جدوى المقاطعة موقع السرائر

البعد النفسي-1

البعد النفسي -2

 الحلم باقتصاد وطني

 الزراعة في بلادنا

الرد على هدر ثروة النفط

البعد الثقافي

البعد التربوي

البعد السياسي


 

البعد النفسي -1

المقاطعة، ردة الفعل العفوية

هل تحتاج ردة الفعل البشرية الطبيعية، إلى دليل، وإلى تحديدالهدف؟

 هل من المنطقي أن نسأل عن الهدف من ردة فعل الجسم السليم عند تعرضه للحرارة مثلاً?

 أو نسأل من نعرف أنه يتألم فيصرخ، عن الدليل الذي يبرر صراخه وعن الهدف الذي وضعه نصب عينيه أولاً ثم صرخ؟

هل من المنطقي أن نسأل الأم التي ترى وحيدها في خطر داهم، عن الدليل والهدف من استغاثتها وطلب النجدة، أو من صرخة التحدي في وجه المعتدي؟

إن ردة الفعل الطبيعية والعفوية للجسم العربي والإسلامي هي مقاطعة البضائع الأمريكية (1) إذا كان هذا الجسم ما يزال يمتلك بقية من نبض الحياة، وإذا كان في نفسه رمق من الشمم والإباء وعزة النفس.

بكل بساطة:

لانريد أن نأكل من طعام عدونا المجرم الجزار..
ولا نريد أن نلبس من ثيابه.
ولا نريد أن نستعمل شيئاً من منتجاته.

تأبى عزة نفوسنا أن نتقلب بين بضائع من يمعن ضدنا في الحقد والإحتقار والبطش والمجازر والإذلال.

هذا العدو اللدود القاتل السفاح السفاك، نتقزز من أنفسنا إذا رأيناها تقتات من فتاته..

وعندما نرى أحداًمنا يفعل ذلك فإن الإحساس الذي يتملكنا هو نفس إحساس أم أو أخت أو أب أو أخ يرى فرداً من أقاربه يستعمل سلعة المجرم الذي قتل الأطفال من أعزائه، ومزق أشلاء الألاف من الشباب والشيوخ والنساء، وهدم الكثير من البيوت واحتل الباقي.

حقاً لو أن حيواناً في صورة إنسان قتل من أي أسرة منا قتيلاً واحداً، أكنا نستسيغ طعامه وشرابه، فضلاً عن الإدمان على ذلك حتى أقصى حدود الجشع؟!

إذا كنا صادقين في حب القدس وفلسطين والوقوف في وجه اليهود، فإن علينا أن نعبر عن سخطنا على أمريكا، عبر مقاطعة كل مايمت إليها بصلة.

 هذا وحده هو الذي يثبت أن المجازر منذ ال48 وإلى ساعتنا هذه قدأثرت فينا، فضلاً عن أن تكون قد تركت في قلوبنا جراحاً لاتندمل.

إن كنا عرباً فلنرجع إلى أحسابنا.

أين الغيرة العربية؟ أين الشهامة وإباء الضيم؟

وإن كنا مسلمين فأين الجسد الواحد الذي تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؟

للوهلة الأولى يبدو أنه يشدنا إلى البضائع الأمريكية أمران رغد العيش (الترف) والجشع، فالأول يجعلنا نتصور أن كل البضائع الأمريكية تتميز بجودة عالية، والنفس ميالة إلى الأجود، والثاني يسببه الإدمان، ويجعلنا نتصور أنه لايقر لنا قرار إذا امتنعنا مثلا عن البيبسي والمارلبورو.

لكن التدقيق يكشف أن ما يشدنا إلى البضائع الأمريكية أمران آخران هما الإعلان الأمريكي وضياع الهوية.

أما الإعلان الأمريكي - المرتكز إلى مفاهيم "القطب الأوحد" و "القوة الأعظم" والدولة الوحيدة التي تُعمل حق النقض "الفيتو" و تتدخل في شؤون حميع الدول بلا أدنى حرج- فقد أصبح يتحكم بكامل خلجات الإعجاب وجميع مكامن الرغبات، وثمة بضائع يابانية أو غيرها أجود من مماثلها الأمريكي إلا أنها تعجز عن المنافسة.

وأما ضياع الهوية فهو الذي يفقدنا الإحساس بالإنتماء إلى هؤلاء الذين تطحنهم عجلة الموت الأمريكية، وبانتمائهم إلينا، وانتمائنا إلى أمة مزقها المستعمر ونواطيره، وأحكموا عليها شد الوثاق وتضييق الخناق.

إن من أشد نكباتنا إيلاماً أننا بحاجة إلى إثبات أهمية مقاطعة البضائع الأمريكية!

ليتصور كل منا نفسه المستهدف، فهل يدوس على ترفه وجشعه ليدافع عن كرامته ووجوده، أم أنه يدوس على كرامته ووجوده فداء لجشعه والترف ؟

يتضح من ذلك أن من يقاطع البضائع الأمريكية، إنما ييتحسس قدرته على الحركة ويجس نبضه، تماماً كمن يصعق إثر انفجار مدوٍّ، فتكون أول ردة فعله أن يجيب على تساؤل:هل أنا على قيد الحياة، يتلمس نفسه ثم يتلمس بدنه.

وردة فعل المقاطعين هذه عفوية، تبادر إليها المفاصل الأقدر على الحركة في الأمة، لتستجيب لها المفاصل الأخرى مهما بدت مثخنة بالجراح الأمريكية ومهما اشتد نزفها فبدت ميؤوساً منها.

وكما حصل في بداية انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان حيث رثى الكثيرون من "العقلاء" و "الواقعيين"! لحال هؤلاء المجانين، الذين لا يريدون طرد اليهود من لبنان وحسب بل تحرير القدس! و "هل تقاوم العين المخرز"؟

وسيأتي يوم ينضم فيه المتبرعون بمحاربة المقاومة الإقتصادية ضد أمريكا إلى قوافل المقاطعين، بل ربما سبق بعضهم وقصر بعض المتحمسين الآن كما هو الحال في أي طيف من أطياف العمل الثوري والتغييري.

