الفصل الثاني: المهدي المنتظر، ملامح عامة

 * ولادته
     * مـع أبيـه عليهما السلام
         * بعـد أبيـه
              * الغيبـة الصـغرى
                   * الغيبــــة الكبرى
                         * العـمر الطــويل


 

يا يحيى
خذ الكتاب بقوة
وآتيناه الحكم صبياً

مريم – 12

قالوا :
كيف نكلم من كان في المهد صبياً
قال :
إني عبد الله
أتاني الكتاب
وجعلني نبياً

مريم – 30
 

* هو الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري، بن الإمام علي الهادي، بن الإمام محمد الجواد، بن الإمام علي الرضا، بن الإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد الباقر، بن الإمام علي السجاد زين العابدين، بن سيد الشهداء الإمام الحسين، بن الإمام المرتضى أمير المؤمنين عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه وتحياته ورضوانه .

وقد أورد نسبه الشريف بهذا التسلسل العديد من علماء السنة المشهورين منهم العارف الكبير محي الدين بن عربي والشعراني، وابن الصباغ المالكي.(1)

* كان لأمه رضي الله عنها عدة أسماء لأسباب أمنية كما يظهر مما ذكره الشيخ الطوسي في كتابه “ الغيبة “ وأشهر أسمائها " نرجس" وهي حفيدة قيصر ملك الروم وينتهي نسب أمها إلى شمعون وصي نبي الله عيسى عليه السلام .

* ولادته
كانت ولادته عليه السلام عام 256 للهجرة.
(2)

ولد في سامراء بالعراق وكانت عاصمة العباسيين آنذاك، وكان أبوه الإمام العسكري مقيماً فيها بطلب من الخليفة، خوفاً من نفوذ الإمام في قلوب الناس كما كان الأمر كذلك مع أبيه الإمام الهادي جد المهدي عليهم جميعاً سلام الله.

وتشبه ظروف ولادة المهدي ظروف ولادة نبي الله موسى، كما تشبه نشأته نشأة النبي عيسى، وكذلك غيبته كما ستأتي الإشارة إلى ذلك إن شاء الله، فقد كان منتشراً بين المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أخبر بظهور الإمام المهدي المنتظر، وكان معروفاً أنه من ولد فاطمة الزهراء عليها السلام، وأنه الثاني عشر من أئمة أهل البيت، ولم يكن ذلك يخفى على العباسيين، ولهذا السبب – وغيره – كان بيت الإمام العسكري يخضع لرقابة عيون السلطان الظالم، وقد قامت السلطة العباسية بعد وفاة الإمام العسكري بمداهمات عديدة لبيته بحثاً عن المهدي المنتظر، الأمر الذي يؤكد مدى الخوف الذي كان يسيطر عليهم من جراء ما انتشر من الروايات المنقولة عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حول المهدي.

ويؤكد هذه الحقيقة أن بعض العباسيين سموا أنفسهم بالمهدي والمنصور وغير ذلك من الأسماء التي وردت في الروايات عن المهدي .

* مـع أبيـه عليهما السلام :
عاش الإمام المنتظر مع أبيه خمس سنوات، كان الإمام العسكري شديد الحرص خلالها على أمرين:

الأول : أن يبقى خبر ولادته بعيداً عن مسامع الظلمة الذين كانوا قد أحكموا طوق الرقابة على منزله، بحيث إن بعض أخواصه كان اذا أراد الذهاب اليه اضطر إلى اعتماد ساتر أمني فيتظاهر بأنه يبيع السمن مثلاً، ليتمكن من دخول بيت الإمام.(3)

الثاني : والأمر الثاني الذي كان الإمام العسكري حريصاً عليه هو اخبار خواص شيعته وأقربهم إليه بولادة الإمام المنتظر، والنص على إمامته بمسمع منهم لكي يصل ذلك عبرهم إلى غيرهم من معاصريهم، وإلى الأجيال اللاحقة، وهذا ما نجده بوضوح في نصوص كثيرة تجدها – على سبيل المثال في “ كمال الدين وتمام النعمة “ للصدوق، والغيبة للشيخ الطوسي أو الغيبة للنعماني.

