شخصية الخطيب، والدور المنشود

شخصية الخطيب، والدور المنشود

منذ 6 أيام

المُدعى أننا مع المنبر الحسيني وأهميته نظرياً وبشكل مجتزأ، أما عملياً فلا. ربما يوضح هذه الحقيقة المُرَّة هو أن العالم ينأى بنفسه عادة عن المنبر الحسيني، فهل التصدي لهذا المنبر نقص- معاذ الله- أم كمال؟ إذا كان كمالاً وفخ

المُدعى أننا مع المنبر الحسيني وأهميته نظرياً وبشكل مجتزأ، أما عملياً فلا. ربما يوضح هذه الحقيقة المُرَّة هو أن العالم ينأى بنفسه عادة عن المنبر الحسيني، فهل التصدي لهذا المنبر نقص- معاذ الله- أم كمال؟ إذا كان كمالاً وفخراً، فلنرفع اليد عن هذا التصنيف: عالم و"روزَخُون"!! وليَتصدَّ العلماء لقراءة المجالس، عندها ستحل كثير من الإشكالات تلقائياً. ستحل مشكلة المضمون, ومشكلة السند، ومشكلة شمولية الخطاب، وستحل مشكلة وقت الناس الذي يهدر نتيجة هذا التصنيف. وإذا كان هذا التصدي نقصاً فعبثاً نحاول ترقيع هذا النقص!!

بسم الله الرحمن الرحيم
شخصية الخطيب، والدور المنشود
الشيخ حسين كوراني
السبت 17 ع1 1420 هـ
مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت

*المحور: شخصية الخطيب، المواصفات والدور المنشود.[1]

*أي خطيب نريد؟:

لا بد لنا أولاً من الإتفاق على الموقع الذي يحتله الخطيب في تصورنا، ليمكننا أن نتحدث عن مواصفاته ومؤهلاته العلمية والفكرية وغيرها.

إن الخطيب الذي يُجعل قسيماً للمحاضر غير الخطيب الذي يمكنه أن يحاضر.

وقد استوقفتني الواقعية التي تبدت من خلال السؤالين المطروحين في ورقة عمل المحور الثالث.

* السؤالان:

1- ما هي المواصفات والمؤهلات العلمية والفكرية وغيرها، التي ينبغي أن تتوافر في شخصية المحاضر أو خطيب المنبر الحسيني، والتي يستطيعان من خلالها أن يخاطبا الناس بالفكر السليم؟

2- ما هو المطلوب من المحاضر، وما هو المطلوب من خطيب المنبر الحسيني، وكيف نوزع المهمات بينهما؟

كيف يتكاملان؟

وهل المطلوب من خطيب المنبر أن يتناول موضوعات فكرية إلى جانب لغة النعي والسرد التاريخي لواقعة الطف؟

أم أن المطلوب منه الإقتصار على العزاء فقط؟

وهل يفرق في ذلك بين مجلس ومجلس؟ إلخ

ولا شك أن مضمون هذين السؤالين ينسجم مع الواقع القائم، الذي يجعلنا أمام عنوانين:

المحاضر, وخطيب المنبر الحسيني.

والسؤال الذي لا بد من طرحه، هل ينبغي التكيف مع هذا الواقع، وبالتالي البحث عن مواصفات الخطيب الذي تم تحجيم دوره ليبقى في الصفوف الخلفية، صفوف غير العلماء؟

أم أنه لا بد من تغيير هذا الواقع وإن ببطء وأناة وطول انتظار؟


***

أود أولاً أن أتساءل عن مستند هذا التصنيف القائم في أوساطنا الذي يجعل الخطيب قسيماً للمحاضر، بل وقسيماً غير متكافيء!! بل إن السبب في التصنيف والمنطلق، هو الإلفات إلى أن الخطيب دون مستوى المحاضر! أو العالم!

***

* ما هو المستند في هذا التصنيف؟

ليس ثمة مستند من كتاب أو سنة، وبالتالي فالتصنيف عملية تكَوّنٍ وتَشكُّلٍ، نتيجة مسار عملي لا يصلح أن يكون مستنداً ملزماً.

***

وأود ثانياً أن أذكر باختصار بالثوابت التالية:

1- أن قضية عاشوراء هي قضية الإسلام كله.

2- أن الإسلام محمدي البدء حسيني الإستمرار.

3- أن كل ما عندما هو من بركات عاشوراء.

إذا لاحظنا ما تقدم وتوافقنا على أن بركات عاشوراء تعني بركات المنبر الحسيني (مباشرة وبالواسطة)، نكون قد أصبحنا أمام تحديد وظيفة المنبر الحسيني التي تتلخص بما يلي:

توعية الأمة على الإسلام وتحصينها من الإنحراف.

بمعنى أن المنبر الذي يعهد إليه بإعادة صياغة الأمة هو بالدرجة الأولى: المنبر الحسيني،

وتأتي جميع المنابر الأخرى في الدرجة الثانية.

