الملف

الملف

15/09/2012

السيّدة فاطمة بنتُ الإمام الكاظم عليه السّلام


السيّدة فاطمة بنتُ الإمام الكاظم عليه السّلام
أضواء على سيرتِها المباركة
ـــــ إعداد: السيّد محمّد علي آل ياسين ـــــ


هي السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، سليلةُ الدوحة النبويّة المطهَّرة، وغصنٌ يافعٌ من أغصان الشجرة العلويّة المباركة، وحفيدة الصّدّيقة الزهراء عليها السلام، المحدِّثة، العالمة، العابدة. اختصّتها يدُ العناية الإلهيّة فمنَّت عليها بأنْ جعلَتها من ذريّة أهل البيت المطهّرين. حدّثت عن آبائها الطاهرين عليهم السلام، وحدّث عنها جماعةٌ من أرباب العلم والحديث، وقد ورد في بعض التواريخ أنّ الإمام الرضا عليه السلام لقَّبَها بالمعصومة.
أبوها الإمام الكاظم عليه السلام

أجلُّ وُلْد الإمام الصادق عليه السلام قدراً، وأعظمُهم محلّاً، وأبعدُهم في الناس صيتاً؛ لم يُرَ في زمانه أسخى منه ولا أكرم نفْساً وعِشرة؛ وكان أعبدَ أهل زمانه وأورَعهم وأجلَّهم وأفقَهَهم.
كنيتُه أبو الحسن، وهو أبو الحسن الأوّل، ويُعرَف بالعبد الصّالح، والكاظم. وقد نصَّ على إمامتِه الإمامُ الصادقُ عليه السلام في حياته، وأوصى شيعتَه به من بعده.
وُلِدَ بالأبواء [موضع بين مكّة والمدينة] يوم الأحد، السابع من شهر صفر سنة 128 هجريّة، فأولَمَ الصادق عليه السلام بعد ولادته وأطعمَ النّاسَ ثلاثاً.
وقُبِضَ ببغداد شهيداً بالسمِّ في حبس «الرَّشيد»، على يد السِّنديِّ بنِ شاهك، يوم الجمعة لخمسٍ بقين من رجب سنة 183هجريّة على المشهور، وعمره يومذاك خمسٌ وخمسون سنة. أقام منها مع أبيه عشرين سنة، وبعد أبيه خمساً وثلاثين سنة، وهي مدّةُ خلافتِه وإمامتِه.
عاصر الإمامُ الكاظم عليه السلام قسماً من حُكم المنصور، ثمّ ابنه محمّد المهديّ -وقد حكمَ عشر سنين وشهراً وأيّاماً- ثمّ مُلك موسى الهادي فحكم سنةً وخمسة عشر يوماً، ثمّ مُلْكَ هارون «الرَّشيد» بن محمّد المهديّ.
واستُشهد الكاظم عليه السلام بعد مضيّ خمس عشرة سنة من مُلك هارون، ودُفن ببغداد في الجانب الغربيّ، في المقبرة المعروفة بمقابر قريش [مدينة الكاظميّة الحاليّاً]، فصار يُعرَف بعد شهادته بـ «باب الحوائج».

أمُّها
أمُّ وَلَد، يُقال لها سَكَن النُّوبيّة، وقيل: نجمة؛ وكُنيتُها أمّ البنين؛ سُمِّيت بالطّاهرة بعد ولادة الإمام الرضا عليه السلام؛ فالسيّدة المعصومة أختُ الرّضا عليه السلام لأمّه وأبيه. (أنظر: الحديث الخاص عن أمها عليها السلام في هذا الملف)

ولادتُها ونشأتُها

وُلدت السيّدة المعصومة في المدينة المنوّرة، وترَعرت في بيت الإمام الكاظم عليه السلام، فورِثت عنه من نور أهل البيت وهَدْيهم وعلومهم في العقيدة والعبادة والعفّة والعلم، وعُرِفت على ألسنةِ الخواصّ بأنّها كريمةُ أهل البيت عليهم السلام.
نشأت السيّدة فاطمة تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام، لأنّ هارون العبّاسي أسَر أباها عام ولادتها، فأودَعه سجونَه الرّهيبة الواحدَ تلو الآخر، إلى أن اغتاله بالسمّ عام 183 للهجرة، فعاشت السيّدة المعصومة مع إخوتِها وأخواتها في كَنَف الإمام الرضا عليه السلام. وقد أجمعَ أصحابُ السِّيَر والتراجم على أنّ أولاد الإمام الكاظم عليه السلام كانوا أعلاماً لائحةً في العبادة والتّقوى والنُّسك.