* بعـد أبيـه:
قام عليه السلام بأعباء الإمامة وهو ابن خمس سنوات " آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها من قبل يحيى صبياً، وجعله الله سبحانه إماماً في هذا العمر كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبياً " كما ذكر الشيخ المفيد رضوان الله عليه .

ولا شك في أن تحمّل رضيعٍ لأعباء النبوة “ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً “ أكثر غرابة من تحمل ابن خمس سنوات لأعباء الإمامة.

وتحدثنا الروايات بجوانب من علمه عليه السلام وهو في هذا السن بل قبله، تكشف عن سر من أسرار الله تعالى أراده فتحقق في هذا الوجود المبارك، فقد حمل بعض المؤمنين من قم أموالاً شرعية بعث بها بعض أهالي قم إلى الإمام العسكري عليه السلام، وكان المهدي حاضراً في المجلس فطلب منه أبوه أن يخبر بتفاصيل هذه الأموال فأخبرهم بما معهم من الصُّرر، وصاحب كل صرة أو صاحبتها، وميّز حلالها من حرامها، فقبل بعضها وردَّ البعض الآخر ليسلم إلى صاحبه.

وطلب منه والده الإمام أن يخبر عن أسباب حرمة هذه الأموال فحدثهم بذلك بالتفصيل، كما حدثهم ببعض دقائق العلم والمعتقد. (4)

* وبديهي أن هذه الحقيقة كبيرةٌ إلا على الخاشعين من المسلمين تلامذة مدرسة القرآن الكريم الذين يؤمنون بالغيب، ولذلك فهم ينظرون إلى الأمور بواقعية، فإن الواقع غيب أكثر منه شهادة.

والحديث هنا معهم، لا مع غيرهم من الذين يريدون للإسلام أن ينسجم مع روح العصر بدل أن يريدوا لروح العصر أن تنسجم مع الإسلام، فإن للحديث معهم منهجاً مختلفاً.(5)

* عرف الشيعة الإمام المهدي المنتظر قبل وفاة أبيه(6) ولذلك فقد كان واضحاً لهم بعد فقد الإمام العسكري أنه هو إمامهم ، وتولى هو الصلاة على أبيه عند وفاته، وقام “ جعفر الكذاب “ عم الإمام المهدي بدورٍ مصغَّر عما قام به أبو لهب ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسرّب إلى الخليفة العباسي خبر المهدي.

قامت السلطة بمداهمة منزل الإمام العسكري، عدة مرات – كما تقدم – واعتقلت أم الإمام، ولكن الله تعالى حفظ وليه، وكان بدء الغيبة(7)

* الغيبـة الصـغرى
لم يكن بالإمكان أن يبقى الإمام عليه السلام، ظاهراً بشكل عادي ولم يكن مستوى الأمة يسمح بانقطاع رعاية وصي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لها فكان الحل الطبيعي هو الغيبة الصغرى.

وهي تعني أن الإمام المهدي كان على صلة بشؤون الأمة عبر وكلاء خاصين ( السفراء الأربعة ) .

وقد استمرت الغيبة الصغرى 69 عاماً (260 – 329 للهجرة) .

* الغيبة الكبرى
أورد المؤرخ الكبير المسعودي رحمه الله أن نبي الله آدم عليه السلام أوصى إبنه النبي شيث فقال :

“ فإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك فإن الله لا يدع الخلق بغير حجة عالم منا أهل البيت “.(8)

ومهما قيل في غيبة المهدي المنتظر فإن من الضروري الإنطلاق في محاولة فهمها من هذه الحقيقة التي بلورتها الأحاديث التي يرويها المسلمون شيعة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن آله الأطهار عليهم السلام .

ولعظيم منزلته هذه ينزل نبي الله عيسى فيقاتل معه ويصلي خلفه في بيت المقدس.

ونظرة متأنية على كتاب الله تعالى، والروايات الشريفة تجعلنا نجزم بأن مبدأ: {لئلا يكون للناس على الله حجة} ومبدأ: “ لو خليت لماجت بأهلها كما يموج البحر“ يلتقيان مع أحاديث “ المهدي المنتظر “ بل يشكل الجميع حقيقة واحدة هدفها النهائي {ليظهره على الدين كله} و {نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا } و {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} .

