(8)
يـوم الترويـة

موقع السرائر

يعرف اليوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية، وهو اسم كثير التداول خصوصاً في شهر محرم الحرام، وفي مجالس العزاء الحسيني عموماً لارتباط هذ اليوم بحدثين هامين من أحداث نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وهما خروج الإمام من مكة إلى العراق، وشهادة الشهيدين القائدين مسلم بن عقيل، وهانيء بن عروة، إثر استدراج الشهيد هانيء إلى قصر الإمارة وخروج الشهيد مسلم ومحاصرة القصر.
تم ذلك في السابع من ذي الحجة إلا أن شهادتهما عليهما الرحمة، كانت في الثامن منه يومِ التروية.

ولم أجد حديثاً عن مناسبة خاصة بهذا اليوم غيرَ ماتقدم، نعم هناك خصوصية هامتان لهذا اليوم، أورد الأولى السيد ابن طاوس رحمه الله تعالى، وهي الفضيلة الكبيرة لصيام يوم التروية.

قال السيد ابن طاوس:

"فصل في ما نذكره من فضل اليوم الثامن من ذى الحجة، وهو يوم التروية روينا ذلك بأسنادنا الى أبى جعفر محمد بن بابويه بأسناده الى مولانا الصادق صلوات الله عليه أنه قال:

صوم يوم التروية كفارة ستين سنة.
(1)

ويعني ما أورده السيد أن لصوم هذا اليوم ميزة تضاف إلى عظيم ثواب صوم التسعة الأول من ذي الحجة، التي يعادل صومها صوم الدهر.

* والخصوصية الهامة الثانية لهذا اليوم الثامن من ذي الحجة، استحباب إيقاع الإحرام للحج فيه، بل قال بعض الفقهاء بوجوبه، والمشهور هو الإستحباب بل نقل عن الشهيد الأول الإجماع عليه.

جاء في مصدر فقهي معروف، هو" كشف اللثام " ما يلي:

فإذا فرغ الحاج حج التمتع من عمرة التمتع أحرم بالحج متى شاء إلى ما سيأتي من ضيق وقت عرفات، وأفضل أوقاته يوم التروية عند الزوال كما في المبسوط والاقتصاد والجمل والعقود والغنية والمهذب والجامع وغيرها، و في التذكرة الإجماع على استحباب كونه يوم التروية، وفى المنتهى لا نعلم فيه خلافا، وهو ثامن ذى الحجة”.
(2)

* أما لماذا سمي هذا اليوم بهذا الإسم، يوم التروية، فقد وردت في الجواب عن ذلك ثلاثة توضيحات يوردها أكثر المصادر الفقهية والحديثية، ويكتفي البعض بذكر أحدها، وهو مايرويه الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام، وقد سأله: فلم سميت التروية ؟ قال” عليه السلام".." لأنه لم يكن بعرفات ماء، وإنما كانوا يحملون الماء من مكة، فكان ينادي بعضهم بعضا ترويتم؟ فسميت التروية".
(3)

* قال الشهيد الثاني:

يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأن الحاج كان يتروى الماء لعرفة من مكة إذ لم يكن بها ماء كاليوم، فكان بعضهم يقول لبعض : ترويتم لتخرجوا، أي إلى عرفة.
(4)

* وقد أورد الفقيه الكبير الشيخ يوسف البحراني، تفاصيل هامة مرويةً عن الإمام الصادق عليه السلام.

* قال الشيخ:

وروى في المحاسن أيضا في الصحيح أو الحسن عن ".." أبي عبد الله عليه السلام، قال:
" سميت التروية لأن جبرئيل أتى إبراهيم يوم التروية فقال: يا ابراهيم ارتو من الماء لك ولأهلك. ولم يكن بين مكة وعرفات ماء، ثم مضى به إلى الموقف فقال له: اعترف واعرف مناسكك. فلذلك سميت عرفة. ثم قال له: ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت المزدلفة".


أضاف الشيخ البحراني:

وروى في الكافي عن أبي بصير" أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام يذكران أنه لما كان يوم التروية قال جبرئيل لإبراهيم: تروه من الماء. فسميت التروية. ثم اتى منى فأباته بها. ثم غدا به إلى عرفات فضرب خِباءه بنَمِرَة دون عرفة فبنى مسجداً بأحجار بيض، وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة. إلى آخر الحديث، وهو طويل يتضمن قضية ذبح اسماعيل .
(5)
ولامنافاة كما لايخفى بين أن يكون جبرئيل قال ذلك لإبراهيم عليه السلام، وبين أن يكون ذلك مادرج عليه الناس استعداداً ليوم عرفة.

* الحج عرفة:

ومن المهم هنا للحاج وغيره، الإستفادة القصوى من خصوصية يوم التروية كمحطة استعدادٍ لأعظم أعمال الحج وهو الوقوف بعرفة، الذي تبلغ عظمته حد التصريح في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأن: " الحج عرفة" أي أن الحج يتلخص في هذا الوقت الذي يقف فيه الحجاج بعرفة، من ظهر اليوم التاسع، إلى الغروب.

