الملف

الملف

منذ يوم

«استُرجِعت الوديعة واختُلِست الزّهراء»


 
«استُرجِعت الوديعة واختُلِست الزّهراء»
ماذا نعرف من عظمتها عليها السلام؟*
_____الشيخ حسين كوراني_____




يروي عليُّ بن الإمام جعفر الصادق، عن أخيه الإمام الكاظم عليهما السلام، «إنّ فاطمة عليها السلام صدّيقةٌ شهيدة».
وما أدراك- يا قلب- ما شهادة الزهراء، وما أدراك ما ليلة القدر؟!
  

يسبقُ القلب إلى تلك الصّورة داخل بيت أمير المؤمنين وقد أصبح أولادُ المرتضى والزّهراء أيتاماً.
كيف كان حالُ أبي محمّد الإمام الحسن المجتبى عليه صلوات الرّحمن، وحالُ أبي عبد الله الحسين، وحالُ مولاتنا زينب؟
وهل تقوى يا قلبُ على أن تتذكّر شيئاً، ولو خَلجةً من حال أمير المؤمنين عليه صلوات الرحمن؟

                                              

***


روي عن الإمام الحسين عليه السلام:
«لمّا قُبِضتْ فاطمة عليها السلام، دفنَها أميرُ المؤمنين سرّاً، وعفَّى على موضعِ قبرِها، ثمّ قام فحوّل وجهَه إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال:
ألسّلامُ عليك يا رسولَ الله، عنّي، والسّلام عليك عن ابنتَك وزائرتِك، والبائنةِ في الثّرى ببُقعتِك، والمختار لها سرعة اللّحاق بك، قلَّ يا رسولَ الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلُّدي، إلّا أنّ لي في التّأسّي بسُنّتك في غربتِك موضع تَعَزّ، فلقد وسّدتُك في ملحودةِ قبرك، وفاضت نفسُك بين نحري وصدري بلى، وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. قد استُرجعت الوديعة وأُخِذت الرّهينةُ واختُلست الزّهراء، فما أقبحَ الخضراءَ والغبراءَ يا رسول الله، أمّا حُزني فَسَرْمَد، وأمّا لَيلي فمُسَهّد، وهمٌّ لا يبرحُ من قلبي، أو يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنت فيها مقيم
»!!

***


كيف ينبغي أن نتعاطى مع الزّهراء عليها السلام؟
أطرحُ سؤالين، وأحاول الإجابة عليهما باختصار:
1- ماذا نعرف من عَظَمتها عليها السلام؟
2- عند أيِّ نوع من الخصائص يجبُ أن نقف على أعتابها عليها صلوات الرّحمن؟

أمّا عن العَظَمة، فينقل آية الله المقدّس السيد المرعشي رضوان الله تعالى عليه، عن المولى الإمام صاحب العصر والزّمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف في قصّة ضمن ثلاث قِصص كتبها المرحوم المرعشي بخطِ يدِه، ولم يصرّح فيها بأنّه هو الذي تشرّف برؤية الإمام المنتظر أرواحنا فداه، إلّا أنّ أحد العلماء، نقل لي عنه أنّه -أي السيّد المرعشي- هو صاحبُ هذه اللّقاءات والتّشرُّفات.
ينقل تعليمات كثيرة عن الإمام المنتظر من جملتها أنّه أمر بهذا القنوت، أن يُقنت به في الصّلاة باستمرار:
«أللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآله، أللّهمّ إنّي أسألُك بحقِّ فاطمة وأبيها، وبعلِها وبنيها، والسّرِّ المستودَعِ فيها، أن تُصلِّي على محمّدٍ وآل محمّد، وأن تفعل بي ما أنت أهلُه، ولا تفعل بي ما أنا أهلُه».
عَظَمة الزّهراء كما هو المُجمَع عليه بين المسلمين عبرَ القرون حول عظيم منزلة الزّهراء في الآيات المباركة، والحديث الشريف، وكما في أسباب نزول آية التّطهير بشكلٍ خاصّ، وكما يُظهرُها هذا النصّ عظمةٌ محوريّة: «بحقِّ فاطمةَ وأبيها، وبعلِها وبنيها، والسّرِّ المستودَع فيها».
معرفة الزهراء عليها السلام هي الطّريق إلى معرفة الله عزّ وجلّ.
والخَلل في معرفتها، لا بدّ وأن ينعكس خللاً في المعتَقد.
بمعنى أنّ المسلم لا يستطيع أن يقول إنّه على سلامة من معتقدِه إذا لم يعرف الزّهراء عليها السلام.