وبناء على ماتقدم فإن أول رقم في تحديد جدوى المقاطعة، هو إثبات أننا كأمة مانزال على قيد الحياة، رغم أن أداء المتسلطين علينا يوحي بعكس ذلك.

وهذا الرقم وحده يفوق كل الأرقام الإقتصادية الفلكية.

وما على من يشكك في ذلك إلا أن يتأمل في نفسه مستذكراً الأجواء التي أعقبت مجزرة جنين بالخصوص، ليرى أنه إن كان مايزال يثق بأنه على رمق من العزة، فإن ذلك يرجع إلى العنفوان الذي تجلى في المظاهرات التي عمت البلاد العربية والإسلامية، في وقت حمل فيه أداء الأنظمة كل صاحب ضمير حي على التشكيك بانتمائه وهويته.

ولا يضير العنفوان الشعبي أن يتراجع أو يحاصر فالمعركة لاتقاس هنا بجولة، وقضايا الشعوب لاتختزل بمقطع زمني محدد.

 

البعد النفسي -2

لاتعين الضحية على ذبحها

ويندرج في سياق ردة الفعل العفوية، أن تحُول الضحية دون إعانة الجزار على ذبحها، لذلك يريد مشروع مقاطعة البضائع الأمريكية أن يمنع أمريكا من استغبائنا، فإذا بنا نسهم في ثمن آلة الموت والدمار التي تفتك بنا فنصبح عبرذلك شركاء - ولو بما لايكاد يذكر- في جرائمه ومجازره.

إن مجرد احتمال أن يذهب جزء - ولو يسير- من مبلغ ينفقه شخص إلى حيث يشكل 1/مليون من ثمن السلاح الذي يقتل به عزيزه ويستقوي به عدوه هو احتمال جدير بالإهتمام، فنحن نريد تجنب حتى مثل هذا الإحتمال.

علمياً يقال: إن قيمة المحتمل الشديد الخطورة، تحتم ترتيب الأثر على الإحتمال مهما كان ضعيفاً.

وبما أنه لم يعد خافياً على أحد أن الكيان الصهيوني يقوم على الدعم العسكري والمالي الأمريكيين، فنحن لانريد أن نكون شركاء في ذلك بأي نسبة، حتى إذا كانت ضئيلة جداً.

فكيف إذا رأينا بين الإحصاءات مثلاً أن المدخنين في العالم العربي والإسلامي الذين يشترون منتجات شركة "فيليب موريس" وحدها يمدون العدو الصهيوني يومياً بتسعة ملايين (2) دولاراً!!!

إن هذا الإحصاء وحده كفيل بأن يدفع كل صاحب ضمير حي إلى مقاطعة جميع البضائع الأمريكية..

 الحقيقة التي لايمكن تجاهلها أن استهلاك البضائع الأمريكية بهذه الطريقة السائدة، يجعل المستهلكين شركاء في دورة الإقتصاد الأمريكي، التي تشكل الصادرات إلى الدول العربية والإسلامية بعض الأرقام الأساسية فيها.

ولاريب أن لهذه الأرقام الأساسية بدورها، حضوراً متعدد الأبعاد في التزام أمريكا وضمانها التفوق الإستراتيحي للعدو الصهيوني، ورغم أن البعد الإقتصادي ليس إلا واحداً من أطياف متماهية في رسم الصورة الحقيقية، إلا أنه بُعدٌ بالغ الأثر، على المستوى النفسي على الأقل وهومجال الحديث هنا.

لنفترض جدلاً أن البعد الإقتصادي لهذا الإستهلاك لايرقى إلى أن يشكل رقماً يؤبه به، فإن ذلك لايلغي ضرورة المقاطعة لتحقيق أمرين  شديدي الأهمية في البعد النفسي:

الأول: أن لانعين على ذبحنا بأي نسبة.
الثاني: أن لاتنظر إلينا الشعوب الأخرى بازدراء، الأمر الذي يتعاظم بسببه البعد النفسي فينا، من خلال انعكاس البعد النفسي في هذه الشعوب الذي يتجلى بعدم الحماس لقضية لايقيم أهلها لها وزناً.

وتتخذ هذه النقطة منحى آخر، حين ندخل في الحساب أن صلب الإقتصاد الأمريكي في حقيقته هو اقتصاد صهيوني بكل معنى الكلمة.

إن هذا يعني أن أكثر مانستورده من أمريكا، هو في واقع الحال مستورد من الدولة العبرية.

ويعني أيضاً أننا نتلهى بملاحقة بعض السلع الصهيونية، التي نكتشف تسربها عبر هذا البلد أو ذاك، في حين أن مرافئنا تعج بالسلع الصهيونية الواردة من أمريكا بستار أمريكي.

كما تتخذ هذه النقطة منحى أشد إيلاماً، عندما ندخل في الحساب أيضاً ما بات واضحاً، من أن الكثير من الشركات الأمريكية التي يملكها اليهود، هي شركات محاربة تكن لنا من الحقد ما يكنه لنا - ويعبر عن بعض مظاهره - وزراء حرب العدو .

أليس من واجبنا أن نحرص على سلامتنا النفسية؟

ماهي الحالة النفسية للمستمتع باستهلاك البضائع الأمريكية؟!

أمام هذا كله، يصبح هذا السؤال ملحَّاً.

ولاجواب عليه إلا بمقاطعة البضائع الأمريكية.

 

3

 الحلم باقتصاد وطني

لو لم تكن قضية فلسطين موجودة أصلاً لكان الواجب يحتم مقاطعة البضائع الأمريكية، وذلك حتى لايكون المقاطع شريكاً لأمريكا في جريمة القضاء على الأمل باقتصاد وطني سليم ومعافى.

