موانع تهذيب النفس: استبدال الدنيا بالآحرة - 1

موانع تهذيب النفس: استبدال الدنيا بالآحرة - 1

13/04/2006

والمقصود بالتحديد التعامل مع الآخرة وكأنها الدنيا من حيث الأهمية والحجم، والتعامل مع الدنيا وكأنها الآخرة. * الخطورة : • مادامت هذه المشكلة قائمة فإنها مانع خطير يحول دون تهذيب النفس بمقدار وجودها، فإذا تحقق الفصل بين عل

والمقصود بالتحديد التعامل مع الآخرة وكأنها الدنيا من حيث الأهمية والحجم، والتعامل مع الدنيا وكأنها الآخرة. * الخطورة : • مادامت هذه المشكلة قائمة فإنها مانع خطير يحول دون تهذيب النفس بمقدار وجودها، فإذا تحقق الفصل بين علاجها وبين تهذيب النفس استحكم المانع، وذهبت كل الجهود أدراج الرياح. • وهذه المشكلة المرض قد تضرب المتدينين كما تضرب الملحدين، وتبلغ درجة خطورتها حدَّ سلب الإيمان محتواه، وتحويله إلى مجرد شكل ، بلا أي مضمون إيماني حقيقي. إستمع


بسم الله الرحمن الرحيم

استبدال الدنيا بالآخرة.

القسم الأول
الدرس الخامس السبت14ذ.ق 1324هجرية

الشيخ حسين كوراني


* تعريف:

· والمقصود بالتحديد التعامل مع الآخرة وكأنها الدنيا من حيث الأهمية والحجم، والتعامل مع الدنيا وكأنها الآخرة.

* الخطورة :

· مادامت هذه المشكلة قائمة فإنها مانع خطير يحول دون تهذيب النفس بمقدار وجودها، فإذا تحقق الفصل بين علاجها وبين تهذيب النفس استحكم المانع، وذهبت كل الجهود أدراج الرياح.

· وهذه المشكلة المرض قد تضرب المتدينين كما تضرب الملحدين، وتبلغ درجة خطورتها حدَّ سلب الإيمان محتواه، وتحويله إلى مجرد شكل ، بلا أي مضمون إيماني حقيقي.

· يقوم الإيمان على قاعدة الغيب، فالبداية غيب والمستقبل كله غيب يشمل البرزخ والقيامة وسائر مراحل الخلود، وبينهما هذه الكرة الأرضية الذرة الصغيرة جداً في بحر الوجود، نمضي فيها مائة عام أو تنقص كثيراً ويندر أن تزيد.

· يريد لنا الله تعالى أن ندرك هذه الحقيقة ونتصرف بما يؤمن لنا حاضراً ومستقبلاً تغمرهما السعادة والبهجة والرضوان، ونعجز عن التفاعل مع ذلك بصدق، فنصر - في الغالب-على التعاطي مع الأمور على قاعدة أن هذه الكرة الذرة هي كل شيء.

وفي أحسن حالات ماعدا الغالب نعطي للآخرة هامشاً، هو الذي ينبغي أن يكون للدنيا.

قال تعالى: وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة، ولاتنس نصيبك من الدنيا.

وبصر فعلنا أن يقول: وابتغ في ما آتاك الله الدار الدنيا ولاتنس نصيبك من الآخرة!

ولذلك تحول بيننا وبين تهذيب النفس العقبات والأهوال..

* حتى طالب العلم!

ولئن كان خطر استبدال الدنيا بالآخرة كبيراً حيثماوجد، إلا أن غزو هذا المرض لطالب العلم، واستشراءه في خلايانفسه، أشد خطورة بمالامجال معه للمقارنة، لأن المفترض في طالب العلم أنه طالب الآخرة، فالعلم صورة الواقع، وعندما يختلف عنه لايكون إلا وهم علم وادعاءه، وحيث إن الآخرة هي الحياة الحقيقية، التي يتجلى فيها العلم الحق بأبهى صوره، فبمقدار حمل طالب العلم لحقائق الآخرة واستحضاره لها يكون "طالب علم" وإلا فهو الجاهل المركب.

ماتقدم هو ببساطو مقتشى الحديث الشريف:"اطلبوا العلم ولو بالصين.."وهو علم معرفة التقوى واليقين".[1]

وإذا أضفنا إلى ذلك بعداً آخر منفصلاً كلياً عما تقدم وإن كان من نتائجه هو بُعد فقد الأمة -عموماً وفي الغالب - للمبلغين الحقيقيين الذين تنحصر مهمتهم بنشر العلم، وبيان الحقيقة والواقع، دخل حديث الخطورة المرحلة التي تجعله في البعد الإجتماعي السبب في كل الظواهر المرضية التي يعاني منها المسلمون.

لئن كانت أمريكا اليوم تمعن في إذلال المسلمين، فليس السبب في ذلك إلا الخواء الروحي في الأوساط التبليغية، الذي يجعلها عاجزة عن استقطاب الأمة واستنفارها لمواجهة الخطر الداهم.