***



عندما نريد أن نتحدّث من بعيد عن مكامن العَظَمة في هذه الشخصيّة المحمديّة العظيمة كيف نتعامل معها؟
بِمَ نَصفُها؟
يشعرُ المُستمع إلى من يتحدّثون عن المعصوم -أحياناً كثيرة- أنّهم يتحدّثون عن عالمٍ من كبار العلماء مع فارقٍ وامتيازٍ قليلَين!
ذلكم هو ما يجعلُ الحديث عن الزّهراء عليها صلوات الرحمن، لا يصِلُ إلى أدنى سفح عَظَمتها، فضلاً عن الخَلل الكبير الذي يقع فيه الكثيرون، والذي يجعل الحديث بالإضافة إلى مُنافاته للعقيدة السّليمة، يُنافي الأدب!
نحن مدعوّون من منطلق التكليف الشرعي، وبعيداً عن أيّ شيء آخر، أن نتعرّف على المصطفى الحبيب، وعلى الزهراء، وعلى أمير المؤمنين، وعلى سائر الأئمّة باعتبار أنّ معرفة الله عزّ وجلّ تتوقّف على ذلك، وهذا أوضح معاني: «مَن أرادَ اللهَ بدأ بكم».
كيف ينبغي أن نتحدّث عن الزهراء؟ بأيّ لغة؟
لغة «الكاتبة الإسلاميّة الأولى»؟!!
وَلْيَعذُرني أبناءُ الزهراء عليها السلام، فعندما يدور الأمر بينها وبين كلّ مَن عدا المعصومين تكون النتيجة واضحة.
عندما نقارن بين لغة الكثيرين من الكتّاب، وبين لغة بعض العلماء، نجدُ الفارقَ الكبير.
والمقياس الذي ينبغي اعتمادُه في هذا العصر، لِلُغةِ علمائنا الأعلام كلامُ الإمام الخميني القائد رضوانُ الله تعالى عليه.
عندما نقارن، فتارةً نجد الحديث من النمط الذي ذكرتُ: الكاتبة الإسلاميّة الأولى!!
وتارةً نجدُ الحديث عن أنّ المرتضى والزهراء من الحقيقة المحمديّة، حقيقة رسول الله صلّى الله عليه وآله، خيرِ خلق الله تعالى.
أمير المؤمنين، نفْسُ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
الزهراء بَضعةٌ من رسول الله، شَجنةٌ من رسول الله صلّى الله عليه وآله.
روحُه التي بين جنبَيه.
ما معنى هذا؟
ألا يدلُّ على أنّنا نتعامل مع الرّوايات التي نعرفها حول الزهراء عليها السلام، وفق مسبقات نُسقطُها على ما نقرأ، فنقع ولو عن غير قصد، في خطر إنزال الصّدّيقة الكبرى من المرتبة التي رتّبها الله تعالى فيها؟
كَمْ سمعنا حديث: «فاطمة بضعة منّي»؟
هل حاولنا الوصولَ إلى عُمق دلالة هذا الحديث فقط؟
 معنى هذا أنّك عندما تقول: «فاطمة» فقد قلتَ: «رسول الله».
معنى هذا أنّ فاطمة هي رسولُ الله، نفْسُ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
عندما نريدُ أن نستوضح الصّورة بعض الشيء، دعونا نتّفق على سرّ العَظَمة في أيّ شخص.
ما هو سرُّ العَظَمة؟
بِمَ يُصبحُ الشّخصُ عظيماً؟
كلُّنا نعرف أنّ المقاييس والمعايير التي نصنعُها نحن باطلة.
من النّداءات في يوم القيامة التي تُثبت كم يذهب البشر في «المقاييس» عريضاً:
«أيُّها النّاس أنصِتوا، فقد أنصتُّ لكم زمناً طويلاً، وضعتُ نَسَبَاً، وهو التّقوى، ووضعتم أنساباً»!
رغم كلّ المقاييس التي نصنعُها (المال، الحُكم والموقع القيادي، الشّجاعة) ونعتبر أنّها سرُّ العَظَمة، فليس (المعيار) في الحقيقة، إلّا القُرب من الله عزّ وجلّ، طاعة الله سبحانه وتعالى.
بعبارة ثانية: عندما يُطيع الإنسانُ اللهَ تعالى فهو عاقل، وعندما يعصي فقد خرج عن دائرة العقل بهذا المقدار.
ومن لا تعرف سيرتُه إلّا الطّاعة الأتمّ لله عزّ وجلّ فهو العاقل الأتمّ، بل العقلُ الأكمل، والإنسان الأوّل، وأقربُ النّاس إلى الله، والمتمحّض في طاعتِه سبحانه.
﴿..إن أكرمكم عند الله أتقاكم..﴾ الحجرات:13.
عندما يقترب أيّ إنسان، قليلاً من الله عزّ وجلّ، فلا بدّ وأن تظهر نتائجُ هذا القُرب.
كلّنا نسمع أو نقرأ الحديث القدسيّ: «عبدي أطِعني تَكُن مثلي. تقولُ للشيء كُنْ فَيكون».
كلّنا نقرأ في كتاب الله تعالى: ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ الأنفال:17، ونقرأ: ﴿..يد الله فوق أيديهم..﴾ الفتح:10.
رسول الله صلّى الله عليه وآله،  لشدّة قربه من الله عزّ وجلّ فهو في مقامٍ لا يُمكننا أن نتصوّر كُنْهَه.
إذا أطاعَ الإنسانُ العاديُّ الله عزّ وجلّ فبمقدار طاعتِه يقترب، فإذا وصل إلى مرحلة مميّزة من الطاعة، تنكشفُ الحُجُبُ عن بصيرته وعينَي قلبه، فتصدر عنه أمورٌ هي من الغرائب؛ إخبارٌ بما يكون، أو علمٌ بحديث النّفْس، أو نظرٌ لبعض الأمور كما هي.
تُلازم الطّاعة التسديد. المُطيع لله تعالى مسدَّدٌ بحسب طاعتِه.
ما أكثر العلماء الأجلّاء من أصحاب الكرامات الذين هم لِقُربِهم من الله عزّ وجلّ مُسدَّدون.
ما أكثرَ ما سمعتُم، وما أكثر ما قرأتُم عن هذه الكرامات.
وما هو المحور فيها يا تُرى؟
إنّه القُرب من الله عزّ وجلّ.
فَلْنَستحضِر محوريّة القُرب منه سبحانه، وعظيم آثارها، وننتقل إلى أعتاب الحديث عن المصطفى الحبيب وآله الأطهار.

