أجزاء الفصل الأول (1) (2) (3)

 

من هو الشهيد مسلم بن عقيل ؟

 

* على أعتابه
نحن هنا على أعتاب شيخ جليل القدر من شيوخ بني هاشم، وعالم من علمائهم، ومعلم بارز من معالم الجهاد في صدر الإسلام، وهو - بعد المولى علي الأكبر- " أشبه ولد عبد المطلب بالنبي صلى الله عليه ( وآله) وسلم ".
(1)

خرج الشهيد مسلم من المدينة مع الإمام الحسين عليه السلام(2) فهو من أركان النهضة المباركة منذ البدايات.

و عندما اختاره سيد الشهداء، ليكون في قلب لهوات الكوفة، فقد اختار الشيخ الذي عرك التجارب ولم تفتَّ من عضده شيئاً، والفارسَ الذي شهدت له ساحات الفتح بأن روح أبي طالب بين جنبيه، و" لله در أبي طالب! لو ولد الناس كلهم كانوا شجعاناَ " كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله. (3)

و لئن كان الجزم بحدود انتشار صورة مختلفة عما تقدم متعسراً، فإن بالإمكان الجزم بأن هذا الشهيد القائد لم يُظلم من الكوفيين وحدهم، لأنه بكل تأكيد مايزال أبرز مصاديق "الجندي الحسيني المجهول" و" القائد الكربلائي الطليعي" المفترى عليه.

و لعل الإمام الحسين عليه السلام، حين قلده وسام "ثقتي من أهل بيتي" كان يحترز مسبقاً من هذه الظلامة.

و لكن عندما يبلغ بنا الجهل المركب حدوده القصوى المقنعة ببراقع الموضوعية، والبحث العلمي، والتحليل التاريخي، نكون قد وصلنا إلى حيث العجز عن فهم الإمام الحسين عليه السلام، وتصبح الجرأة على الشهيد مسلم، أبسط تعابير التجني "العلمي"!

و كم لنا معاشر الإسلاميين المعاصرين من هفوات، يجب أن تعالج بالبحث الجاد الحقيقي لا المدعى، قبل أن يبدأ الحديث عن هفوات غير الإسلاميين.

لم يكن الشهيد مسلم شاباً كما يذكر البعض وبالتالي لم تكن تنقصه التجربة، كما ربما يتصور بعض آخر.

و لا كانت رسالته إلى الإمام من الطريق يستعفيه، كما تُعرض.

و لم يخطيء التقديرَ في الكوفة إطلاقاً في أي من مراحل وجوده فيها، سواء، عندما لم يقتل ابن زياد - إن ثبت أصلاً وجود تلك المحاولة - أو عندما كتب إلى الإمام يطلب منه القدوم، أوفي تأخير الهجوم على القصر.

و هذا ما يتم الحديث عنه في ما يأتي بحوله تعالى.

* وتجدر الإشارة هنا إلى أن سيرة الشهيد مسلم تحظى بالإهتمام - عادة - في الأيام الأولى من عاشوراء، إلاّ أن من المهم أن نـتـنبّه إلى أن أحداث نهضة الإمام الحسين وملابساتها استمـرّت من أواخر رجب وحتى آخر صفر، فقد دخل عليه السلام مكة كما تـقـدّم في الثالث من شعبان ذكرى مولده الشريف، وكان رجوع السبايا إلى المدينة أواخر شهر صفر - في ما يبدو- وكانت فترة مسلم منها ما بين النصف من شهر رمضان اليوم الذي خرج فيه من مكة (4) وحتى التاسع من ذي الحجة يوم استشهاده، وهو اليوم الذي غادر فيه سيد الشهداء مكة، وفي الطريق وعندما وصل إلى "زَرُود" (5) أو "زُبالة" (6) بلغه نبأ استشهاده رضوان الله تعالى عليه، والمراد طبعاً وصول الخبر إليه عليه السلام، عبر الطرق العادية والمتعارفة .

و بناء عليه فإن أيام الحزن على مسلم رضوان الله عليه، تبدأ من قبل يوم عيد الأضحى، ومن اليوم الثامن من ذي الحجة بالتحديد، حيث إن الناس تفرقوا عنه في هذا اليوم، ثم استشهد في التاسع من ذي الحجة (7) فقبل أيام عاشوراء ينبغي استشعار الحزن على مسلم الذي بكاه رسول الله صلى الله عليه وآله، كما يأتي، إن شاء الله تعالى.

محاور التعريف بالشهيد
تتوزع هذه المحاور كما يلي:
1- الأسرة .
2- السِّرب
3- في حروب الفتح؟
4- مهمته في الكوفة.
5- الشهـادة.

* في المحور الأول: الأسرة.

أ- الأب:
أبوه عقيل بن أبي طالب الذي كان أكبر من أخيه لأبيه وأمه، الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، بعشرين سنة كما يأتي.

وفي ترجمة والده عقيل، قال السيد الخوئي:
عقيل بن أبي طالب : من أصحاب علي عليه السلام ".." وروى الصدوق - قدس سره - في الخصال بإسناده إلى ابن عباس قال : كان بين طالب وعقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر عشر سنين، وبين جعفر وعلي عليه السلام عشر سنين، وكان علي عليه السلام أصغرهم .".."
(8) . وروى الصدوق - قدس سره - بسند ضعيف عن ابن عباس، قال : قال علي عليه السلام، لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنك لتحب عقيلاً ! قال : إي والله إني لأحبه حبين، حباً له وحباً لحب أبي طالب له، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك..". (9)

* وقال البروجردي:
عقيل بن أبي طالب، أخوه (أي الأمير) عليه السلام معظَّم، لا يحتاج إلى التوصيف، بل هو أجل من أن يسطر ويحرر، جليل عند أخيه عليه السلام وفي النبوي في جواب علي عليه السلام إنك لتحب عقيلاً ؟ قال : اي والله لأحبه حبين حباً له وحباً لحب أبي طالب الحديث".
(10)

ب- الأم
معرفة عقيل بالأنساب مشهورة، وكذلك اقتراحه "أم البنين" على أمير المؤمنين عليه السلام، مما يفتح الباب أمام التساؤل عن العلاقة بين اختيار أم الشهيد مسلم ونهضة سيد الشهداء، إلا أنه مجرد تساؤل لا يعضده الدليل، غير أنه في غاية الوجاهة، حيث لم يكن التمهيد لكربلاء منحصراً بأهل البيت عليهم السلام، بل كان يتجاوزهم إلى من هو منهم أو معهم كسلمان الفارسي، أو الباهلي الذي هيأ الشهيد زهير بن القين لوقفته الكربلائية، والشهداء ميثم وحبيب ورشيد وغيرهم.

ألا يطرح ذلك احتمال أن يكون الشهيد مسلم كأبي الفضل، قد لوحظ عند اختيار عقيل والدته، المهمة الكربلائية التي سيقوم بها؟

ثم ألا يطرح هذا الإحتمال نفسه بالنسبة لسائر الشهداء في كربلاء من أولاد عقيل؟

و بناء عليه يمكن تقدير المقوّمات العقلية والخلقية والروحية عموماً في من تم اختيارها فكانت أم الشهيد مسلم التي " لم يعطها التأريخ حقها كما لم يعط حق ولدها المعظم، الثابت له".(11)

و الشهيد وإخوته وأخواته لأمهات شتى، إلا أن إخوة الشهيد مسلم لأمه هم - على ماذكر ابن سعد - الثلاثة المذكورون بعده في القائمة المتقدمة، عبدالله، وعبد الرحمن، وعلي الأصغر، وأمهم خليلة.