ولاسبب لهذا الخواء الروحي بمعزل عن"استبدال الدنيا بالآخرة"، ولاأستثني نفسي.

وإلى الله المشتكى من نفس أمارة بالسوء إلا مارحم ربي.


* في الجذور:

أعدى عدو الحقيقة ،تسطيح الأمور، وعدم إيلائها ماتستحق من عناية وتحليل وتأمل وتدبر ونفاذ إلى عمق الأشياء.

ليس مستحيلاً على الإطلاق أن يتعامل أحدنا مع الدنيا بحجمها الحقيقي"ظل زائل".

إلا أن ذلك ليس بهذه البساطة التسطيحية التي دأَبْنا عليها، فحصدنا مانحن عليه من عبادة للدنيا مغلفة بالإدعاءات العريضة في الإستهانة بشأنها والزهد فيها.

يقول الشيخ البهاري الهمداني في وصف بعض المغرورين:

" ظنوا أنهم تاركون للدنيا ولذاتها، والحال أنه لو أقبل عليهم شيء من الدنيا بغتة لماتوا من الفرح، أنى لهم وترك الدنيا"[2]

بين الإستحالة والتبسيط تقع مسألة التعامل مع الدنيا بحجمها ومع الآخرة بحجمها، وعدم الخلط بينهما واستبدال هذه بتلك.

يقرب شأنهما في ذلك من شأن الجهل والعلم، فليس التعلم مستحيلاً، ولكنه يستدعي بذل الجهد والتغلب على نوازع الميل إلى اللعب واللهو والإعراض وحب مايحلو للنفس وتستسهله.

وبمقدار الدأب والمثابرة والسهر والكدح وحمل النفس على ماتكره تنمو ملكة العلم لتصبح شجرة باسقة وارفة الظلال.

كذلك هو من بعيد شأن الدنيا والآخرة.

تنشأ المشكلة في هذا الإستبدال من أمور:

1-أن في الإنسان غرائز لابد من تلبيتها، وهي تضغط لتحقيق هذه التلبية على أوسع نطاق.

2- أن الدنيا هي عالم الشهادة الحاضرالذي نحن فيه، والآخرة هي الغيب الآتي. ألدنياهي العاجلة، .والآخرة الآجلة،"وماراء كمن سمعا".

3- أن مقتضى كون الإنسان مخيراً (وفق المقررفي محله) أن يُعمل عقله في تلبية غرائزه، وعدم الركون إلى الدنيا.

4- أن الشائع بين أهل الدنيا هو حب الدنيا، وتقديم المصلحية على المبدئية، إلى حد أن طريق الوصول إلى تحقيق الأهداف يكاد يبدو منحصراً بعبادة المصلحة.

5- أن المنكر أصبح نتيجة سوء الإختيار معروفاً، والمعروف منكراً.

6- أن التكليف الشرعي لايجيز العزلة، وعدم الإختلاط والمعاشرة، بل يُلزم بواجب حمل هم المسلمين وبذل أقصى الجهد في الإصلاح والتغيير.

في ظل هذه العناصر التي تتكون منها صورة الواقع الدنيوي، يبدو جلياً أن الإنسان في الدنيا كالمجاهد في أتون معركةحامية الوطيس مزروعة بالألغام، تتبارى فيها كل أنواع الأسلحة.

مثل هذا المجاهد إذا انفصل عن "فئته" لايلبث أن يبتلعه الموت الزؤام.

أما إذا بقي فرداً من"جماعة" يلتزم بأوامر القيادة ويتعاون مع إخوته المجاهدين، فقد يكون دوره طليعياً في إحراز النصر.

والمحور في ذلك كله، أن يدرك أنه في قلب المعركة.

مشكلة أنفسنا أيها الأحبة، أنهاتتعمد أن تنسى أوضح الواضحات، ننسى أن الدنيازائلة، وأن كل مافيهايفنى،إلاماكان في خط طاعة الله فإنه يستمد البقاء ممن له وحده الوجود والبقاء.

ننسى أن المدة التي يقضيها أحدنا في قبره أطول من عمره بكثير.

ننسى أن أحدنا إذاكان صادقاً في حرصه على تأمين مستقبله، فإن مابعد الموت هو المستقبل الحقيقي الذي يجب أن يحظى بكل أنواع الإهتمام.

ننسى أن مايصدر عن نية القربة إلى الله تعالى يبقى، وأن ماعداه هباء لاوجود حقيقياً له لنتصور أنه يبقى.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: مارأيت يقيناً لاشك فيه أشبه بشك لايقين فيه من الموت.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: ياأباذر..ألدنيا ملعونة،ملعون مافيها، إلا ماابتغي به وجه الله.

*في صفات العلماء الحقيقين:

تحت هذا العنوان، تحدث آية الله الشيخ البهاري الهمداني،فقال:

" نذكر هنا جملة من صفات علماء الآخرة الذين هم مقابل علماء السوء وأهل الدنيا، حتى لا يعتبر كل شخص نفسه مربياً ومن أهل علم الآخرة، وهذه الصفات عدة أمور:

الأول: أنه يجب أن يكون زاهداً في الدنيا. ومعنى الزهد رفع العلاقة القلبية الذي يلازمه رفع العلاقة الظاهرية، لأن أقل مراتب العلم، العلم بحقارة الدنيا وكدورتها وفنائها، والعلم بجلالة الآخرة وصفائها وبقائها.

