الفصل الأول: إجماع المسلمين على وجود حجة لله تعالى في كل عصر

1- ثوابت يجمع عليها المسلمون
2- تجاوز الإجماع والإضرار بالتوحيد
3- فائدة وجود الحجة في غيبته


 

1- ثوابت يجمع عليها المسلمون

* إلـى كـل سُـنِّيٍّ منـصـف:
بمعزل عن لوثة " الإسرائيليات" بالأمس، ولوثة " الأمريكيات" اليوم حيث يحاول البعض تصوير الشيعة حلفاء الشيطان الأكبر، ويسهِّل لهم الفرية من يبرأ منه التشيعK الذي هو الإسلام المحمدي الأصيل، وسرعان ما ستتضح هذه البراءة، ويظهر الإصطفاف على حقيقته، وأن الشيعي الحقيقي لايمكن أن يقف إلا حيث إمامه وصي المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله. أليس الصبح بقريب.

بمعزل عن هذا وذاك، وبروح علمية بعيدة تماماً عن أدنى ما لا يليق بالموحد الذي يجب أن يضع نصب عيني القلب العرضَ على الله تعالى والسؤال عن كل صغيرة وكبيرة، لا بد أن تكون للمسلم المنصف وقفة عند هذه الأسس والثوابت المتفق عليها بين المسلمين والتي لايمكن تفسيرها إلا بوجود حجةٍ لله تعالى من أهل البيت عليهم السلام في كل عصر كما ستجد التصريح بذلك حتى في مثل " الصواعق المحرقة ".

هذه الأسس الثوابت كما يلي:
1- " أهل بيتي أمان لأهل الأرض".
(1)
2- " لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض".
(2)
3- " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ".
(3)

ألا ترى بأن المقتضى الطبيعي لهذه الثوابت أنها تكشف عن أصل أصيل في تحديد المسار المحمدي إلى يوم القيامة؟

إن كون أهل البيت عليهم السلام أماناً لأهل الأرض يلازم ذهابُهم ذهابَهم، صريح الدلالة بلا لبس على وجود حجة لله تعالى منهم في كل العصور.

وإن بقاء القرآن الكريم والعترة الطاهرة متلازمين إلى يوم القيامة، يعني أنهما معاً موجودان في كل عصر، كما سترى في تصريح المناوي في شرح الجامع الصغير.

كذلك هو صريح كونهم عليهم السلام سفينة النجاة.

ومن الواضح أن هذه الثوابت لاتدل حصراً على المهدي المنتظر، بل هي أعم لأن حجج الله تعالى قبله منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى بدء إمامة المهدي عليه السلام، مشمولون أيضاً بمؤدى هذه الثوابت، كما أن تطبيق الثوابت على المهدي المنتظر يستلزم ضم الروايات حول المهدي المتفق عليها كذلك بين الطرفين، كما يستلزم التمسك بعدم وجود فرد يمكن أن يكون المصداق لهذه الثوابت غيره عليه صلوات الرحمن.

إلا أن من الواضح والقطعي أن هذه الثوابت تلزم أي مسلم بالتعامل بمسؤولية عالية وجدية تامة مع الحديث عن وجود المهدي المنتظر عليه السلام.

وتجدر الإشارة إلى أن الثوابت التي تلتقي مع وجود الحجة في كل عصر لا تنحصر بماتقدم، ولكن حيث يمكن النقاش في البعض – دون وجه حق – فقد تم الإقتصار على هذه.

وأكتفي هنا - إضافة إلة ما تقدم -  بالإشارة إلى ما يلي:
1- " من مات ولم يعرف إمام زمانه فميتته جاهلية ".
2- " في كل قرن من أهل بيتي ( أو من أمتي) عدول.."
3- " اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش ".

ورغم أن التفسير السليم لهذه الأحاديث المداميك يصب في نفس الحقيقة التي هي مورد البحث هنا إلا أني لم أوردها، اقتصاراً على ماهو مورد الإجماع القطعي.

وبناءً على الثوابت الثلاثة التي قد عرفت: أهل بيتي أمان لأهل الأرض" ا" لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح "، فإن السؤال المركزي الذي أنا بصدده:

 كيف يوفق المسلم بين هذه الثوابت وبين عدم وجود حجة لله تعالى على الخلق في كل زمان ومكان؟

ولايواجه الشيعي في الجواب مأزقاً في تفسير هذه الثوابت التي تنسجم مع حاكمية الإسلام الدائمة، ومع إطلاق حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي يأبى أن ينحصر بزمان دون غيره.

أللهم إلا إن يكون- هذا الشيعي!- مسكوناً بوهم الحداثة الزائف وبرقع الوهابية المتصحر.

ولايواجه السني غير المنصف مأزقاً استثنائياً في هذا وغيره لأنه في المأزق مقيم، أما السني المنصف فعليه أن يدرك مايواجه ويتعامل معه بما يمليه الموقف بين يدي الله تعالى.

* وهذه نُبَذٌ من كلمات الأعلام السنة حول هذه الثوابت، وهي غيض من فيض، والمصادر بين يديك، وليكن الله تعالى من وراء القصد، وعليه سبحانه قصد السبيل.

***

* حول الثابت الأول " وأهل بيتي أمان لأهل الأرض "
 نجد ابن حجر في الصواعق المحرقة 2/445 يتحدث عن صحة سند هذا الحديث بإحدى صيغه وينقل كلاماً لبعضهم في جوٍّ يوحي بتبنّيه لمضمونه، وخلاصته أن دوام الدنيا رهن دوام أهل البيت عليهم السلام، وأن ذلك يقتضي وجود شخصٍ منهم في كل عصر يتحلى بهذه الأهلية
(4) ، وهذا بعض ما ورد في صواعق ابن حجر حرفياً:

"وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت، إشارة إلى عدم انقطاع متأهلٍ(له الأهلية) منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز، كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، و يشهد لذلك الخبر السابق: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي..الخ".(5)

* ومِن فقه هذا الحديث الشريف، الربطُ بين وجود الحجة وبين آخر الزمان، وخروج عيسى عليه السلام الذي يجمع المسلمون على اقتدائه بالمهدي المنتظر.

يؤكد هذا الربط مارواه الحاكم الحسكاني "عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله عزوجل وانه لعلم للساعة قال خروج عيسى بن مريم * هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه

ثم أورد بعده مباشرة:

"عن جابر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وإنه لعلم للساعة فقال: النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت أتاها ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ماكنت، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتى أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتى أتاهم ما يوعدون * صحيح الأسناد ولم يخرجاه *(6)

ومقتضى هذا الربط أن ما يتحدث عنه المصطفى صلى الله عليه وآله، شامل لكل العصور بدلالة ذكر آخرها، وهو يعني بوضوح أن لله تعالى في كل عصر حجة على الخلائق من أهل البيت عليهم صلوات الرحمن.

***

* وحول الثابت الثاني " لن يفترقا " قال المناوي في فيض القدير:
(إني تارك فيكم ) بعد وفاتي ( خليفتين ) زاد في رواية، أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين: ثقلين، سماهما به لعظم شأنهما ( كتاب الله ) القرآن ( حبل ) أي هو حبل ( ممدود ما بين السماء والأرض ) ".." يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا.

قال القرطبي : وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم، وتوقيرهم ومحبتهم، وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها، هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التي نشأ عنها وفروعه التي نشأوا عنه كما قال : " فاطمة بضعة مني " ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق فسفكوا من أهل البيت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا سبهم ولعنهم، فخالفوا المصطفى صلى الله عليه( وآله ) وسلم في وصيته، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه ( وإنهما ) أي والحال أنهما وفي رواية أن اللطيف أخبرني أنهما ( لن يفترقا ) أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين ( حتى يردا على الحوض ) أي الكوثر يوم القيامة زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه. وفي هذا مع قوله أولاً: إني تارك فيكم تلويحٌ بل تصريحٌ بأنهما كتوأمين خلَّفهما، ووصى أمته بحسن معاملتهما، وإيثار حقهما على (أنفسهم) واستمساك بهما "..." قال الحكيم : والمراد بعترته هنا العلماء العاملون، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن أما نحوُ جاهلٍ وعالمٍ مخلِّط، فأجنبي من هذا المقام "...".

 إلى أن يقول:

( تنبيه ) قال الشريف : هذا الخبر يُفهِم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة، حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.