و حول أم الشهيد هناك اختلاف في المصادر في أكثر من مورد - منها الإسم - والمهم منها حكاية عليلة مؤداها أن معاوية اشتراها لعقيل بطلب من الأخير، حين قدومه عليه في الشام، وسيكشف الحديث عن عمره الشريف أنه ولد قبل أن يتظاهر معاوية بالإسلام، ويقدم بعض المتتبعين أدلة وافية حول اختلاق هذه الحكاية من قبل شبكة التضليل الأموية، وأن أم الشهيد لم تكن أَمَةً "أم ولد" بل هي حرة من المنطقة الواقعة بين العراقين الكوفة والبصرة، فهي بالتالي من أصول إيرانية.(12) والأرجح أنها من النبط الذين روي عن علي عليه السلام، أنهم قوم نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهم بالتالي أصل قريش، كما مر في الحديث عن تمصير الكوفة.

ج- الإخوة:
و كان لعقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه من الأولاد:
1- " يزيد وبه كان يكنى.
2- وسعيد.
3- و جعفر الأكبر.
4- وأبو سعيد الأحول وهو اسمه.
5- ومسلم بن عقيل وهو الذي بعثه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من مكة يبايع له الناس.
6- و عبدالله بن عقيل.
7- وعبد الرحمن.
8- وعبدالله الأصغر.
9- وعلي لا بقية له.
10- و جعفر الأصغر.
11- وحمزة.
12- وعثمان.
13- ومحمد.
14- ورملة.
15- و أم هانئ.
16- وأسماء.
17- وفاطمة.
18- وأم القاسم.
19- وزينب.
20- وأم النعمان" .
(13)
و الحاجة إلى معرفة إخوة الشهيد، أكبر من مجرد اقتضاء ترجمة أخيهم، فقد كان حضور آل عقيل في كربلاء مميزاً، وقد اشتهر قول الشاعر:

عين جودي بعبرة وعويل         واندبي إن ندبت آل الرسول
     سبعة كلهم لصلب علـي           قد أصيبوا وتسعـة لعـقيل
(14)

* وفي ترجمة الشهيد مسلم، قال السيد الخوئي:
"مسلم بن عقيل: ابن أبي طالب، من أصحاب الحسن عليه السلام.
رجال الشيخ. وقال ابن داود من القسم الأول : مسلم بن عقيل بن أبي طالب (=عده الشيخ في أصحاب الحسن والحسين عليهما السلام ) انتهى . والظاهر أن ما في نسخته هو الصحيح، فإن كون مسلم بن عقيل من أصحاب الحسين عليه السلام وسفير(ه) إلى أهل الكوفة وأول مستشهد في سبيله أظهر من الشمس، وكيف كان، فجلالة مسلم بن عقيل وعظمته فوق ما تحويه عبارة، فقد كان بصفين في ميمنة أمير المؤمنين عليه السلام مع الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر، ذكره ابن شهراشوب في المناقب : الجزء 3، في حرب صفين . وقال المفيد - قدس سره - ثم كتب ( الحسين عليه السلام ) مع هاني بن هاني وسعيد بن عبدالله وكانا آخر الرسل إلى أهل الكوفة : ".." وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل) "..." وروى الصدوق - قدس سره - عن ".." ابن عباس، قال : قال علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله إنك لتحب عقيلاً ؟ قال : إي والله إني لأحبه حبين، حباً له وحباً لحب أبي طالب له، وإن ولده مقتول في محبة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون. ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى جرت دموعه على صدره، ثم قال : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي". (15)

و لنتذكر من كلامه عليه الرحمة والرضوان، نقطتين نحتاجهما لاحقاً:

1- أن الشهيد مسلماً كان في صفين في ميمنة أمير المؤمنين عليه السلام.
2- أنه لم يصف الرواية هنا بضعف السند كما فعل في ترجمة عقيل المتقدمة.

 

و قال الشيخ المامقاني، في ترجمة الشهيد مسلم:
".. من أصحاب الحسن والحسين عليه السلام، هو سيّد السعداء، وأول الشهداء
(16) وسفير سيد الشهداء عليه السلام إلى أهل الكوفة، وجلالته ممّا لا يفي بها قلم، ولا يحيط بها رقم، وقد روى الصدوق عن ".." ابن عباس : قال علي عليه السلام : يا رسول الله : إنك لتحب عقيلاً، قال : إي والله إني لأحبه حبّين، حباً له وحباً لحب أبي طالب له وإن ولده لمقتول في محبّة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقرّبون، ثمّ بكى رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى جرت دموعه على صدره ثمّ قال : إلى الله أشكو ما تـلـقى عترتي من بعدي، وكان عمره الشريف حين استشهد ثمانية وعشرين سنة، عاش مع أبيه ثمانية عشرة سنة، وبعد أبيه إلى أن قتل عشر سنين، واستشهد في اليوم الثامن أو التاسع من ذي الحجة سنة تسع وخمسين". (17)

و سيتضح أن بعض النقاط الواردة في كلامه رضوان الله عليه، لايساعد عليها الدليل، والعبارة الأخيرة حول تحديد سنة شهادته، هي من سهو القلم.

* وفي المحور الثاني: السِّرب
يجزم المتأمل في سيرة الشهيد مسلم، وبمنتهى اليسر أنه من معدن "أهل البيت" عليهم السلام، وليس كل الطالبيين من هذا المعدن، ولا كل من وقف في المفاصل مع علي وآله عليهم السلام على نسق واحد، هو نسق الحمزة أسد الله وأسد رسوله، وجعفر الطيار ذي الجناحين، إلا أن الشهيد مسلماً من هذا السرب والنسق، وهو ما يتضح بالوقوف عند المرتكزات التالية:

أولاً: ما يجب أن يكون القاعدة الرئيسة التي لابد من الإنطلاق منها للوصول إلى تصور موضوعي ينسجم مع عظمة هذا الشهيد وجلالة قدره، وهي كلمة سيد الشهداء التاريخية في حقه :" ثقتي من أهلي" والتي رواها الشيعة والسنة كما سنرى.

ثانياً: وعند شواهد نادرة أفلتت من قبضة التزوير والتعتيم لتقدم لنا مؤشرات هامة على ملامح من شخصيته العظيمة.
ثالثاً: وعند التفاصيل الوافية حيناً و"المتاحة" أحياناً عن ظروف استشهاده، رضوان الله تعالى عليه.

و سأقف هنا عند المرتكز الأول والثاني تاركاً الحديث عن الثالث إلى موقعه الطبيعي في تسلسل الأحداث.

* أخي وثقتي من أهلي
أجمع عدد من كبار المؤرخين من الفريقين الشيعة والسنة على أن الإمام الحسين عليه السلام وصف الشهيد مسلماً بأنه ابن عمه وأخوه وثقته من أهل بيته، ولا يخفى أن دلالة وصفي "أخي وثقتي من أهل بيتي" على عظيم منزلة هذا الشهيد القائد جديرة بأن تكون القاعدة لكل مقاربة لأبعاد شخصيته المحمدية النوعية.

لذلك سأقف عند مصادرها بشيء من التفصيل، مقتصراً على ذكر العبارة المتعلقة بذلك من رسالة سيد الشهداء عليه السلام كما وردت في هذه المصادر.

