رؤية المهدي المنتظر
 المحور الأول: المهدي.. ملامح عامة



21

 ملامح عامة:
هو الإمام الثاني عشر من أئمة آل محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

قال الشيخ ابن عربي في الفتوحات المكية:
"أبوه الإمام الحسن العسكري، بن الإمام علي الهادي، بن الإمام محمد الجواد، بن الإمام علي بن موسى الرضا، بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم، بن الإمام جعفر بن محمد الصادق، بن الإمام محمد بن علي الباقر، بن الإمام علي بن الحسين السجاد، بن الإمام الحسين بن علي الشهيد، بن الإمام أمير المؤمنين ووليهم، أبي الحسن المرتضى علي بن أبي طالب، عليهم جميعاً صلوات الله سبحانه".
(1)

22

* ذكرت لأمه – رضوان الله عليها – عدة أسماء أشهرها "نرجس" والظاهر أن السبب في تعدد أسمائها أمنيّ .(2)

وهي حفيدة "قيصر" ملك الروم, وينتهي نسب أمها إلى "شمعون" وصي المسيح عليه السلام .(3) وقد ذكر الشيخ الصدوق عليه الرحمة أن اسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم .(4)

* من ألقابه: الحجة, المهدي, الخلف الصالح, القائم, المنتظر, صاحب الزمان, صاحب الأمر، قائم آل محمد, وبقية الله، وأشهرها المهدي(5). وإنما سمي به لأنه يهدي إلى أمر

23

ضل الناس عنه, وسمي بالقائم لقيامه بالحق(6).

* كانت ولادته سلام الله عليه سنة 255 أو 256 للهجرة(7).

* كان عمره الشريف عند وفاة أبيه عليه السلام، خمس سنوات، آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها من قبل يحيى صبياً, وجعله الله سبحانه إماماً في هذا العمر، كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبياً(8)، وقد رآه في زمن أبيه الإمام العسكري عدد كبير من الخواص، دونت المصادر المعتبرة أسماءهم وشهاداتهم، كما يأتي.

24

* نص على إمامته جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وقد روى ذلك الشيعة والسنة بأحاديث معتبرة لدى الفريقين(9). وكذلك نص على إمامته أبوه المرتضى أمير المؤمنين علي عليه السلام، وآباؤه المعصومون سلام الله عليهم واحداً بعد واحد، إلى الإمام العسكري أبيه(10) الذي نص على إمامته لثقاته وخاصته من شيعته(11).

* تناقل الرواة خبر غيبته من صدر الإسلام قبل ولادته عليه السلام، وكذلك خبر ظهوره بعد الغيبة الطويلة, وحكمه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

25

* تنقسم غيبته عليه السلام إلى" الغَيبة الصغرى" التي امتدت من سنة 260 إلى سنة 329= 870-939م، و"الغيبة الكبرى" التي بدأت سنة 329، وماتزال مستمرة حتى الآن.

* ليس الإعتقاد بظهورمصلح في آخر الزمان خاصاً بالدين الإسلامي، بل هو اعتقاد رئيس في الأديان الأخرى غير الإسلام.
 يقول شكيب أرسلان: "فاليهود لا يزالون منتظرين المسيح الذي يجدد ملكهم قبل انقراض الدنيا, والنصارى يرون في عيسى عليه السلام المسيح الذي بشرت به الأنبياء, ويقولون برجوعه في آخر الوقت لإبادة الدجّال الذي ينبيء به يوحنا, والمسلمون عندهم المهدي الذي يظهر قبل قيام الساعة "ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً".
(12).

* الإعتقاد بظهور شخص في آخر الزمان، يُعرف بالمهدي من ولد فاطمة سلام الله عليها, ومن نسل الإمام الحسين عليه السلام أمر مسلَّم به مفروغ منه عند جميع علماء السنة, بل إنهم يروون كل ما نرويه من التفاصيل عنه وعن كيفية ظهوره وحكمه وسيرته عليه السلام(13).

26

وقد ألف بعض كبار علماء السنة كتباً مستقلة عنه سلام الله عليه(14).

* اشتهر على الألسن, وربما وجد ذلك في بعض الكتب، أن الفرق بين الشيعة والسنة في مسألة المهدي عليه السلام، أن الشيعة يرون أنه ولد, بينما يرى السنة أنه لم يولد بعد(15).

والصحيح - رغم قرون التعتيم الإعلامي- أن كثيراً من أجلّة علماء السنة، يصرّحون بمولده الشريف، ونسبه المبارك بما يطابق ما في كتبنا(16).

27

وليس معنى هذا أن مسألة المهدي عليه السلام، وكما هو اعتقادنا حولها، جزء من المعتقد السني الشائع الآن, بل معناه أن التسنن الذي سلم من لوثة البلاط يعتقد بما نعتقد، والدليل على ذلك، أن البحث العلمي الموضوعي المعتمد على كتب السنة فقط، يؤدي تلقائياً إلى ما يلي:
1- الإعتقاد بفكرة المهدي وعمره الطويل.
2- الإعتقاد بأن عدداً كبيراً من العلماء السنة يصرحون بولادة المهدي المنتظر بن الإمام العسكري عليهما السلام، ويأتي مزيد إيضاح.
33- 
أن الذي هو جزء من المعتقد السني ( السائد) الآن, وبلا نزاع, خروج شخص في آخر الزمان، اسمه المهدي وصلاة النبي عيسى خلفه(17).
4- أن المسلمين السنة وبمقتضى الثوابت المتسالم عليها حول أهل البيت، ملزمون- كالشيعة - بالإعتقاد بوجود شخص في كل عصرٍ من أهل البيت عليهم السلام، مؤهل للتمسك به، ليكون عدل القرآن الذي لايفترق عنه إلى الحوض، ويكون أماناً لأهل الأرض كما هي النجوم أمانٌ لأهل السماء،

28

 ويكون العدل الذي ينفي عن الدين تحريف الغالين، كما نص على ذلك عدد من العلماء السنة منهم ابن حجر في الصواعق المحرقة، في معرض كلامه حول تخريج حديث: "النجوم أمان لأهل السماء..".(18)

يمثل هذا الحديث الشريف المتفق عليه، أحد الثوابت الإسلامية التي  تؤكد- بمجموعها، على الأقل- أن الإعتقاد "بوجود شخص في كل عصرٍ من أهل البيت عليهم السلام، مؤهل للتمسك به" ركن ركين من العقيدة الإسلامية، يجب على المسلم أن يبحث عنه ويبايعه حتى لاتكون ميتته ميتة جاهلية.

إضافة إلى ثابتة " أهل بيتي أمان لأهل الأرض".فإن من هذه الثوابت:
2- " لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض".
3- " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ".
4- " من مات ولم يعرف إمام زمانه، فميتته جاهلية ".
5- " في كل قرن من أهل بيتي ( أو من أمتي) عدول.."
6- " اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش ".

29

بناءً على هذه الثوابت - وغيرها، أو الثلاثة الأُول منها فحسب- فإن السؤال المركزي: كيف يوفق المسلم بين هذه الثوابت وبين عدم وجود حجة لله تعالى على الخلق في كل زمان ومكان؟

ولايواجه الشيعي في الجواب مأزقاً في تفسير هذه الثوابت التي تنسجم مع حاكمية الإسلام الدائمة، ومع إطلاق حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي يأبى أن ينحصر بزمان دون غيره.

أحيل في بسط القول حول هذه الثوابت، إلى كتاب "أداب عصر الغيبة".(19)


هوامش
(1) - في كشف الأستار / 49 نقلاً عن الفتوحات المكية لابن عربي ذكر نسبه الشريف بكامله, إلا أن طبعة دار صادر من الفتوحات تخلو منه, مما يدل على أن يد التحريف تلاعبت بالكتاب. وقد أورد صاحب كتاب " اليواقيت والجواهر " عبارة ابن عربي في نسب الإمام المنتظر عليه السلام في أول المبحث الخامس والستين, راجع موسوعة الإمام المهدي (ج 1 / 176), ومطالب السؤول لابن طلحة مع ما نقله المحدث النوري في " كشف الأستار (40 / 41) وراجع "نور الأبصار" للشبلنجي فهو يصرح بنسبه الشريف, وتجد صورة ذلك في موسوعة الإمام المهدي / 382.
(2) - راجع "النجم الثاقب" / 12, وغيبة الشيخ الطوسي / 241.
(3) - "الغيبة" للشيخ الطوسي / 125, والنجم الثاقب / 12 من كتاب الفضل بن شاذان في الغيبة, والسند صحيح.
(4) -كمال الدين وتمام النعمة /417, والنجم الثاقب /12.
(5) -الفصول المهمة للمالكي /292, وكمال الدين /378 و 384, وغيبة الشيخ /282, والإرشاد للمفيد /346, وأعيان الشيعة (الطبعة الجديدة) ج 2 ص 44, وفي غيبة النعماني عن الإمام الباقر عليه السلام "إنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي" ومثله في البحار ج 52 ص 390, وقيل غير ذلك. راجع لوائح الأنوار البهية للسفاريني الحنبلي, وموسوعة الإمام المهدي ج 1 ص 349.
(6) -الإرشاد /346.
(7) -الفصول المهمة /292, كشف الغمة (ج 3 ص 326),الإرشاد /346, كمال الدين (340/342) وقد ذكر قولاً آخر هو أن ولادته عليه السلام كانت سنة 256 للهجرة، وهو ما ذكره الكليني في أصول الكافي: باب مولد الصاحب, وورد أيضاً في تبصرة الولي للبحراني في الحديث عن السابع ممن رأوه عليه السلام, وقد ذكر الإربلي في كشف الغمة (ج 3 ص 234) أن ولادته عليه السلام كانت سنة 258 للهجرة. يقول المحدث النوري: وهكذا ضبطها أحمد بن محمد الفاريابي, إلا أن التاريخ الأول أي 255 للهجرة. هو الصحيح لما ورد بأسانيد معتبرة. بهذا الصدد /النجم الثاقب – 11. وفي مقدمة غيبة النعماني ضبطت الولادة بتاريخ ليلة النصف من شعبان عام 256 للهجرة. وفي غيبة الشيخ الطوسي وردت ثلاثة تواريخ لولادته عليه السلام: 255, 256, 252. إلا أن الشيخ عليه الرحمة اختار منها عام 256, قال في الصفحة 258: "قد بيّنا بالأخبار الصحيحة بأن مولد صاحب الزمان عليه السلام كان في سنة ست وخمسين ومئتين".
(8) -الإرشاد /346, والفصول المهمة /391 نقلاً عن الإرشاد, وغيبة النعماني /184.
(9) -تجد قائمة بأسماء بعض علماء السنة الذين رووا خبر المهدي عليه السلام، بأسانيد صحيحة في الفصول المهمة للمالكي /293 منهم:الحافظ أبو نعيم, وكذلك في كشف الأستار (8-12) وغيرهما. أما النص على الإمامة فيستفاد من الجمع بين هذه الأحاديث والحديث المروي في مسند مسلم: "كيف بكم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم؟"(مسلم /94). وجاء في الفصول المهمة / 295 بعد إيراد هذا الحديث: "وهذا حديث حسن متفق على صحته, رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما" ويجمع علماء السنة على أن أمير الناس وإمامهم الذي يصلي بهم عند نزول عيسى عليه السلام هو المهدي (راجع أعيان الشيعة ج 2 ص 51, طبعة دار التعارف),وراجع موسوعة الإمام المهدي (ج 1 /241) ومقدمة تبصرة الولي.
(10) -هذا المعنى مستفيض في كتبنا, وممن تتبع ما قاله المعصومون عليهم السلام حول الإمام الحجة عليه السلام الشيخ الصدوق عليه السلام في كمال الدين وتمام النعمة.
(11) -وهذا أيضاً مستفيض, راجع مثلاً: الإرشاد /346, وغيبة النعماني /140 فما بعدها, وكذلك الفصول المهمة /293.
(12) -كرّاس "افتتاح المدرسة الشبّرية" في النجف /64, نقلاً عن حاضر العالم الإسلامي لشكيب أرسلان /194.

(13) -راجع محاضرة الشيخ عبد المحسن العباد في مجلة الجامعة الإسلامية, العدد الثالث, السنة الأولى, 1388 للهجرة. حيث يصرح بأن اثنين من علماء السنة, رفضا أحاديث المهدي, ولكنهما شاذّان وأحدهما ابن خلدون الذين يناقض نفسه فيصرح بقبول بعض أحاديث المهدي. تجد صورة لهذه المحاضرة في موسوعة الإمام المهدي.
(14) -راجع "آداب عصر الغيبة" للمؤلف وراجع الجزء الأول من موسوعة الإمام المهدي, التذكرة للقرطبي, وفرائد السمطين للجويني, والحاوي للفتاوى للسيوطي, إلخ، كل ذلك في موسوعة الإمام المهدي عليه السلام.
(15) -لم أجد أحداً من علماء السنة صرّح بعدم ولادة الإمام المهدي, إلا أن الجمع بين إيرادهم أحاديث المهدي واستغراب قسم منهم للعمر الطويل ينتج القول بعدم ولادته, ويتبنى عدد كبير جداً من علماء السنة ولادته عليه السلام, ويمكن اعتبار قول بعضهم بعدم ولادته دليلاً عليه. فقد ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام: "صاحب هذا الأمر من يقول الناس إنه لم يولد بعد". كمال الدين /360, وقد ورد نفس المضمون عن الإمام الهادي عليه السلام /382, ويتضح ذلك بتتبع موارد "الناس" في كلماتهم - عليهم السلام.
(16) -انظر "الهامش" ص 23 و 34.
(17) إبن حجر، الصواعق المحرقة2/445، برنامج «مكتبة العقائد والملل»، الإصدار الأول، مركز التراث للحاسب الآلي، الأردن ـ عمان
(18) .-مفتاح كنوز السنة مادة: مهد, وصحيح مسلم /94 وغيرهما, وموسوعة الإمام المهدي ج 1 المتضمنة لصور فصول من كتب علماء سنة كبار تصرّح جميعها بذلك, "وانظر الهامش" ص 23 و 34.
(19)- آداب عصر الغيبة - الشيخ حسين كوراني.  صدر عن دار التعارف- بيرت. أنظر: الفصل الأول: "إلى كل سني منصف".