".." قال الهيثمي : رجاله موثقون ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لا بأس به والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع، ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي قال السمهودي : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة .(7)

***

* وحول الثابت الثالث: " مثل أهل بيتي كسفينة نوح " قال المناوي أيضاً:
"( إن مثل أهل بيتي ) فاطمة وعلي وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة ( فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ). وجه التشبيه: أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح فأثبت المصطفى صلى الله عليه( وآله) وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة وجعلهم وصلة إليها، ومحصوله الحث على التعلق بحبهم وحبلهم، وإعظامهم شكراً لنعمة مشرِّفهم، والأخذ بهدي علمائهم فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة، وأدى شكرَ النعمة المترادفة، ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان، فاستحق النيران لما أن بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار، كيف وهم أبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده، وهم فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في كثير من الآيات، وهم العروة الوثقى ومعدن التقى، واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم إذ لا يحث على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض ..".
(8)

2- تجاوز الإجماع والإضرارالبالغ بالتوحيد

إن من يتجاوزون الثوابت المتقدمة، ثم لا يقتصرون على تجاوزها، بل يسخرون من أي حديث عن وجود مصداقها - سواءً أكان المصداق المهديُّ كما هو الحق أو غيره - ليبلغ بهم الإعراض عنها حدَّ إعلان الحرب على كل ما يعزز علاقة الأمة بقائدها المهدي المنتظر وصي رسول الله صلى الله عليه وآله الذي لن يوصل البحث العلمي إلى مصداق للثوابت غيره

- وسواءً أكانوا سنة يفتقرون إلى الإنصاف، أو غثاء شيعة حملتهم "شفافية" عقدة النقص إلى وهدة برقع الوهابية المقنعة - إنما يهدمون ركائز بناء الشخصية التوحيدية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً.

يصدرهؤلاء عادة من منظومة فكرية معادية للغيب، وللثوابت الإسلامية القائمة على الإيمان به باعتباره الواقع المضوعي بتمامه والكمال، حيث لايشكل عالم الشهادة الذي يتضاءل الماديون أمام أقل القليل منه، إلا ظلاله الأدنى.

إنهم بهدمهم الأصل الذي جاءت كل الثوابت المتقدمة لتعززه، وهو " أصل استمرار وجود الحجة لله تعالى في كل عصر" إنما يهدمون في الحقيقة كل ما يرتبط بهذا الأصل جذرياً، ويتوقف عليه فاعلية الإنسانية في المسار التوحيدي، وبقاء الهدى الإلهي في قلب حركة الحياة.

يتضح ذلك بجلاء حين نستحضر آثار تغييب هذه الثوابت أو تحويرها وتمييعها، في الأبعاد التالية:
1- في طبيعة توحيد الله تعالى، ومستوى العلاقة به سبحانه.
2- في طبيعة العلاقة برسول الله، وحيوية حبه والحنين إليه صلى الله عليه وآله.
3- في طبيعة المردود الوحدوي العظيم المترتب على ارتباط الأمة بقيادة مركزية عبر القرون.

ولا بد من وقفة عند كل من هذه الأبعاد.

***

في الأول: قد يتصور البعض أن ارتباط طبيعة توحيد الله تعالى في القلوب بوجود هذا الولي أو ذاك شرك بالله تعالى!

وهذا هو الإفك الوهابي الذي يعني ضرب التوحيد باسم التوحيد.

لقد قضت مشيئته سبحانه أن يرتبط تعزيز التوحيد بين الناس بأولياء الله تعالى، كما يرتبط وصول النور إلى الناس بوجود الشمس.

كان الله تعالى ولم يزل ولايزال غنياً عن الخلائق.

قبل النبيين ومعهم ودونهم هو الله الواحد الأحد، الذي لايملك أحدٌ من دونه لنفسه نفعاً ولا ضراَ ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

فلماذا إذاً بعث الله تعالى النبيين؟!

لماذ اكل هذه العظمة المحمدية: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني!!

هل ثمة سبب لذلك غير حاجة الإنسان المادي لما يعزز التوحيد بالطريقة الحسية التي فُطر عليها؟

أوليس وجود حجة لله تعالى على خلقه بعد المصطفى الحبيب، يشكل استمراراً له صلى الله عليه وآله، من نفس معدن الحقيقة التي استدعت وجود نبي يعزز التوحيد بين الناس، مع فارق هو فارق النبي عن غيره من عظماء الأولياء.

أو ليس هذا بالتحديد هو المردود العملي المضيَّع حين نشطب الثوابت الآنفة الذكر، ونركن إلى رؤى أبسط نقائصها أنها لاتلتقي مع الثوابت والمسلمات؟

قضى الله تعالى أن يكون خط الحجج مستمراً دائماً، ونصرُّ على تغييبه رغم إيماننا النظري بما يحتم اعتقادنا به وعدم التغييب!

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن غير المنصفين أولاء، حين يمعنون في تجاوز هذه الثوابت وصولاً إلى التشكيك بطول عمر المهدي يقدمون للماديين مادة للتندرعلى ما يجهلون أن أي موحد لايمكنه إلا الإلتزام به، كما هو الحال في الإيمان بطول عمر العبد الصالح" الخضر؟" وطول عمر نبي الله عيسى على نبينا وآله وعليه السلام، وغيرهما.

والهدف من هذه الإشارة الإلفات إلى أن بعض مراحل تغييب الثوابت المتقدمة يبلغ من حيث الخطورة إلى حد محاولة هز أسس التوحيد!

***

* وفي البعد الثاني " أثر تغييب الثوابت المتقدمة على طبيعة العلاقة برسول الله صلى الله عليه وآله" :


كيف يجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله في عقل المسلم ووجدانه، وحبة القلب، وصفحة الوجود؟

هل طوى الموت رسول الله صلى الله عليه وآله؟

أوليس الشهيد حياً؟

فكيف بمن لايصبح النبي نبياً - فضلاً عن أن يصبح الشهيد شهيداً- إلا بالإعتقاد به؟

يتوقف الإيمان على حب رسول الله صلى الله عليه وآله حباً حقيقياً حاراً يتوقد لهفة واشتياقاً، ملء كل خفقة من نبضه مشاعرالحياة الطيبة.

هل الدين إلا اتباع رسول الله؟

وهل الإتباع إلا ثمرة حب؟

وأي حب يتصور لرسول الله مع التعامل معه كحقيقة كانت وزالت وصارت من التاريخ!!!

كم هو الفرق جذري بين ما تقدم وبين أن يكون التعامل مع المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله ملء حركة الوجود التي لم تكن إلا ببركته صلى الله عليه وآله " لولاك ماخلقت الأفلاك".

به يحيي الله تعالى الأجيال : استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.

وبه يخرجها الله تعالى من الظلمات إلى النور ويحييها " فلنحيينه حياة طيبة".

ويتلازم اليقين بحضور سيد الأنبياء وأقرب الخلق إلى الله تعالى، مع التواصل العملي الدائم معه صلى الله عليه وآله.

وأي تواصل معه يتصور مع الضرب بعرض الجدار أساساً ركيناً أرسى قوائمه والدعائم صلى الله عليه وآله في باب التلازم العملي كالتوأمين أو كهاتين إلى يوم القيامة؟!

وهل وجود أهل البيت في كل عصر غير تعزيز استمرار وجوده صلى الله عليه وآله، رغم أن وجوده وقوة الحضور الأرقى لا يتوقفان على وجود هذا الإستمرار العظيم، كما لايتوقف توحيد الله تعالى على وجوده صلى الله عليه وآله.

موقع أهل البيت عليهم السلام من الحقيقة المحمدية موقع الحقيقة المحمدية من توحيد الله تعالى.

أي تواصل عملي مع المصطفى الحبيب حين لانحسن تطبيق كل توكيداته على الخلفاء الإثني عشر، وعلى المهدي المنتظر بالخصوص، وعلى وجود حجة لله تعالى من أهل بيته صلى الله عليه وآله في كل عصر؟!!

* إن غير المنصفين أولاء يهدمون - وإن لم يريدوا - الأساس الذي يرتكز إليه بقاء اتصال الأمة بسيد الأنبياء والأولياء صلى الله عليه وآله، نابضاً بأرقى تعابير الحياة، لا مجرد انتماء شكلي أو غير شكلي يفتقر إلى الرعاية الدائمة، والإمداد المحمدي المتصل بقدرة الله تعالى وإحاطته سبحانه.

***

* وفي البعد الثالث: " طبيعة المردود الوحدوي العظيم المترتب على ارتباط الأمة بقيادة مركزية عبر القرون" :
لنقارن بين حالتين:

الأولى: يقين الأمة بأن الله تعالى قد حدد لها في مختلف أجيالها استمرار وجود سيد النبيين في ظهرانيها، من خلال الحياة التي نفهمها من حقيقة أن الشهيد حي، ومن خلال الحضور المحمدي الأقوى، ومن خلال وجود مؤهلٍ للتمسك به عِدلاً للقرآن الكريم من أهل بيت رسول الله محمد صلى الله عليه وآله.