قال الشيخ المفيد:
"و إني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ".
(18)
و قال ابن شهرآشوب:
" وأنا باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي ".
(19)
و قال الشيخ الطبرسي:
"و إني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ".
(20)
و قال الطبري:
" وقد بعثت إليكم أخى وابن عمى وثقتي من أهل بيتى ".
(21)
و قال الدينَوَري:
" وإني باعث إليكم بأخي وابن عمي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل".
(22)
و قال ابن قتيبة:
" وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي ".
(23)
و قال ابن خلدون:
" وقد بعثت إليكم ابن عمى وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ".
(24)

* ملامح من شخصية الشهيد
1- من أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله

بالإضافة إلى "أخوة" الإمام الحسين عليه السلام، و"ثقته" وبالإضافة إلى كل ما تأسى فيه الشهيد مسلم بسيد الشهداء عليه السلام، من الغربة والعطش في الكوفة وفي كبد الصحراء، والجهاد والشهادة، فهو يُذكر مع الحسين عليه صلوات الرحمن في عداد "أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله".

و رغم أن شبه الحسنين بجدهما صلى الله عليه وآله مستفيض في المصادر فإني أورد ما ذكره ابن حجر في الإصابة حيث يقول : " ومن حديث ابن سيرين عن أنس قال كان الحسن والحسين أشبههم برسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم".(25)

و أما شبه الشهيد مسلم بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، فقد قال فيه ابن حبان:

"مسلم بن عقيل بن أبى طالب الهاشمي كنيته أبو داود وكان أشبه ولد عبد المطلب بالنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم (26)

و قد أورد ذلك أيضاً ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري، وتحدث مطولاً عمن أشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر "مسلم بن عقيل" في عدة موارد.(27)

2- العالم
ليس كل من يروى عنه علم بعالم، إلا أن من ثبت له من سمو المنزلة بعض ما ثبت للشهيد مسلم، يجدر التوقف عند ما يرد في كتب العلماء من قولهم فيه : سمع منه، أو روى عنه، مع ملاحظة من روى عنه بالواسطة.

قال البخاري: " صفوان بن موهب سمع مسلم بن عقيل، روى عنه عمرو بن دينار وعطاء. (28)
و قال الرازي: " صفوان بن موهب مكي روى عن مسلم بن عقيل ".
(29)
و قال ابن حبان: " أدرك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم روى عنه صفوان بن موهب ".
(30)
ولا ضرورة إلى تأكيد أن قول ابن حبان " أدرك جماعة من أصحاب النبي " ليس تعبيراً دقيقاً، فسيتضح من خلال التحديد التقريبي الوجيه جداً لعمره الشريف أنه أدرك أكثر الصحابة.

3- الزاهد
ليس الزهد إلا حسن الإشتباك بالدنيا، ومقياس الحسن والقبح شرعي، فبما أن أصل الإشتباك لابد منه، فليكن حسناً، ولا حسن اشتباك بالدنيا إلا بتجنب الدخول حتى في ما يجمل اجتنابه وعدم الدخول فيه، وترتبط درجة الزهد بدرجة هذا الإجتناب.

من هنا كان اجتناب المتصدي للمسؤولية العامة تناول شيء ولو يسير من المال العام، يكشف عن درجة متقدمة من الزهد، وكلما كان الثمن الذي يدفعه نتيجة هذا الإجتناب أكثر كانت درجة هذا الزهد أكبر.

و أشير إلى أني لست بصدد تحميل النصوص القليلة في هذا البند " ثالثاً" أكثر مما تحتمل فقد قلت إنها تشير إلى ملامح.

و الإشارة إلى زهد الشهيد يحملها النص الذي يتحدث عن وصيته على أبواب الشهادة حين قال لابن سعد عن مبلغ استدانه في الكوفة، وهو ما تجمع مصادر أساسية على أصله وتفصيله، وإن اختلف بعضها في كيفية التفصيل، فجاء ذلك كما يلي:

في تاريخ الطبري:
 " فقال له إن عليَّ بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عني".
(31)

وفي الأخبار الطوال:
" فقال له : أتقبل وصيتي ؟ قال : نعم . قال مسلم : إن عليَّ هاهنا ديناً، مقدار ألف درهم، فاقض عني".
(32)

وفي الإرشاد:
" فقال له: إن عليَّ بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة سبع مائة درهم، فبع سيفي ودرعي فاقضها عني".
(33)

وفي مقاتل الطالبيين:
" فقال له ابن عقيل: إن عليَّ بالكوفة ديناً استدنته مذ قدمتها تقضيه عني حتى يأتيك من غلتي بالمدينة".
(34)

و لعل أهم إشارتين يحملهما النص بصيَغه الواحدة تقريباً - ماعدا الأخيرة - هما: أن الشهيد لم يتناول شيئاً من المال العام رغم أن ما وصل إليه استدعى تعيين شخص لقبض المال، وشراء السلاح، وهو الشهيد أبو ثمامة الصائدي (35) وأن سيفه ودرعه كانا ملكاً شخصياً لم يبعهما بدل أن يستدين عندما احتاج إلى ذلك بحجة أن في متناوله من السلاح الكثير، وإذا كان سبب استدانته هذا المبلغ هو شراؤه السيف والدرع فالدلالة أبلغ بكثير.

4- العابد
أذكر في هذا السياق أربعة نصوص تحمل إشارات هامة:
الأول: " فلما سمع مسلم صهيل الخيل عجل في دعائه الذي كان مشغولاً به"
(36) وفي إضافة لبعض المحققين: " بعد صلاة الصبح". (37)
الثاني: عندما هجموا عليه في بيت طوعة " كان يقاتلهم وهو يرتجز:

هـو المـوت فاصنع ويك ما أنت صانع       فأنت بكأس المــوت لا شك جـارع
  فـصـبـراً لأمر اللـه جـل جلالــه       فحـكم قضاء الله في الخـلق ذايـع

و هو رجزٌ بوِرد، أو وردٌ رجز، يذكِّر بوِرد عمه المولى أمير المؤمنين عليه السلام عندما لم يبق غيره - وإن قيل : ونفر يسير- ليُحمى به الوطيس يوم بدر: يا هو يا من لا هو إلا هو. وهو ورده أيضاً يوم صفين.(38)

الثالث: عندما أثخن بالجراح وأعطي الأمان - بناء على ثبوت ذلك- ثم لاحت علائم الغدر، قال:

" أين أمانكم إنا لله وإنا إليه راجعون، وبكى. فقال له عمرو بن عبيدالله بن عباس: إن من يطلب مثل الذى تطلب إذا نزل به مثل الذى نزل بك لم يبك.  قال: إني والله ما لنفسي أبكي، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحبَّ لها طرفة عين تلفاً، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إلي! أبكي للحسين وآل الحسين. ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال: يا عبدالله إني أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير، تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسيناً فإني لا أراه إلا قد خرج اليكم اليوم مقبلاً أو هو خارج غداً، هو وأهل بيته. وإنَّ ما ترى من جزعي، لذلك، فيقول: إن ابن عقيل بعثني إليك وهوفي أيدي القوم أسير، لا يرى أن يمسي حتى يقتل وهو يقول إرجع بأهل بيتك".(39)

وروح العبادة لدى التأمل حب الله تعالى، ومحوره ودليله حب رسول الله صلى الله عليه وآله، وجوهره حب الحسين عليه السلام بشكل خاص باعتبار أنه الإمتحان الذي يكشف عن النجاح في حب أهل البيت جميعاً عليهم صلوات الرحمن، وبالتالي في حب المصطفى الحبيب وحب الله تعالى.

الرابع: النص الذي يتحدث عن لحظة صعودهم بالشهيد مسلم إلى أعلى القصر، وهوكما يلي: " فصعد به وهو يكبِّر ويستغفر ويصلي على ملائكة الله ورسله، وهو يقول: أللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا ".