أليس من حق كل شعب أن يحلم باقتصاد وطني في حدود طاقات هذا الشعب؟

ولماذا يفرض علينا أن نستورد من الآخرين (أي أمريكا!) حتى الإبرة.

بما أن منظمة التجارة العالمية كالأمم المتحدة برقع أمريكي، وبما أن البنك الدولي أداة أمريكية لتسجد لها الشعوب الراكعة أصلاً، فإن المقاطعين ينأون بأنفسهم عن الدخول في دورة الإقتصاد الأمريكي التي تمتص أحلام الشعوب و آمالها في اقتصاد وطني.

أما مسألة هل أن هذا النأي (المقاطعة) يجدي أم لا، وأن عدم الدخول في دورة الإقتصاد الأمريكي تضعفه أم لا، فهو بالتأكيد أمر آخر منفصل تماماً.

من لايقتنع بجدوى ذلك وأثره الإيجابي على الإقتصاد الوطني فهو مدعو للإنضمام إلى المقاطعين للبضائع الأمريكية، لامن باب الجدوى بل من باب أن تكون جريمة شل الإقتصاد الوطني لأي بلد عربي ومسلم جريمة الآخرين من أمريكيين وحكام ومتغربين، ولا يريد المقاطعون أن يكونوا شركاء في ذلك من قريب أو بعيد.

ومن تسمو رؤيته عن ذلك ويستحضر تاريخ الشعوب، ويرمي ببصيرته أقصى النتائج، سيجد أن الجدوى تمرُّ من هنا، وما عداه سراب.

 

4

 الزراعة في بلادنا

و بقطع النظر عن فلسطين، والمجازر، والنفط، والإقتصاد، فإن حال الزراعة وحدها في عالمنا العربي والإسلامي يدعونا كسبب مستقل إلى مقاطعة البضائع الأمريكية، فكيف إذا ألح علينا مايجري في فلسطين باستحضار ذلك كله.

صحيح أن الزراعة تدخل ضمن الإقتصاد الوطني إلا أن حساسية الشأن الزراعي تبرر أن يخص بالحديث.

فلو أخذنا السودان والعراق وحدهما لوجدنا أنا أمام ثروة مائية وتربة خصبة يكفي استثمارهما للوقوف على أرض صلبة في مواجهة كل المستجدات.

في الحديث الشريف "من وجد ماء وترابا ثم افتقر فأبعده الله" والتجربة أكبر برهان، فالقرية التي تزرع جيداً يمكنها أن تستغني عن المدينة إلا لماماً، ولو أنها حوصرت أعواماً لأمكنها أن تتدبر أمرها وإن بخسائر محدودة، بينما المدينة التي تستورد كل شيء يمكن تركيعها بحصار أيام.

يدلنا ذلك بوضوح على أن حجر الزاوية في المشروع الإستعماري ضد أمتنا، هو ضرب الزراعة والمنع من أي خطوة جذرية في مجال تعزيزها.

يريدالأمريكيون لنا أن نستورد جميع المزروعات رغم أن بإمكاننا تأمينها، إلا أن ذلك يخرجنا من عداد مستهلكي سلعهم الزراعية، ويشجعنا على تكرار المحاولة في المجال الصناعي، ويشكل ضعف الزراعة مؤشراً على اطمئنانهم إلى أننا غارقون في سبات عميق وتخلف محبب لهم، وإن كان مقيتاً، ويطربون عندما يرون العالم العربي مثلاً يستورد التفاح "الإسرائيلي"! لأن من بلغ هذا الحد من انعدام الوزن يحتاج إلى ما يشبه المعجزة ليمتلك خطة نهوض اقتصادي متكاملة، فضلاً عن القدرة على تنفيذ شيء منها مهما طال الزمن.

ولا بد من الوقوف في هذا السياق عند "الثروة الحيوانية" فهي ترتبط بالزراعة جذرياً، ودورها كبير جداً في تحقيق الإستقلال الإقتصادي. حيث تغطي اللحوم والألبان والجلود مساحة كبيرة من الحاجة اليومية، والمؤامرة الزراعية على الشعوب المتخلفة اقتصادياً تستهدف هذه الثروة، وبامتياز.

 نظرة إلى مصادر اللحوم والجلود والألبان والأجبان، في معارضنا التجارية توضح مدى استفادة الآخرين (الأمريكي أولاً) ومدى الضرر البالغ الذي يلحق بنا.

لهذا العدوان على الزراعة في عالمنا العربي والإسلامي نريد أن نقاطع البضائع الأمريكية، وإذا كان ثمة من فائدة أخرى وجدوى، تتمثل في التأسيس لزراعة وطنية، فهي مكسب إضافي ومصيري.

 

5

الرد على هدر ثروة النفط

لو لم تكن قضية فلسطين موجودة، ولو لم يكن اقتصادنا الوطني يعاني من المؤامرة الأمريكية، لكان الواجب أيضاً يحتم علينا مقاطعة البضائع الأمريكية، قياماً ببعض الواجب تجاه مسؤوليتنا عن ثروة النفط الهائلة المهدورة، ورداً على السياسة النفطية التي تعتمدها أمريكا في عالمنا العربي والإسلامي.

لنفترض أن أقصى مانستطيعه في هذا المجال هو مجرد تسجيل موقف، نعبر من خلاله عن إدانتنا لنهب ثرواتنا وأننا لذلك نرفض أن نأكل مما يأكل الأمريكي ونلبس مما يلبس ونستعمل مايستعمل، ولكل حادث حديث.

تقوم سياسة أمريكا النفطية على اعتبار نفطنا ملكاً لها، وتبني جميع سياساتها الأخرى على هذا الأصل المسلَّم بدءًا من تعيين الحاكم وشكل الحكم و "كفاءة" أجهزة القمع وتدريبها وتسليحها، مروراً برسم السياسة التربوية والتعليمية، ورسم خارطة مراكز النفوذ، وصولاً إلى صياغة نمط العلاقات الإجتماعية وحتى الأسرية، بل تتدخل حتى في ميول الفرد ورغباته، فالتدين إرهاب والتحلل تحضر ورقي!.

