقتصادي للصِّين يشكّل الهاجس المالي الأقوى للإدارة الأميركية، فإنّ هذا يحتّم أن نتعامل مع الصِّين بعناية اقتصاديَة خاصّة.
كلمة أخيرة لكلّ مؤمنٍ يلتزم فتوى مرجع تقليده: لِنَتَّقِ اللهَ تعالى، ولْنُعِدَّ الجواب ليوم الحساب، يوم العرض على الله تعالى، بالتدقيق في فتاوى مراجع الدِّين حول وجوب مقاطعة كلِّ عدوٍّ محارب أو كلِّ مَن يدْعم العدوَّ الصهيوني.
تشكِّل المقاطعة تعبيراً عن تضامنِنا مع أهلنا في فلسطين والبحرين وكلِّ بلدٍ ينزف ويتشظّى، وتشكّل اللامبالاة والإستسهال مشاركتنا «أميركا» في ذبحنا وأهلِنا، فماذا نحن فاعلون؟


 

اخبار مرتبطة

  قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

  المُشايَعة والمتابَعة

المُشايَعة والمتابَعة

  دوريات

دوريات

22/02/2012

دوريات

نفحات