يضيف النص: " نزل الأحمري بكير بن حمران الذى قتل مسلماً فقال له ابن زياد: قتلته؟ قال نعم. قال فما كان يقول وأنتم تصعدون به قال: كان يكبر، ويسبح، ويستغفر، فلما أدنيته لأقتله قال: أللهم احكم بيننا وبين قوم كذبونا وغرونا وخذلونا وقتلونا ". (40)

5- القائد الجهادي
يأتي الحديث بالتفصيل عن مواجهته البطولية النادرة حين أحيط به في الكوفة، إلا أن ما أريد الإشارة إليه من التذكير بهذه المواجهة أنها تكشف عن فارس صقلته التجارب، فأين كانت هذه التجارب، وما هي ميادينها؟

و هو سؤال شديد الحساسية لأن الجواب عليه سوف يلقي بضوئه على تحديد تقريبي لعمره الشريف، وبالتالي على مجمل أبعاد شخصية الشهيد مسلم رضوان الله تعالى عليه.

إن كان قد شارك في صفين، واكتسب منها بعض تلك التجارب التي ظهرت جلية في مواجهته الميدانية في الكوفة، بحيث إن أحد قادة الحملة ضده عبِّر عنه بأنه "سيف من أسياف محمد بن عبدالله" أو بما يلتقي معه، كما سيأتي.(41)

وإن كان قد شارك في حروب الفتح، فالتجربة أطول مكابدة، وأصلب عوداً.

والحديث هنا عن مشاركته في صفين، ويأتي تحت عنوان في حروب الفتح ما يتعلق بذلك.

في معرض حديثه عن حرب صفين، قال ابن شهراشوب:

فلما استهل صفر سنة سبع وثلاثين ".." عبأ {علي عليه السلام} عسكره فجعل على ميمنته: الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر ومسلم بن عقيل، وعلى ميسرته: محمد بن الحنفية، ومحمد بن أبي بكر، وهاشم بن عتبة المرقال، وعلى القلب: عبدالله بن العباس، والعباس بن ربيعة بن الحارث، والأشتر، والأشعث، وعلى الجناح: سعد بن قيس الهمداني، وعبدالله بن بُدَيل بن ورقاء الخزاعي، ورفاعة بن شداد البجلي، وعدي بن حاتم، وعلى الكمين: عمار بن ياسر، وعمرو بن الحمق وعامر بن واثلة الكناني، وقبيصة بن جابر الأسدي.(42)

و يكفي لإثبات أهمية هذا النص أن الذي أورده هو العالم الجليل الإمام الحافظ ابن شهراشوب الذي هوفي عداد كبار علمائنا الأجلاء.(43) وقد مر استشهاد السيد الخوئي بهذا النص نقلاً عنه، كما استشهد به عدد من المحققين.
و بعد أن أورد السيد المقرم هذا النص عقّب قائلاً:
"و من المعلوم أن من يجعله أميرالمؤمنين في صف أولاد عمّيه البالغين نحواً من خمس وثلاين سنة لابد وأن يقاربهم في السن كما قرن بين ابن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وهما متقاربان في السن، فإن محمد بن الحنفية ولد سنة 16 وله يوم صفين إحدى وعشرون سنة، ومحمد بن أبي بكر ولد عام حجة الوداع بذي الحليفة أو بالشجرة حين توجه رسول الله للحج، وقتل سنة 38 وله يوم صفين 27 سنة، وحينئذ لا أقل أن يقدر عمر مسلم بن عقيل ( عند مشاركته في صفين) بالثلاثين أو الثمان وعشرين وتكون ولادته إما سنة سبع أو تسع وله يوم شهادته أكثر من خمسين سنة، وعلى هذا التقدير في ولادته أين ولاية معاوية في الشام وأين مسير عقيل اليه، بل أين إسلام معاوية؟ فإنه أسلم بعد سنة تسع قبل وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بأشهر" .
(44)

و ما ينبغي تصحيحه في هدي حضور الشهيد مسلم في صفين ومشاركته القيادية فيها، هو التالي:

أولاً: ما تقدم عن الشيخ المامقاني، ولعله المركوز في الأذهان، من أن الشهيد كان شاباً، واستشهد في الثامنة والعشرين، فبالرغم من أن العمر بالنسبة للإستثنائيين من الناس لايقع ضمن مقو مات الشخصية - وليس من يصفه سيد الشهداء عليه السلام بأخيه، وثقته من أهل بيته إلا في طليعة الإستثنائيين – إلا أن الصحيح أنه رضوان الله تعالى عليه كان عند شهادته في الخمسينات أو على مشارفها، على أقل تقدير، وسيأتي في الحديث عن ولديه الشهيدين في كربلاء، وولديه الآخرين الشهيدين في سياقها، مزيد تأكيد لذلك.

ثانياً: سحب خرافة شراء معاوية لعقيل الجارية التي ولدت مسلماً، من التداول، حيث أنها متفرعة على ما يحكى من وفود عقيل على معاوية بعد أن تسلل إلى الحكم، ولم يتحقق له ذلك إلا بعد صفين، وقد كان الشهيد مسلم من قادة مواجهته فيها، فكيف يتداول بما يتحدث عن ولادته بعد سنين.

ثالثاً: إعادة النظر في كل مقاربة تحليلية لأحداث توجه الشهيد مسلم إلى الكوفة وما جرى معه فيها، من منطلق أننا أمام شاب تنقصه التجربة، فلا ينسجم ذلك مع شخصية ثقة الحسين وأخيه - بصرف النظر عن العمر كما سبقت الإشارة - وليس ذلك صحيحاً في حد ذاته.

و لعل من المفيد الإلفات إلى أن مراد السيد المقرم من أن معاوية " أسلم بعد سنة تسع".. " بأشهر" أنه " تظاهر بالإسلام" قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بأشهر، حددها غيره بخمسة، فالحق أن معاوية وزمرته لم يسلموا أبداً، وقد أخبر بذلك سيد الأوصياء ونفس رسول الله صلى الله عليه وآله بنص القرآن الكريم حين قال في صفين، عن معاوية وابن العاص وأضرابهما: " والذى فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أسلموا ولكنهم استسلموا وأسرُّوا الكفر، فلما وجدوا عليه أعواناً أظهروه ."(45)

وفي ذلك اليوم قال الصحابي الجليل الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بحسن العاقبة:" يا أهل الشام، أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين . فلما أراد الله أن يظهر دينه، وينصر رسوله أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله فأسلم، وهو والله فيما يرى راهب غير راغب. ثم قبض الله رسوله، وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم، ومودة المجرم! ألا وإنه معاوية، فقاتلوه والعنوه، فإنه ممن يطفيء نور الله ويظاهر أعداء الله ".(46)

6- والد الشهداء الأربعة
بحسب أكثر المؤرخين
(47) فإن الشهيد صاهر عمه أمير المؤمنين عليه السلام مرة، وقد استشهد اثنان من أولاده مع سيد الشهداء في كربلاء، وبحسب بعض المؤرخين، فقد صاهر الشهيد عمه مرتين، واستشهد من أولاده أربعة اثنان منهم في كربلاء، واثنان بعدها وتبدأ قصة استشهادهما عند الهجوم على معسكر سيد الشهداء بعد شهادته عليه صلوات الرحمن .

