(03)
ذكر الله تعالى

موقع السرائر

* من الواضح أن البعد عن عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، وما طرأعلى الثقافة الإسلامية من طواريء دخيلة جعل "الشخصية الإسلامية " تبدو مرددة بين أنماط عديدة يظن البعيد عن مصادر التشريع انسجامها مع المفاهيم الإسلامية.

* والمراد بالشخصية الصورة العامة التي تطبع الشخص بطابعها، فللفقيه شخصيته وللأصولي شخصيته وللمفسر والمحدث والنحوي والطالب الحوزوي والطالب الجامعي والتاجر والفلاح وهكذا.

فالشخصية الإسلامية عبارة عن طابع عام يمكنه أن يُخضع له كل ألوان هذه الشخصيات وغيرها.

ويرتبط هذا الطابع العام بمجموعة من القيم في عالمي الفكر والسلوك ينتج الإلتزام بها هذا الطابع العام وبالتالي هذه الشخصية.

والسؤال: عندما نريد التأسي بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، فماهو الطابع العام الذي يجب الحرص عليه لتكون شخصيتنا محمدية؟

والجواب: أن نصدر من هذا الأصل المسلَّم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الذاكرين.

ويأتي توضيح أن المراد بالذكر أعم من المتعارف.

* في القرآن الكريم:
يمكن تقسيم ماورد في كتاب الله تعالى حول الذكر إلى قسمين: خطاب للمصطفى الحبيب، وخطاب للمقتدين به صلى الله عليه وآله.

* من القسم الأول:

* بسم الله الرحمن الرحيم * * يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا * إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا* إن لك في النهار سبحا طويلا * واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا* رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا* واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا[ المزمل 1-1 ] *

* إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا * إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا * واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا * ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا * إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا * نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا * إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ الإنسان22- 29 ]

واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين [ الأعراف 205 ] *

** ويجب التنبه بامتياز إلى أن الأمر بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وآله قد ورد في القرآن الكريم مقرونا بذكر الله تعالى، قل عز من قائل:
* لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [ الأحزاب 21 ]

* ومن الثاني:

1- أن أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله هم الذاكرون، ويقابلهم الغافلون.


قال تعالى:

* إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما [ الأحزاب 35 ]

ب- وقد تقدم أن الغافلين هم في مقابل الذاكرين في الآية المباركة:

واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين [ الأعراف 205 ] *

وقد قال سبحانه عن بعض الهالكين:


* أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون [ النحل 108 ]

* الذكر الكثير:

* يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا [ الأحزاب 41 ] * وسبحوه بكرة وأصيلا [ الأحزاب 42 ] *

وقد تقدم الحديث عن الذكر الكثير في ضوء الآيات من آل عمران: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار الخ

* الذكر القليل، علامة النفاق:

* إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [ النساء 142 ] *

* والغفلة عنه هلاك:

*أ- ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [ الأعراف 179 ]
ب- * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا * الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا [ الكهف100- 101 ] *

ج- * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [ طه124- 126 ] *
د- * ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [ الزخرف36- 38 ] *

** ويجمع الحث على الذكر وبيان الخطر الناتج عن تركه قوله تعالى:

* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون [ الحشر18- 19 ] *

• أين نحن عن الذكر؟

هل نعيد النظر في ما نحن عليه ونقارنه بما ينبغي، وندرك أن هذا الحشد من الآيات مع كل هذا التأكيد في الروايات لاينطبق إطلاقاً على واقع الذكر من حياتنا، وأن من واجبنا أن نؤسس لعلاقة وطيدة بذكر الله تعالى تغسل عن القلوب أدران الغفلة، وتلهب الأحاسيس بتوهج الأنس بالله تعالى، ليتلاطم في الحنايا حبه عز وجل، ويصبح القلب حرماً له، بدلاً من أن يظل مرتعاً لكل ليلى وبثينة، وقيس وجميل، وحظيرة للمادي المسف من المشتهيات.

هل ندرك أن الذكر وحده صراط بلورة إنسانية الإنسان، وأن الغفلة دَرْكُ هُوِيِّها والإنحدار؟

* حقيقة الذكر:

والمراد بالذكر هوكل ما يدل عليه المصطلح القرآني، وهو يشمل:

1- التفكير في الأسس ومنها المبدأ والمصير، ويمكن التعبير عنه بأنه حركة العقل والقلب في خط الذكر، بعيداً عن الغفلة عن المبدأ والمعاد.

2- ويشمل أيضاً الصلاة والصوم والحج وسائر العبادات، التي تؤدى بتذكر وبصيرة.

3- كما يشمل كل أبواب جهاد النفس من المراقبة والمحاسبة والمشارطة وغيرها.

4- ويشمل كذلك ثمرات جهاد النفس والتي يجمعها عنوان التحلي بمكارم الأخلاق.


وتظهر ثمرة كل ماتقدم في الذكر اللساني من دعاء وأذكار وأوراد تملأ حياة صاحبها فتجعلها مسجداً عامراً بذكر الله تعالى.

* بين ذكرين:

لامجال للمقارنة بين الذكر القلبي والذكر اللساني،إلا أن من الضروري التنبه إلى أن أهمية الذكر اللساني تبلغ الحد الذي يتوقف الذكر القلبي عليه، ولادور، فالذي ينطلق في ميدان الذكر اللساني ينطلق من ذكر عقلي وقلبي خاصين قد يضعفان أو يتلاشيان في دوامة الدنيا ومنعطفاتها، ويأتي دور الذكر اللساني لتنشيط هذا الضعيف أوليبذر من جديد بذرة ماتلاشى، تماماً كما تمكن العضلات من الرياضة وتشد الرياضة العضلات، والذكر رياضة روحية يشكل اللساني منه الظاهر والحركات، والعقلي والقلبي المحتوى والجوهر.

وليس الذكر منحصراً بأذكار خاصة يمكن أن تؤدى بالقلب أو باللسان ليطول الوقوف عند ذلك، فأكثر مصاديق الذكر هي التفكير، والأعمال العبادية المختلفة من صوم وصلاة، كما يأتي في تقديم فكرة عن أعمال شهر ذي القعدة، بحوله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.