ومن الواضح أن الثواب العظيم الذي يحظى به هذا الوقت القصير وهو نصف نهار، لايختص بمن حضر الموقف في عرفة، بل هو ثواب عظيم جداً لمن زار الإمام الحسين عليه السلام في هذا اليوم، كما هو ثواب نوعي لمن عرف حرمة هذا الوقت وتفرغ فيه لعبادة الله تعالى في أي مكان وُجد.

ولما تقدم فإن الحديث عن يوم عرفة ينبغي أن يخاطب الحاج، ويخاطب الزائر في كربلاء، وكذلك غيرهما ممن يحرص على عمل ليلة عرفة ويومها.

وما يجب أن يعرفه الجميع هو الآتي:

1- أن ليلة عرفة عنوان مستقل، عن يوم عرفة، فهناك أعمال خاصة لليلة، ثم تبدأ أعمال يوم عرفة من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة.

2- أن ثواب يوم عرفة أعظم من ثواب ليلته، بل يبدو أن ثواب اليوم هو الذي امتد إلى الليلة فأكسبها عناية خاصة كما هو الحال في بعض الموارد العبادية المشابهة.

3- أن العنصر المشترك بين عمل الليلة واليوم هو زيارة الإمام الحسين عليه السلام، في أي مكان كان المؤمن، في الحج أو كربلاء، أو عيرهما.

4- ويرتبط بذلك، التنبيه على أن الحج الواجب يبقى واجباً ولا تغني عنه زيارة الإمام الحسين عليه السلام، ولايجوز تركه إطلاقاً، ولو زار كربلاء مازار، إلا أن هذا في نفس الوقت لايعني أن الحج المستحب والتواجد في الموقف في عرفة لمن أدى الحج الواجب سابقاً، أفضل من زيارة الإمام الحسين في يوم عرفة، بل إن زيارة واحدة لسيد الشهداء يوم عرفة لايمكن أن يقاس بها الحج المستحب بالغاً مابلغ.

توضيح بمثال:

إن الصلاة واجبة وهي عمود الدين، ولايغني عن صلاة واحدة واجبة أن يأتي الشخص بكل المستحبات ومن أولها إلى آخرها ودون استثناء، ولكن هل الصلاة المستحبة أفضل من كل المستحبات؟

ولنأخذ مستحباً واحداً هو إحياء ليلة القدر بالعبادة، لنسأل: هل الصلاة المستحبة الواحدة أفضل، أم أن ليلة القدر أفضل؟

والجواب واضح لاجدال فيه، فليلة القدر تحيى بالعبادة أفضل بكثير من صلاة مستحبة.

ونرجع إلى المقارنة بين حج مستحب وبين زيارة سيد الشهداء عليه السلام.

إن المحور في أي طاعة لله تعالى هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأي عمل مستحب – والحديث هنا كما عرفت عن خصوص المقارنة بين المستحبات- يتوقف استحبابه على الإقتداء به والإهتداء بهداه، وأخذ ما أتى به وترك مانهى عنه صلى الله عليه وآله، فكل مستحب يؤديه مسلم هو نوع مجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لاتباعه والإلتزام بهديه.

ومن هنا فإن كل عمل لايتحقق فيه ذلك يفقد قيمته، بل قد يكون بدعة محرمة، إذا بلع حد ادعاء أنه من الدين.

على هذا الأساس ينبغي أن نقارن بين المجيء إلى رسول الله واتباعه صلى الله عليه وآله، عن طريق الحسين عليه السلام أي من خلال نهجه المحمدي، وبين أي عملٍ مستحب آخر.

وسنجد بوضوح أن من معاني قوله صلى الله عليه وآله، حسين مني وأنا من حسين، أن الحسين يجسد نهج رسول الله وهديه، وأن الإقتداء به اقتداء بجده، بل لااقتداء بالمصطفى بمعزل عن باب الحسين، مما يعني أن المستحب المرتبط بسيد الشهداء يفوق كل مستحب، لأن معنى ارتباط كل المستحبات بدرجة اتباع رسول الله، هو أن كل المستحبات مرتبطة بمن قال فيه المصطفى: وأنا من حسين، بل يعني أيضاً أن الواجبات كلها مرتبطة جذرياً بالإمام الحسين، ويبقى الواجب واجباً لايعوض عنه غيره، لأن اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله في مناسك الحج يعني التواجد فيها وليس في المدينة المنورة، ولذلك كان الحج الواجب هو المتعين على من توفرت فيه شروط الإستطاعة، ولايغني عنه أن يذهب إلى كربلاء مهما تعدد الذهاب.

قيمة الوقوف بباب الحسين عليه السلام أنه الوقوف بباب رسول الله صلى الله عليه وآله، ولولا ذلك لما كان للحديث عنه أي معنى.

والفائدة العملية أن يتنبه القلب إلى أن هذا العنصر المشترك في عمل ليلة عرفة ويومها وهو زيارة سيد الشهداء عليه السلام شديد الأهمية، لأنه يوصل القلب إلى أعتاب خير خلق الله المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله من الطريق الذي أراد هو كما بلغ عن رب العالمين تقدست آلاؤه وجل ثناؤه.