قال السيد المقرم:
تزوج مسلم ـ عليه السلام ـ رقية بنت أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فولدت له عبدالله وعلياً، و(من أولاده) محمد من أم ولد، وأما مسلم وعبدالعزيز فلم يعيّن ابن قتيبة أمهما، وله بنت اسمها حميدة أمها أم كلثوم الصغرى بنت أمير المؤمنين، وحيث لا يصح الجمع بن الأختين فلابد من فراق إحداهما أو موتها، وتزوج حميدة ابن عمها وابن خالتها عبدالله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وأمه زينب الصغرى بنت أميرالمؤمنين ".." وولدت حميدة محمداً، أعقب من خمسة القاسم وعقيل وعلي وطاهر وإبراهيم.

" فأولاد مسلم الذكور خمسة: عبدالله ومحمد استشهدا يوم الطف، واثنان قتلا بالكوفة، ولم نقف على شيء من أمر الخامس.

" وكان من حديث المقتولين بالكوفة ما يحدث به الشيخ الصدوق عن رجاله قال : أسر طفلان من عسكر الحسين، فجيء بهما الى ابن زياد، فدفعهما الى رجل، وأوصاه الخ".(48)

و قال البلاذري:
و ولد مسلم بن عقيل عبدالله وعليا، أمهما رقية بنت علي بن أبي طالب – ومسلم بن مسلم - أمه من بني عامر بن صعصعة – وعبدالله لأم ولد – ومحمداً .
(49)
 و قال البغدادي:
وصاهره مسلم بن عقيل مرة أخرى تزوج رقية الصغرى بنت علي.
(50)
و قال الذهبي:
" وقتل مع الحسين، ابن أخيه القاسم بن الحسن، وعبدالله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب".
(51)

و نخرج مما تقدم بنتيجتين:
1-
النتيجة الأبرز وهي أن الشهيد صهر أمير المؤمنين عليه السلام، وأن اثنين من أولاده في عداد شهداء كربلاء.

و ينبغي التنبه إلى أن المؤرخين قد تحدثوا عمن استشهد بين يدي الإمام الحسين عليه السلام وكان في مقتبل العمر، ولم يذكر أحد منهم ذلك حول أحد من الشهداء العقيليين، وهو يكشف أن الشهيدين ابني الشهيد مسلم كانا في عداد "الرجال" ولايدل ذلك على أقل من العشرين ونيف، وهي نقطة لابد من الوقوف عندها في التحديد التقريبي لعمر الشهيد مسلم رضوان الله تعالى عليه.

2- والنتيجة الثانية بدرجة تالية أن الشهيد قد صاهر عمه عليه السلام مرتين، وأن الشهداء من أولاده، أربعة، اثنان في ساحة المواجهة، وفتيان صغيران قتلهما من طمع بجائزة ابن زياد، بعد فرارهما بتسهيل من السجان، وقد أورد الشيخ الصدوق قصتهما مسندة في أماليه.(52)

و لايؤثر الإقتصار على النتيجة بمستواها الأبرز على الإستنتاج التقريبي لعمر الشهيد، كما أنه يضيف عنصراً آخر في أبعاد شخصية هذا الشهيد الجليل، وهو أنه والد شهيدين، والراجح في ضوء أن الشيخ الصدوق هو الذي تحدث عن الشهيدين الآخرين من أبنائه أن الشهيد مسلماً هو والد الشهداء الأربعة.

وفي المحور الرابع: حروب الفتح
يعتمد جميع من تحدثوا عن مشاركة الشهيد مسلم في حروب الفتح على ما ورد في كتاب فتوح الشام المنسوب إلى الواقدي، ولعل أول من أشار إلى ذلك في ما بين يدي هو آية الله الكمره إي
(53)

و يستدعي بيان هذه المشاركة الوقوف في ثلاث محطات:
الأولى: الواقدي و"فتوح الشام".؟
الثانية: قيمة نصوص " فتوح الشام ".
الثالثة: استعراض أهم ما يرتبط منها بالشهيد مسلم بن عقيل.

* الواقدي و" فتوح الشام" ؟
يتحدث هذا الكتاب كما هو واضح من اسمه عن فتوح الشام، إلا أن فيه ملحقاً حول فتوح مصر، وهو محل الشاهد حيث وردت فيه تفاصيل وافية في أماكن متعددة عن دور رئيس ومتقدم للشهيد مسلم بن عقيل في هذه الفتوح، بالإضافة إلى نص يتحدث عن تعيينه عاملاً على إحدى المناطق المصرية كما سيأتي.

و ينسب هذا الكتاب إلى الواقدي، مؤرخ المغازي الشهير والذي يُعتبر ابن سعد صاحب الطبقات امتداداً له، بل قال فيه ابن النديم: إنه " ألف كتبه من تصنيفات الواقدي". (54)

قال ابن سعد:
محمد بن عمر بن واقد ويكنى أبا عبدالله الواقدي مولى لبني سهم من "أسلم"، وكان قد تحول من المدينة فنزل بغداد، وولي القضاء لعبدالله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي أربع سنين، وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه، وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدث بها".
(55) " وتوفي وهو على القضاء في ذي الحجة سنة سبع ومائتين وصلى عليه محمد بن سماعه التميمي وهو يومئذ على القضاء ببغداد في الجانب الغربي، وأوصى محمد بن عمر إلى عبدالله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه، وكان لمحمد بن عمر يوم مات ثمان وسبعون سنة قال محمد بن سعد أخبرني أنه ولد في أول سنة ثلاثين ومائة".(56)

* وقد تراوحت كلمات العلماء في الواقدي بين المدح والذم المفرطين، وبين من يقبل ما أورده في المغازي ويرد عليه مارواه من الحديث.(57)

 ولعل أبلغ ما يلخص الإختلاف حوله قول" الشاذكوني": إما أن يكون أصدق الناس وإما أن يكون أكذب الناس ".(58) و لكن المحصلة التي لا يختلف فيها هي أن الواقدي مصدر رئيس في المغازي بل هو مع امتداده ابن سعد " مدرسة " تفرض حضورها في الكثير من أمهات المصادر.

و يطعن المحدِّثون على الواقدي من الناحية المنهجية بأمرين:

1- " شيء اتبعه ابن سعد تلميذه أيضا وهو جمع أسانيد كثيرة وإيراد متن واحد لها، وإدخال حديث الرجال بعضهم في بعض، مبتغياً الإيجاز إذا كثرت الروايات وتشابهت".(59)

2- "وروايته للشعر وبخاصة في السيرة" والإكثار منه في المغازي.(60)

و أعتقد أن ما تمس الحاجة إليه في ما أنا بصدده لا يتعدى حدود ما تقدم، فيكفي لتكوين فكرة عمّن ينسب إليه كتاب "فتوح الشام" أن نعرف موقعه وشيئاً عن منهجه بصورة مجملة.

* المحطة الثانية: قيمة نصوص "فتوح الشام".
لا يمكن اعتماد نصوص هذا الكتاب، ولا يمكن نفي نسبته مطلقاً إلى الواقدي، بل يمكن نفي نسبته إليه بصيغته الحالية، وهو ما يعني بوضوح احتمالاً جاداً حول أن الكتاب في الأصل للواقدي، إلا أن "حكواتياً" سليط اللسان أضاف إليه من عنده الكثير.

يؤكد عدم الإعتماد على نصوصه بالمطلق أمور أهمها:

1- التهافت البيِّن في مصادره فهو ينقل عمن تأخرت ولادته عن الواقدي بقرون، كما ينقل عن الواقدي نفسه في عداد سائر المصادر.
2- الأسلوب الأسطوري على غرار قصص الزير أبي ليلى المهلهل.
3- أن أكثر ما ورد فيه - حول فتوح مصر- لا عين له في سائر المصادر ولا أثر.