و هي ماضية قدماً في نهب ثروتنا النفطية، تفرغ منها في مخازنها ما يحلو لها وتدفع مقابل ماتعترف بنهبه ثمناً بخساً دراهم معدودات، تفرض علينا أن يكون أكثرها رصيداً في بنوكها يرفد دورتها الإقتصادية، وقسماً آخر ثمن أسلحة (ضمن المسموح به) وثمن هراوات كهربائية ومعدات لمكافحة "الشغب" و "الإرهاب" تبيعها لنا بالأسعار التي تريد، وقسماً لنواطيرها من الحكام وأزلامهم والأسر المالكة وسفهائها.

بمعزل عن الدور الطبيعي للنفط في بناء اقتصاد وطني معافى، يشكل هدر الثروة النفطية في حد ذاته سبباً وجيهاً جداً لمقاطعة البضائع الأمريكية، وتشكل سياسة النفط الأمريكية عدواناً على جميع أجيالنا منذ تفرد أمريكا بالهيمنة على منطقتنا وإلى أن تزول هذه الهيمنة.

وإذا جمعنا بين هدر أمريكا لثروتنا النفطية وبين حرماننا من اقتصاد وطني، كانت النتيجة أشد إيلاماً، وأصبح استهلاك البضائع الأمريكية أشد قبحاً، إلى حيث إنه يصل إلى حد الإسهام - ولو بغير علم- في العدوان على الأمة بأسرها.

بديهي أن الثروة النفطية لأي بلد مهددة بالنفاد، وهذا يعني أن تغتنم أي دولة نفطية فرصة كونها مصدرة للنفط، لبناء اقتصاد وطني قوي، وإلا فهي تتلاعب بمصير الأجيال القادمة.

ونظرة إلى اقتصاد الدول النفطية تكفي لإدراك هشاشة البنية الإقتصادية - إن وجدت - مما يجعل الدول النفطية ثرية مستهلكة تبني ثروتها اقتصاد الآخرين، وتطلق شركاتهم العملاقة، في حين تُمنع هي من توظيف بعض ثروتها في ما يؤمن لها حتى الحد الأدنى من الإكتفاء الذاتي، عبر تأسيس البنى التحتية الكفيلة بإرساء اقتصاد وطني يخفف عنها وطأة المشاكل الإجتماعية المتفاقمة.

إنها ثروتنا تهدر، وإنه حقنا الطبيعي في الحياة نمنع منه،  وإنهم الذين قامت دولتهم على جثث الهنود الحمر ينعمون بخيرات ثرواتنا، فيبنون مصانعهم  التي يريدون منا أن نكون شركاء في دورة عجلاتها التي تطحن عظامنا و لحمنا، وتمتص دمنا.

لذلك نريد أن نقاطع البضائع الأمريكية، لأننا لانرى أن أمامنا خياراً أفضل منه في خدمة قضايانا المصيرية، ولا يبررلنا العقل السليم أي لون من ألوان الشراكة أو التعايش أو التعامل - ولو من موقع المستهلك- مع عدو هذه بعض خصوصياته.

 

6

البعد الثقافي

لايمكن فصل البعد الإقتصادي في أي فرد عن البعد الثقافي، فليس التعاطي في المجال الإقتصادي إلا تمظهراً للمكونات الثقافية.

يشمل مصطلح "الإقتصادي" عادة مايلي:

1-مجال العمل والكسب المالي.

2-مجال الإستهلاك.

وبعبارة ثانية مجال دورة المال من تحصيله إلى صرفه، التي هي عبارة عن مجموعة من الخيارات يتم اعتمادها أو الرضا بها.

هذا الإعتماد - أو الرضا - بدوره، ثمرة ثقافة معينة ترتكز إلى مكوناتها وتبنى عليها.

من هنا ليس تجنياً الربط بين استهلاك سلعة معينة بشكل دائم وبين طبيعة المكونات الثقافية، بما يشمل الثقافة والوعي السياسيين، والحس الوطني.

كما أنه ليس جزافاً الحكم بافتراق بين ثقافتين -  قد يصل إلى حد التباين -  على أساس الإفتراق بين مسلكين مختلفين جذرياً في مجال الإستهلاك.

إن من يحرص على استهلاك المنتجات الوطنية، ودعم الإقتصاد الوطني وإن كان ذلك على حساب الجودة في كثير من الأحيان، لايقوم بعمل اقتصادي محض، وإنما يعزز قناعاته الثقافية أيضاً، وهو يكشف بممارسته في مجال الإستهلاك عن منظومة بنيته الفكرية بأبعادها المختلفة.

وفي المقابل: فإن من يندر أن يستهلك سلعة وطنية رغم أنه مقيم في "وطنه" ليس غريباً عن مواطنيه، كغربة من تفصله المسافات البعيدة فحسب، بل هو يعيش الغربة الثقافية بالدرجة الأولى وهي التي تجلت في السلع التي يستهلكها.

لئن كان استعمال المصطلحات الأجنبية، أو الإفراط في استعمالها يكشف عن المنحى الثقافي، فإن استعمال البضائع الأجنبية والأمريكية بالخصوص، أقوى في الكشف عن ذلك وأشد، فقد يُستعمل المصطلح دون أن يصل قبوله إلى مرتبة التفاعل معه، ولو طلب ممن يستعمله أن يدفع درهما ًواحداً بدل استعماله، لتخلى عنه، أما السلعة التي تؤكل أو تلبس، أو تدخل في دائرة الأمر اللصيق عموماً، ويدفع ثمنها للحصول عليها، وقد يكون باهظاً، فهي ثمرة قرار تداخلت فيه عوامل التقويم، والإعجاب، والرغبة، والحرص، وهي عوامل لايمكن لها أن تعبر عن نفسها بمعزل عن الخزين والبنية الثقافيين.