وأيضاً يجب أن يكون قد فهم أن الدنيا والآخرة ضرتان[3] لا يمكن جمعهما.

فإذا كان لم يفهم الأمر الأول (حقارة الدنيا) فيا للحمق.

وإذا كان لم يفهم الأمر الثاني (جلالة الآخرة) ولا يعتقد بذلك فيا للكفر.

وإذا كان لم يفهم عدم اجتماعهما فيا للزندقة!

وإذا كان قد فهم الجميع لكنه لا يستطيع أن يكبح جماح نفسه (ويخرج من عهدتها) فهو أسير الشهوة، ومثل هذه النفوس غير قابلة لأن تعد في درجة العلماء.

يقول الشاعر العربي: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب

نعم، وعلامة وجود هذه الملكة الشريفة (أي الزهد في الدنيا) في القلب:

أولاً: إجتناب العلوم الدنيوية إلا بمقدار توقف العلوم الأخروية عليها.

وثانياً: الفرار من الأمراء والحكام لاسيما السلاطين، فيجب أن لا يخالطهم بهدف الطمع في المال أو الجاه..."..."

الثاني: أن يكون فعله موافقاً لقوله، حيث قد روي عن صادق آل محمد سلام الله عليه في تفسير الآية الشريفة "إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ": "يعني بالعلماء من صدّق فعلُه قولَه ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم[4]".

الثالث: أن يفر من الفتوى كما يفر من الأسد والأفعى.

في الرواية أن الشخص كان يدخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويجد جمعاً من الصحابة جالسين، فيسألهم عن بعض الأحكام، فكان الجميع كل منهم ينتظر الآخر ليجيب..خوفاً (من) الوقوع في الخلاف وهذا مثار للتأمل الشديد.

وكذلك ينبغي أن يجتنب المجادلة والمناظرة في المجالس والمحافل لأن ذلك مصدر الفتنة والخبائث له، والشواهد على ذلك من الروايات كثيرة.

الرابع: أنه يجب أن يكون منكسراً وحزيناً صامتاً..مطأطئ الرأس، وآثار الخوف والخشية والخضوع والخشوع ظاهرة فيه، كل من رآه يتذكر الألوهية، ويدل سيماؤه على علمه.

الشاهد على ما ذكر الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام:

"إن العلم ذو فضائل كثيرة[5]" إلى آخر الحديث وهو طويل، فعليك بالتأمل فيه لينفعك إن شاء الله تعالى، وكذلك غيره من الأخبار الكثيرة في هذا المجال.

الخامس: أن يكون اهتمامه بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق السلوك الأخروي أكثر من أي عمل واهتمام.. "...."

فإن قلت : أنت الذي تكتب هذا.. أيضاً،لا تعمل به.

قلتُ: نعم، حق وصدق.

عرفت أنا طريقة التقوى، لكن ما العمل، حظي عاثر[6]..أعاذنا الله من شر النفس وجماحها ووفقنا لما فيه خيرها وصلاحها.

ذلك أن الحق مر، والإستمرار به أمرّ، وطريق تحصيله صعب، والوصول إليه أصعب، والطبع ميال إلى الأسهل والملائم له والجسد مدلل...و...

لا يمكن للمدلل أن يقطع الطريق للوصول إلى المحبوب، فإن العشق من شيم الرجال الذين يتحملون البلاء[7].

أسئلة الدرس الخامس
1- مامعنى استبدال الدنيا بالآخرة؟

2- تحدث عن هذا المرض النفسي بالتفصيل.

3- ماهي خطورة ذلك في طالب العلم؟

4- أذكر بعض الأسباب لهذا المرض؟

5- ماهي صفات العلماء الحقيقيين،التي وردت في نص الشيخ البهاري؟


--------------------------------------------------------------------------------
[1] - مصباح الشريعة،ط:الأعلمي1400هج ص13،وعنه:البحار 2/32

[2] - تذكرة المتقين"فرق المغرورين".

[3] -* ضرتان مثنى ضرة، الزوجة الأخرى للزوج، وهذه الجملة مأخوذة من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه في نهج البلاغة حيث يقول: "ان الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها، أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماشٍ بينهما كلما قرب من واحد بعد من الآخر، وهما بعد ضرتان" نهج البلاغة/الحكمة رقم100

[4] - مجمع البيان ج 8/407.

[5] -- *الحديث مروي عن الإمام الصادق، عن أمير المؤمنين عليهما السلام، وأوله: ياطالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة،أنظر:الشهيد الثاني، منية المريد ص148، وابن فهد، عدة الداعي ص64، والمجلسي، البحارج1/175.

[6] - مضمون بيت.

[7] - مضمون بيت. والنص من كتاب تذكرة المتقين:في صفات العلماء الحقيقيين".

اخبار مرتبطة

نفحات