* ويلح بالإعراض عنه على حسرة، وتزايد احتمال أن يكون لهذا الكتاب أصل لعبت به يد الجهل والتحريف، أمور أهمها:

1- أطلال متانة في الفكرة والنص، لا تملك حيالها الجزم بأنه لا يؤبه به.
و أشير هنا إلى أن بين يديَّ صورة مخطوطة يدعى أنها لمقتل أبي مخنف
(61) تشبه إلى حد كبير الأسلوب المعتمد في "فتوح الشام" حيث ينقلك من قوة الصورة والسبك، وجزالة اللفظ، إلى هزال الفكرة والصياغة وضحالة التعبير.

2- أن محوره فتوح فرعية تندرج تحت عنوان "فتوح مصر" مما يعني أن سكوت الآخرين عما ورد فيه لا يحتم عدم وجود موضوعه، وعدم وقوع أحداثه بما يمكن أن يكون مضمونه - في الأصل- صورة عنها، خصوصاً مع وجود الحديث في المصادر عما يصلح أن يكون كليات تصدى لتفصيلها هذا النص المنسوب للواقدي.(62)

3- استبعاد - غير جازم - لاحتمال أن يكون كل ما فيه - خصوصاً حول الشهيد مسلم وسائر غير العباسيين- مختلقاً، وذلك لأن دواعي الإختلاق المتوفرة آنذاك كانت تستدعي الإختلاق حول العباسيين لا العقيليين وأمثالهم من بني هاشم.

4- و مما يلح على الباحث بعدم تجاوز هذه النصوص أن من الثابت أن الشهيد مسلم بن عقيل كان على ميمنة أمير المؤمنين عليه السلام في صفين، ومن المستبعد أن يوكل لشخص مثل هذه المهمة النوعية دون أن تكون له من قبل مشاركات جهادية تؤهله لذلك، كما أن من الثابت أن قيادته للجيش في الكوفة ومحاصرة قصر الإمارة، ثم نوعية مواجهته للذين حاصروه على كثرتهم، كل ذلك يكشف أننا بين يدي من عرك التجارب العسكرية وعركته، وعندما نجد مثل هذا الحديث عن مشاركته في الفتح، فكأننا أمام حلقة مفقودة تم الكشف عنها. والله العالم.

و النتيجة النهائية هي كما تقدمت الإشارة عدم اعتماد نصوص "فتوح الشام" وحصر التعاطي معها في دائرة الإطلاع والإستئناس بها احتمالاً لا يمكن إثباته ولكن لا يجمل أبداً تجاوزه، فلعل عدم التجاوز هذا يؤدي في النتيجة إلى توفر دليل عليه بتراكم أبحاث المعنيين.

ولكن لابد من التنبه إلى أن ما يتعلق بفتح مصر في " فتوح الشام" لا ينسجم مع اسم الكتاب، ولعله ألحق به لما ورد فيه من الإهتمام بفتح استشهد فيه عدد كبير من الصحابة كما يدل عليه قوله: "و خرج خالد بمن معه الى الصعيد ولم يزل يفتح مدينة بعد مدينة الى آخر الصعيد الى عدن وسواكن، وليس مقصدنا في هذا الكتاب الا فتوح "البهنسا" خاصة التي عليها مدار فضائل السادة الشهداء لأن بتربتها خمسة آلاف صحابي، وحضر فتح البهنسا نحو سبعين بدرياً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم، وفي زيارتها تعظم الأجور، وقد زارها جماعة من العراق مثل بشر الحافي وسري السقطي ومالك بن دينار وسحنون، وزارها من أقصى المغرب أبو مدين وشعيب وأبو الحجاج وأبو عبدالله وزارها الفضيل بن عياض".(63)

* المحطة الثالثة: استعراض أهم ما في نصوص " فتوح الشام" حول الشهيد مسلم بن عقيل .

و يتم هذا الإستعراض باختصار، وعلى قاعدة ما تقدم، وذلك ضمن نقاط:
1- تقع المنطقة التي يتحدث عنها الكتاب متفرداً بنصوص مشاركة الشهيد مسلم في فتحها والولاية عليها كما سيأتي، في منطقة " المِنْيا " في الصعيد وهي إحدى محافظات مصر الست والعشرين بحسب التقسيم الجغرافي الحالي لمصر ومازالت هذه المنطقة التي كانت – بحسب فتوح الشام – مسرحاً لمواجهات حاسمة في أيام الفتح تحتفظ باسمها القديم "البهنسا"
(64)

2- يتحدث عن استشارة عمرو بن العاص من معه في ما ينبغي فعله بعد فتح قسم من مصر - كما هي الآن - وكتب بذلك إلى عمر فجاءه الجواب ومما كان فيه :" وأنَّ بمصر مدينتين كما بلغني إحداهما يقال لها أهناس، قريبة من مصر، والثانية يقال لها البهنسا أمنع وأحصن".." فلا تقربوا الصعيد حتى تفتحوا هاتين المدينتين".(65)

3- يُعنوِن الكتاب الحديث عن هذه الفتوح ويذكر بعض كبار من حضرها فيقول:

" ذكر فتح البهنسا وما فيه من الفضائل وما وقع فيه للصحابة رضي الله عنهم. قالت الرواة بأسانيد صحيحة عمن حضر الفتح من أصحاب السير والتواريخ مثل الواقدي وأبي جعفر الطبراني وابن خلكان في تاريخ البداية والنهاية ومحمد بن اسحاق وابن هشام وكل منهم دخل حديثه الآخر لما في ذلك من اختلاف الرواة ممن حضر الفتوحات وشاهد الوقعات من الصحابة رضي الله عنهم قالوا وحضر ذلك معظم الصحابة وكبراؤهم مثل عبدالله بن عمرو بن العاص أمير الجيوش على مصر وأخيه محمد وخالد بن الوليد وابنه سليمان وقيس بن هبيرة المرادي والمقداد بن الأسود الكندي وميسرة بن مسروق العبسي والزبير بن العوام الأسدي وابنه عبدالله وضرار بن الأزور ومن بني عم النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مثل الفضل بن العباس وجعفر بن عقيل ومسلم بن عقيل وعبدالله بن جعفر". (66)

4- جمع ابن العاص الجيش الإسلامي للتوجه إلى هاتين المدينتين، وأخذ يختار القادة واحداً بعد الآخر ويدفع لكل منهم رايته ويؤمره على خمسمائة فارس وفي هذا السياق يرد قوله: "استدعى من بعده جعفر بن عقيل وأمره على خمسمائة فارس".(67) وهو أخو الشهيد مسلم، ثم قال: " ثم استدعى من بعده أخاه الفضل وأمره على خمسمائة فارس وسلمه الراية "(68). وهو أيضاً – بناء على هذا النص- أخو الشهيد مسلم؟ الذي لا يذكر هنا بالإسم حيث لم يذكر جميع القادة، بل ذكر عدداً منهم بدليل قوله: " ومثل هؤلاء السادات رضي الله عنهم وقد اقتصرنا في أشعارهم خوف الإطالة وكل واحد يسلمه راية ويؤمره على خمسمائة فارس". (69)

5- ويتحدث عن حصار الجيش الإسلامي لمدينة "البهنسا" فيقول:
و كان المسلمون لا يظهرون فيهم لكثرتهم ولا يعرف بعضهم بعضا الا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير، وقد صبر الفضل صبر الكرام، فللّه در الفضل لقد اصطلى الحرب بنفسه، فكان تارة يقلب الميمنة على الميسرة، وتارة يقلب الميسرة على الميمنة، ويقاتل والراية بيده، ولله در مسلم بن عقيل وأخويه لقد قاتلوا حتى صارت الدماء على دروعهم كقطع أكباد الابل".
(70)