الثانية: يقين الأمة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان، والموعد معه الحوض، وما بينهما علاقة به على قاعدة عدم الحضور الفاعل، مما يعني أن الأمة قد تُركت تتدبر أمرها في هبوطٍ مع الطواغيت في تيههم، لايكاد يبين معه صعود!

أليس من شأن الحالة الأولى أن تحول دون كثير من مظاهر التشرذم في الأمة.

إن الحديث الآن عن المهدي المنتظر حتى على الأساس الباطل القائل بأنه سيولد يبعث في الأمة مناخاً وحدوياً شديد التميز، فكيف لوكان اليقين بما ينسجم مع الثوابت المتقدمة المغيَّبة ملازماً لحركة الأجيال؟!

وإن لاحت لك شبهة الفائدة من وجود وصي رسول الله صلى الله عليه وآله، مع تقادم العهد وكر القرون، أو ألحت عليك هذه الشبهة، فاستحضر في هذا الباب قصة نبي الله نوح على نبينا وآله وعليه السلام، حيث بقي بين الناس كل تلك الأحقاب التي بلغت بناءً على رواية معتبرة ألفين وخمسمائة سنة، أمضى ثمانمائة منها قبل البعثة والباقي بعدها، وما ورد في القرآن الكريم عن التسعمائة والخمسين إنما هو في مقام بيان المدة التي لبثها في قومه من البعثة وحتى الطوفان، وليس بصدد بيان مدة لبثه بعد الطوفان.(9)

يوضح لك ذلك أن الحجة قد يلبث في الأمم قروناً، وقد يَغيب وتطول غيبته، كما في سيرة أنبياء غابوا عن أممهم، أو يغيَّب تأثيره بسبب إعراض الناس وبسبب كون الأساس في نشر الهدى الإلهي الإختيار لا الإكراه.

وتأتيك الآن وقفة وافية مع هذه الشبهة الواهية.

من الضروري هنا الإشارة إلى أن من أهم أسس مبدإ طول عمر الحجة نبياً كان كنوح، أو وصياً كالمهدي عليهما السلام، تعزيز مبدإ العراقة والأصالة، فالفرق كبير جداً بين موحد يوقن بأنه ينتمي إلى مدرسة التوحيد التي بدأت رحلتها على وجه الأرض مع أول إنسان كان أول نبي هو آدم عليه السلام، وبين موحد لايثري وعيَه هذا اليقين بعراقة الإنتماء التوحيدي التي لايدانيها أي اتجاه فكري مدعى.

يفخرأصحاب بعض الإنتماءات بأنهم من مدرسة عمرها ستون عاماً مثلاً!!!

ويفخر بعض الشعوب بأن تراثهم يرجع إلى آلاف السنين.

ويعاني الأمريكيون عقدة نقص لأن عمر " حضارتهم " بين " الحضارات" كعمر طفل بين الكهول.

وليست العراقة كما قد يُسطَّح مفهومها مجرد امتداد زمني، بل هي الحقانية التي لايبليها كر الأعصار، بمعنى أن القدم الزمني يكشف عن رسوخ نوعي في عالم الحقيقة، بحيث لم تستطع كل تقلبات القرون أن تنال منها فضلاً عن أن تصبح خبراً من الأخبار.

والتلازم واضح جداً بين العراقة وأصالة الثابت في الهدى الإلهي.

في هذا السياق يبرز مدى أهمية العراقة الفكرية والثقافية، التي هي في المنهج التوحيدي الأولى التي لاتضاهى.

إن طول عمر الحجة واستمرار حضوره مع القرون، يكسب هذه العراقة من القوة مالا يمكن أن تكتسبه بدونه، فيوقن الموحد أنه ينتمي إلى الهدى الإلهي الذي لم يستمر وجوده في كل عصر فحسب، بل بلغت قوة الإستمرار حدَّ أن بعض مراحله شهدت عمرآدم، وبعضها شهد عمر نوح عليهما السلام.

ولئن كانت مسألة طول عمر حجة الله في كل مراحل الهدى الإلهي، بالغة الأثر في رفد الوجدان ومخزونه الشعوري بالتواصل العريق، فإنها أبلغ أثراً بما لاقياس عليه في المرحلة الأخيرة من عمر البشرية التي قد تستمر قروناً.

تتميز هذه المرحلة الأخيرة على ماسواها بأنها المنطلق والإعداد لظهور الدين الحق على جميع السبل التي اتُّخِذت ديناً، ولذلك فهي المرحلة الأشد حساسية في عمر البشرية التي تكون قد استنفدت كل تجاربها الإجتماعية والسياسية التي تراكم خزينها لتظهر ثماره الضارة أو النافعة في ثقافة الأجيال الأخيرة مما يتيح لهذه الأجيال المقارنة بين حصيلة هذه التجارب في شتى الميادين، وبين ما حمله الوحي من الهدى الإلهي الذي أصرت البشرية – عموماً – على تنكب رشده، ظناً منها في كل مرحلة - حتى في العصر الحجري- بأن حداثتها المزعومة ستجترح الأعاجيب، وجهلاً مركباً - مايزال يمتلك الكثير من الطغيان - بحقيقةٍ أوضح من الشمس، وهي أن ثوابت النفس البشرية فوق دورة الزمن، وأفلاكه، والمكان ومجراته، لأن الجميع - وغيره - مخلوق للإنسان صاحب هذه النفس، مسخر له.

يُُرخص ذلك الظنُّ وهذا الجهل المركبُ - المطبق غالباً والأدواري أحياناً - من قيمة الإنسان عندما يمعن في تأصيل المتحول في الفكر، وتقزيم الثابت وتسفيهه.

ورغم ذلك كله فإن البشرية اليوم في أرقى مراحل القدرة على وعي هذه الحقيقة التي هي الوجه الآخر لمحورية الإنسان المكرَّم في هذا الوجود، وبالتالي الوجه الآخر لعظيم صنع الله تعالى في إبداع هذه النفس البشرية!

ومن الطبيعي أن يشكل تعرُّف الإنسان على خصائص المادة المذهلة، المناخ السليم الذي يمكنه من " معرفة النفس"!

إذا كانت ذرات المادة تختزن في بعض مكنوناتها المكتشفة - حتى الآن - القنابل الهيدروجينية الأعتى ونيرانها الجهنمية، فأي خزين كوني هائل من النور في مكنون بعض خلجات النفس البشرية، التي بها كان الإنسان الإنسان.

وأي لظى وسقر اللواحة للبشر في خزين هذه النفس، عندما تصر على التدسية وتتنكب التزكية، فتستبدل الشهوات بالقيم والكفر بالإيمان.

بمقدار ما تنضج " المعرفة" وتتبدى ملامح اكتمالها، تقترب البشرية من المعصوم الذي سيضع يده على رؤوس الخلائق فتجتمع عقولهم على مؤدى العقل الصريح وتكتمل. (10)

ولاشك أن من أبرز معالم نضج المعرفة إدراك أن الإنسان أكبر من الدنيا وأسمى من الفردوس في الآخرة، لأن باستطاعته أن يبلغ مرتبة " في مقعد صدق عند مليك مقتدر".

ومن علامات هذا الإدراك الإقلاع عن فرية أن الإنسان محدود بحدود المادة، يولد فيها ويعيش فيها ويدفن فيها وينتهي.

ومن علامات وعي هذه العلامة إدراك أن طول عمر الإنسان الكامل ليس عجيباً، بل إن إنكاره العجب العجاب!

إذا كان الإنسان أكبر من الأفلاك، فلماذا لايعيش حتى يشهد فناءها والإنتثار.

وإذا كان غير الإنسان الكامل يسعى إلى حتفه بنقص فهمه، فلماذا لا يكون الإنسان الكامل صاحب الزمان، ويكون سيد مصاديق الإنسان الكامل صلى الله عليه وآله، الشاهد على الأنبياء والأوصياء وجميع الشعوب والأمم.

***

* أيها المنصف العزيز: إن لاح الفجر المحمدي لعيني قلبك وتنفس الصبح المشرق، فهو المطلوب، وإلا فاقبل نصيحة محمدية : أكثِر من الصلاة على محمد وآل محمد، كما أمر المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، واحذر البتراء، فإنك ببركة هذه الصلاة، التي لاتقبل صلاة بدونها، ستنظر بنور الله تعالى، فإذا أنت من " الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون". وما ذلك على الله بعزيز.

وإن لم تواتك فرصة التسديد، فلا أقل من أن توقن بأن من يتحدثون عن الحجة المهدي من أهل بيت المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، يمتلكون رؤية متكاملة ليست فقط أشد انسجاماً مع الثوابت، بل لاينسجم مع الثوابت غيرها.

" ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا..". ولا تجعل حظنا صِرف الحديث.

أللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعينا...

برحمتك يا أرحم الراحمين.

3- الفائدة من وجود الحجة الغائب؟

عرفت أن الإجماع بين المسلمين قائم دون أدنى لبس على ضرورة وجود الحجة في كل عصر.