وإذا كانت المصطلحات تشكل مفاتيح ثقافية، ويؤسس تراكم استعمالها لتشييد مرتكزات للغة تلك المصطلحات، ثم لثقافتها، فإن البضائع مفاتيح لا لنشر المصطلحات فقط، بل لفتح القلوب على بلاد تلك البضائع بكل ما تضج به من أبعاد ثقافية وسياسية، وأنماط سلوك.

إن البضائع الأمريكية رسل شؤم للإستعمار الأمريكي الأشد ضراوة وفتكاً، والذي يبدأ بحملات الإعلان، بدلا من حملات الجيوش، مروراً باستلابنا النفسي لننهار أمام زحف منتجاته الإقتصادية، تمهيداً للإنهيار الكبير والنهائي أمام منظومة "قيمه وفكره وثقافته" وصولاً إلى ربط أمعائنا ومصيرنا بإرادته، وارتهاننا لدورة معامله واقتصاده، وأجهزته الأمنية ودوائر القرار السياسي لديه، على قاعدة "من لم يكن معنا فهو علينا" وعلى قاعدة أن العولمة تعني "أمركة العالم".

يوضح ما تقدم أهم ملامح دور استهلاك البضائع الأمريكية في نشر "الثقافة" الأمريكية.

أما دور هذا الإستهلاك في ضرب الثقافة الذاتية للأمة، فهو حديث ذو شجون، يسلط ماتقدم الضوء على بعض ملامحه، بلحاظ التنافي بين الثقافتين وهو يعني أن تقدم  إحداهما إنما يتم على حساب اجتياح مواقع الأخرى.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الثقافة التي تتميز بالشمولية، وتولي أهمية خاصة للمسلكية والأخلاق، وتحدد ماينبغي فعله وماينبغي تركه، هي الثقافة الأشد تضرراً ،جراء انتشار ثقافة مناقضة.

وبما أن الثقافة الإسلامية كذلك، فإن الإضرار الذي يلحق بالمسلمين من استهلاك البضائع الأمريكية أشد، رغم أنه بالغ الخطورة على غيرهم أيضاً.

فلو أخذنا بعض النماذج من المأكولات التي تدخل في تصنيعها مادة الكحول، أو بعض المواد المستخرجة من الخنزير، أو إذا أخذنا مثال اللحوم، لأمكننا أن نفهم بشكل أفضل مدى الترابط بين البعد الثقافي والإقتصادي في استهلاك البضائع الأمريكية، من قبل الذين لايقيمون وزناً لهذه "المحرمات" لأن ثقافتهم تعرضت للإستلاب.

وينبغي التنبه هنا إلى أن من يحاول التقيد بضوابط الثقافة الإسلامية في مجال الإستهلاك، معرض للوقوع في المخالفة لقناعاته غالباً، كما أن الكثيرين يستدرجون إلى تغيير قناعاتهم الشرعية التي هي خلاصة مفاهيم ثقافية.

يمكن لعملية الإستلاب الثقافي أن تبدأ بالسلع المستهلكة، ويمكن أن تنتهي إليها، إلا أن الخطورة أشد عندما تكون هي البداية، فمن تحاوره لتغير قناعاته، او تقدم له "منهجاًعلمياً" يؤدي إلى تغييرها، لايؤخذ على حين غرة، كما يحدث لمن تسللت عملية الإستلاب من باب رغباته المبرمجة في دوائر "فيروس" الإعلان الفتاك، فهو يخلع هويته الثقافية، رويداً رويداً، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، يبدأ ربما باختيار سلعة واحدة، تشكل الطعم الذي يقوده إلى قلب الأخطبوط الذي يسلبه كل خياراته الأصلية في الأكل والشرب والجلوس والحديث والنوم والكتابة، وارتداء الثياب، وتصميم البيت، ونمط علاقته حتى بأسرته، ويفرض عليه صرف أكثر عمره، إن لم يكن كله، وهو مايزال يزين لنفسه أنه إنما يفعل ذلك كله من موقع الأصالة والإنفتاح، أوالأصالة المنفتحة، متوهماً أنه لم يتغير وإنما هي الوسائل والأدوات ، وليست إلا مجرد قشور!

والنتيجة التي يخلص إليها ما تقدم هي أن تحصين الثقافة، لاينفك عن التدقيق في مجال الإستهلاك، وتجنب كل البضائع التي لاتنسجم مع المنظومة الثقافية  المتبناة، أمريكية وغيرها.

وحيث إن البضائع الأمريكية هي الأكثر رواجاً، والخطر الأمريكي هو الأكبر، كان التحدي الثقافي في المدى الإستهلاكي أمريكياً بالدرجة الأولى، وهو مايحتم مقاطعة البضائع الأمريكية.

 

7

البعد التربوي

ألا يحق لجيلنا الذي تجرع مرارات الهزائم المتكررة، وانعدام الوزن الدائم، أن يحلم بأن يورث أبناءه، بقية من عزة نفس وإباء، يمكن لها أن تكون بصيص الأمل في ظلامنا العربي والإسلامي الحالك.

نريد لأبنائنا أن لاتستباح حصونهم النفسية، ليذكرونا بالخير عندما تتبلور مداركهم، ويعلموا بأننا إن عجزنا عن إحراز النصر فإننا أسسنا لما يمكنهم من متابعة خط الممانعة والإعتراض، علهم ينعمون ببركات النصر ونكون قد أسهمنا فيه.

نريد أن نربي أولادنا على الحقيقة كما هي، أننا شعوب تواطأ عليها الجهل والحكام وأمريكا، فاستطاع الكيان الصهيوني الذي كان نتاجاً بريطانيا في البدء، أن يكسر شوكتنا، ويجرعنا العلقم، ويُنصِّب علينا أكثر حكامنا، ويتحكم بكل مقدراتنا، ويلحق بنا الكوارث، إلا أن إرادتنا بقيت عصية على التطويع.