6- إلى أن يتحدث عن تنصيب الشهيد مسلم بن عقيل أميراً على تلك المنطقة فيقول:

وأما خالد ".. " فإنه بعد شهر ترك أناساً من الصحابة بأرض البهنسا من جميع القبائل وخرج بألفي فارس الى أرض الصعيد وكانت القبائل من بني هاشم وبني المطلب وبني مخزوم وبني زهرة وبني نزار وبني جهينة وبني مزينة وبني غفار والأوس والخزرج ومذحج وفهر وطي وخزاعة وكان الأمير عليهم مسلم بن عقيل وأحاطوا بالمساكن وجعلوا بالمدينة أسواقا وشوارع وسكن أكثر الصحابة في جانب البحر اليوسفي وخلوا (كذا) من الآخر الى الجانب الغربي شارعاً واحداً لاجل أن تسبح دوابهم في البحر وأقام مسلم بن عقيل والياً عليها إلى خلافة عثمان بن عفان "، " فتولى محمد بن جعفر بن أبي طالب بعده ومضى مسلم وترك أولاده وإخوته بها ولم يزل في المدينة حتى قتل في خلافة الحسن(كذا) في الكوفة رضي الله عنه". (71)

و ثمة نصوص غيرها إلا أني أقتصرعلى ما تقدم، وهو يدل بوضوح على عدم إمكان تجاوز ما ورد في كتاب "فتوح الشام" وإن كان لا يمكن البناء عليه.

الفهارس


(1) إبن حبان، الثقاة 5/391. وانظر: البخاري، التاريخ الكبير7/266 بلسان أبي هريرة.
(2) انظر: الدينوري، الأخبار الطوال 230.
(3) الإربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح (الوفاة 963هـ) كشف الغمة في معرفة الأئمة 2/235 (ط: مطبعة النجف، النجف الأشرف،1385هج)
(4) انظر: المسعودي، مروج الذهب3/54.
(5) الطبري4/281.
(6) الخوارزمي 325-326.
(7) المسعودي، مروج الذهب3/60.(م.م). والشيخ المفيد، الإرشاد 219. و انظر: الطبري4/286.
(8) أنظر: الشيخ الصدوق، الخصال: باب الثلاثة، ثلاثة إخوة بين كل واحد منهم وبين الذي يليه عشر سنين.
(9) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث12/174.
(10) البروجردي، السيد علي،طرائف المقال2/100.
(11) المقرم، السيد عبد الرزاق الموسوي، الشهيد مسلم بن عقيل34(حسب نسخة مؤسسة البعثة، المنشورة في موقع hawzah.net ).
(12) أنظر: ميرزا خليل كمره إي، عنصر شجاعت يافداكاري هفتاد ودو تن ويك تن (فارسي) ج4/61-63(نسخة مصورة عن نسخة مكتبة السيد المرعشي النجفي بقم. الرقم 11544). وانظر: المقرم، الشهيد مسلم بن عقيل 36-48 بحسب نسخة ( rafed.net ).
(13) أنظر:محمد بن سعد،الطبقات الكبرى 4/42-43. و قد أورد الفارق بين سن كل من أولاد أبي طالب رضوان الله عليه كما تقدم من السيد الخوئي، وكذلك أورده ابن قتيبة في المعارف/203.
(14) إبن قتيبة (أبي محمد عبدالله بن مسلم،213-276 هج) المعارف/204 (ط:دار المعارف بمصر،الطبعة الثانية). وبرواية البلاذري: وستة لعقيل، قال" وروي: وخمسة لعقيل". أنساب الأشراف 70.
(15) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 19/ 165-166.و قد ذكر مصدر رواية الشيخ الصدوق، الأمالي،المجلس ( 27 ) الحديث ( 3 ) . وتجدها في ط:مؤسسة الأعلمي، ص111،كماتجد الرواية أيضاً في البحار44/287-288.
(16) الشهيد مسلم أول الشهداء في الكوفة، ويأتي أن أول شهداء كربلاء، هو رسول الإمام إلى البصرة.
(17) المامقاني(آية الله الشيخ عبدالله) تنقيح المقال 3/212 (ط:المطبعة المرتضوية،النجف،1352هج).
(18) الشيخ المفيد، الإرشاد2/39 وقد أورده نقلاً عنه: المجلسي، البحار44/334 والبحراني، العوالم: الإمام الحسين عليه السلام84. والسيد الخوئي19/165-166.
(19) إبن شهرآشوب، مناقب آل ابي طالب3/242.
(20) الشيخ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى1/ 436 .
(21) الطبري4/261.
(22) الدينوري، الأخبار الطوال230.
(23) إبن قتيبة، الامامة والسياسة، تحقيق الشيري 2/ 8 .
(24) إبن خلدون، تاريخ ابن خلدون3/22.
(25) ابن حجر، الإصابة2:69.
(26) إبن حبان، الثقاة 5/391.
(27) إبن حجر، فتح الباري7/74-77 و390.
(28) البخاري، التاريخ الكبير4/307، وانظر:7/266.
(29) الرازي، الجرح والتعديل 4 / 423. و8 /190.
(30) إبن حبان، الثقاة 5/391.
(31) الطبري4 / .282
(32) الدينوري، الأخبار الطوال241.
(33) الشيخ المفيد، الإرشاد2/61. ونقلاً عنه: المجلسي، البحار44/356.
(34) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين67.
(35) الشيخ المفيد، الإرشاد2/46. ونقلاً عنه: المجلسي، البحار44/342 والسيد بحر العلوم، الفوائد الرجالية4/20. والطبري4/271.
(36) المحدث القمي(الشيخ عباس) نفس المهموم108. ( ط: الخيام. ن: مكتبة بصيرتي، قم 1405). نقلاً عن : كامل البهائي 2/275. وقد أورده نقلاً عن نفس المهموم: السيد المقرم، مقتل الحسين أو حديث كريلاء 158(ط:دار الكتاب الإسلامي، بيروت1399هـ1997م). وفي مقدمة نفس المهموم، قال المحدث القمي: الكامل البهائي في السقيفة، للشيخ العالم الماهر الفقيه المطلع الخبير الجليل المحدث النبيل، عماد الدين الحسن بن علي بن محمد الطبري، المعاصر للمحقق والعلامة، رفع الله مقامه، ألفه لبهاء الدين محمد بن شمس الجويني المشهور بصاحب ديوان، وفرغ منه سنة 675.
(37) المقرم 158.
(38) الشيخ ابن فهد الحلي، عدة الداعي263.
(39) الطبري، 4/280.
(40) الطبري4/281-182. وقد ورد في المصدر في كلام الشهيد " وأذلونا" وهو تصحيف " خذلونا" بقرينة آخر النص وقرائن الحال.
(41) إبن أعثم (الوفاة 314هجرية) الفتوح5/53ت: الشيري،ط: دار الأضواء، بيروت، أولى1411-1991م). وعنه: الخوازمي(الوفاة586هجرية) مقتل الحسين301 (ت: الشيخ محمد السماوي. ط: أنوار الهدى، بيروت. أولى1418). وابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب3/244. وليلاحظ أن اللفظ الوارد في المتن قد نقله السيد المقرم في مقتل الحسين 159عن المنتخب للطريحي، الليلة العاشرة، ويأتي مزيد إيضاح في الحديث عن " المواجهة".
(42) إبن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب2/ 352.
(43) انظر بعض أقوال العلماء فيه، في مقدمة كتابه "معالم العلماء". وقد قال فيه السيد المقرم: "ابن شهراشوب الحافظ الثبت الثقة بنص الفريقين من الشيعة والسنة ". ثم أشار إلى ترجمته في المصادر التالية: "بغية الوعاة للسيوطي ص77، ولسان الميزان لابن حجر ج5 ص310، وطبقات المفسرين لشمس الدين محمد بن علي المالكي، والبلغة للفيروز آبادي، والوافي بالوفيات للصفدي، ومن علماء الشيعة أثنى عليه العلامة الحلي في الخلاصة، وميرزا محمد في منهج المقال، أبوعلي الحائري في منتهى المقال، والتفريشي في نقد الرجال، والأغا البهباني في التعليقة، والحر العاملي في أمل الآمل، والسيد في روضات الجنات". الشهيد مسلم بن عقيل41. (من المتن والهامش). وقد أوضح ابن شهرآشوب في مقدمة كتابه مناقب آل أبي طالب طريقته في التأليف وهي تكشف عن عالم ثبت متبحر أحاط بأسناد كتب الفريقين، وقد أورد طرقه إلى جميع الكتب المعروفة والمؤلفين اللأبرز من السنة والشيعة، وقال:" فاستصوبت من عيون كتب العامة والخاصة معاً لأنه إذا اتفق المتضادان في النقل على خبر فالخبر حاكم عليهما، وشاهد للمحق في اعتقاده منهما
". كما أنه رضوان الله تعالى عليه قد اعتنى بالأسانيد عناية خاصة وإن لم يوردها، مكتفياً بما يدل عليها، وقال في ذلك: " وحذفت أسانيدها لشهرتها، وأشرت إلى رواتها وطرقها والكتب المنتزعة منها لتخرج بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات". انظر: مقدمة المناقب.