***



إذا أردنا أن نتعرّف إلى بعض جوانب قُرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل البيت من الله عزّ وجلّ فينبغي أن نقف أوّلاً عند مثالٍ يذكرُه بعضُ العلماء، وهو مثالٌ بالغُ الدّلالة.
المثال: لو فرضنا أنّنا وضعنا حديدةً في النّار، وطال بقاءُ هذه الحديدة في النار، فماذا نرى بعدئذٍ، وما هي النتيجة؟
نرى أنّ الحديدة اكتسبت جميعَ خصائص النّار.
مَن يضع يدَه عليها يحترقْ.
مَن ينظر إليها يظنّ أنّه ينظر إلى نار.
لقد اكتسبت من شدّة القُرب وطول مدّة القُرب جميعَ خصائص النّار.
لكنْ هل أصبحت هذه الحديدة ناراً؟
هل تغيّر جوهرُها؟ أو تغيَّرت حقيقتُها؟
أم أنّها ما تزال حديدة؟
والنّار، هل أصبحت حديداً، أم أنّها ما تزال ناراً؟
ومن مثال القُرب من النّار، يُمكن فهمُ بعض خصائص شدّة القُرب من النُّور.
شدّةُ قُربِ المؤمنِ من الله عزّ وجلّ، تجعلُ هذا المؤمن مظهراً كلّ الخصائص الإلهيّة التي يُمكن أن يُعطيها الله تعالى للمُمكن المخلوق.
هذا بالنّسبة إلى المؤمن العادي، فكيف بالنّسبة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبالنّسبة إلى مَن هم تجليّات الحقيقة المحمّديّة، وفي طليعتِهم الصّدِّيقةُ الكبرى الزهراء عليها السلام؟