والسؤال هنا: هل يشترط في الحجة الحضور وعدم الغيبة؟

إذا لم يكن الحضور شرطاً فماهي الفائدة من وجود حجة الله تعالى على الخلق عندما يغيب عنهم؟

ولا بد في الجواب من التنبيه على أمور:

* أولاً: أن المعنيَّ بالإجابة على هذا التساؤل الحق، هم المسلمون جميعاً، فقد عرفت أن وجود الحجة في كل عصر مورد إجماعٍ قطعي لايمكن لمسلم أن ينكره.

* ثانياً: إن المسلم السني يواجه في باب الإجابة على هذا السؤال معضلة حقيقية لأن عليه أن يثبت وجود من لا يعرفه، بينما لا يواجه الشيعيَّ إلا البحث عن الترابط بين محاور الرؤية الإسلامية، ليستنبط من هذه الرؤية المستندة إلى الوحي، المهمة المنوطة بالحجة في حال غيابه.

إن إثبات الفائدة من وجود من لا تعرفه، أصعب بكثير من إثباتها من وجود من تعرفه ولكنه غائب عن الأنظار لحِكم يأتي بيان بعضها.

* ثالثاً: إن مجرد الإقرار بوجود حجة الله تعالى في عصر من العصور، وعدم معرفته يعني التسليم بالخروج من ولاية الله تعالى، لأن "من مات ولم يعرف إمام زمانه فميتته جاهلية"(11). بينما لا يترتب أدنى شَوْبِ من سوء العاقبة على عدم معرفة مهمة الحجة في غيبته، ولذلك لم ترد رواية واحدة تنذر من لم يعرف ما هي مهمة الحجة، أو ماهي الفائدة من وجوده إن كان غائباً.

* خامساً: إن السؤال عن الفائدة من وجود الحجة في حال الغيبة عن الناس، يطرح بهدفين:

الأول: معرفة مايمكن معرفته من طبيعة المهمة التي تتلازم مع حال الغيبة.
الثاني: الإستفهام الإنكاري، بمعنى أن السؤال يُتخذ دليلاً على عدم وجوده، بدعوى جاهلة مؤداها أن ثمة تلازماً بين الفائدة من الحجة وعدم الغيبة!

والسؤال بالهدف الأول وجيه، ينبغي الوقوف عنده والعناية بما يبحث عنه السائل.

أما بالهدف الثاني فهوغاية في السطحية والسذاجة، لأنه يفترض لزوم ما لايلزم.

متى كانت الفائدة رهن حضور مصدرها بين الناس ؟

ومن قال بأن الغيبة عن الأنظار تلازم عدم الفائدة؟

ألم يشهد تاريخ النبوات غيبات الأنبياء عن أممهم؟(12)

وماغيبة موسى عليه السلام بالخصوص، قبل التحاقه بالنبي شعيب عليهما السلام ومعه، ولا عدم معرفته بالعبد الصالح المكلف بمهام لا تدخل في دائرة اختصاص حتى نبي زمانه الذي هو من أولي العزم، بخافية على مسلم يقرأ القرآن الكريم ويتدبر آياته.

متى قام الدليل على وجود الحجة، أصبح السؤال عن فائدته بهدف نفي الوجود بدليل عدم فهم الفائدة، عبثاً لا طائل تحته.

إن عدم الوجدان لايدل على عدم الوجود، فهب أننا لم نهتد إلى الفائدة من وجود الحجة في غيبته، ولكننا نقطع بوجوده، أليس معنى ذلك أننا لم نتمكن من معرفة الفائدة، ولا يمكننا القول إنها ليست موجودة.

سادساً: ينبغي أن ينصبَّ البحث عن الفائدة من وجود الحجة الغائب، على المحاور التالية:
1- موقع الحجة (الإمام) من استمرار النظام الكوني، بإذن الله تعالى.
2- موقع الإمام من نظام الهداية الإلهية.
3- رعاية الإمام للمسيرة المؤمنة، رغم الغيبة.
4- فرادة دور الأمل بظهوره عليه السلام .

وفي مايلي وقفة مع كل منها:

* المحور الأول: كما أن مشيئة الله تعالى قضت توقف الحياة على سطح الكرة الأرضية، على وجود الماء والهواء و الشمس، و لا يعتبر القول بذلك شركاً، فإن مشيئته عز وجل قضت أن يتوقف النظام الكوني وجوداً و استمراراً على وجود الحجة ( النبي أو الإمام ).

وهذا هو معنى مصطلح ( قطب دائرة الوجود ) الذي يرسله كبار العلماء من الفريقين إرسال المسلمات، وهو أيضا أحد أبعاد الحديث القدسي ( لولاك ما خلقت الأفلاك) الذي لا إشكال في مضمونه ولا غبار عليه لدى البحث والتحقيق، ولم يناقش أحد إلا في بعض صيغه. (13)

وفي ما تقدم من الثوابت الثلاثة المجمع عليها، ما يضيء على محورية الحجة في استمرار النظام الكوني بكل جلاء، ولو لم يكن إلا ذهاب أهل الأرض بذهاب أهل البيت لكفى به دليلاً على انفراط نظام الوجود في هذه الحياة إذا خلت الأرض من حجة لله تعالى قائم بأمره سبحانه.

* لولا الحجة لماجت الأرض وساخت:
يستفيض في مصادرنا الشيعية من حديث أهل البيت عليهم السلام ما يدور حول معنيين هما في الحقيقة تفسير لمعنى ذهاب أهل الأرض، وهذان المعنيان هما " لولا الحجة لماجت الأرض بأهلها"
(14) و" لولا الحجة لساخت الأرض".(15)

وموج الأرض تعبير آخر عن ذهابها بلحاظ أن الحياة عليها مرتبطة باستقرارها وعدم المَيْد الذي هو الموَج، قال تعالى: " وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم.." النحل 15

* في الروايات
* ومن الروايات في المعنيين، ما أورده الصدوق الأول - والد الشيخ الصدوق- وهذا بعضه:

1- عن أبي جعفر( الباقر ) عليه السلام ، قال : لو أن الإمام رفع عن الأرض ساعة، لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.(16)

2- عن أبي عبد الله ( الصادق) عليه السلام قال : منا الإمام المفروض طاعته، من جحده مات يهودياً أو نصرانياً. والله، ما ترك الله الأرض منذ قبض الله عزوجل آدم، إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله، حجة على العباد، ومن تركه هلك ومن لزمه نجا، حقاً على الله.

3- عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : قال ( الراوي) : قلت له : تكون الأرض، ولا إمام فيها؟ فقال : إذاً لساخت بأهلها.

* محورية الحجة في نظام الوجود، محمدية
كل حديث عن المرتبة السامية للحجة التي تجعل الوجود بأمر الله تعالى مرتبطاً بوجوده، فرع المرتبة المحمدية، فلا يصح الفصل بين الحديث عن أيًّ من الحجج الإلهية وبين كونه من مراتب التجلي المحمدي بقدرة الله تعالى ومشيئته سبحانه.

وعندما يوضع الحديث عن الحجة في هذا السياق المحمدي، يتحقق الربط بين ابتداء الحجة لله تعالى على الخلق واستمرارها، كما يتخذ الحديث مداره الطبيعي الذي يظهره على حقيقته كوكباً من منظومة، كانت بدايتها قبل أن يخلق الله تعالى الخلق حين فضل سيد النبيين على الخلق أجمعين، لأنه سبحانه وهو بكل شيء عليم قد علم بأن هذه المنزلة من خصائصه صلى الله عليه وآله.

كان بدء الخلق إذاً مرتبطاً بالحجة الأفضل، فمن الطبيعي أن يكون دوام رحلة الخلق مرتبطا ًبه عبر الحجج في مختلف القرون، ومنها القرون التي يكون الحجج فيها الإثني عشر خليفة، الذين هم عدل القرآن الكريم، لايفترقون عنه حتى يردوا مع القرآن الكريم الحوض على رسول الله صلى الله عليه وآله.

* كيف يكون بقاء الحجة بقاء الناس، وذهابه ذهابهم؟
يتصور هذا التلازم بين بقاء أهل الأرض ببقاء أهل البيت، وذهابهم بذهابهم على ثلاثة أنحاء :

1- أن يكون الله تعالى قد أقام الوجود على محورية الحجة، كما هو الحال في جعل كل شيء حي مرتبطاً بالماء.

ويتم اسيضاح خصائص هذا الإرتباط بين الوجود والحجة، مما رواه المسلمون جميعاً مستفيضاً بل ومتواتراً حول الترابط بين خلق الله تعالى الخلق وبين رسول الله صلى الله عليه وآله.(17)

2- أن يكون وجود الحجة سبباً في عدم أخذ الله الناس بذنوبهم، وإمهالهم رغم استحقاق العذاب، تفضلاً من سبحانه وكرماً، وعلى هذا فيكون للحجة من أوصياء رسول الله بعض مراتب ماثبت له صلى الله عليه وآله بما أثبته الوحي: * وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم* الأنفال 33 بل يكون وجود وصيه نحو وجود رسول في أمته الله صلى الله عليه وآله.