لانريد لأبنائنا الكراهية، ولانريد لهم الإستلاب، والبله، وضياع الهوية.

نريد لهم أن يتربوا على تسمية الأشياء بأسمائها فلبست أمريكا سيدة العالم، ومتى كان الجبروت والبطش ينتج قيماً حقيقية.

نريد لهم أن يعرفوا أن ثقافة عولمة أمريكا هي التي تحدث عنها "مثقفوها" العنصريون. وأن يقيموا حاجزاً نفسيا بينهم وبين كل محاولات أمريكا لمسخ العالم  وابتلاعه كما يحلو لها.

نريد لأبنائنا أن يدركوا جيداً مصدر الخطر المحدق بهم، فهو أمريكي التخطيط والأدوات والتنفيذ، ولولا أمريكا لما استطاع الصهاينة أن يبقوا في بلادنا سنة واحدة، ولما استطاع حاكم عميل أن يتأمر علينا شهراً واحداً.

وقد واتت الفرصة، إذ وجدنا في مشروع مقاطعة البضائع الأمريكية الحلم الثوري الأمثل، الذي لايستطيع أحد أن يحول دونه إذا أدركنا فرادته، وها قد بدأنا.

نريد أن تكون كل سلعة أمريكية أو غيرها مادة لتربية أبنائنا التربية الوطنية والعقائدية السليمة، حيث تصبح مادة للحوار والسجال والتداول، الأمر الذي يشكل أفضل مدخل إلى عمق قضايانا المصيرية من بوابة مواجهة العدو اللدود، وكشف كل أباطيله وزيفه.

نريد أن يتربى أبناؤنا في جو نظيف من لوثة أمريكا ووبائها، بتنظيف المحال والشوارع وملاعب المدارس وصفوفها والبيوت والأجساد، كمنطلق إلى تحصين النفس من كل ماهو أمريكي في عالم السياسة والإعلان والدولرة المسماة زوراً تحضراً وثقافة.

نريد لأبنائنا أن يدركوا حقيقة معنى "الإرادة".. وأن أمريكا وغيرها لايمكنهم أن يستبيحوا معاقل إرادة من لا يعينهم على نفسه، فيظل مصراً على إعمال إرادته في الفسحة المتاحة، ومايزال متاحاً أمامنا أن لانشترك في أعراس النصر الأمريكي علينا، وعندما نجبر على المشاركة، فسنبحث عن آخر فسحة إرادة متاحة، ولو ببعض ملامح الوجوم.

فسحة الإرادة المتاحة هذه تعني عدم تضييع الهوية، وعدم نسيان القضية، ولتدر الدوائر كيفما دارت، فالمهم أن يبقى الحصن التربوي، أو بعض مواقعه، أو حتى بعض أطلاله.

على هذه الأطلال التي يحكيها "مشروع مقاطعة البضائع الأمريكية" نريد لأولادنا أن يطيلوا الوقوف.

ونريد لهم أن لاتحمل ذكريات كل منهم عن أمه وأبيه، مرارة يتذوق طعمها عندما تتفتح مداركه، فتشوب تلك المرارة، ذكرياته عنهما، لأنهما كانا يستهلكان البضائع الأمريكية، وكانا يملآن البيت بكل ما هو أمريكي، في حين أن حسهما الوطني والديني، كان مميزاً!.

ولا أخطر في البعد التربوي من أن يطعن الفرد في الصميم، ويفقد القدوة.

إن الحرص على سلامة أبنائنا من التشوه النفسي، أشد إلحاحاً من وقايتهم من التشوه الجسدي.

ونحن أيضاً نريد أن نقي أنفسنا من التشوه التربوي والخُلقي والثوري ومن انفصام الشخصية، وقسوة القلب.

إذا كان تكرر عدم الإكتراث بذبح الحيوانات، يفقد القلب اللين والرأفة، وهما سر استقامة القلب في خط العقل، فماهي الآثار التربوية الخطيرة من جراء، مشاهدة المجازر الأمريكية في فلسطين وغيرها، على وقع الأنغام والبضائع الأمريكية، التي تحيط بالقلب من كل جهاته، ويستقر الهوس بها في سويدائه.

ونظرة منصفة متأنية، في عظيم الفوائدالتربوية لنا ولأبنائنا لموجة مقاطعة البضائع الأمريكية، خلال هذه التجربة القصيرة، تكشف أننا ينبغي أن نحرص بكل ما أوتينا، على استمرار هذا النهج الذي يستحق بجدارة، أن تتضافر جهود التربويين لبلورته وتعميقه.

 

8

البعد السياسي

يتجلى هذا البعد في محالات عديدة أهمها:

1- المواجهة الدائمة لأمريكا، على مستوى الأمة.
2-الإستفتاء الشعبي الحر على سياسة الحكام.
3-الرد على التشويه الإستعماري لهوية الأمة.

لئن كانت الحاجة ماسة إلى تظهير البعد الثقافي في المجال الإستهلاكي، فإن البعد السياسي، شديد الوضوح.

ولا يرجع السجال حول مقاطعة البضائع الأمريكية إلى النقاش في جدوى المقاطعة سياسياً، لصعوبة الدفاع عن موقف من هذا النوع، بل يرجع عادة إلى التشكيك بجدوى المقاطعة اقتصادياً، كما تقدم.

يدرك كل عاقل أن الحجر في مقابل الدبابة لايسجل رقماً عسكرياً، وإنما هو تعبير سياسي، كذلك هي التعبيرات البدائية في رفض زيارة مسؤول أمريكي أو غيره لبلد خرج أهله للتعبير عن إدانتهم.

وعندما نتأمل في كل ألوان الإعتراض السياسي بدءاً بأبسط مظاهره وصولاً إلى أضخم التظاهرات المليونية، سنجد بكل تأكيد، أن مقاطعة البضائع، أقوى حضوراً وأشد فاعلية في البعد السياسي الإعتراضي الذي يصيب من العدو مقتلاً لا يمكن أن ترقى إلى سفحه كل التعابير الإعتراضية الأخرى.