(44) المقرم (السيد عبد الرزاق الموسوي) الشهيد مسلم بن عقيل41 (بحسب نسخة صفحة rafed.net). وانظر: النمازي، ( الشيخ علي) مستدرك سفينة البحار5/137-139 فقد أورد مايقرب من كلام السيد المقرم.
(45) إبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 4/31.
(46) المصدر30.
(47) لا يتبنى ذلك بعضهم. انظر: العصفري، تاريخ خليفة بن خياط179.
(48) المقرم، الشهيد مسلم بن عقيل157. وحول أن لمسلم بنتا اسمها حميدة يقول ابن ماكولا: " ومحمد بن عبدالله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، فيه العقب، أمه حميدة بنت مسلم بن عقيل بن أبي طالب ". إكمال الكمال 6/ 235.
(49) البلاذري، أنساب الأشراف70-71.
(50) البغدادي ( محمد بن حبيب) المحبر 56 .
(51) الذهبي، سيَر أعلام النبلاء 3/320.
(52) الشيخ الصدوق، الأمالي144. وعنه المحدث القمي، نفس المهموم(ن: بصيرتي) 156.
(53) انظر:ميرزا خليل كمره إي،عنصر شجاعت يافداكاري هفتاد ودو تن ويك تن (فارسي) ج4/ القسم الأول" مسلم بن عقيل وأسرار الكوفة، العاصمة العاصفة97-106. (نسخة مصورة عن نسخة مكتبة السيد المرعشي النجفي بقم).
(54) مقدمة تحقيق الطبقات الكبرى لابن سعد 1/10.
(55) محمد بن سعد،الطبقات الكبرى5/425.
(56) المصدر433.
(57) انظر: النجاشي، رجال النجاشي14. وأحمد بن حنبل، العلل 3/264.والبخاري، التاريخ الكبير1/178. والبخاري، الضعفاء الصغير109. والنسائي، كتاب الضعفاء والمتروكين233. والعقيلي، ضعفاء العقيلي4/108. وابن حبان، كتاب المجروحين2/290 وأبو نعيم الأصبهاني، كتاب الضعفاء146.والخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 3/213-221. ومقدمة التحقيق للطبقات الكبرى لابن سعد 1/11-14 ومما جاء فيها :"كان موثقا عند فريق كبيرمن المحدثين فكان ابن سلام الجمحي يقول : " محمد بن عمر الواقدي عالم دهره " وكان الامام مالك يسأله إذا أشكل عليه أمر، وقال فيه الدراوردي " ذلك أمير المؤمنين في الحديث " وقال مصعب الزبيري " والله ما رأينا مثله قط "، إلى غير ذلك من شهادات الائمة الأعلام فيه . " على أن اعتماد مغازي موسى بن عقبة وابن إسحاق وأبي معشر ورواة الواقدي من المدنيين حقيقة هامة يمكن أن نرى فيها ما يسمى " مدرسة المدينة " في السيرة، وهذه المدرسة التي انتقل مركز الثقل فيها من المدينة إلى بغداد بانتقال ابن إسحاق وأبي معشر والواقدي، ثم انضم إليها ابن سعد نفسه بدراسته على الواقدي، قد عملت في ظل الخلافة العباسية، وكان بعض أفرادها ينتمون إلى العباسيين بالولاء كأبي معشر وابن سعد، وكان بعضهم يجد الحظوة التامة لدى العباسيين كابن إسحاق والواقدي. وقد كان الواقدي ذا إحساس عميق بمهمة المؤرخ وواجبه وحدوده، وحسبنا شاهداً على ذلك أنه عند تأريخه المغازي لم يترك موضعاً حدثت فيه غزاة إلا كان يذهب لمعاينته، وقد شهد بعضهم أنه رآه وهو ذاهب إلى حنين ليرى موضع الوقعة.
 ومما جاء في ذمه "كذاب" وعن علي بن المديني: الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ولا أرضاه في الحديث ضعيف ولا في الأنساب ولا في شيء". ضعفاء العقيلي352.

(58) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 3/220.
(59) أ. إحسان عباس، مقدمة الطبقات الكبرى 1/11.
(60) المصدر14 بتصرف.
(61) تكرم بإعطائي هذه النسخة الأخ المحقق الحاج حامد الخفاف، وهي عن نسخة "معهد إحياء المخطوطات العربية" f 233 رقم الفيلم 12 باسم: مقتل الحسين، برواية أبي مخنف.
(62) انظر: البلاذري، فتوح البلدان1/254.
(63) الواقدي؟ فتوح الشام 2/308-309. نسخة برنامج "مكتبة التاريخ والحضارة" الإصدار1.5 الخطيب للتسويق والبرامج url www.turath.com
(64) انظر: محافظات مصر- عالم سمسم على موقع: www geocities.com وموقع: www tourism.egnet.net وفي أخبار الزمان للمسعودي205 أن" البهنسا" بنيت في زمن الملك " أشمون" قال:" وفي زمانه بنيت البهنسا، وأقام بها مطراناً، وجعل فوقها مجلساً من زجاج أصفر وعليه قبة مذهبة، وكانت الشمس إذا طلعت ألقت شعاعها على المدينة".
(65) المصدر2/222.
(66) الواقدي؟ فتوح الشام1/5
(67) المصدر225. والشهيد جعفر بن عقيل من شهداء كربلاء بين يدي سيد الشهداء عليه السلام. انظر: القاضي النعمان، شرح الأخبار 2/328 وابن شهرآشوب، المناقب 3/245
(68) المصدر226. ولم أجد اسم الفضل بين أسماء إخوة الشهيد مسلم.
(69) المصدر 227.
(70) المصدر232-233.
(71) المصدر2/308