3- الجمع بين كون الحجة بقدرة الله تعالى ومشيئته سبباًً في الخلق وسبباً في عدم أخذ الناس بذنوبهم، فلا تنافي بين الأمرين، كما هو واضح.

ويكفي لإثبات أن بقاء الحجة بقاء أهل الأرض وذهابه ذهابهم، تسليط الضوء على ماورد في النصوص حول عدم أخذ الله تعالى الناس بذنوبهم.

وهو مايتم الحديث عنه هنا.

* الترابط بين فعل الإنسان والنظام الكوني
في بيان السبب في عدم استقرارالأرض بدون وجود الحجة، قال المازندراني في معرض شرح معنى" ساخت الأرض":

"قوله : ( لساخت ) : أي لغاصت في الماء وغابت، ولعله كناية عن هلاك البشر وفنائهم، ويحتمل أن يريد الحقيقة لأن الغرض الأصلي من انكشاف بعض الأرض هو أن يكون مسكناً لهم، وكونه مسكناً لغيرهم من الحيوانات المتنفسة إنما هو بالعرض فإذا فات الغرض الأصلي عاد إلى وضعه الطبيعي".(18)

ويطل بنا كلامه عليه الرحمة على أصل أصيل تتضافر كثير من نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة لتثبيته، وهو الترابط بين عمل الإنسان وبين النظام الكوني، وهو أصل متفرع على حقيقة أن الله تعالى أقام هذا النظام من أجل الإنسان وسخره له، فلذلك كان من الطبيعي أن يبنيه عز وجل البناء المتأثر بفعل هذا الإنسان سواءً أكان الفعل صالحاً أم طالحاً، طاعة أم معصية.

يعني ذلك أن الذنب محور الفساد، وأن الطاعة محور السلامة،

وهذا مما ينبغي أن يكون من أوضح الواضحات لكل مسلم يقرأ القرآن الكريم، وما جاء فيه عن هلاك الأمم، وبالخصوص قصة الطوفان والهلاك العام

 - ماعدا من ركب السفينة - في عهد نبي الله نوح عليه السلام.

وعلى هذا الأصل درج العلماء المسلمون قاطبة في تفسير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي توضحه بجلاء، من ذلك قوله تعالى:

* ظهر الفساد في البر والبحربما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون * الروم 41

* ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. الأعراف 96

* ".. استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسلِ السماء عليكم مِدرارا. ويُمددكم بأموال وبنين ويجعلْ لكم جناتٍ ويجعلْ لكم أنهارا * نوح 10-12

وفي الروايات - كما في الآيات - الكثير الوافي جداً، وفي أبواب مختلفة مما يرتبط بالمقام. (19)

أذكر هنا نماذج من كلمات العلماء، في استخلاص ماتدل عليه الآيات والروايات.

1- قال ابن كثير: " وقال أبو العالية : من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود " لَحَدٌّ يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً " والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكف الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي كان سبباً في حصول البركات من السماء والأرض .(20)

2- وقال السيوطي: " وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه سئل عن قوله: وإذا تولى سعى في الأرض قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم، فيحبس الله بذلك القطر من السماء، (فيهلك) بحبس القطر الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد ثم قرأ مجاهد: * ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس* الآية".(21)

3- وقال السيد الطباطبائي:
"ومن أحكام الأعمال: أن بينها وبين الحوادث الخارجية ارتباطاً، ونعني بالأعمال الحسنات والسيئات، التي هي عناوين الحركات الخارجية دون الحركات والسكنات التي هي آثار الأجسام الطبيعية فقد قال تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " الشورى - 30 ، وقال تعالى :
 " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له " الرعد - 11 ، وقال تعالى : " ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الأنفال - 53 ، والآيات ظاهرة في أن بين الأعمال والحوادث ارتباطاً ما شرّاً أو خيراً . ويجمع جملة الأمر آيتان من كتاب الله تعالى وهما قوله تعالى : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " الاعراف - 96 ، وقوله تعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " الروم - 41 . فالحوادث الكونية تتبع الأعمال بعض التبعية، فجَرْيُ النوع الإنساني على طاعة الله سبحانه، وسلوكُه الطريق الذي يرتضيه يستتبع نزول الخيرات، وانفتاح أبواب البركات، وانحرافُ هذا النوع عن صراط العبودية، وتماديه في الغي والضلالة وفساد النيات وشناعة الأعمال يوجب ظهور الفساد في البر والبحر وهلاك الأمم".
(22)

* ولـو يؤاخـذ الله النـاس!
اتضح مما سبق الترابط بين النظام الكوني، وبين الطاعة والمعصية، فهذا النظام المسخر لمصلحة الإنسان قد بناه الله تعالى على قاعدة التأثر سلباً أو إيجاباً بفعل الإنسان الذي أراده الله تعالى مخلوقاً مختاراً، وفي سياق التأثر السلبي يقع الحديث عن هلاك الأمم، بفساد الناس وفسق المترفين، وحبس المطر، وترك الديار بلاقع، والخذلان، وغير ذلك.

وفي سياق التأثر الإيجابي يقع الحديث عن الربط بين التقوى وفتح بركات السماء، والخصب والنماء أو البركة، وسَوْق المطر من بلد إلى بلد، ودفع البلاء، وطول العمر، والتسديد، وغير ذلك.

والقاعدة القرآنية العامة أن الفساد في فعل الإنسان يغلب الصلاح، وذلك بما كسبت أيدي الناس، وأن الله تعالى يدفع عنا النتائج المترتبة على أعمالنا، ليفتح لنا آفاقاً جديدة من إمكانية تصحيح المسار.

قال تعالى: * ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون* النحل 61 *

* يدفـع الله العـذاب بسفيـنة النجـاة، وبالأمـان
ويلتقي الختام بالمطلع، حين تلتقي نتيجة البحث بالثوابت، ليتضح أن الحجة الذي هو سفينة النجاة كسفينة نوح عليه السلام، والذي هو الأمان لأهل الأرض كما هي النجوم لأهل السماء، هو الذي يدفع الله تعالى به العذاب عن أهل الأرض.

وفي ما تقدم الدليل الواضح على ذلك، وهذه بعض الروايات لمزيد التوكيد:

1- عن أبى جعفر( الباقر ) عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ولدي أحد عشر نقيباً نجيباً، محدثون مفهمون، آخرهم القائم بالحق يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.

2- عن أبى جعفر عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعليهم: نجوم في السماء أمان لأهل السماء فإذا ذهب نجوم السماء أتى أهل السماء ما يكرهون، ونجوم من أهل بيتى من ولدى أحد عشر نجماً، أمان في الأرض لأهل الأرض أن تميد بأهلها فإذا ذهبت نجوم أهل بيتى من الأرض أتى أهل الأرض ما يكرهون.

3- عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا على زر الأرض أعني أوتادها " و" جبالها. وقال: وَتَدَ الله الأرضَ أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم يُنظروا.

3- عن ابى جعفر عليه السلام، قال ( الراوي) سمعته يقول: لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منا لساخت بأهلها، ولعذبهم الله بأشد عذابه، وذلك أن الله جعلنا حجة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا في أمان أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثم لا يمهلهم ولا ينظرهم، ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه ثم يفعل الله بهم ما شاء وأحب (23)

ولا ينافي أن الحجة هو وسيلة النجاة التي بسببها لايؤاخذ الله بذنوبهم فيهلكهم، ماورد من طرق الفريقين، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: " لولا أطفال رضَّع، وشيوخ ركع، وبهايم رُتَّع، لَصُبَّ عليكم العذاب صباً".(24)

والسبب في عدم المنافاة أنه يمكن الجمع بين الروايات التي تربط دفع العذاب بالحجة، وبين مايربط دفعه بغيره، كما في الرواية المتقدمة الآن، وذلك بأحد طريقين: :

1- بتعدد الحالات، فتارة يدفع الله العذاب ببقية من المؤمنين متبعين لحجة الله تعالى على الناس، وتارة يدفع الله العذاب بالحجة نفسه.
2- أن السبب في دفع الله تعالى العذاب ببقية المؤمنين، هو اتباعهم الحجة كما أمر الله تعالى، وهذا يعني أن دفع العذاب إنما تحقق بالحجة.

ويجب أن يربأ المسلم بنفسه عن وهدة التشكيك بالترابط بين حفظ النظام ووجود الحجة، فذلك من الأسرار المرتبطة جذرياً بكرامة الإنسان على الله تعالى التي تخوله أن يكون مظهر قدرته عز وجل.