بل إن الأمر في المقاطعة الإقتصادية أبعد أثراً، في المدى السياسي للأسباب التالية:

1- وقود الممانعة :

حيث يرفد كل أشكال الإعتراض والممانعة لأنه الفعل الإستراتيجي الوحيد - بعد المقاومة المسلحة والمؤثر فيها - الذي يبعث الحياة في كل أساليب التعبير عن الإدانة وتسجيل الموقف الرافض، ذلك أنه يُشعر من اعتمده بأنه حقق شيئاً، حيث استطاع أن يلحق بالعدو خسارة ولو بمستوى ارتطام حجر بدبابة، فكيف عندما يكتشف تدريجيا ًأن التأثير أكبر.

هذا الإحساس هو الذي يلهب أحاسيس الثورة فيه، فيدفعه إلى الميدان مجدداً، في طريق رحلة مغادرة الإحباط الذي طبع الكثير من تعبيرات تسجيل الموقف التي اعتمدها سابقاً.

وعندما يمكن إخراج المواطن العربي والمسلم من دوامة الإحباط، فقد فُتح الباب على مصراعيه، لعصر جديد تضع الأمة فيه حداً لضرورات الأنظمة، التي تقوم على قمع خيارات الأمة.

2- السيف المصلت أبداً:

مشروع المقاطعة هو التعبير المقاوم الوحيد الذي تمتد ساحة فاعليته زمنياً ليحرز قصب السبق على كل ألوان المقاومة التي هي مهما تعاظمت محصورة بزمن معين.

يبقى سلاح المقاطعة سيفاً مصلتاً على أمريكا على مدار حاجة الأفراد للسلع الإستهلاكية، وهي حاجة دائمة، فهذا السلاح فعال دائماً. وأين منه والندوات والمؤتمرات بل والتظاهرات، التي يتلاشى مفعولها خلال أيام.

3-سلاح الأمة:

هل تكتفي الأمة بالتفرج على ما يجري قي فلسطين.. ولبنان ؟ وما هو واجبنا جميعا تجاه الانتفاضة والمقاومة؟

هل نكتفي بالتظاهر وحمل الهم والندوات ؟

ألا يمكننا أن نرفد ذلك بشيء من الفعل؟ وما هو؟

لا تستطيع الأمة كلها أن تنخرط في مشروع المقاومة المسلحة، ولا يجوز أن تبقى دون دور عملي وفعل استراتيجي.

وإذا كانت مواجهة بعض شرائح الأمة للعدو الصهيوني وحاضنته أمريكا، يمكنها أن تشعرنا بهذا القدر الهائل من الثقة بالنفس و العزة والمجد، فكيف ستكون النتيجة إذا انتظمت صفوف الأمة كلها في سوح الجهاد، عبر إعلان الحرب الاقتصادية على أمريكا؟

إن سلاح مقاطعة البضائع الأمريكية هو السلاح الوحيد الذي يستطيع كل فرد منا حتى الطفل الصغير أن يشهره في وجه العدو، ليسهم بذلك في معركة المصير.

إن الامتناع عن شراء سلعة أمريكية في أي مكان من العالم، هو الوجه الآخر لحقيقة الحجر الذي يستهدف الجندي الصهيوني، والرصاصة التي تستهدف الحقد الدفين في قلبه.

وإن أخطر خيانة عظمى ترتكب هي أن تبقى أمتنا كما بدت بعد عاصفة الصحراء وعواصف التسوية، حائرة مذهولة عزلاء، أو أن تبقى كما تبدو الآن متحفزة حائرة، وعزلاء.

 في مثل هذا الظرف ينطلق النداء عادة:أما من حجر يدافع به المرء عن كرامته؟ وفي متناولنا أمضى سلاح، فماذا ننتظر؟

4- سلاح المرحلة:

هذا العصر هو عصر الهيمنة الأمريكية واستفرادها بالعالم كقطب أوحد، عصر النغمة النشاز: العولمة، بكل ما تعنيه من مزيد استعباد للشعوب، وإفراغها من هويتها، ولم يعد خافياً على أحد أن روح التسوية هي الطابع العام للمرحلة الراهنة في منطقتنا، وهذا يعني أن الأنظمة الأمريكية مستنفرة لقمع الاعتراض، وتهمةُ الإرهاب جاهزة سلفاً لتلصق بكل من تسول له نفسه الخروج من بيت الطاعة الأمريكي.

من هنا كان سلاح مقاطعة البضائع الأمريكية، سلاح المرحلة، فهو ذو حد واحد، مصمم خصيصاً للنيل من العدو فقط.

لن يكون بوسع أي نظام قمعي أن يزج بأحد منا في السجن، جراء استعماله لهذا السلاح، فهو يُشهَر في الخفاء، وتخترق طعنته النجلاء قلب الشيطان الأكبر، دون أن يترك أي دليل إثبات، حتى البصمات.

يدخل الشخص إلى المتجر فيختار ما يريد من غير البضائع الأمريكية. هو لم يفعل شيئاً يستتبع المساءلة، وقد فعل الكثير، بما في ذلك الإدلاء بصوته ضد حاكم بلده الأمريكي المتبرقع بالعروبة والإسلام.

فهل يجوز تفويت مثل هذه الفرصة الفريدة؟

5- سلاح مجاني، يؤمن التغطية المالية لعملياته:

وهو بعد سلاح مجاني، لا يكلفنا شيئاً، لا يحتاج إلى مخازن آمنة، ولا يكلفنا عبء نقله، أو التفتيش والمطاردة ولا يدخل في نفق السوء السوداء، مهما استعمل، بالإضافة إلى أنه يمول جميع عملياته التي يستخدم فيها على أوسع نطاق متصور ومجاناً دون أدنى كلفة، وذلك باعتبار أن الدول المستفيدة من مقاطعتنا للبضائع الأمريكية، بحكم منافستها لبضائع هذه الدول، ستبادر إلى التغطية الإعلامية لمسار هذه المقاطعة، والمراحل التي تمر بها، مما يعني أننا في حل حتى من التفكير بوسائل إيصال أخبار المقاطعة إلى الرأي العام.
 