أخوها الإمام الرضا عليه السلام

خلّف الإمام الكاظم عليه السلام بعد استشهاده أولاداً كثيرين ذاعتْ فضائلُهم ومناقبُهم في الخافقَين، وكان الإمام الرضا عليه السلام مشهوراً بالتقدّم ونباهة القدر وعظم الشأن وجلالة المقام بين الخاصّ والعام.
سُمّي عليه السلام بالرضا لأنّه كان رضىً لله عزّوجلّ في سمائه، ورضىً لرسولِه والأئمّة عليهم السلام بعدَه في أرضه. وقيل: لأنّه رَضِيَ به المخالفون من أعدائه، كما رَضِيَ به الموافقون من أوليائه.

الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة

ولِدت السيّدة المعصومة في عهد «الرَّشيد» العبّاسيّ، ففتحت عينَيها منذ صغرِها على وضعٍ سلطويٍّ إرهابيّ؛ فلقد قامت أركان الدولة العبّاسيّة على أنقاض الدولة الأمويّة، وتستّر العبّاسيّون وراء شعارٍ رفعوه في بداية أمرهم هو «الرّضا من آل محمّد» ليُوهموا طائفةً من المسلمين الموالين لأهل البيت عليهم السلام، لكنّهم ما إن تسنّموا سدّة الحكم واستتبّت لهم الأمور حتّى قلبوا لأهل البيت ظهْر المجنّ، وامتدّت أيديهم بالقتل والبطش والقمع لكلِّ مَن يمتُّ لهذه الدوحة العلويّة الشريفة بِصِلة، فلاحقوا أئمّة أهل البيت عليهم السلام وقتلوهم وسجَنوهم.

نماذج من جنايات العبّاسيّين

نقلت كتبُ التواريخ والسِّيَر نماذج مروّعة من قصص الطالبيّين الذين قُتلوا على أيدي العبّاسيّين أيّامَ الحكم العباسيّ عامّة، وأيّام حكم «الرَّشيد» خاصّة.
منهم: يحيى بن عبد الله بن الحسن المُثنّى الذي وُصف بأنّه كانت تُعرَف سلالةُ الأنبياء في وجهِه، وذُكر أنّ «الرَّشيد» أعطاه أماناً مؤكّداً مغلّظاً لا حيلة فيه، حتّى إذا تمكّن منه نقضَ أمانَه وخرّقه، ثمّ سمّ يحيى وقتلَه، وقيل إنّه بنى عليه أسطوانة وهو حيّ.
ومنهم: إدريس بن عبد الله بن الحسن، وعبد الله بن الحسن بن عليّ بن الحسين، ومحمّد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنّى، والحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسواهم كثير.
وأتمّ «الرَّشيد» طغيانَه وظلمَه بقتله سليل النبوّة، حليفَ التُّقى، أعبَد أهل زمانه وأعلمَهم وأكرمَهم: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام.