وفي النصوص بطرق الفريقين أن الله تعالى دفع العذاب في زمن النبي سليمان عليه السلام بنملة(25) سمع عليه السلام استغاثتها، فقد أورد الشهيد الثاني عن الإمام الصادق عليه السلام: " إن سليمان عليه السلام خرج ليستسقى فرأى نملة قد استلقت على ظهرها، رافعة قائمة من قوائمها إلى السماء وهى تقول: أللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بنى آدم، فقال سليمان: إرجعوا فقد سقيتم بغيركم".(26)

وقد أورد النووي " عن النبي صلي الله عليه( وآله) وسلم قال : خرج نبي من الأنبياء يستسقى فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها الي السماء فقال ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة " قال الحاكم هذا حديث صحيح الأسناد ".(27)

 ولئن ناقش بعض العلماء في الحديث الأول: لولا أطفال أو صبيان رضع الخ على اختلاف لفظه باختلاف طرقه، فإن تأكيدهم صحة حديث النملة يجعل الخلاف في الأول منصباً حول ورود الصيغة، وليس حول المضمون.

وهكذا يتضح أن الروايات التي يظهر منها ارتباط النظام بغير الحجة، لا تنافي محوريته بإذن الله تعالى في قيام النظام، بل هي من باب الحديث عن الأسباب القريبة، وليس عما جعله الله تعالى بقدرته نقطة الإرتكازلأنه شاء أن يجري الأمور بأسبابها، كما جعل الشمس والهواء والماء نقاط ارتكاز في مجالاتها، فالحجة من الوجود الشمس، ولولاه لكورت هذه الشمس، وانقطع جريان الهواء، وغار الماء فمن يأتي بماءٍ معين. ويأتي مزيد إيضاح.

***

أللهم " عجل فرجه وأوسع منهجه، واسلك بي محجته وأنفذ أمره، واشدد أزره، واعمر اللهم به بلادك، وأحي به عبادك، إنك أنت قلت وقولك الحق
 " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس " فأظهر اللهم لنا وليك وابن وليك، وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك، في الدنيا حتى لا يظفر بشئ من الباطل إلا مزقه، ويحق الحق ويحققه".
(28)

* المحور الثاني: نظام الهداية الإلهية
وينبغي الحديث فيه على مستويين: نظام الهداية المادي، ونظامها المعنوي.

والمراد بالأول : حركة التبليغ و الدعوة إلى الله تعالى بمعناهما الشامل الذي لا يشذ عنه أي جهد ظاهري يبذل على هذا الصعيد، وأترك الحديث حوله إلى المحور الثالث ( رعاية المسيرة المؤمنة ).

والمراد بالثاني: نظام فيض الهدى الإلهي المعنوي، أو فقل : حركة التبليغ والدعوة، في عالم المعنى والباطن .

والمثال الذي يقرب هذا النظام إلى الأذهان، هو نظام فيض نور الشمس على الأجسام.

وقد وردعنه عليه السلام : " وأما انتفاع الناس بي في غيبتي، فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء..". (29)

كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:

"..ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال "الراوي" : فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب".(30)

كما أن وصول أشعة الشمس، قد يتم مباشرة، وبالواسطة، كذلك نور الهدى الإلّهي الذي هو عليه السلام مظهره، وكما لا يعتبر شركاً القول بأن وصول ما تحتاجه الأجسام من نور إليها، يتوقف على وجود الشمس، فكذلك هو القول بأن وصول نور الهدى الإلّهي إلى القلوب، يتوقف على وجود النبي أو استمراره ووصيه.

إن نصيب كل عقل من نور الهداية - و نصيب كل قلب من تجليات ذلك النور وحالات تلك الهداية، من سكينة وطمأنينة، وتواضع وغير ذلك - إنما يفاض عليه من الله تعالى من خلال المعصوم، فهو الهادي بإذن الله تعالى و السراج المنير" وسراجاً منيراً ". " ولكل قوم هاد ".

بل يجد المتأمل في القرآن الكريم وحده، وفي آيات الإمامة و الهداية بالخصوص، ما يدل على هذه الحقيقة بكل وضوح.

حول الآية المباركة: "إني جاعلك للناس إماما..." قال السيد الطباطبائي عليه الرحمة و الرضوان :

" والذي نجده في كلامه تعالى، أنه كلما تعرض لمعنى الإمامة، تعرض معه للهداية، تعرُّض التفسير، قال تعالى في قصص إبراهيم عليه السلام: ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا. الأنبياء -73

وقال سبحانه: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون.السجدة-24

فوصفَها ( أي الإمامة ) بالهداية وصْفَ تعريف، ثم قيَّدها بالأمر فبين أن الإمامة ليست مطلق الهداية، بل هي الهداية التي تقع بأمر الله، وهذا هو الأمر الذي بيَّن حقيقته في قوله: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء .يس-83 وقوله: وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر. القمر-50

إلى أن يقول: " وبالجملة، فالإمام هادٍ يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فالإمامة بحسب الباطن نحوُ ولاية (على الناس) في أعمالهم، وهدايتها إيصالها إياهم (هداية الولاية هي إيصالها الناس) إلى المطلوب بأمر الله، دون مجرد إراءة الطريق (الهداية الظاهرية) الذي هو شأن النبي والرسول، وكل مؤمن يهدي إلى الله سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة".

(ليلاحظ هنا أن مصب الحديث هو الإمامة، وهي قد تجتمع مع النبوة والرسالة في شخص، وقد تفترق عنهما)

إلى أن يقول: " فقوله تعالى: يهدون بأمرنا، يدل دلالة واضحة على أن كل ما يتعلق به أمر الهداية هو القلوب والأعمال، فللإمام باطنه وحقيقته، ووجهه الأمري حاضر عنده غير غائب عنه. "

وبعد أن استشهد بالآية الكريمة: " يوم ندعو كل أناس بإمامهم.." قال:

" فالإمام هو الذي يسوق الناس إلى الله سبحانه يوم تبلى السرائر، كما أنه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا وباطنها، والآية مع ذلك تفيد أن الإمام لا يخلو منه زمان من الأزمنة، وعمر من الأعمار لمكان قوله تعالى (كل أناس) على ما يجيء في تفسير الآية". (31)

* وحول الآية المباركة "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" قال عليه الرحمة والرضوان:

" (الإمامة هي ) الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب، وهي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال، ونقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر.

وإذ كانت تصرفاً تكوينياً وعملاً باطنياً، فالمراد بالأمر الذي تكون به الهداية ليس هو الأمر التشريعي الإعتباري، بل ما يفسره في قوله: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء.." يس-83 فهو الفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها،رحمة من ربهم.." إلى أن قال :

" فالإمام هو الرابط بين الناس وربهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها، كما أن النبي رابط بين الناس وبين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية، وهي الشرائع الإلّهية تنزل بالوحي على النبي، وتنتشر منه وبتوسطه إلى الناس وفيهم، والإمام هادي النفوس إلى مقاماتها كما أن النبي دليل يهدي الناس إلى الإعتقادات الحقة والأعمال الصالحة، وربما تجتمع النبوة والإمامة كما في إبراهيم وابنيه".(32)

يعني ما تقدم أن لنظام الهداية الإلهية أسراره وخصائصه، فالحجة النبي الذي لا تجتمع نبوته مع الرسالة ولا مع الإمامة له مهمته، والحجة النبي والرسول معاً الذي لايكون إماماً له مهمة مختلفة، والحجة الإمام الذي تجتمع فيه النبوة والرسالة والإمامة، أعلى شأناً ومهمة، والأنبياء الرسل الأئمة هم أيضاً على مراتب، وأشرفهم جميعاً سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، وله أوصياء أئمة تمحضوا في الإمامة فليسوا أنبياء ولا رسلاً، بل هم أوصياء جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله.

وقد شاء الله تعالى أن لا تخلو الأرض بعد خاتم رسله من حجة على الناس، فكانوا هم الحجج الأمان والسفينة والذين لا يفترقون عن القرآن الكريم حتى يردا الحوض على سيد الأنبياء والرسل والأولياء صلى الله على رسوله محمد وآله وعليهم أجمعين.

وحيث إن الحجة حارس الهدى الإلهي فمن الطبيعي أن تكون مهمته المنوطة به بأمر الله تعالى، مرتبطة بالهداية ارتباطاً جذرياً كما عرفت.