يقول الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه:

رمز بقاء الإسلام وانتصار (هذه) النهضة المحافظة على متراس المساجد، ومراسم عزاء سيد الشهداء وقراءة العزاء.[2]

***

وهنا يأتي دور هذا السؤال:

أليس من المفارقات العجيبة، أننا نولي المنبر الحسيني أهمية قصوى، ونمعن في الوقت نفسه في تهميش دور خطيب هذا المنبر؟

كيف نوفق بين هذا وذاك؟

***

المنبر الحسيني في مجال التواصل مع الناس وعلى مستوى العدد هو المنبر الأول، فإن الكتلة البشرية الأضخم التي تصغي لمنبر هي كتلة المنبر الحسيني.

والمنبر الحسيني على مستوى قدسية القضية يتناول أقدس قضية، قضية سيد الشهداء، قلب المصطفى الحبيب ونفسه وروحه: حسين مني وأنا من حسين.

والمنبر الحسيني على مستوى الثواب له الصدارة.

فإن البكاء على سيد الشهداء يحط الذنوب العظام.

هذه هي عظمة هذا المنبر عندنا.

إلا أن فارسه، وربانه، والقائد، هو "خطيب"!! يَقْصُر - لدينا - عن أن نصفه بأنه محاضر.

والمشكلة ليست في التوصيف الوارد في ورقة المؤتمر، فهي كما ذكرت ورقة واقعية.

المشكلة في فهمنا السائد، الذي لا بد من تصحيحه أيها الأعزاء،

***

إن هذا يضعنا أمام حتمية إعادة الإعتبار لخطيب المنبر الحسيني.

ولا يتحقق ذلك إلا إذا أعدنا الإعتبار عملياً للمنبر الحسيني نفسه.

المُدعى أننا مع المنبر الحسيني وأهميته نظرياً وبشكل مجتزأ، أما عملياً فلا.

ربما يوضح هذه الحقيقة المُرَّة هو أن العالم ينأى بنفسه عادة عن المنبر الحسيني، فهل التصدي لهذا المنبر نقص- معاذ الله- أم كمال؟

إذا كان كمالاً وفخراً، فلنرفع اليد عن هذا التصنيف: عالم و"روزَخُون"!! وليَتصدَّ العلماء لقراءة المجالس، عندها ستحل كثير من الإشكالات تلقائياً.

ستحل مشكلة المضمون, ومشكلة السند، ومشكلة شمولية الخطاب، وستحل مشكلة وقت الناس الذي يهدر نتيجة هذا التصنيف.

وإذا كان هذا التصدي نقصاً فعبثاً نحاول ترقيع هذا النقص!!

***

وربما يوضح هذه الحقيقة المُرَّة - وجوب إعادة الإعتبار للمنبر الحسيني - أن كل قراء العزاء، المحاضر منهم والعالم والخطيب، هم نتاج أنفسهم.

فليس ثمة مؤسسة تعنى بهم.

الحوزة مؤسسة تعنى في أحسن الحالات بالفقيه، وهي لا تعنى بالمبلِّغ، سواءً كان خطيباً حسينياً أم غيره.

***

إن من أبسط مستلزمات التعاطي مع المنبر الحسيني بما يتناسب مع الموقع المتسالم على أنه له، أو ينبغي له، أن تشهد أوساطنا، خاصة في هذا العصر الخميني- الخامنئي الواعد، عملاً مؤسساتياً بمستوى شطر من الطموح، أما الطموح كله فهو أن تصبح الحوزة كلها معهداً للمنبر الحسيني.

إن غياب العمل المؤسساتي يعني أن الحوزة أهملت المنبر الحسيني، فتصدى لهذا الشأن من تصدى، جزى الله المخلصين منهم خير الجزاء.

وجاءت النتيجة لا تخلو من سلبيات كثيرة.

وإذ يتعين علينا أن نشد على أيدي الخطباء، المحاضرين والقراء والعلماء الذين قاموا بهذا الواجب الكفائي، ونشكرهم على إبقاء هذه المجالس مستمرة نابضة بالعطاء الحسيني، فإن علينا أن نشدد على أن سلبيات المنبر الحسيني لا تقع على عاتق المتصدين لهذا المنبر بمقدار ما تقع على العلماء الذين لم يتصدوا لتدوين السيرة الحسينية، والمجالس الحسينية، والمقتل الذي يتلى يوم عاشوراء.

وعلى عاتق الشعراء الذين يمكنهم تقديم الخاطرة الشعرية المناسبة.

إن الذين تصدَّوْا، بذلوا ما أمكنهم، والذين كان باستطاعتهم أن يبذلوا المزيد ولم يفعلوا، هم المطالبون.

***

إن هذه مفارقة أخرى، أن يكون "الخطيب" الذي صنفناه في مقابل المحاضر مسؤولاً عن سلبيات المنبر الحسيني.