كماهو العجب لايكاد ينقضي من الغفلة المطبقة عن الربط بين البيت وبين أهل البيت، كذلك هو العجب لاينقضي من الغفلة المطبقة على الكثيرين الكثيرين، عن الربط بين روح أي منسك عبادي وبين الحسين عليه السلام. و"كلهم نور واحد" ولكن للإرتباط بالحسين عليه السلام شأناً خاصاً في الوصول إلى رضوان الله تعالى في الصراط المحمدي.

يضاف إلى ذلك أن يوم التروية كما تقدم هو يوم خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة، ويوم شهادة القائدين الكبيرين مسلم وهانيء، وهل يجتمع الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله والمودة في القربى إلا بمواكبة القلب الدائمة للخطى المحمدية في الطريق إلى محرم وكربلاء. أللهم ارزقنا.

يوم التروية حسيني، وليلة عرفة ويومها حسينيان، وليس ورد المؤمن في يوم عرفة إلا دعاء الحسين، في يوم ملون بلون الدم الحسيني. أوَ يعقل مع ذلك كله أن لايكون القلب حسينياً، ثم يدعي حب رسول الله صلى الله عليه وآله.

* أعمال ليلة عرفة:

ولابد للمؤمن من أن يكوِّن فكرة واضحة عن الأعمال المستحبة في ليلة عرفة، ويومها كي يستعد لها مسبقاً، فلا يفاجأ، فيخلد إلى النوم في وقت ينتظره العارفون بعظمته من السنة إلى السنة.

وبالإضافة إلى معرفة الأعمال يجب التنبه اليقظ تماماً إلى أن يوم عرفة يبلغ في الفضل المرتبة التالية مباشرة لليلة القدر.
أي أن نصف يوم من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى غروبه، يتلو في الثواب العظيم ليلة هي خير من ألف شهر.
وهي مرتبة بالغة الأهمية والفضيلة.

يشير إلى ذلك بوضوح ماروي من أن من لم يغفر الله تعالى له في شهر رمضان لم يغفر له إلى مثله من قابل " أي في شهر رمضان من السنة التالية" أو يشهد عرفة.

وأعمال ليلة عرفة هي كما يلي:

1- الدعاء الذي أوله: أللهم ياشاهد كل نجوى. وهو دعاء طويل نسبياً. وقد أورده المحدث القمي وسائر أعمال الليلة في مفاتيح الجنان.
2- التسبيح ألف مرة بالتسبيحات العشر المذكورة في أعمال يوم عرفة.
3- قراءة الدعاء الذي يستحب أن يقرأ يوم عرفة وأوله: أللهم من تعبأ وتهيأ.
4- زيارة سيد الشهداء عليه السلام.


ويأتي الحديث عن أعمال يوم عرفة بحول الله تعالى.

* الأعمال المشتركة:
وهذا – في الختام - تذكير بالأعمال المشتركة لهذه الأيام العشر من ذي الحجة ومن أرادها فإنه يجدها في كتب الأدعية، ومنها مفاتيح الجنان للمحدث القمي قدس سره، ولذلك أذكرها هنا باختصار، وأكرر ذكرها لمزيد العناية، وهي كما يلي:

1- التهليل المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأوله: لا إله الا الله عدد الليالي والدهور.
2- الدعاء المروي عن الإمام الصادق عليه السلام، وأوله: أللهم هذه الأيام التي فضلتها على الأيام وشرفتها قد بلغتنيها بمنِّك ورحمتك..”. بعد صلاة الصبح، وقبل المغرب.
3- خمس دعوات اهداها الله تعالى إلى عيسى بن مريم عليه السلام، جاء بها جبرئيل عليه السلام، وهي خاصة بالأيام العشر الأول من ذي الحجة، يؤتى بكل واحدة منها مائة مرة.
4- صلاة كل ليلة من الليالي العشر:
عن “الإمام الصادق” جعفر بن محمد عليهما السلام ، قال : قال لى أبى محمد بن على عليهما السلام : يا بنى لا تتركن ان تصلى كل ليلة بين المغرب والعشاء الاخرة من ليالى عشر ذى الحجة ركعتين ، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و “ قل هو الله احد “ مرة واحدة ، وهذه الاية : “ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. الأعراف-142 “ فإذا فعلت ذلك شاركت الحاج في ثوابهم وإن لم تحج.
(6)
5- استحباب صوم تسعة أيام من العشر الأوائل أي ماعدا يوم العيد، فإنها تعدل صوم الدهر، ومن لم يستطع أن يصوم التسعة، فليحرص على ما يستطيع.

 

 والحمد لله رب العالمين. 


الهوامش:
(1) السيد ابن طاوس، الإقبال2/49.
(2) الفاضل الهندي، كشف اللثام “ط.ق”1/351
(3) الشيخ ابن إدريس الحلي، السرائر3/561، والعلامة الحلي، منتهى المطلب2/714”ط.ق”.
(4) الشهيد الثاني، شرح اللمعة2/269.
(5) المحقق البحراني،الحدائق الناضرة16/350 وتجد الرواية في الكافي4/207-208
(6) السيد ابن طاووس الحسني،إقبال الأعمال2/35