لا يمكن فهم هذه النصوص وغيرها – وهي كثيرة جداً – إلا في ضوء حقيقة استمرار سلسلة النبوة و الوصاية، وهذا يعني أن الوصي الإلهي القائم بأعباء الرسالة الخاتمة هو المهدي الذي نص المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على وصايته .

وقد أجمع علماء المسلمين الشيعة - وشاركهم الرأي عدد كبير من علماء المسلمين السنة - على أن المهدي قد ولد وسيظهر في آخر الزمان.

فهو الآن إذاً غائب عنا، وهذا معنى الغيبة الكبرى.

كما أجمع علماء المسلمين دون استثناء على مضمون " ألنجوم أمان لأهل السناء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض" وإنما قلت أجمعوا على مضمونه لأن الحديث مرويٌّ بصيغ مختلفة، يشكك بعضهم ببعضها، إلا أن المضمون مجمعٌ عليه.

* العـمر الطـويل
كيف يمكن لإنسان أن يعيش كل هذا العمر الطويل ؟

وهو سؤال طبيعي ، وإجاباته طريفة يشار هنا إلى بعضها باختصار :

1- أن النصارى واليهود مجمعون على طول عمر نبي الله آدم عليه السلام مثلاً وأنه عاش930 سنة.(وهو جواب لهم).(9)
2- في تاريخ مختلف الأمم والشعوب حديث عن معمرين يذكر أن بعضهم عاش الآف السنين.
3- المسلمون مجمعون على طول عمر النبي نوح والخضر وغيرهما .
4- يجمع المسلمون أيضاً على أن نبي الله عيسى ينزل ويصلي خلف المهدي ، فأيهما أطول عمراً؟
5- وعلى من يقول إن طول عمر النبي عيسى والأنبياء الآخرين إنما هو باعتبارهم أنبياء، أن يتذكر ما أجاب به على هذا الإعتراض بعض العلماء السنة والشيعة فقالوا : هذا خطأ، بدليل طول عمر إبليس والدجال لعنهما الله.
6- إن يكن طول العمر غريباً، فأكثر منه غرابة أن ينكره مسلم يؤمن بالخلود في الجنة أو النار!


هوامش
(1) أنظر: الشيخ محمد مهدي الفقيه الإيماني، موسوعة الإمام المهدي عليه السلام، فقد أورد فيها صوراً للعديد من الكتب السنية التي تحدثت عن الإمام المهدي عليه السلام.
(2) تختلف الروايات حول مولده الشريف، فقد روى المجلسي في البحار51/2 أنه سنة 255 للهجرة، وروى الأربلي في كشف الغمة3/232 أنه سنة 258 للهجرة، وهناك روايات غير ماذكر.
(3) الشيخ الطوسي، الغيبة 354
(4) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة 457- 463
(5) صدر للمؤلف عام 2003م عن دار الهادي في بيروت، في باب المنهجية المقصودة هنا: في المنهج: ألمعصوم والنص.
(6) أورد الشيخ الصدوق عليه الرحمة قائمة بمن رآه عليه السلام قبل غيبته، تتضمن حوالي أثنين وخمسين اسماً من غير الوكلاء، وثلاثة عشر من الوكلاء، ولايخفى أن هذا العدداستثنائي جداً، بلحاظ الظرف الإستثنائي جداً آنذاك.
(7) من المصادر السنية التي تحدثت عن غيبتين للمهدي “ الإشاعة لأشراط الساعة “ للسيد محمد البرزنجي / 230 ( لاحظ موسوعة الإمام المهدي الجزء الأول ) .
(8) المسعودي ، إثبات الوصية / 13 والمراد بأهل البيت أهل الكعبة أو أهل بيت الله الحرام ،
(9) دافع الكثير من علماء السنة عن مسألة طول عمر الإمام المهدي منهم العلامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ومما قاله “ وفي التوراة أن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة والمسلمون يقولون ألفاً وخمسمائة “ التذكرة / 364 .