ملاحق موقع السرائر

ملحق رقم 1
ملحق رقم 2
ملحق رقم 3
ملحق رقم 4


 

ملحق رقم 1

نص مداخلة قدمت في مؤتمر مقاطعة البضائع الأمريكية في بيروت.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بداية أوجه التحية إلى القائمين على هذا اللقاء، وجميع المساهمين في الأنشطة المماثلة في أي مكان، آملا أن تكون دعوة المقاطعة هذه كما ورد في مسودة ورقة العمل، بداية لعمل كبير وجذري على مستوى العالم.

وانسجاماً مع الوقت الطبيعي المتاح، أقتصر على تناول عدة نقاط، محيلاً في بيان أهمية مشروع المقاطعة، واستعراض وجهات النظر المختلفة حوله، إلى مقاربة مطبوعة، ستوزع عليكم وهي بعنوان مقاطعة البضائع الأمريكية. (1)

أولاً: إن جوهر العدوان الأمريكي على أمتنا، اقتصادي، فمن البديهي بالنسبة لمن تقوم نظرته إلى الحياة على إشباع الغرائز والعب من أكؤس الشهوات، إلى حد إحلال الغريزة في موقع العقل، أن يتنكر لكل القيم، وتتمحور كل جهوده حول تحقيق فلسفته النكراء، بأي ثمن.

من هنا كان طبيعيا أن نرى وبكل جلاء، البعد الإقتصادي في كل تحرك سياسي أمريكي تجاه منطقتنا بالدرجة الأولى وتجاه سائر الشعوب والأمم .

وما ينطبق على الحركة السياسية الأمريكية ينطبق تماماً وبالخصوص على الحركة الأمنية و العسكرية، بدءاً من أصغر ظلامة يتعرض لها فرد من أمتنب، مروراً بعواصف الصحراء، مامضى منها وما يأتي، وصولاً إلى الكيان الصهيوني المزروع خنجراً في قلب أمتنا تتمازج فيه السموم السياسية والأمنية والعسكرية، بهدف ابتزازنا ونهب ثرواتنا، وهل لأنظمة القمع العميلة المتصهينة من دور غيرِ المساهمة في هذا،

ما دام الأمر كذلك، فلماذالانخوض الحرب ضد أمريكا في البعد الأشد إيلاماً لها، إلى جانب مانبذله من جهود في المجالات المختلفة.

ما هو مسوِّغ الغفلة عن انتضاء هذا السلاح الفعال، إلى حد القبول بأن تصبح السلع الأمريكية حاضرة بقوة حتى في مجالات مواجهاتنا معها، مما يجعل الطابع العام لأكثر الممانعين وحملة هم الإعتراض كونهم مستهلكين للسلع الأمريكية.

لقد تأخرنا في هذا المجال أكثر من نصف قرن، عسى أن يغفر لنا الله تعالى، والجيل الشاب، والأجيال القادمة.

يقول الإمام الخميني رضوان الله عليه: ما توصل إليه الآخرون (الذين ليسوابأفضل منكم) يمكنكم التوصل إليه بشرط الإتكال على الله والإعتماد على النفس، وقطع التبعية للآخرين، وتحمل الصعوبات من أجل الوصول إلى الحياة بشرف والخروج من سلطة الأجانب.

ثانياً: إن انتفاضة الشعوب العربية والإسلامية دعماً للإنتفاضة، فرصة ذهبية، شكلت مناخاً ثورياً مميزاً أتاح لنا أن نصغي إلى نبض أمتنا في العصر الأمريكي، وبعد أكثر من عقدين على الإعلان عن مسيرة " إلغاء الأمة" في كامب دايفيد، وفي حال عدم التقاط هذه الفرصة، فإنه يخشى من عدم تكرارها إلا بعد عقد من الزمن أو أكثر!

 و لايتم التقاطها إلا بإبقاء جذوة الممانعة والرفض متقدة، وهذا ما لايمكن تحقيقه،  إلا عبر مد الضرم الثوري بالوقودالمناسب وهو يتمثل بإحساس كل فرد من أمتنا أنه يقدم شيئاً ملموساً لدعم الإنتفاضة والمقاومة، ويكاد هذا ينحصر بل هو منحصر بمقاطعة البضائع الأمريكية.

ألا نلاحظ أن تفاعل شعوبنا مع الأحداث، كان عكسياً، كلما تصاعدت الأحداث تضاءل وهج التعبيرعن التفاعل الموجود حتماً؟

وهل من تفسير لذلك غير أنا لم نقدم لهذه الجماهير الصادقة، المشروع العملي الذي يشعرها بالمشاركة الحقيقية.

ثالثاً: إن قيد مااستطعتم في شعار (قاطعوا مااستطعتم) يمكن أن يفهم رفعاً لسقف المقاطعة إلى أبعد مدى، على غرار " وأعدوا لهم مااستطعتم" أو " من استطاع إليه سبيلا " ويمكن أن يفهم خفضاً للسقف إلى أدنى حد لايخرج صاحبه عن رفع العتب وإبراء الذمة.

 أميل إلى الأخذ بالمعنى الأول، وأخشى في ظل الإصرار الواسع على التملص من مشروع المقاطعة، انسجاماً مع فقه القعود الثوري، أن يتحول المعنى الثاني إلى التفسير الوحيد لمشروع المقاطعة، لذلك أدعو إلى اعتماد مدلول صيغة قاطعوا دون أن نْدخل في صلب الدعوة صك براءة لكل من تسول له نفسه الوقوع في أسر هذه السلعة الأمريكية أو تلك، فيشكل ذلك حصان طروادة لإجهاض مشروع المقاطعة.

كما أنه ليس على المشرع أن يدخل الإستثناء في صلب كل حكم، فالضرورة مخصص عقلي، كذلك ليس على الداعين إلى المقاطعة الإنصراف إلى الضرورات والإستفاضة في الحديث عنها، و هو ما يعنيه إدخالها في عنوان الدعوة. دعونا نثبت المبدأ أولا .

لو أن الدعوة هي إلى مقاطعة البضائع الأجنبية كلها، لأمكن القول إن الواقعية تقتضي أن نضيف " مااستطعتم" أما والدعوة هي إلى مقاطعة البضائع الأمريكية تحديداً، فإن كل البضائع الأوروبية وغيرها هي بدائل متيسرة، وعليه فلا داعي للإشعار بما لانريد.

و لابد من التوضيح هنا إلى أن عدم شمول الدعوة للبضائع الأجنبية الأخرى، يشكل رسالةإلى تلك الدول، من بندين:

الأول:إن الفرصة متاحة لكم لمنافسة أمريكا اقتصادياً.

الثانية: إن لم تصححوا مواقفكم من قضايا أمتنا، فستواجهون نفس المصير.

رابعاً:أدعو إلى الحذر من الوقوع في فخ الركون إلى الحكام، فضلاً عن المراهنة عليهم، وبناء على ذلك فلا مسوِّغ  لمطالبتهم بالإسهام في حملة المقاطعة، فهم لن يقدموا على أي خطوة في هذا المجال إلا تملقاً لكتلة الرأي الشعبي الضاغطة، فلنتوجه إلى الجماهير مباشرة، ولنعززفيها القناعة باليأس من الحكام. إن ضروراتهم لاتلتقي مع خيارات الأمة،

خامساً:أدعو إلى تجنيب الشعوب دفع أي ثمن جراء التزامها مشروع المقاطعة، فضلاً عن الأثمان الباهظة،وليقتصردفع الأثمان – إذا لزم الأمر– على حمَلة المشروع، تماماً كما تتجنب المقاومة المسلحة الإضرار بالناس، ويقدم المجاهدون أرواحهم في سبيل الله تعالى الذي هو سبيل الناس.

وعليه فلا وجه لدعوة أي شريحة من العمال والموظفين إلى الإستنكاف عن القيام بواجبهم الوظيفي، لأن هذا يقدم المستند القانوني للطاغوت لينكل بهم، الأمر الذي يضعف مشروع المقاطعة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
     الشيخ حسين كوراني 
 بيروت في 25 /11/ 2000م

 

 

ملحق رقم 2

مداخلة القيت في مصلى حرم السيدة زينب بالشام،  في ندوة مع الدكتور علي عقلة عرسان

بسم الله الرحمن الرحيم

أستلهم الأعتاب الزينبية الإستشهاد بقول الله تعالى:

 ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم، انما نملي لهم ليزدادوا اثما، ولهم عذاب مهين.

صدق الله العلي العظيم

يوم كنا أمة ـ ولو بحكم الإستمرار ـ وكان حاكمنا منا، سُلبت ذميةٌ خلخالها، فانطلق الموقف مدوياً:

 لو أن امرؤا مسلماً مات من بعد هذا أسفاً، ما كان به ملوماً بل كان عندي به جديراً.

ويوم أصبحنا طعمة للخناجر المسمومة: إغراءات الحلفاء، سايكس ـ بيكو، العرقية، الكيانية، الانبهار بالكفر، الاسلام الامريكي، يومها فقدنا هويتنا، وراقنا أسفل الحضيض من مهاوي الردي ـ الا القليل القليل ـ وما نزال، ولا ادعي.

يومها ضاعت القدس، حيث ضاع بيننا التوحيد، وهو وحده الطريق الى الوحدة، والقوة، والعزة.

ليست المسالة إذا: كيف نحفظ القدس ونصونها من الضياع، بل المسألة: كيف نحرر القدس؟

ومخطيء من يظن أن من استمرأ العبودية للشيطان، والرق لهوى النفس يمكنه أن يفكر بالتحرر،  فضلاً عن أن يعلنها حمراء لاهبة تشق عنان السماء.

مخطيء من يتصور إمكانية الثورة في الخارج من غير باب التوبة التي هي الثورة في الداخل.

ومخطيء من يظن أن القدس مجرد بقعة جغرافية.

القدس همزة وصل بين السماء والأرض، بين عالم الغيب وعالم الشهادة، بين الإسلام النظري والإسلام في ساحة الجهاد. بين شرائح الأمة التي تمتلك الضمير الحي، وينبض في شرايينها الإحساس بالمسؤولية، بين المسلمين الشيعة والسنة، بين المسلمين والنصارى الذين يدركون ما يمثله الخطر اليهودي، أو الصهيوني.

إلا أن هنا مفصلين بالغي الحساسية.

الأول: أن لا يحملنا وهْم الإنفتاح الى حضن السلطان، ولا حتى الى بلاطه، لا أستثني منهم أحداً.

 وعندما أحيي موقف الرئيس الأسد ـ سواء الأب او الإبن ـ فليس ذلك باعتباره من الحكام العرب، بل باعتباره الحاكم العربي الأوحد، أما الباقون فليسوا عرباً.

إنهم يهود (مهما بدلوا الوانهم).

 إنهم حكام العرب وليسوا الحكام العرب.

 شتان بين من يتحدى الغطرسة الأمريكية والصهيونية، ويصرح علناًِ بانه مع استمرار عمليات المقاومة الإسلامية لتحرير مزارع شبعا، وبين من يردد مقولة كوفي عنان عن خرق القرار 425.

إذا سلكوا طريق الرئيس الأسد، كما فعل الرئيس اللبناني" أيميل لحود"، عندها يمنحون شهادة الوطنية، ونظل نطالبهم بالمزيد.

أما أن نصفق لهم بذريعة وحدة الصف، وضرورات المواجهة، أو نبرر بعض سقطاتهم ولو بحجة ضرورات الأنظمة، فليس ذلك من الإنفتاح بشيء. وغالباً ما يكون مبعثه الجبن، وشلل الإرادة. والعجز عن الموقف الصعب، والخوف من بطشهم.

 ما لم نتحرر من حكام العرب اليهود، فلا سبيل الى تحرير القدس.

ستبقى حلقات الإنتفاضة، في دائرة الإستنهاض، فلعل وعسى.

الثاني: أن لا يحملنا الإنفتاح على النفاق، فالأول من صميم الدين، أما الثاني فهو يخرج صاحبه منه.

 لكل منا قناعاته، ونلتقي على القواسم المشتركة، نعمل معاً، ونتعلم من بعضنا معاً، ونتحاور حيث يمكن، ونؤجل الحوار حين ينبغي، إلا أن كلاً منا يعرف الآخر على حقيقته، واختلاف الراي لا يفسد للود قضية.

أما أن تختفي الفوارق بيننا كلمح البصر، فإذا بالمسلم كأنه مسيحي، أو العكس، وباليميني كأنه يساري، أو العكس، وهكذا، فهو لون من النفاق ينبغي أن نحذره. إنه طَوْرٌ يهودي!

على هذا الأساس من الإنفتاح الحقيقي، الإفتاح الشفاف، والمبدئي، أقول:

من لم يعمر قلبه حب الحق تعالى، فضل عنه ضلالاً قريباً او بعيداً، فقد أضاع الحقيقة المطلقة - التي لا تبلغ أي حقيقة مهما كان خطرها، إلا ظلاً من ظلالها - فماذا يعني بالنسبة إليه ضياع القدس وفلسطين والأمة.

سيكون حاله في أبهى صوره ـ ولا بهاء ـ حال ياسر عرفات، يبحث عن الأنا ويظنها الشعب والوطن والقدس.

أليس هو الممثل الشرعي والوحيد؟ وجد تحقيق أناه في المقاومة فاختارها، وعندما وجد أن تحقيق ذلك في المساومة، لم يتردد في إحراز قصب السبق.  اتخذ المقاومة سُلماً.

صلى وصام لأمر كان يطلبه  فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

من هذه النقطة بالذات اأخل إلى الحديث عن الحلقة الراهنة من حلقات الإنتفاضة المشرفة.

 لقد وقعنا في الفخ يوم توهمنا أن بعض حكام العرب أصبحوا وطنيين، وأن ياسر عرفات وصل إلى الطريق المسدود، وأنه يمكن أن يعود الى رشده، ولقد بنى كلينتون على هذه النقطة بالذات - وهْمِنا -  وعلى بعض ما يرتبط بها، وقرر العمل على تلميع صورة باراك أمام المتطرفين اليهود، وتلميع صورة عرفات أمام المتطرفين العرب، تمهيداً لتمكينهما من عقد صفقة العمر التي يحلم بها كلينتون قبل انتهاء ولايته.

وكان لا بد لتنفيذ ذلك من انتظار اللحظة المناسبة حيث ينطلق أهلنا في فلسطين بعفوية ومصداقية للتعبير عن كامن غضبهم المتفجر، فيركب كل من باراك وعرفات الموجة، ليصبح كل منهما بطلاً قومياً، ليتم توظيف ذلك في الصفقة المنتظرة على أحر من الجمر، وهذا ما يؤكده سير الوقائع، وآخرها إعلان استئناف مفاوضات التسوية بعد أسبوعين، ولا أريد أن أطيل بذكر التفاصيل.

ما لم يدخل في حساب المخطط الأمريكي الصهيوني، أمران:

عميق أثر الفعل الإستراتيجي للمقاومة الإسلامية في لبنان، على الشعوب العربية والإسلامية، على امتداد العالم، وتكاثر الفضائيات العربية، والاسلامية،

اما الأول، فهي المرة الأولى التي تنزل فيها الجماهير المسلمة إلى الساحة، موقنة بامكانية إحراز النصر، ولو بعد حين.

 كان الطواغيت قد نجحوا في وأد الأمل بالنصر من قلوبنا، إلا أن المقاومة الإسلامية نجحت في إعادة اليقين بالنصر إلى قلوبنا وعقولنا.

إنها المرة الأولى التي نقرأ فيها بعقلانية ويقين: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة، باذن الله.

سنكتشف لاحقاً أن علينا أن نؤرخ بهذا الإنتصار، فهو الفصل بين مرحلتين.

ولعلنا اكتشفنا الآن ما بدأ الإستكبار العالمي يتجرع غصصه، أن الخميني ما يزال ملء السمع والبصر، وأن المنازلة بينه وبين الشيطان الأكبر تتوالى فصولاً.

لقد وصلت الرسالة الخمينية عبر المقاومة الاسلامية في الشعوب، متخطية كل الحواجز والسدود.

وليست المقاومة الاسلامية إلا حزمة سناً من فيض زيتونة لا شرقية ولا غربية من الدوحة المحمدية الخمينية.

من هنا أمكنها أن تبقى عصية على كل محاولات الترويض والتدجين، فالشجرة البرية أصلب عوداً، و أورى وقوداً.

و باستطاعة كل شعب مسلم أن يقدم نموذجاً مشابهاً.

وسيكتشف الإستكبار أيضا أن نبض الخامنئي خميني، و أن الهدي والنهج واحد، والمستقبل راعف واعد.  ولتعلمن نبأه بعد حين.

أما في المجال الثاني: الفضائيات، فمن السابق لأوانه تقويم عظيم أثرها في شد أواصر الأمة، وتعزيزها، ونسبة تحريرها من هيمنة الطواغيت، عبر اختراق السدود التي أقامتها أنظمة القمع المتصهينة.

لقد استطاعت الفضائيات ـ رغم قصر المدة وتواضع الإنطلاقة ـ أن تقدم إكسير استنهاض سحرياً، مزج بين فعل المقاومة الإسلامية، وفعل الإنتفاضة، والمشاعر الصادقة لأفراد الأمة، والمحفز النوعي المتمثل بمظلومية الشهيد محمد الدرة وأترابه وكلِّ ما كشف المزيد من كامن الحقد الصهيوني الدفين.

وسيكتشف الأعداء لاحقاً أننا نجيد استعمال أحد أمضى أسلحة العولمة ـ الإعلام ـ لمصلحة المستضعفين.

أشير في الختام إلى نقاط عملية ثلاث:

1 ـ لا مجال للحديث عن تحرير فلسطين، بمعزل عن الحساسية تجاه قضايانا الداخلية في العالم اللإسلامي، وفي طليعتها استرداد العراق، إلى دائرة فعل الأمة.

2 ـ ستشهد المرحلة المقبلة هجمة هي الأشرس على الحركات الإسلامية، خاصة في فلسطين، لا لأننا أمام قمة شرم الشيخ الثانية وحسب، بل لأن الأعداء أصبحوا يدركون أكثر من أي وقت حقيقة ما تمثله هذه الحركات، وما اتهام حركة حماس بإحراق بارٍ في حمى المواجهة، إلا مؤشر على المنحى الذي ستسلكه هذه الهجمة.

3 ـ لا مجال للحديث عن مواجهة حقيقية للعدو الصهيوني، وعن مصداقية في حمل هم الإنتفاضة، ما دمنا لا نشهد مبدأ مقاطعة البضائع الأمريكية، يتحول الى أساس لمقاومة اقتصادية عالمية، تنتظم على قاعدته الصفوف. وتتوحد حوله الإرادات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ حسين كوراني
30 رجب 1421/ 18-10-2000

 

\

ملحق رقم 3

بمناسبة انعقاد مؤتمر علماء الإسلام في بيروت عام 2002 (2).

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى علماء الإسلام

العلماء سور الأمة وحصنها، وبقدر استحكام السور ومنعة الحصن، تتمكن الجيوش  من صد الغزو الذي يجتاح كل خطوط الدفاع، ووقف زحفه، ورد الغزاة على أعقابهم "لم ينالوا خيرا".

وتكفي نظرة متأنية في المفاصل الحرجة من تاريخ الأمة لإثبات هذه الحقيقة.

واليوم، وقد تهاوت خطوط الدفاع، فلا الأنظمة استطاعت أن تنجز شيئاً، إن في ميدان خيارات الأمة، أو على صعيد ضرورات الأنظمة، وليس هذا الإخفاق بدعاً من "الإنجاز" وإنما يندرج في سياق المألوف منذ تأسست (هذه الأنظمة) على أنقاض الكيان الواحد، الذي لا يمكن التنكر لإيجابيته هذه رغم كل السلبيات.

ولا الحركات الثورية ـ بمعظمها ـ اجترحت معجزة، لتقدم الخيار الفاعل، ولا اللامنتمون عموماً أمكنهم نظراً لشديد حراجة الظرف، وفرط استثنائيته أن ينتموا الى مدرسة الفعل الثوري وقد حمي الوطيس، وما زال أكثرهم يُنظِّر وكأن الذين يسعرون لظى الحرب ضدنا من الملائكة، يقنعهم المنطق وتصد هجمتهم الواقعية، ويوقف هدير قاذفات السبع أطنانهم، الإثبات الأكاديمي لحقيقة أن الإسلام ليس دين الإرهاب!

قليلون جداً هم الذين قالوا لأمريكا "لا" غير "مؤمركة"، ليست من صنع أمريكي!

وما أكثر الذين لا تعدو "معارضتهم" كونها بعلم وخبر أمريكيين.

إنها معارضة أمريكا أمريكياً!

هذا اللون من "المعارضة" يحرص أولاً وآخراً على استرضاء الأمريكي الهائج الذي يتبختر أمام كل شعوب الدنيا بعضلاته المفتولة التي يزيد من تشوهها الوشم الفرعوني "من لم يكن معنا فهو علينا" الذي يجأر كل حرف منه بمقولة "انا ربكم الاعلى".

وبديهي ان هذا الإسترضاء بات المدخل الوحيد الى الحداثة والتحضر والرقي!!

يبدأ استرضاء الأمريكي بإدانة الإرهاب " غير الأمريكي طبعاً " وإظهار شديد التعلق ـ بالعين بعد التاء، لا الميم، ولافرق ـ حتى الذوبان والفناء في حقوق الإنسان (الأمريكي) ليخلص إلى ما لا لون له من المواقف، ولا طعم ولا رائحة.

نحن في زمن أبرز معالمه الدوران في فلك الطاغوت!

و أمام معارضة للطاغوت كما يرضى بل ويحب!

جهود تبذل في الفراغ، و أموال تهدر في العبث الإعلامي والسياسي والمؤتمرات والندوات والمحاضرات، لتدين أمريكا بما لا يزعج "إسرائيل" حتى لا يتكدر خاطر الفرعون الأمريكي!

يا علماء الإسلام

بأي لغة ستتحدثون، لغة السائد؟ ام لغة "التكليف"؟

أي سياسة تنتهجون؟ فن الممكن بالمطلق؟ أم فن الممكن ضمن الثوابت في المراحل البالغة الخطورة والى أقصى الحدود؟

ها هي فلسطين تواجه ظرفاً لا يتطرق الشك لحظة أنه أشد حراجة من مرحلة الـ 48.

تلك مرحلة أسست لقيام ما يسمى "إسرائيل" وبقي من جسم الشعب الفلسطيني داخل أرضه ولو في المخيمات ما سوَّغ  الحديث ولو بعد أكثر من نصف قرن عن كيانية فلسطينية، ولو كانت السلطة او الدولة المنزوعة السيادة.

ويراد للمرحلة الراهنة أن تؤسس لـ " إسرائيل" من دون بقية السيف من شعب فلسطين، حتى لا تبقى أي إمكانية لأدنى انتفاضة، تبرر بدورها لغة النصرة والتدخل كما هو الحال فعلاً.

فماذا أنتم فاعلون؟

في تلك المرحلة قاد " غلوب باشا "  الأمة إلى الهاوية، ويراد لها  الآن أن يقودها " رامسفيلد باشا" الى سقر.

وها هي أكثر الدول تبحث عن موقعها في "جبخانته".

يا علماء الاسلام

ليست المرحلة يا سادتي مرحلة مؤمن آل فرعون، مرحلة محضِ الحجة والبرهان "يا قوم اتبعوا المرسلين".

إنها مرحلة منطق موسى وعصاه "قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى".

وفرعون العصر لا يحكم مصر وما والاها فحسب، بل هو الفرعون الأكبر الذي يتصرف وكأن الكرة الأرضية وما والاها مزرعة له ومرتع، وما تفكيك "مير" ببعيد.

ومرحلة عصا موسى لا تبارح الدليل والمنطق واللين، إلا أنها لا تكتفي بذلك حتى إذا لم تكن العدة المتاحة إلا "عصاً " لا غير:

 " إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشى".

ولتكن العصا جاهزة، فهي بقدرة الله تعالى تحقق التفوق الإستراتيجي.

و إن لم يكن النصر متاحاً فليرث أبناؤنا منا موت الشرفاء، وشعار الصحابي الجليل هانيء بن عروة:

 " أما من حجر يدافع به المرء عن نفسه ".

لا تحتمل المراحل المصيرية النكوص بدعوى الواقعية، ولا الذل المبرقع بالحكمة، حتى إذا كانت "مبررات" ذلك بحجم ما هو قائم فعلاً في أربع رياح الأرض.

يا سادتي:

هل بالإمكان أن يكون مشروع مقاطعة البضائع اأامريكية عصا موسى في هذا العصر، وسعف نخيل المصطفى الحبيب في بدر الكبرى؟

هل يخرج مؤتمركم الكريم بقرار واضح في هذا المجال، وآلية عمل لنشر هذه العصا، السعفة، في أرجاء المعمورة؟

ولنكن على ثقة أنها ستقلب الموازين بإذن الله تعالى و ستشكل أفضل وسيلة مثالية لمواجهة الإرهاب الأمريكي، كما تكلفت ببيانه دراسة منشورة حول الموضوع.

الشيخ حسين كوراني
24 شوال 1422
8 كانون الثاني 2002

ملحق رقم 4

من نص للكاتب قدم في مؤتمر العلماء في بيروت.

".. ويجب أن يكون في طليعة اهتماماتنا ما يمكن الأمة كلها من الإنخراط في ساحة المواجهة للشيطان الأكبر والغدة السرطانية، من خلال متابعة ما يجري وحمل الهم وتقديم كل أشكال الدعم الإعلامي والمالي والتظاهر، كما يجب أن يكون في طليعة اهتماماتنا أيضاً بذل أقصى الجهد في توعية الأمة سياسياً، على قاعدة تثبيت البراءة من الطاغوت والكفر والكافرين، وأننا أمة،  وهُم أمة "ومن يتولهم منكم فإنه منهم".

في هذا السياق لا يمكن أن يحقق انخراط الأمة كلها في المواجهة، وتعزيز روح حمل الهم، وتقديم أشكال الدعم، وتجذير البراءة من الطاغوت، مثل العمل على نشر ثقافة مقاطعة البضائع الأمريكية، فمن العار أن لا تحملنا كل هذه المجازر الأمريكية في أفغانستان وفلسطين والعراق، وكل مكان من العالم على أن نربأ بأنفسنا وأمتنا عن الإستمرار باستهلاك السلع الامريكية.

إن هذا يكشف عن فضيحة في عالم التثقيف والتوعية، ترجع المسؤولية فيها إلى العلماء "وقفوهم إنهم مسؤولون".

إنه سلاح فعال أهم مميزاته أن الطواغيت المحليين الصغار لا يمكنهم إدانة أحد يلجأ إلى استعماله.

اذا لم يكن بالإمكان مقاطعة بضائع جميع دول الكفر، فإن مقاطعة بضائع الشيطان الأكبر ممكنة، وثمة دراسة تفصيلية منشورة في هذا المجال، ومقالات وافية لعديدين من حملة الهم والمعنيين،  فلماذا لا نعنى بدراسة الموضوع والتأمل في منطلقاته الفقهية، لنحدد الموقف بين يدي الله تعالى على أساس ما حدده الشرع الشريف و أكد عليه السلف الصالح من العلماء.

ما هو الحكم الشرعي في تقوية العدو المحارب اقتصادياً؟

ذلك ما يجب أن تتوفر الجهود على بلورته وتثقيف الأمة به، بالإضافة إلى الميادين الأخرى من تعزيز روح الشهادة ورفض الظلم والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هوامش
1-هي غير هذ النص الذي بين يديك.
2-نشرت بجريدة السفير بتاريخ 8 كانون الثاني 2002, يوم إنعقاد المؤتمر.