***

وفي أحاديث ليلة القدر كفاية للمنصف، فهي واضحة الدلالة لا على ما أنا بصدده الآن فحسب، بل على حميع ما تقدم و ما يأتي، أذكر منها:

أ- في البحار عن تفسير القمي:
".. فيها يفرق - في ليلة القدر - كل أمر حكيم، أي يقدر الله كل أمر من الحق و من الباطل، و ما يكون في تلك السنة، و له فيه البداء و المشية، يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من الآجال و الأرزاق و البلايا و الأعراض و الأمراض، و يزيد فيها ما يشاء، ويلقيه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة عليهم السلام، حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، ويشترط له فيه البداء و المشية و التقديم و التأخير. "
(33)

ب- عن أبي جعفر الثاني ( الإمام الجواد) عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عباس:
" إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه يتنزل في تلك الليلة أمر السنة، و لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
فقال ابن عباس : " من هم ؟ " قال:" أنا و أحد عشر من صلبي أئمة محدّثون".
(34)

ج- قال الراوي: قلت لأبي عبد الله ( الصادق) عليه السلام: قول الله تعالى، في كتابه: فيها يفرق كل أمر حكيم؟ قال: تلك ليلة القدر، يكتب فيها وفد الحاج وما يكون فيها من طاعة أو معصية أو موت أو حياة، ويحدث الله في الليل و النهار ما يشاء، ثم يلقيه إلى صاحب الأرض. قال الحرث بن المغيرة البصري: قلت: و من صاحب الأرض؟ قال : صاحبكم".(35)

د- عن داود بن فرقد، قال سألته عن قول الله عز و جل: إنا أنزلناه في ليلة القدر، قال: نزل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من موت أو مولود.
قلت له : إلى من ؟ فقال إلى من عسى أن يكون؟ إن الناس في تلك الليلة في صلاة و دعاء و مسألة، و صاحب هذا الأمر في شغل، تنزل الملائكة إليه في أمور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها من كل أمر، سلام له إلى أن يطلع الفجر.
(36)

و- هذه النصوص تدل بكل جلاء على محورية المعصوم في حركة التقدير الإلهي في مجالين : إبلاغه بالمقدر، وتكليفه بالإشراف و التنفيذ، وإلا لما كان
 { صاحب هذا الأمر}.

و من الواضح أن نصيب كل فرد أو أمة من الهدى في كل سنة، يدخل في ما يقدره الله تعالى من أمور تلك السنة، (كما يدخل فيه كل ما يرتبط برعاية المسيرة المؤمنة، وما يرتبط كذلك بالنظام الكوني).

***

* المحور الثالث: رعاية المسيرة المؤمنة
أليس الفرق واضحاً بين رعاية رسول الله صلى الله عليه وآله للمسيرة المؤمنة في المرحلة المكية، وبين هذه الرعاية النبوية في المدينة المنورة؟

نحمِّل الفائدة من وجود الحجة في غيبته ما لاتحتمل، حين نغفل عن طبيعة هذه الغيبة وطبيعة الرعاية التي أذن الله تعالى له بها وأقدره سبحانه عليها.

لتصويب المسار في هذا الباب ورسم الحدود بوضوح، يجب استحضار أن الإنسان الذي خلقه الله تعالى مختاراً، ينبغي أن يكون قادراً على إعمال هذا الإختيار، ولا يمكن تحقق ذلك إلا على قاعدة الإمهال الإلهي وعدم الإهمال.

ويستدعي الإمهال أن يكون للإنسان في الدنيا سبح طويل، كما يستدعي عدم الإهمال أن تكون ثمة رعاية إلهية للمسيرة الإنسانية لها أسسها والقواعد التي لاتسلب الإنسان الإختيار، ولا تذره قادراً على الإحتجاج بأنه ترك وشأنه، فتكون له على الله تعالى الحجة!

ويتحقق هذا الهدف بأمرين:
1- ترك الباب مفتوحاً للإختبار: هل يحسن الإنسان الإختيار أم يسيء ؟
2- وجود الحجة لرعاية المستجدات - بالإضافة إلى ماتقدم بيانه - والتدخل حيث يلزم.

وهذا يعني بالتأكيد أن الرعاية دائمة والتدخل استثناء.

ولاينافي ذلك أن تتسع دائرة التدخل الرعائي في هذه المرحلة أو تلك، وفي هذا الفرد أو ذاك، لتوفر أسبابه وفق القواعد والضوابط.

بناء على هذا، ينبغي الإلفات إلى أمرين:
1- تدخله عليه السلام، في المفاصل المركزية، والمنعطفات الحادة ،كما إذا رأى أن الإجماع سينعقد على باطل، أواقتضى الأمر وتوفرت الدواعي تسديداً أو توجيهاً مركزيين، كما نجد في سيرة السيد بحر العلوم، أو المقدس الأردبيلي، أو السيد " أبو الحسن" الأصفهاني، وغيرهم قدست أسرارهم جميعا.

2- رعايته لحركة التبليغ والهداية، على مستوى الفرد و الأمة، كما نجد في سيرة الكثيرين من العلماء وسائر الصالحين، التي تتحدث عنها قصص التشرف بلقائه عليه السلام، التي يتوفر فيها شرطان، صحة السند، وأن يؤدي البحث العلمي الموضوعي إلى الجزم بوقوع التشرف برؤيته عليه صلوات الرحمان، أو رؤية من هو مكلف منه عليه السلام بأداء مهمة محددة.

ومثل هذه القصص موجودة بين مئات تزخر بها الكتب التي عالجت موضوع اللقاء، كالنجم الثاقب ،و جنة المأوى للمحدث النوري رضوان الله عليه.

ورغم أن بالإمكان النقاش في أغلبها من منطلق عدم الجزم بأن من تمت رؤيته هو الحجة عليه السلام، فإن بينها ما لا يمكن النقاش فيه إطلاقاً.

3- تدخله العملي حيث ينبغي، على غرار تدخل العبد الصالح، في خرق السفينة، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار، كما ورد في سورة الكهف.

وقد أورد المحقق الجليل الإربلي في كتابه القيم: كشف الغمة في معرفة الأئمة (37) قصتين صحيحتي السند، تدلان على ذلك، وهناك غيرهما الكثير من القصص الصحيحة، يطول المقام باستقصائها، وفي ما ذكر كفاية لتثبيت المبدأ.

***

* المحور الرابع: فرادة دور الأمل بظهوره عليه السلام
وسأقتصر فيه على نقطتين :
الأولى: دور الأمل في تخفيف وطأة المحنة عن الدعاة إلى الله تعالى، بكل مظاهرها من سجن و تعذيب ومطاردة وتهم وتهجير، حيث إنهم يعيشون بالإضافة إلى الأنس بالله تعالى، ورجاء نصره وثوابه، حتمية زوال الكفر والطغيان، ويتوقعونه في كل حين.

الثانية: رفد عزائم المجاهدين في سوح الجهاد، بمخزون من التحدي والإصرار لا نظير له، إذ يقترن التوكل على الله تعالى بقناعة راسخة بأن الله تعالى تكفل بإظهار دينه على الدين كله، وهو سبحانه لا يخلف وعده، وسيحققه على يد الإمام الموجود والمنتظر، الأمر الذي يجعل المجاهد يعيش بكل ذرة من كيانه، أنه ينتمي إلى مشروع المستقبل المنتصر حتماً.

ومن عرف شيئاً يعتد به عن تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان، أمكنه أن يدرك عظيم أثر هذا العامل في تحقيق النصر.

تبقى كلمة أخيرة وهي أن هذه المحاور مجتمعة، تظهر فوائدها وآثارها في كل قلب بحسبه.

* قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا * الإسراء 84


هوامش
(1) روي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله بطرق وبصيغ مختلفة. أنظر: السيوطي، الجامع الصغير2/680 والطبراني، المعجم الصغير2/73 وقد نص في الأوسط4/237وفي ج7/6على أن من رواه بصيغت تنسب هذه الفضيلة إلى الصحابة قد تفرد بروايته. وانظر في الصيغ المختلفة، أيضاً : المتقي الهندي، كنز لعمال12/96 و101-102 والعجلوني، كشف الخفاء 2/135و237 وأبو يعلى الموصلي، مسنده 12/260
(2) الإمام أحمد، مسند أحمد3/14و17 و26 و59 والهيثمي، الزوائد 9/163 والمباركفوري، تحفة الآحوذي 10/197 والطبراني، المعجم الكبير3/66. وغيرهم كثير.
(3) إبن كثير، تفسيره4/123والمناوي، فيض القدير في شرح الجامع الصغير5/660
(4) المؤلف، في محراب فاطمة عليها السلام96، نقلاً عن: برنامج « مكتبة العقائد والملل» الإصدار الأول، مركز التراث للحاسب الآلي، الأردن - عمان.
(5) في الهامش السابق بيان مصدر كلام ابن حجر فلاحظ.
(6) الحاكم النيسابوري،المستدرك - ج 2 ص 448
(7) المناوي، فيض القدير، شرح الجامع الصغير ج 3 ص 19-20
(8) المناوي، فيض القدير في شرح الجامع الصغير2/658
(9) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة 523 عن الإمام الصادق عليه السلام.
(10) أنظر: المازندراني، شرح أصول الكافي 1/307
(11) في صحيح مسلم: "و من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ". صحيح مسلم 6/22 وفي مسند أحمد 4/96 :"من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية". وهذا المضمون مستفيض جداً في المصادر السنية، متعدد الصيغ إلاأن مايرتبط منها ب" إمام" وليس بالطاعة وشبهها كثير جداً. أنظر مثلاً: إبن حجر، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/5، والهيثمي، مجمع الزوائد5/224 والمتقي الهندي، كنز العمال1/207 والبيهقي، السنن الكبرى8/156قال: "أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عاصم".
(12) ألف الشيخ الصدوق كتابه " كمال الدين وتمام النعمة" في غيبة الحجة وجعل المحور فيه غيبة الأنبياء، وكان ذلك بأمر في المنام من الحجة المهدي عليه السلام. كما أورد فيه غيبات الأوصياء. أنظر: كمال الدين، مقدمة المؤلف 3-4.
(13) قال الصالحي الشامي: " الباب الثاني في خلق آدم وجميع المخلوقات لأجله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أوحى الله تعالى إلى عيسى : " آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمر أمتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن " . رواه أبو الشيخ في طبقات الأطبهانيين ، والحاكم وصححه ، وأقره السبكي في شفاء السقام ، والبلقيني ( 3 ) في فتاويه . قال الذهبي: في سنده عمرو بن أوس ( 5 ) لا يدري من هو انتهى . ولبعضه شاهد من حديث عمر بن الخطاب رواه الحاكم وسيأتي . قال الإمام جمال الدين محمود بن جملة: ليس مثل هذا للملائكة ولا لمن سواه من الأنبياء . ". سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ج 1 ص 74. وقال بعد ذلك: " وروى الديلمي  في مسنده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل فقال : يا محمد إن الله يقول لولاك ما خلقت الجنة، ولولاك ما خلقت النار "." وفي فتاوي شيخ الإسلام البلقيني ".." عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال : " يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي ولا رفعت هذه الخضراء، ولا بسطت هذه الغبراء ". قال : " في رواية أخرى ، عن علي رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : " من أجلك أبطح البطحاء وأموج الماء وأرفع السماء وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار " ... ".  المصدر 75. وانظر: السيد ابن طاوس، اليقين 426 وحسن بن سليمان الحلي، المحتضر145 والمجلسي، البحار15/28.ويأتي في الهوامش المزيد فلاحظ.
(14) الطبري، دلائل الإمامة 435 والنعماني( محمد بن إبراهيم.380هـ ) الغيبة 139 والمجلسي، البحار23/34
(15) الصفار( محمد بن الحسن بن فروخ، 290 هـ) بصائر الدرجات508-509وابن بابويه(والد الصدوق ت: 329) الإمامة والتبصرة 30 و34 و35 و147 والكليني(ت: 329) الكافي1/179، و المحقق النراقي(1245 هـ) مستند الشيعة6/25
(16) إبن بابويه ( الصدوق الأول،)، الإمامة والتبصرة من الحيرة 34 وانظر: الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال 205 والكليني، الكافي 1/178والحر العاملي، وسائل الشيعة 18/559.
(17) أنظر: حول علم الله تعالى بما يكون: المناوي، فيض القدير4/521 والقرطبي، تفسيره 14/77 وابن كثير، تفسيره 2/279، وحول أول ماخلق الله تعالى، وخلق رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الخلق، وحول لولا رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخلق الخلق ولا الجنة ولا النار، انظر: العجلوني، كشف الخفاء1/45 و 1/265 و2/164والهيثمي، مجمع الزوائد 9/11والمتقي الهندي، كنز العمال 11/431 وانظرأيضاً: الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة 255 والمجلسي، البحار18/400 وج1/97وج 15/8 و25/22والأحسائي، عوالي اللئالي 4/99 والبحراني، السيد هاشم، حلية الأبرار1/10 و2/398 وانظر بياناً وافياً للمجلسي، البحار1/100-105، والمازندراني، شرح أصول الكافي 1/204 – 210وج3/78 و4/189 وقد تقدم في الهوامش المزيد.
(18) المولى محمد صالح المازندراتي(1081هـ) شرح أصول الكافي 5/ 126 وقد أورد رحمه الله تعالى كلاماً للفارابي لايمكن تطبيقه إلا على " الحجة"، قال المازندراني: " وفي كتاب السياسة المدنية للفارابي البحث عن أنواع المدينة وأقسام الحكومات، وذكر شروط المدينة الفاضلة وآراء أهلها وأخلاقهم، وقال( أي الفارابي): الرئيس الأول من هو على الإطلاق؟ هو الذي لا يحتاج في شئ أصلاً أن يرأسه إنسان بل يكون قد حصلت له العلوم والمعارف بالفعل،  ولا تكون به حاجة في شئ إلى إنسان يرشده، وتكون له قدرة على وجوه إدراك شيء مما ينبغي أن يعمل من الجزئيات، وقوة على جودة الإرشاد لكل من سواه إلى كل ما يعلمه، وقدرة على استعمال كل من سبيله أن يعمل شيئاً ما في ذلك العمل الذي هو معد نحوه وقدرة على تقدير الأعمال وتحديدها وتسديدها نحو السعادة جودة، وإنما يكون ذلك في أهل الطبائع العظيمة الفائقة إذا اتصلت نفسه بالعقل الفعال، وإنما يبلغ ذلك بأن يحصل له أولاً العقل المنفعل، ثم أن يحصل له بعد ذلك العقل الذي يسمى المستفاد، فبحصول المستفاد يكون الإتصال بالعقل الفعال على ما ذكر في كتاب النفس، وهذا الإنسان هو الملك بالحقيقة عند القدماء، وهو الذي ينبغي أن يقال فيه أنه يوحى إليه فإن الإنسان إنما يوحى إليه إذا بلغ هذه الرتبة - الى آخر ما قال . ونقلنا كلامه بعين ألفاظه ، ثم قال : والناس الذين يدبَّرون برئاسة هذا الرئيس هم الناس الفاضلون والأخيار السعداء فإن كانوا أمة فتلك هي الأمة الفاضلة، وإن كانوا أناساً يجتمعون في مسكن واحد كان ذلك المسكن الذي يجمع جميع من تحت هذه الرئاسة هو المدينة الفاضلة. ثم قال بعد ذلك : والمدينة الفاضلة تضادها المدينة الجاهلة والمدينة الفاسقة والمدينة الضالة، ثم البهيميون بالطبع"". وختم المازندراني بقوله: والغرض من نقل كلامه أن يعلم تطابق النقل والعقل على صحة مذهب الشيعة في الإمامة". المصدر.
(19) تراجع على سبيل المثال: أبواب الحديث في الإستغفار، والتوبة، والآثار الدنيوية للذنوب كقطيعة الرحم والبغي، وظلم الولاة، وحول نزول المطر.
(20) إبن كثير، تفسيره 3/445
(21) السيوطي، الدر المنثور1/239
(22) السيد الطباطبائي، تفسير الميزان2/180-181.
(23) الأصول الستة عشر، عدة محدثين 15، وقد أورد الحديث الأخير، الصدوق الأول، الإمامة والتبصرة من الحيرة 34
(24) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء 1/168، والشهيد الثاني، روض الجنان324 وابن حجر، تلخيص الحبير 5/94 والنووي، المجموع 66-67 والرافعي، فتتح العزيز5/94.
(25) إن كنت لا تؤمن بالغيبب، أو كنت ممن يظنون أنهم يؤمنون به وقد فتكت بهم لوثة التغريب، فلا تكمل قراءة النص " إن العسل يضر الرضيع"!! وما أبريء نفسي، فالذي يعصم من الخطأ، مراعاة المنهجية السليمة، لا معرفتها والحديث عنها.
(26) الشهيد الثاني، روض الجنان 325
(27) النووي، المجموع 5/67 وانظر: الشربيني، مغني المحتاج 1/323 قال: " رواه الدارقطني والحاكم وقال صحيح الأسناد". وانظر: إبن عابدين، حاشية رد المحتار2/201 قال: "وفي الخبر الصحيح". وغيرهما كثير.
(28) من دعاء العهد. أنظر" الدعاء" .
(29) الأربلي( علي بن عيسى بن أبي الفتح، ت: 693) كشف الغمة في معرفة الأئمة 3/340
(30) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة 207
(31) السيد الطباطبائي، الميزان ج 1/272-274
(32) المصدرج14/304
(33) المجلسي، البحار97/12-13
(34) المصدر ص15
(35) المصدر،23والصفار، بصائر الدرجات،221
(36) المجلسي البحار97/22، والصفار، بصائر الدرجات220
(37) ج3/296/300