6-فاعليته في قمة الدول الصناعية:

تؤدي الإنطلاقة العملية لمشروع المقاطعة، وارتفاع وتيرته، إلى إدخال مصلحة أمتنا في صلب جدول أعمال الدول الصناعية، كبند رئيس دائم وحاكم على جميع البنود الأخرى، وتتناسب قوة ذلك  مع  مدى إضرارنا بالإقتصاد الأمريكي، الأمر الذي يلقن الدول الصناعية درساً لن يمكنها تجاهله، عن المصير الذي ينتظر من يستخف بكرامتنا، ويتعامى عن حقوقنا، وينحاز إلى العدو الصهيوني مدافعاً عن احتلاله وتشريده الملايين وعن مجازره.

يمكّننا مشروع المقاطعة إذاً من تشديد المنافسة وتزخيم صراع المصالح بين أمريكا وبين سائر الدول الصناعية.

ولهذه النقطة بالذات، ولعدم القدرة على مقاطعة جميع الأعداء كان التركيز على العدو الأخطر: أمريكا.

7- يحرر سلاح النفط المرتهن:

من الواضح أننا نمتلك سلاحاً فعالاً، هو سلاح النفط، يكفي التهديد الجدي باستعماله لإحداث هزة في الأسواق المالية والمحافل السياسية العالمية، إلا أن هذا السلاح مرتهن فعلاً، عبر مصادرة حكامنا وارتهانهم، ومن شأن مشروع مقاطعة البضائع الأمريكية في المدى البعيد أن يحرر هذا السلاح.

 إن كل خطوة من خطوات المقاطعة تصب تلقائياً في هذا الهدف الوجودي.

8-يربك حركة العدو، ويرفع سقف نفقاته:

سيؤدي تصاعد موجة العداء لأمريكا في بلادنا إلى جعلها منطقة غير آمنة للمسؤولين والموظفين الأمريكيين الذين ينفذون مخططات أمريكا ضدنا، الأمر الذي سيفرض على الدبلوماسيين والعسكريين، وعملاء المخابرات، المتواجدين بشكل دائم أو المترددين، أن يعيشوا عزلة خانقة، كما يفرض رفع مستويات الحماية للسفارات والمراكز الأمريكية، إلى أعلى الحدود، وسيفرض كذلك حالة الاستنفار بشكل دوري في صفوف العسكريين، ومن الواضح أن لذلك بالإضافة إلى العبء المالي، أثره الكبير في إرباك حركة العداء الأمريكية لشعوبنا.

لقد شهدنا كيف استدعت موجة التظاهرات التي عمت البلاد العربية والإسلامية إثر انطلاقة الإنتفاضة، إلى إغلاق العديد من السفارات الأمريكية في العالم، وإعلان حالة التأهب في صفوف القوات الأمريكية في المنطقة تحسباً لأي طاريء.(3)

9- يشعرنا بأنا أمة:

النكبة العظمى التي حلت بالأمة، هي نكبة اتفاقية "سايكس- بيكو" التي تأتي نكبة ال48 وكل النكبات الأخرى على بالغ أهميتها في سياقها، وتتفرع عليها، و ماسبقها زمنياً ليس إلا مجرد نتاج لجهنميتها.

يوم خطط الأعداء لتمزيق أشلاء الجسد الواحد، خططوا لزرع الغدة السرطانية (الكيان الصهيوني) في القلب.

ومنذ أتيح لهم تنفيذ ذلك، بدأ الشعور بالإنتماء إلى أمة يفقد توهجه، حتى وصلنا إلى الراهن السياسي الممعن في التردي.

ويستطيع المتابع لموجة مقاطعة البضائع الأمريكية التي يؤمل أن تتحول إلى مقوم أساس في البنيةالفكرية والمسار العملي، أن يراقب بوضوح مدى قدرة هذا المشروع على تنمية الإحساس بالإنتماء إلى أمة.

لم تترك القطرية التي قرر المستعمر – بالتناوب - أن يحبسنا فيها، مجالاً لتنمية هذا الإنتماء فينا، فبتنا صغاراً حتى عندما نحاول أن نتكلم كالكبار.

أعمت القطرية العيون وسدت منافذ البصيرة، و رغم تسليم الجميع! بأن أراضي ال48 "إسرائيلية"! فمايزال حتى الصراع بين دبي والشارقة على المنطقة الحدودية مستعصياً على الحل.

هذه الأمة العريقة التي طبعت الكرة الأرضية بطابعها الفكري الحضاري، حول المستعمر وطنها الكبير إلى زنازين متناحرة، تختنق بدخان حرائق خصوماتها.

يشكل مشروع مقاطعة البضائع الأمريكية نافذة يمكن من خلالها تنفس الهواء الطلق، لمغادرة قمقم القطرية البغيض، لنفكر كأمة، ونعمل معاً على تحطيم كل الحواجز الأمريكية بيننا.

مثل هذا الهدف يستحق أن يكون مشروع الأجيال.

وما أروع ان يشكل مشروع مقاطعة البضائع الأمريكية مدخلاً نوعياً إلى دروبه.


هوامش

1- البضائع الصهيونية مفروغ منها
2- تعتمد هذه النتيجة على مراقبة الإحصائيات التي نشرتها الشركة على موقعها عن المدخنين الذين يشترون منتجاتها في مختلف بلدان العالم،بالإضافة إلى نسبة ال12% التي تدفعها الشركة للعدو الصهيونيإ.
3- البنود 3-9 مقتبسة من المقالة السابقة حول المقاطعة، للكاتب.