***


هل هناك بين الخَلق جميعاً أقرب إلى الله عزّ وجلّ من المصطفى الحبيب، وأهل البيت؟
إذاً ما هي نتائج هذا القُرب الأوّل والفريد؟
 نتائجُه:
﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ الأنفال:17.
يدُ رسولِ الله يُعبَّر عنها بِيَدِ الله تعالى.
﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾ النجم:3-4.
نُطْقُ رسول الله، وحيٌ يُوحى.
ماذا تريد أن تقول لنا هاتان الآيتان الكريمتان وأمثالُهما:
المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله مظهَرُ قدرةِ الله تعالى، مظهرُ علمِ الله تعالى، مظهرُ حِلم الله تعالى، مظهرُ كرمِ الله تعالى.
وننتقل إلى الحديث عن روح المصطفى الحبيب.
الزّهراء روحُ المصطفى التي بين جنبَيه، بَضعةٌ منه، شَجنةٌ منه.
حُكمُها حُكمُه، هي هو -ما عدا النّبوّة، وأنّه سيّد الأوّلين والآخرين- الحقيقة المحمّديّة واحدة.
ينبغي أن نبحثَ عن عَظَمة فاطمة عليها صلوات الرّحمن في عَظَمة رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«إنّ الله لَيَرضى لِرضى فاطمة..».
ألم نسمع جميعاً بهذا الحديث؟
يقفُ عندَه أحدُ كبار المراجع فيقول ما خلاصتُه: «لو كان الحديث هكذا: إنّ فاطمة لَتَرضى لِرضى الله، وتغضب لغضبِه لكان هذا الحديث يدلُّ على درجة عظيمة للزّهراء، ولكنّه بصيغتِه الحاليّة يدلّ على درجةٍ أعظم بكثير».
لا يقول الحديث: إنّ فاطمة ترضى لرضى الله وتغضب لِغضبِه، بل يقول: «إنّ الله لَيَرضى لِرضى فاطمة، ويغضب لِغَضبِها». هذه مرتبةٌ أعلى.
أللّهمّ عرّفنا نفسَك ونبيّك وأولياءَك. عرِّفنا الصِّدِّيقةَ الكبرى الزّهراء عليها السلام.
* من كتاب (في محراب فاطمة عليها السلام) بتصرّف يسير


قطرةٌ من بحر

من المصادر السُّنِّيَّة في ترجمة الزهراء عليها السلام
O حلية الأولياء: ج 2، ص 39 (ذكر فاطمة الزهراء عليها السلام).
O ذخائر العقبى: ص 44 (ذكر ما جاء أنّها أصدق لهجةً).
O مناقب أهل البيت عليهم السلام للشيرواني: ص 233 (الباب 2 في فضائل الزهراء).
O الإستيعاب: ج 4، ص 896 (ترجمة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، رقم 4057).
O سِيَر أعلام النبلاء للذّهبي: ج 2، ص 131 (ترجمة فاطمة عليها السلام، رقم 18).
O سُبل الهدى والرشاد: ج 11، ص 47 (أبواب بعض فضائل آل الرسول صلّى الله عليه وآله، باب 9).
 







 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

24/03/2012

  كتب أجنبية

كتب أجنبية

نفحات