(5)
إن كفلت يتيماً فأنت والرسول في الجنة كهاتين،
فما هو مقام كافل الرسول؟!!

موقع السرائر

* لم أجد من مختصات اليوم الخامس من ذي الحجة إلا ماورد حول أنه يوم ذكرى غزوة السويق (1) ، وهي إحدى غزوات الرسول صلى الله عليه وآله، كانت رداً على غزو أبي سفيان أطراف المدينة في عملية تسلل عبر بعض اليهود، لتسجيل موقف اتسم بالجبن والمكابرة.

* وفي التفاصيل حول هذه الغزوة، يقول المسعودي:

ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه " وآله" وسلم المعروفة بغزوة السويق، خرج في ذى الحجة في طلب أبى سفيان صخر بن حرب، وكان أقبل في مائتي راكب من أهل مكة ليبرَّ نذره أن لا يمس النساء، ولا الطيب حتى يثأر بأهل بدر، فصار إلى العريض، فقتل رجلاً من الأنصار، وحرق أبياتا هنالك. فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه"وآله" وسلم وأصحابه في طلبه جعل وأصحابه يلقون جرب السُّوَيْق تخففاً، فسميت غزوة السويق”.
(2)

* وقال ابن هشام:

“ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذى الحجة، وولي تلك الحجة المشركون من تلك السنة”أي السنة الثانية للهجرة” فكان أبو سفيان ".." حين رجع إلى مكة، ورجع فل قريش من بدر، نذر أن ".." يغزو محمداً صلى الله عليه:"وآله" وسلم ، فخرج في مائتى راكب من قريش، ليبر يمينه، فسلك النجدية، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: ثيب، من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل، حتى أتى"يهود" بنى النضير تحت الليل، فأتى حيى ابن أخطب، فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له بابه وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم، وكان سيد بنى النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه، فأذن له، فقراه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها، يقال لها: العريض، فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا بها رجلاً من الأنصار وحليفاً له في الحرث لهما، فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه"وآله" وسلم في طلبهم، [ واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر، وهو أبو لبابة، في ما قال ابن هشام ] حتى بلغ قرقرة الكدر"موضع يبعد عن المدينة ثمانية برد" {جمع بريد} ثم انصرف راجعاً، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء ".." وإنما سميت غزوة السويق، في ما حدثنى أبو عبيدة : أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق".." فسميت غزوة السويق”.
(3)

* ويناسب المقام الإشارة إلى أن من الأولويات في موسم الحج سواء للحاج أو لغيره، التدقيق في مدى اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وآله، فليس الإسلام ولا الإيمان إلا حسن اتباع من أمر الله تعالى باتباعه. قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.

ومن الواضح في سياق هذه الآية المباركة أن نحب من أحب رسول الله ونعادي عدوه، لأنه لاسوء عاقبة أشد من أن تقود الغفلة قلباً أعمى إلى حب أعداء رسول الله، ومعاداة من أحبه، أو أمر المصطفى بحبه.

ولقد كان أبو سفيان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله من قبل بدر وإلى مابعد مكة فتح، ووقعة حنين، ومقولته في مجلس عثمان معروفة، واضحة الدلالة على كفر ليس بأدنى حاجة إلى دليل.
أما ابنه الملحق به معاوية فلم يتظاهر بالإسلام إلا قبل وفاة المصطفى صلى الله عليه وآله بخمسة أشهر.
(4)

أبو سفيان تجسيد العداء لرسول الله صلى الله عليه وآله، ومعاوية ويزيد تجسيد العداء لأهل بيت رسول الله الذين أمر الله تعالى ورسوله بحبهم، وليس عداء معاوية ويزيد وأضرابهما من الأمويين لأهل البيت إلا حقداً دفيناً على المصطفى الحبيب الرؤوف الرحيم بما آتاه الله تعالى.

وفي المقابل النقيض كالن أبو طالب تجسيد الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله، وقد لاقى من قريش وأبي سفيانها والأمويين بالخصوص أقسى الأمرَّين، دفاعاً عن رسول الله، ولو لم يكن إلا حصار الشعب لكفى.

وتروي جميع المصادرالمعنية بلا استثناء عظيم بلائه وشديد تفانيه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، كما تروي شعره الجم الوافر المتميز بلغة التوحيد والإعتقاد الصريح بنبوة محمد صلى الله عليه وآله.

وكان ابنه علي ابن أبي طالب بشهادة كل الخلق من الإنس والملائكة وغيرهم، وكما عبرت الصديقة الكبرى الزهراءعليها صلوات الرحمن، كلما فغرت فاغرة للحرب فاها، قذف "الرسول" أخاه في لهواتها " مكدوداً في ذات الله" والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقيه بنفسه من محاولات أبي سفيان والأمويين وسائر القرشيين، حتى كانت سيرته كلها وقاية لنفس المصطفى بنفسه وهي نفسه، كما كان الحال ليلة المبيت على فراشه ليلة الهجرة.

والسؤال المركزي:

هل ثمة سوء عاقبة أشد قبحاً من أن يجد مدع للتوحيد واتباع الرسول، في حضن أبي سفيان ومعاوية ويزيد أو في مجلسهم أو على أعتابهم، أو محباً لهم، أو غير مصحر بالبراءة منهم، ومجاهر بأعلى الصوت بلعنهم.