اغتيال الإمام الكاظم عليه السلام

قالوا: لمّا دخل هارون المدينة زار النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: «السّلامُ عليك يا رسولَ الله، السّلام عليكَ يا ابن عمّ» -مفتخِراً بذلك على غيره- فتقدّم أبو الحسن [الكاظم] عليه السلام وقال: «السّلامُ عليك يا رسولَ الله، السّلامُ عليك يا أبَه»! فتغيّر وجهُ «الرَّشيد» وتبيّنَ فيه الغضب.
ونقل المؤرّخون أنّ «الرَّشيد» سجن الإمام الكاظم عليه السلام وقيّدَه، ثمّ استدعى قُبّتَين فجعلَه في إحداهما، وأرسل إحدى القُبّتَين على طريق الكوفة، والأخرى -وفيها الإمام- على طريق البصرة، ليُعمّي على الناس خَبَرَه ، فسَلّمَه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور، وكتب إليه في اغتياله، فاستَعفى عيسى منه، فوجّه «الرَّشيد» مَن تسلَّمه منه بعد سنة، وصيَّره إلى بغداد فسلَّمه إلى الفضل بن الرّبيع. ثمّ أراد «الرَّشيد» الفضلَ على شيءٍ من أمر الكاظم عليه السلام فأبى، فأمرَ بتسليمِه إلى الفضل بن يحيى، ثمّ إلى السِّنديِّ بن شاهك، حتّى سمَّه في طعامٍ قدَّمه إليه.

السيّدة المعصومة ترحل طلباً لأخيها عليهما السلام

اكتنفت السيّدةَ المعصومة عليها السلام -ومعها آل أبي طالب- حالةٌ من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا عليه السلام منذ أن استقدَمه المأمون إلى خراسان. لقد كانوا في خوفٍ بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا عليه السلام أنّه سيُستَشهد في سفره هذا إلى طوس، خاصّة وأنّ القلوب الكليمة ما تزال تَدمى لمصابِهم بالكاظم عليه السلام الذي استُقدم إلى عاصمة الحكم بغداد، فلم يخرج من سجونِها وطواميرها إلّا قتيلاً مسموماً. كلُّ هذا يدلُّنا على طرفٍ ممّا كان يعتملُ في قلب السيّدة المعصومة عليها السلام، ممّا حدا بها -حسب رواية الحسن بن محمّد القمّي في (تاريخ قم)- إلى شدّ الرّحال، لتَتحسَّس عن أخيها الإمام.
وهكذا رحلت تقتفي أثرَ أخيها الرضا عليه السلام، والأمل يحدوها في لقائه حيّاً، لكنّ وَعثاء السّفر ومتاعبَه اللّذَين لم تعهَدهما كريمةُ أهل البيت أقعَداها عن السَّير، فلزمت فراشَها مريضةً مُدنَفة، ثمّ سألت عن المسافة التي تفصلُها عن قمّ -وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوة- فقِيل لها إنّها تبعد عشرة فراسخ، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قمّ، فحُمِلت إليها على حالتِها تلك، وحطّت رحالَها في منزل موسى بن خَزرَج بن سعد الأشعريّ، حتّى تُوفِّيت سلام الله عليها بعد سبعة عشر يوماً.
وفي أصحّ الروايات أنّ خبرَها لمّا وصل إلى مدينة قمّ، استقبلها أشراف قمّ، وتقدَّمهم موسى بن خزرج، فلمّا وصل إليها أخذ بزمامِ ناقتِها وقادَها إلى منزله، وكانت في داره حتّى تُوفِّيت... فأمرَهم بتغسيلِها وتكفينِها، وصلّى عليها، ودفنَها في أرضٍ كانت له، وهي الآن روضتُها، وبنى عليها سقيفةً من البَواري، إلى أن بَنَت زينب بنت محمّد الجواد عليه السلام عليها قبّة. (أنظر: تحقيق هذا العدد حول المقام المبارك)

عمر السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

لم تتوفّر مصادر تاريخيّة موثّقة تحدّد سنة ولادة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، وقد ذكر البعض أنّها وُلدت سنة 173 هجريّة، فيما ذكر آخرون أنّ ولادتها كانت سنة 183 هجريّة، وهو قولٌ فيه نظر؛ لأنّنا نعلم أنّ الإمام الكاظم عليه السلام استُشهد سنة 183 هجريّة، ونعلم كذلك أنّه استُدعي قبلَ ذلك مِن قِبل «الرَّشيد» فأُرسل إلى البصرة فحُبِسَ فيها سنة، ثمّ نُقِلَ إلى بغداد فحُبِسَ فيها ثلاث سنين، حتّى استُشهد.
وإذا أخذنا بالقول أنّ السيّدة قد ولدت سنة 173هجريّة، فإنّ عمرها الشريف سيكون عند وفاتها سنة 201 هجريّة في حدود 28 عاماً. بَيْد أنّ المعصومة عليها السلام -على أيّة حال- لا تتأخّر عن سنة 179هجريّة وهي سنة اعتقال والدِها الكاظم عليه السلام، فيكون عمرها الشريف 22 سنة في أقلِّ التقديرات.

