كلمة سواء

كلمة سواء

18/06/2012

التّقارب بين المذاهب الفقهيّة

التّقارب بين المذاهب الفقهيّة
دعوة للوحدة الإسلاميّة
ـــــ د. محمّد الدّسوقي ـــــ


لغةً، تدلُّ مادة (قَرُبَ) على معنى الدنوّ من الشيء، وعليه، يُرادُ بـ «التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة» -وفقاً للمعنى اللّغوي- محاولة إيجاد تعارف والتقاء، وهذا يومئ إلى وجود حالة مفترضة من التّنافر والتّباعد بين هذه المذاهب. 
التّقارب وسيلة لجمع الشمل ورأْب الصدع، من أجل صيانة وحدة الأُمّة. ولا يراد إلغاء أصل الخلاف بين المذاهب، ولا يعني هذا تحبيذاً للاختلاف أو دعوةً إليه، لأنّ الاختلاف في الدراسات الفقهيّة لا يعدّ قدحاً، والفقهاء في اجتهادهم لم يخرجوا على أصول دينهم؛ فقد نهى الله تعالى عن التّفرّق والاختلاف فيها: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ...﴾آل عمران:105 فالنّهي منصبّ على التّفرّق في أصل الدّين والتّوحيد، أما الاختلافات الفقهيّة، فهي تدور على الأحكام الظنيّة، ولا علاقة لها بأصل الدّين والتّوحيد.
 فالاختلاف من سُنن الاجتماع، ولكنّ الضّرر في أن يفضي بهم إلى القطيعة والعداوة، والخروج على مقتضى الأخوّة التي أثبتَها اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الحجرات:10.
كذلك لا يعني التّقارب دمج المذاهب بعضها في بعض، أو تغليب مذهبٍ على آخر، فهذا غير ممكن، ولا جدوى منه، لأنّ بقاء المذاهب -في إطار المفهوم الإسلاميّ للاختلاف في الرّأي- من عوامل ازدهار الحياة الفقهيّة ونموّها، وتقديم الكثير من وجهات النّظر التي ترى فيها الأمّة سعةً ويسراً في الأخذ والتّطبيق بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان.
بناءً على ما تقدّم، فإنّ الغاية من التّقريب بين المذاهب تنحصر في إيجاد تعاون وثيق بينها، وتفاهم عميق، وتقارب يؤكّد صدق النّوايا، ويعبّر عن الأخوّة الإسلاميّة، لكي لا يكون الخلاف في الرّأي سبباً للعداء أو البغضاء.

خطوات عمليّة للتقريب

أولاً: إنّ أصول الإسلام التي لا اختلاف عليها بين المسلمين هي: «الإيمان بالله ربّاً، وبمحمّد نبيّاً ورسولاً، وبالقرآن كتاباً، وبالكعبة قبلةً وبيتاً محجوجاً، وبأركان الإسلام الخمسة المعروفة، وبكلّ ما هو معلوم من الدّين بالضرورة، وبأنّه ليس بعد الإسلام دين، ولا بعد رسوله نبيّ ولا رسول، وبأنّ ما جاء به محمّد حقّ».
إنّ هذه الأصول المجمع عليها بين الأمة تمثّل جوهر الإسلام أو أساسيّاته، وكلّ من يؤمن بها فهو مسلم، قد انعقدت بينه وبين سائر المسلمين أخوّة في الله ورسوله مهما يكن مذهبه الفقهيّ، وهذه الأخوّة يحرم معها أن يخذل مسلماً، أو يؤذيه، أو ينحاز إلى عدوّه.
وعلى هذا، فإنّ مشاعر التّفرقة الموروثة التي غذّاها الجهل وأعداء الإسلام، ستخفّ حدّتها وتتوارى تدريجيّاً، وستصبح النّفوس مهيّأة للتآلف، ويصبح لصوت التّقريب صدىً طيّبٌ في بلاد المسلمين.
ثانياً: إنّ الاختلاف في الفروع يجب أن يدرس دراسةً علميّة لمعرفة أسبابه وملابساته، لأنّه كان مصدر التّعصّب والعداء، وكان حجّة للاتهام بالمروق من الدّين أو الابتداع فيه.
ودراسة الاختلافات الفقهيّة في القضايا الفرعيّة تحقّق غايتها في التّقريب إذا نهضت على هذه الدعائم:
أ - التّسليم بأنّ اجتهادات الفقهاء وآراءهم ليست شرعاً واجب الاتّباع، ففهمُهم لنصوص الشريعة يحتمل الصواب والخطأ، وليس لها صفة الثبات والخلود.
ب - للاختلافات الفقهاء في القضايا الفرعية أسباب علميّة، ومعرفتها يقضي عليها بالتّقويم الموضوعيّ دون إفراط أو تفريط.
ج - الاقتناع بأنّ الفقهاء لم يتعصبّوا لآرائهم، ولم يدّعِ واحد منهم أنّ اجتهاده هو الصواب وحده، ولذا كان كلٌّ منهم يحترم رأي غيره.
* باحث إسلامي- مصر

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

19/06/2012

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات