(05)
ذو الحجة والعشر الأوائل

موقع السرائر

* الإسم

يبدو أن الأصح في سبب تسمية الأشهرالهجرية، كونها مرتبطة بمناسبات خاصة، وقد سمي ذو الحجة بذلك لأنه الشهر الذي تؤدى فيه مناسك الحج.

* فضيلة ذي الحجة:

قال الشيخ المفيد:

" ذو الحجة وهو أكبر أشهر الحرم وأعظمها، وفيه الإحرام بالحج وإقامة فرضه، ويوم عرفة، ويوم النحر".(1)

الإستهلال:

ومن الطبيعي جداً أن يعنى المؤمن بالإستهلال عند بداية كل شهر، فكيف بالشهر الحرام، وخصوصاً هذا الشهر الذي يتوقف على تحديد أوله تحديد يوم عرفة ويوم العيد وبالتالي ضبط أداء مناسك الحج، من هنا فإن " الإهتمام بمشاهدة هلاله " على حد تعبير السيد ابن طاوس يحظى بميزة تناسب فضيلته.

* أدب الدخول فيه

يمكن للمسلم أن يدرك بيسر أهمية الفارق بين الشهر الحرام وغيره، فهو يدرك جيداً الفرق بين ما بعد تكبيرة الإحرام وما قبلها، كما يدرك الفرق بين ما قبل الدخول في الإحرام أو إلى الحرم في الحج وما بعد هما.

قال السيد ابن طاوس:

" ونزيد هاهنا بأن نقول : إنك تدخل في هذا الشهر الى موائد قوم أطهار، و فوائد ديوان مطلعٍ على الأسرار، فتطهرْ من دنس المعاتبات ونجس المعاقبات، وتفقد جوارحك من الأقذار قبل اقتحام مساجد الأبرار، واغسل ما عساك تجده من وسخ في قلبك، وحجاب دينك المفرق بينك وبين ربك.

".. فإذا تطهرَتِ الجوارح من القبائح، وخلعْتَ ثياب الفضائح، فالبس ثوباً من العمل الصالح مناسباً لثياب من تدخل إليهم، وتحضر بين يديهم، وقدم قدم السكينة والوقار ومُدَّ يد المسألة والإعتبار، وقف موقف الذلة والإنكسار، واجلس مجلس السلامة من الإعتذار ".." واذكرني في ذلك المقام الشريف، ألا إنما ضيف الكرام يضيف. عرِّض بذكري عندهم عساهم إن سمعوك سائلوك عني ". (2)

* العشر الأوائل

وتجمع كلمات العلماء - ويأتي بعضها - على فضيلة خاصة للعشر الأوائل من شهر ذي الحجة، وقد وردت لها أعمال يأتي بيانها، وتشترك في عظيم فضلها - بالإضافة إلى أعمالها- التي تدل على خصوصية، عدة أسباب وهي كما يلي:

1- أنها الأيام المعلومات التي وردت في القرآن الكريم كما تبنى بعض كبار العلماء في تفسيرها بناء لروايات منها ماذكره الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق عليه السلام "الأيام المعلومات هي العشرالأول من ذي الحجة ".(3)

والمقصود في الرواية ماورد في قوله تعالى:

* وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير[ الحج 27- 28 ] *

2- أنها العشر التي ورد الحديث عنها في ميقات النبي موسى عليه السلام، في قوله تعالى:

أ- وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة.." البقرة 51
ب- وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة.." الأعراف142

فالعشر المقصودة هنا هي هذه العشر الأوائل من ذي الحجة، كما يذكر ذلك المفسرون من الفريقين.(4)

وسيأتي في أعمال هذه الأيام ولياليها صلاة مروية عن الإمام الباقر عليه السلام، تقرأ فيها الآية الكريمة: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر.."

3- أن لياليها هي الليالي العشر التي أقسم بها الله تعالى في قوله سبحانه: * والفجر. وليالٍ عشر. والشفع والوتر* الفجر2-4

فرغم تعدد الآراء في تفسير هذه الآيات المباركة وأن العشر فيها هل هي العشر من ذي الحجة، أو العشر الأخيرة من شهر رمضان، أو العشر الأولى منه، أو العشر الأولى من محرم، إلا أن الرأي الأبرز لدى المفسرين من الفريقين أنها عشر ذي الحجة، وأن الشفع هو عاشرها يوم النحر، والوتر هو تاسعها يوم عرفة، مع تعدد الآراء أيضاً في تفسير الشفع والوتر.(5)

قال الشيخ الطوسي:

" وهي العشر الأُوَل من ذي الحجة شرفها الله تعالى ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير، واتقاء الشر، على طاعة الله في تعظيم ما عظم وتصغير ما صغره، وينالون بحسن الطاعة الجزاء بالجنة.
".. وقال قوم : هي العشر من أول محرم، والأول هو المعتمد ".(6)
وقد أورد الشيخ الطوسي عليه الرحمة والرضوان، بعض خصائص العشر الأول من ذي الحجة وما يرتبط بها فقال:

" وعشر ذي الحجة يسمى بالأيام المعلومات. والمعدودات ثلاثة أيام بعدها، وتسمى أيام الذبح والتشريق، وأيام منى، ويوم الثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر وليلة الحادي عشر ".." والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني..".

أضاف: ويستحب للإمام أن يخطب في أربعة أيام من ذي الحجة يوم السابع منه، ويوم عرفة ويوم النحر بمنى، ويوم النفر الأول، يعلم الناس ما يجب عليهم فعله من مناسكهم، فإذا صلى الظهر يوم التروية بمكة خرج متوجهاً إلى منى، وعلى الإمام أن يخرج من مكة حتى يصلي الظهر والعصر معا في هذا اليوم بمنى، ويقيم بها".(7)

يشير الشيخ بقوله المعلومات إلى قوله تعالى: الحج أشهر معلومات البقرة197 حيث إن العشر الأول من ذي الحجة منها قطعاً، وإلى قوله تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات .. الحج 28

ويشير الشيخ بقوله: والمعدودات ثلاثة أيام بعدها إلى قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات.. البقرة203

وفي كلام الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى، التأكيد على المستحب المضيَّع وهو المبيت في منى ليلة التاسع كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

وقال السيدابن طاوس:

"فصلٌ في ما نذكره من فضل العشر الأول من ذي الحجة على سبيل الإجمال.

إعلم أن تعيين الله جل جلاله لأوقات معينة يذكر فيها جل جلاله دون غيرها، يقتضي تعظيمها والإشتغال فيها بذكره الشريف بالعقول والقلوب، وأن لا يخلهيا العبد من تذكير نفسه بأنها حاضرة بين يدى علام الغيوب، وأن يلزمها المراقبة التامة في حركاته وسكناته، ويطهرها من دنس غفلاته، حيث إنها أوقات اختارها الله جل جلاله لذكره، وجعلها محلاً لخزانة سره، وأهلاً لتشريفها بتعظيم قدره، ومنزلاً لإطلاق بره، ومنهلاً للتلذذ بكؤوس شكره.

".. وعشر ذى الحجة من جملة تلك الأوقات، قال الله جل جلاله : واذكروا الله في أيام معلومات، وقد رويت بأسنادي إلى جدى أبى جعفر الطوسى في ما ذكره في المصباح الكبير وغيره من الروايات عن الصادق صلوات الله عليه: أن الأيام المعلومات عشر ذى الحجة " (8)

ثم أورد السيد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:

1- ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله عزوجل من أيام العشر - يعنى عشر ذي الحجة - قالوا : يارسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال صلى الله عليه وآله : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك شيء.
2- عن النبي صلوات الله عليه وآله قال : ما من أيام أزكى عند الله تعالى ولا أعظم أجراً من خيرٍ في عشر الأضحى، قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال صلى الله عليه وآله : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك شيء".
(9)

ومن المؤسف جداً أن هذه الأيام الفضيلة " المعلومات" مع لياليها الميقات والمقسم بها، تنقضي بالغفلة عنها التي تكاد تكون مطبقة، فمن يتوجه إلى الحج ينشغل – عموماً- بأداء المناسك واللقاءات ولايكاد يتسنى له التفاعل مع هذا الموسم الإلهي الخاص بالطريقة المناسبة، ومن لايتوجه إلى الحج يظن أنه ليس معنياً بالعبادة في " أيام الحج" وهو ما يحرمنا – في الغالب - من خير عميم كما سيتضح بحوله تعالى.

وبالإضافة إلى العشر الأوائل يحتضن شهر ذي الحجة مناسبات عبادية شديدة الأهمية، ولو لم يكن إلا عيد الغدير، الذي هو يوم الفصل في كمال الدين وتمام النعمة باستمرار الإسلام المحمدي الأصيل، لكفى به سبباً لتشريف الشهر كله.

* صلاة كل ليلة من الليالي العشر:

عن “الإمام الصادق” جعفر بن محمد عليهما السلام ، قال : قال لى أبى محمد بن على عليهما السلام : يا بنى لا تتركن ان تصلى كل ليلة بين المغرب والعشاء الاخرة من ليالى عشر ذى الحجة ركعتين، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و" قل هو الله احد " مرة واحدة، وهذه الاية : " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " فإذا فعلت ذلك شاركت الحاج في ثوابهم وإن لم تحج. (10)

وينبعي التنبه إلى أن من الأفضل أن تصلى هذه الصلاة مرتين الأولى ليلة ثلاثين من ذي القعدة إن لم يكن أول ذي القعدة ثابتاً بالطريق الشرعي، لاحتمال أن يكون اليوم الذي نعتبره الثلاثين هو أول ذي الحجة، وفي اليوم التالي إذا لم يثبت أول الشهر يؤتى بهذه الصلاة مرة ثانية.
وهذه قاعدة عامة في عمل كل أول ليلة عندما لا يتم تحديد أول الشهر بطريق شرعي يعتمد عليه.

* أشير في الختام إلى استحباب صوم تسعة أيام من العشر الأوائل أي ماعدا يوم العيد، ومن لم يستطع أن يصوم التسعة، فليحرص على الأقل على صوم اليوم الأول من ذي الحجة، ويأتي مزيد توضيح بحوله تعالى.

والحمد لله رب العالمين


الفهارس:
(1) الشيخ المفيد، مسارُّ الشيعة36.
(2) الإقبال2/ 32. بتصرف يسير.
(3) يرجح فريق آخر من العلماء الروايات التي تصرح بأن الأيام المعلومات هي أيام التشريق، إلا أن الشيخ المفيد والشيخ  الطوسي - في ما استقر عليه رأيه، وابن إدريس، والعلامة الحلي- مثلاً - يصرحون بتبني الروايات التي تنص على أنها عشر ذي الحجة، وأن أيام التشريق هي الأيام المعدودات، لاالمعلومات. أنظر: الشيخ الطوسي، المبسوط1/394 و مصباح المتهجد671والسرائر، إبن إدريس1/648والعلامة الحلي، المعتبر1/321.
(4) أنظر: القمي، تفسير القمي1/239، والطوسي، التبيان4/531 والطبرسي، مجمع البيان1/212والفيض الكاشاني،  التفسير  الصافي2/232والحويزي، تفسير نور الثقلين2/61 في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، وانظرأيضاً: مجاهد، تفسير مجاهد1/272والصنعاني، تفسير القرآن3/369وابن جرير الطبري، جامع البيان9/.603و3/103.
(5) أنظر: القمي، تفسير القمي2/419والشيخ الطوسي، التبيان10/341والقطب الراوندي، فقه القرآن1/280والقرطبي، تفسير القرطبي20/40وابن كثير، تفسير ابن كثير3/227و4/450والسيوطي، تفسير الجلالين806، والدر المنثور 6/345والشوكاني،  فتح القدير5/432و436.
(6) الشيخ الطوسي، التبيان10/341.
(7) الشيخ الطوسي،المبسوط 1/365.
(8) تقدم ذكره نقلاً عن المصباح.
(9) الإقبال2/34-35. بتصرف. والحر العاملي، وسائل الشيعة14/273 نقلاً عن الإقبال. وانظر: النووي، رياض الصالحين514.والأذكار النووية173.وابن كثير، تفسير ابن كثير4/540.
(10) السيد ابن طاووس الحسني،إقبال الأعمال2/35