على أن هذا لا يعفي الخطباء من المسألة كلياً، إلا أنه يقلص مساحة مساءلتهم إلى حد كبير.

***

* أصحاب السماحة:

إذا توافقنا على أن خطيب المنبر الحسيني عنوان يمكن أن يكون مصداقه العالم الذي يحاضر وينشد شعراً في الحسين عليه السلام فيبكي ويُبكي، اختلفت جذرياً مواصفات هذا الخطيب "ومؤهلاته العلمية والفكرية وغيرها" وأصبحنا - وفي الحد الأدنى- أمام المواصفات التالية:

1- جودة البيان، وهو يشمل عدم وجود ما ينفر منه في طريقة حديثه، أو تلفظه ببعض المفردات وقدرته على إيصال الفكرة بوضوح.

2- ملَكة علم النحو، فإن الأخطاء الفاضحة تسقط الخطيب في عين مستمعيه القادرين على التمييز، وهم كثر بالإضافة إلى أنهم يشكلون مفاتيح رأي ومحاور تقويم.

3- رصيد محفوظات هام من القرآن الكريم، الحديث الشريف، نهج البلاغة، الدعاء، الوقائع التاريخية، الشعر، المواضيع المختلفة.

4- مستوى علمي متقدم "بحث خارج أو ما يقرب منه"، والهدف هو القدرة على إعداد بحث تتوفر فيه شروط البحث العلمي، والقدرة على تشخيص ما يستدعيه الحال من المقال (لكل مقام مقال).

5- الجلَد العلمي، مواصلة المطالعة، البحث، الصبر على معاناة التحضير حتى لا يقع في خيانة الناس والمنبر الحسيني.

6- الإحاطة الوافية بموضوع السيرة الحسينية وما يلامسه ويتداخل معه من مواضيع كالولاية، التاريخ، التفسير، إلخ.

وهذا يستدعي قراءة واعية لكتب المقتل، ولمصدر وافٍ على الأقل من كتب السيرة، والحديث، والتفسير.

7- أن يكون الخطيب بكَّاءً على الإمام الحسين عليه السلام، وعلى الأقل ممن يبكونه، حتى لا تسهم المجالس في المزيد من قسوة قلبه، وقسوة قلوب المستمعين.

8- أن يكون حريصاً على الموعظة، وذلك يعني الحرص على المواضيع التي تتعلق بتقوية الإيمان بالله تعالى، والإحساس بحضوره عز وجل، والإيمان بأصول الدين عموماً، وتهذيب الأخلاق، والإستعداد للدار الآخرة، ويتوقف ذلك على أن يكون له برنامجه العبادي الخاص به الذي يزوده بالوقود الإيماني الذي تحتاجه رحلة التبليغ وهي جلوس في موقع المصوم! أللهم أعنا على أنفسنا.

9- أن لا يصرفه ذلك عن حمل هموم المسلمين ومتابعة قضاياهم، والإسهام فيها من موقع التوعية على الأقل، وهو رهن متابعته للأحداث السياسية وتصفح جريدة على الأقل.

10- أن يكون مجلسه جاداً مريحاً،وهذا يستدعي تجنب الخفة والمزاح، وتجنب الإطالة، ويستدعي الإستشهاد بعناصر تريح المستمع كالقصة المناسبة، والحديث الملفت، أو الطرفة المستساغة. وهذا يقتضي أن يكون للخطيب أرشيفه الخاص من القصص، والشواهد العلمية، والعملية، المميزة.

11- أن يتعامل مع التكرار، كأكل لحم الميتة، وهذا يتوقف على كثرة الحفظ، وعلى التحضير، وعلى أرشيف خاص به لتسجيل ما قرأ في كل مجلس.

12- أن لا يتخذ الحسين عليه السلام مجرد وسيلة لتحصيل المال، كما فعل أولئك الكوفيون الذين خرجوا إلى كربلاء للكسب من خلال إصلاح السيوف والخيم وما شابه، وقد أصبح هذا المرض وباءً لا ينجو منه إلا النزر اليسير.

* ولم أورد شرط اللغة، أو شرط الدخول في عالم المعلوماتية والحاسوب، لأن الأول يقتصر في الغالب على المسافرين إلى الخارج، والثاني أعم من حاجة الخطيب، فهو- مثلاً - شرط لازم لكل من أراد أن يتقن عمله الفكري والثقافي والتحقيقي بالخصوص، كما لم أورد بعض الشروط الأخرى المماثلة لأسباب لاتخفى.

والختام: أن يتقي الله تعالى، فكل ما ذكر غير التقوى.


والحمد لله رب العالمين.

--------------------------------------------------------------------------------
[1] ألقيت المادة في المؤتمر العاشورائي التأسيسي الأول، الذي نظمته الوحدة الثقافية المركزية في حزب الله.
[2] صحيفهء نور، بتاريخ 29/8/58 = 79م /ج10/211

اخبار مرتبطة

نفحات