تمهيد موقع السرائر

 

تمهيد

قبل حوالي سبع سنوات، تحدث كثيرون عن أهمية مشروع "مقاطعة البضائع الأمريكية" في دعم المقاومة الإسلامية، ومواجهة أمريكا والكيان الصهيوني، وكان ذلك ضمن موجة شعبية في لبنان بتحريك من المساجد، أمكنها أن تقطع أشواطا ملفتة في وقت قصير، ولكن سرعان ماانطفأت شعلتها، تحت تأثير عجز الكثيرين عن التحرر من أسر العادة، وبشكل خاص العادة على سلعتين أمريكيتين هما البيبسي والمارلبورو..اللتان تهددان الآن هذا المشروع المصيري في انطلاقته النوعية الجديدة.

وكان الدرس بليغاً، فالثورة بناءٌ للنفس بحيث تكون كبيرة تتعب في مرادها الأجسام، وإلا فإن أعظم الشعارات قد تتهاوى أمام نزوة حقيرة، ورغبة عبثية جامحة.

وتكمن المشكلة في مفاصل تَشكُّلِ الإجتماع السياسي التي لم تقرر بعد في مجال مقاطعة أمريكا اقتصادياً - إلا مداراة الشارع في (غوغائيته!) – حفظاً لماء الوجه الثوري!.

وقبل حوالي سنة ونصف طرح موضوع المقاطعة مجدداً وتحدث عنه كثيرون، وبدوري قدمت آنذاك مقاربة تحت عنوان "مقاطعة البضائع الأمريكية" (1) وكان الهدف منها -كما تضمنَت - التأكيد على التقاط الفرصةالسانحة في الإفادة من المد الجماهيري الذي أطلقته انتفاضة الشعب الفلسطيني البطل في البلاد العربية والإسلامية والعالم، بمايعزز روح التضامن و الممانعة في الأمة وسائر الشعوب، ويوظف ذلك في مشروع النهضة والتحرر والتحرير،علَّنا نحد بذلك - إن لم يمكن الحؤول - من هول الكارثة التي كانت إرهاصاتها تتلاحق بوتيرة تصاعدية مرتفعة.

تجسد فلسطين قلب العالمين العربي والإسلامي، بل تتجاوز حدودهما لتجسد القضية التحررية الأبرز، والقلب المثخن بالجراح لكل شعوب العالم، وما يمس القلب يعني الجسم كله، وتظهر النتائج تباعاً، وإن طالت المدة.

من هنا وجب أن لانفصل بيننا وبين ما يلحق بالشعب الفلسطيني الصابر الأبي، وأن نضع القضية الفلسطينية في موقعها الطبيعي الذي يعني حقيقة أنها قضيتنا الأم، ونعمل لذلك كما لو أن" مملكتنا" أو "قطرنا" أو "بلدنا" يتعرض لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر، لاأن نتصدى لذلك من باب الواجب الإنساني أو القومي أو الديني الذي يتراوح عادة بين الإدعاء و المجاملة، والتعاطف المقطعي.

وقد كانت الأحداث الأخيرة في فلسطين وماتزال تجسد الدليل الأقوى على مدى نجاح المستعمر في تمزيق أشلاء الجسد الواحد، إلى"كانتونات" متناحرة، تهلل للصلح مع الصهاينة، وتعتبر الحديث عن التصالح بيننا "كفراً يهودياً " لاتُقبل توبة من تسول له نفسه الحديث عنه.

نقطتان مضيئتان كانتا بارقة نور وأمل في هذا الظلام العربي والإسلامي الحالك، هما التظاهرات الشعبية التي لم تتم إدارتها بالطريقة المناسبة، ومشروع مقاطعة البضائع الأمريكية، الذي بدأ توهجه يخبو.

وقد كان ملفتاً مدى التفاعل بين البارقتين، مما يفتح الباب على مصراعيه لتوظيف هذا التفاعل بينهما لخدمة القضية المركزية "فلسطين" وكل تجلياتها التي هي جميع قضايا الأمة والمستضعفين .

كما كان ملفتاً أن الجيل الشاب هو معقد الأمل،لم تَغزُ عقر دار همته بعدُ، ولا مسخت فطرته لوثةُ التنظير الثوري للمساومة باسم الواقعية، والعقلانية، وفن الممكن ولو على حساب القضية.

هذه العناصر الثلاثة تستحق بجدارة أن ينصب عليها الإهتمام ويتركز الجهد، فهي بعد العمل العسكري المقاوم وخاصة الإستشهادي، المعادلة التي تضمن اجتياز الأمة هذا النفق الأمريكي الجهنمي، الذي يستهدف إذلال كل الشعوب، من خلال إذلال العرب والمسلمين.

ويشكل مشروع مقاطعة البضائع الأمريكية رايطة العقد في الحراك الجماهيري الداعم للخيار العسكري، وهو مايحتم العناية الدائمة به، إلى أن يصبح حالة جماهيرية، تستعصي على التطويع.

 


هوامش

1- نشرت في"السفير" و "المستقبل" وقدمت مع مقترحات عملية في مؤتمر عقد في بيروت بتاريخ 25\12\2001 تحت عنوان "قاطعوا مااستطعتم".