وهل ثمة حسن عاقبة ودليل اتباع للمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، أكثر بهاء، وأمضى حجة من أن يجد المسلم نفسه مواداً لمن واد الله ورسوله، محاداً لمن حادهما، يردد مع أبي طالب:

                        وأبيض يستسقى الغمام بوجهه    ربيع اليتامى عصمة للأرامل

ليمكنه أن يقول بصدق: وأشهد أن محمداً رسول الله.

ومن لم يحفظ حق أبي طالب على كل مسلم في التفاني وبذل المهجة ردءاً لرسول الله صلى الله عليه وآله، فلن يهتدي السبيل إلى الوفاء لابنه علي الذي لايذكر اسمه إلا مع أبي طالب.

وليردد القلب، مع ابن أبي الحديد:

                       ولولا أبو طالـب وابنه لما مثل الدين شخصاً وقاما
                       فذاك بمكة آوى وحامى وهذا بيثرب جس الحماما
                       تكفـل عبد منـاف بأمر وأودى فكـان علي تماما
                       فللــه ذا فاتـحا للهدى وللـه ذا للمعالي تمامـا
                      وماضر مجد أبي طالب جهول لغا أو بصير تعامـى.
(5)

ليس الحديث هنا أيها العزيز تاريخياً، بل هو عقائدي صرف، فلا اتباع لرسول الله صلى الله عليه وآله مع إطباق ظلمات أبي سفيان وحزبه حزب الشيطان، على القلب والمشاعر.

أللهم لك الحمد حمد الشاكرين، على نعمة البصيرة في أبي سفيان وجزب الشيطان. أللهم تمم نعمتك واقرن التوفيق بالثبات. إنك أنت الوهاب.

وللحاج بالخصوص أقول:

عرج على مقابر قريش، وزر المولى عبد المطلب والمولى أبا طالب وسيدة أمهات المؤمنين خديجة، وافتح في قلبك صفحة نور، عنوانها: حب رسول الله صلى الله عليه وآله، وسطرها الأول: حب كافله، ولا تضحك الشيطان عليك، يقنعك بأنك إن كفلت يتيماً فأنت والرسول في الجنة كهاتين، ولكن كافل الرسول في ذلك الضحضاح المفترىوالمزعوم!!!

سلامة العقيدة أولاً، ولاسبيل إليها إلا بحسن اتباع الرسول.

إبذِر بذرتها المعافاة لتنمو، وستشرق في قلبك أنوار التوحيد لتكتشف بنفسك الفارق الجوهري، الذي يفصل بين الإيمان والكفر.

عندها يبلغ القلب معقد الأمل في أن يتقبل منه العمل، فيؤدي عمل كل يوم من العشر الأوائل، وهو حيث أراد له المصطفى الحبيب أن يكون، في خط طاعة الله تعالى والسيرفي مدارج رضاه عز وجل.

* تذكير بالأعمال المشتركة :
(6)

ولا بد في الختام من التذكير بالأعمال المشتركة لهذه الأيام العشر من ذي الحجة ومن أرادها فإنه يجدها في كتب الأدعية،ومنها مفاتيح الجنان للمحدث القمي قدس سره،ولذلك أذكرها هنا باختصار، وهي كما يلي:

1- التهليل المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأوله: لا إله الا الله عدد الليالي والدهور.
2- الدعاء المروي عن الإمام الصادق عليه السلام، وأوله: أللهم هذه الأيام التي فضلتها على الأيام وشرفتها قد بلغتنيها بمنِّك ورحمتك..”. بعد صلاة الصبح، وقبل المغرب.

3- خمس دعوات اهداها الله تعالى إلى عيسى بن مريم عليه السلام، جاء بها جبرئيل عليه السلام، وهي خاصة بالأيام العشر الأول من ذي الحجة، يؤتى بكل واحدة منها مائة مرة.

4- صلاة كل ليلة من الليالي العشر:
عن “الإمام الصادق” جعفر بن محمد عليهما السلام ، قال : قال لى أبى محمد بن على عليهما السلام : يا بنى لا تتركن ان تصلى كل ليلة بين المغرب والعشاء الاخرة من ليالى عشر ذى الحجة ركعتين ، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و “ قل هو الله احد “ مرة واحدة ، وهذه الاية : “ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. الأعراف-142 “ فإذا فعلت ذلك شاركت الحاج في ثوابهم وإن لم تحج.
(7)

5- استحباب صوم تسعة أيام من العشر الأوائل أي ماعدا يوم العيد، فإنها تعدل صوم الدهر، ومن لم يستطع أن يصوم التسعة، فليحرص على ما يستطيع.

والحمد لله رب العالمين. 


الهوامش:
(1) السويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير، ويحلى.
(2) المسعودي، التنبيه والإشراف 207
(3) إبن هشام الحميري، سيرة النبي “ص “2/558
(4) العلامة الحلي، منهاج الكرامة 78
(5) إبن أبي الحديد، شرح النهج14/84.

(6) في الحلقات الإذاعية كان يتم التذكير بهذه الأعمال يومياً، وقد آثرت هنا في الطباعة أن لاأقتصر على إيرادها في عمل اليوم الأول، ولا أوردها يومياً بل بين بين.
(7) السيد ابن طاووس الحسني،إقبال الأعمال2/35