هل استُشهدت المعصومة بالسّمّ؟

ذكر بعض المصادر أنّ المأمون لمّا بلغتْه أخبار القافلة التي تحرّكت من المدينة إلى خراسان، وفيها اثنان وعشرون علَويّاً، وعلى رأسها السيّدة فاطمة بنت موسى عليهما السلام، وأنّ عدد أفراد القافلة يتعاظم كلّما تقدّمت في مسيرِها، أوعزَ بالتصدّي لها، فتصدّى لها جماعةٌ من جلاوزة النظام، وقتلَوا وشرَّدوا كلَّ مَن كان فيها. وقيل إنّ السمَّ دُسَّ بعد ذلك إلى السيّدة المعصومة في مدينة ساوة، فلم تلبث إلّا أيّاماً قليلة حتّى فارقت الحياة.

مزار السيّدة المعصومة عليها السلام

يرجع تاريخ القبّة الحاليّة على قبر السيّدة المعصومة إلى سنة 529 هجريّة، حيث بُنِيت بأمرٍ من المرحومة (شاه بيكم بنت عماد بيك). أمّا تذهيب القبّة وبعض الجواهر التي رُصِّع بها القبر الشريف، فهي من آثار فتح علي شاه القاجاري. وهناك فوق قبر السيّدة فاطمة صخرة عليها نقشٌ كهيئة المحراب، تحيط به آيةُ الكرسيّ، وكُتِب في وسطه «توفِّيت فاطمة بنت موسى في سنة إحدى ومائتين». ( أنظر: تحقيق هذا العدد)
نقلاً عن موقع الإلكتروني «شبكة الإمام الرضا عليه السلام» - بتصرّف، وإضافات بين [ ]

فضلُ زيارتها
عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ لله حَرَماً وهو مكّة، ألا إنّ لرسول الله حَرَماً وهو المدينة، ألا وإنّ لأمير المؤمنين حَرَماً وهو الكوفة، ألا وإنّ قُمّ الكوفةُ الصغيرة، ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثةٌ منها إلى قم، تُقبَضُ فيها إمرأة من ولدي اسمُها فاطمة بنتُ موسى، وتدخل بشفاعتِها شيعتي الجنّة بأجمعِهم».
روى الصّدوق في (ثواب الاعمال) و(عيون أخبار الرّضا): قال [الرّاوي]: سألتُ أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام، فقال: «مَن زارها فَلَه الجنّة».
وفي رواية أنّ الإمام الرّضا عليه السلام قال لسعد الأشعري القمّي: يا سعد عندكم لنا قبر؟ قلت: جعِلتُ فداك قبر فاطمة بنت موسى؟ قال: «نعم، مَن زارها عارفاً بحقِّها فله الجنّة».
وقال الإمام الجواد عليه السلام: «مَن زارَ عمّتي بقُمّ فَلَه الجنّة».



للجنّة ثمانيةُ أبواب، ثلاثةٌ منها إلى قم
عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ لله حَرَماً وهو مكّة، ألا إنّ لرسول الله حَرَماً وهو المدينة، ألا وإنّ لأمير المؤمنين حَرَماً وهو الكوفة، ألا وإنّ قُمّ الكوفةُ الصغيرة، ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثةٌ منها إلى قُمّ، تُقبَضُ فيها إمرأةٌ من وُلدي اسمُها فاطمة بنتُ موسى، وتدخل بشفاعتِها شيعتي الجنّة بأجمعِهم».

إقرأ  أيضاً في هذا الملف :
1- أُمُّ الرّضا والمعصومة عليهما السلام.
2-
رواياتُ السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام.
3-
من كرامات السيّدة المعصومة عليها السّلام.
4-
سَميّةُ الزّهراء عليهما السلام.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

15/09/2012

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات