(7)
الإمام الباقر عليه السلام

موقع السرائر

السابع من ذي الحجة يوم شهادة أبي جعفرالإمام محمد الباقر بن الإمام السجاد زين العابدين بن سيد الشهداء الحسين، بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والمراد بجعفر الذي يكنى به، هو ولده الإمام جعفر الصادق عليه السلام.

وهو الإمام الرابع من الخلفاء الإثني عشر الذين أجمع المسلمون على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم، رغم عجز الكثيرين في مجال التطبيق.

والغريب أن بعضهم لدى الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام، يشارف التصريح بأنه أحد الخلفاء الإثني عشر، ثم يحيد عنه.
يعد له عدته ثم ينقض غزله أنكاثاً، كما هو حال الذهبي في سير أعلام النبلاء.

وهذه مقتطفات مما قال:

“أبو جعفر الباقر * “ ع “ هو السيد الإمام، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي، العلوي الفاطمي، المدني، وَلَدُ زين العابدين، وُلِد سنة ست وخمسين في حياة عائشة وأبي هريرة . أرخ ذلك أحمد بن البرقي .

أضاف:

وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد، والشرف، والثقة، والرزانة، وكان أهلاً للخلافة. وهو أحد الائمة الإثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين.

ثم يدخل في مساجلة لاعلاقة لها بالترجمة، إلى أن يقول:

وشهر أبو جعفر بالباقر، من : بقر العلم، أي شقه فعرف أصله وخفيه. ولقد كان أبو جعفر إماماً، مجتهداً، تالياً لكتاب الله، كبير الشأن.

إلى أن يقول:

قال الزبيربن بكار : كان يقال لمحمد بن علي : باقر العلم، وأمه هي أم عبدالله بنت الحسن بن علي. وفيه يقول القرظي:

يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأ جبل.

وقال فيه مالك بن أعين:

إذا طلب النـاس علـم الـقرا         ن كانت قريش عليـه عيـالا
وإن قيل : إبن ابن بنت الرسو          ل نـلـت بذلـك فرعاً طوالا
نجـوم تهلـل للمدلـجــين           جبـال تـورث عـلماً جبـالا

ثم يروي الذهبي بسنده عن الإمام الصادق قوله: قال أبي :

أجلسني جدي الحسين في حجره، وقال لي: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام.

كما يروي الذهبي بسنده عن الإمام الباقر أنه "قال:

أتاني جابر بن عبدالله ، وأنا في الكتَّاب . فقال لي:

".." أمرني رسول الله أن أقرئك منه السلام".

إلى أن يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء:

وعن سلمة بن كهيل، في قوله "لآيات للمتوسمين" [ الحجر : 75 ] قال : كان أبو جعفر منهم.
(1)

* وتلتقي المصادر المختلفة في تفسير المتوسمين على أن المعنى هو النظر بنور الله تعالى، مستشهدين بما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وهو قوله:

إتقوا فراسة المؤمن، فإنها لاتخطيء. أو فإنه ينظر بنور الله.
(2)

وهذا نموذج من كلماتهم في ذلك:

"قيل في تفسير قوله تعالى " إن في ذلك لايات للمتوسمين " أي للمتفرسين وقال النبي صلى الله عليه واله" " اتقوا فراسة المؤمن فانها لا تخطيء" قيل الفراسة سواطع أنوار لمعت في القلوب حتى شهدت الأشياء من حيث أشهدها الحق إياها وكل من كان أقوى إيمانا كان أشد فراسة".
(3)

ولعلك تلاحظ معي في كلام الذهبي، أنه يقول كان أهلاً للخلافة، ويصرح بأن الرسول أوصى أن يبلغ سلامه، مرتين، الأولى للإمام الحسين عليه السلام، والثانية لجابر بن عبد الله الأنصاري، كما يصرح الذهبي بأن معنى الباقر مأخوذ من شق العلم.

وتجدر الوقفة عند هذه النقطة الأخيرة لنستوضح أن هذا اللقب المحمدي الذي لم يعرف به أحد من العالمين إلا الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام، بعيد الغور عميق الدلالة.

قال الزبيدي في تاج العروس:

" والباقر" لقب الامام أبى عبد الله وأبى جعفر محمد بن الإمام على زين العابدين بن الحسين بن علي رضى الله تعالى عنهم ولد بالمدينة سنة 57 من الهجرة وأمه فاطمة بنت الحسن بن على فهو أول هاشمي ولد من هاشميين، علوى من علويين عاش سبعاً وخمسين سنة وتوفى بالمدينة سنة 114 ودفن بالبقيع عند أبيه وعمه. ".." وانما لقب به لتبحره في العلم وتوسعه.

وفي "اللسان" لانه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه

أضاف الزبيدي:

* قلت وقد ورد في بعض الآثار عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه"وآله" وسلم قال له: يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا ًلي من "نسل" الحسين يقال له محمد يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فاقرئه منى السلام. خرجه أئمة النسب”.
(4)

* وما أشار إليه الزبيدي عن اللسان، هو ماتبناه ابن منظور في لسان العرب، حيث قال:

"والتبقر : التوسع في العلم والمال. وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر، رضوان الله عليهم، لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتبقر في العلم. وأصل البقْر: الشق والفتح والتوسعة".
(5)

ولاتكمن الأهمية في شق الإمام الباقر العلم، في تفسير اللغويين وإرسال العلماء لذلك إرسال المسلمات، بل تكمن بكل تأكيد في أن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي وصف حفيده الإمام الباقر بذلك حين قال عنه: يبقر العلم بقراً.

أيها العزيز:

نحن إذاً في اليوم السابع من ذي الحجة على أعتاب هذه العظمة المحمدية التي حرص المصطفى الرؤوف الرحيم على أن تهتدي العقول والقلوب إلى فرادة سرها التوحيدي.

والسؤال المركزي:

أي سر في الإمام الباقر عليه صلوات الرحمن جعل استمرار الرسالة المحمدية يدور مداره، لتشرق أنوار رسول الله على الأمة بأجيالها، وعلى البشرية كلها عبر القرون، وبعد أن خيم الظلام الأموي الداجي، من مطلع الفجر المحمدي محمد بن علي الباقر سلام الله عليه.
ماهو هذا السر الذي جعل المصطفى صلى الله عليه وآله، يبلغ سلامه لحفيده عن طريقين: أهل البيت، والصحابة: الإمام الحسين وجابر.

وأي رسالة هذه التي مد الله تعالى في عمر الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ليبلغها للأجيال في مظهر إبلاغها للإمام الباقر عليه السلام.

في التفاصيل حول ذلك نجد الوفير الجم، وأكتفي بالإضافة إلى ماتقدم بإيراد التالي:

أولاً: قال الفقيه الكبير كاشف الغطاء:

"الامام" محمد الباقرلعلم الدين، سمي عليه السلام بباقر العلم لاتساع علمه وانتشار خبره، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله جابر الأنصاري ره انه سيدركه وان اسمه اسم رسول الله "و"أنه يبقر العلم بقراً، وقال: إذا لقيته فاقرأ عليه منى السلام.

" ولم ينكر احد تلقيبه بباقر العلم بل اعترفوا بأنه وقع موقعه وحل محله.

ولد بالمدينة يوم الإثنين ثالث صفر سنة سبع وخمسين، واصطفاه الله بها إليه يوم الإثنين سابع ذى الحجة سنة أربع عشرة ومائة، وروي سنة ست عشر وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي عليه السلام فهو علوي بين علويين”.
(6)

ثانياً: وترجع الإشارات المتقدمة جميعاً حول ماأبلغه جابر، إلى ماروي تفصيله عن الإمام الصادق عليه السلام، وهو برواية الكليني كما يلي:

"عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله، وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو معتجر بعمامة سوداء، وكان ينادي يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول : لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله صلى اله عليه وآله يقول: إنك ستدرك رجلاً مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول.

" فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كُتَّاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبل فأقبل، ثم قال له : أدبر فأدبر، ثم قال : شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله والذي نفسي بيده، يا غلام ما اسمك ؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين، فأقبل عليه يقبل رأسه، ويقول : بأبي أنت وامي أبوك رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام ويقول "لك، ويقول لك"
(7) " فرجع محمد بن علي بن الحسين إلى أبيه وهو ذعر فأخبره الخبر، فقال له : يا بني وقد فعلها جابر، قال نعم، قال: الزم بيتك يا بني فكان جابر يأتيه طرفي النهار و كان أهل المدينة يقولون: واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله”. (8)

* ثالثاً: ويورد العالم الجليل ابن شهراشوب القصة بإضافة يجدر ذكرها:

"  فلقى يوما كُتابا فيه الباقر عليه السلام، فقال : يا غلام أقبل، فأقبل ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال : شمائل رسول الله والذي نفس جابر بيده، يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي محمد ، قال : ابن من؟ قال : ابن علي بن الحسين، فقال : يا بني فدتك نفسي فإذا أنت الباقر؟

قال : نعم فأبلغني ما حمّلك رسول الله، فأقبل إليه يقبل رأسه وقال : بأبي أنت وأمي، أبوك رسول الله يقرؤك السلام.

قال : يا جابر على رسول الله ما قامت السماوات والأرض وعليك السلام يا جابر بما بلغت السلام.
إلى قوله:

فكان جابر يأتيه طرفي النهار وأهل المدينة يلومونه، فكان الباقر يأتيه على وجه الكرامة لصحبته من رسول الله صلى الله عليه وآله، قال : فجلس يحدثهم عن أبيه عن رسول الله ، فلم يقبلوه، فحدثهم عن جابر فصدقوه، وكان جابر والله يأتيه ويتعلم منه".
(9)

* وفي الختام، والحديث عن المولى الباقر عليه السلام لما يزل في مستهله، أورد نموذجين في مدحه عليه السلام:

1- روي أن الكميت شاعر أهل البيت المعروف دخل على أبى جعفر محمد بن على الباقر عليه السلام، وأبو جعفر ينشد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم * لم يبق إلا شامت أو حاسد

فانشده الكميت بديهة فقال :

وبقى على وجه البسيطة واحد*وهو المراد وأنت ذاك الواحد
(10)

2- " قال ابن حجر في الصواعق بعد ذكره أولاد سيد الساجدين صلوات الله عليه:

وارثه منهم علماً وعبادة وزهادة، أبو جعفر محمد بن علي الباقر، سمي بذلك من بقر الأرض، أي: شقها وأثار مخبياتها ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبياتها كنوز المعارف وحقائق الاحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه : هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه ، وزكا عمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوخ في مقدمات العارفين ما يكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرات في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.
".. وكفاه شرفاً أن ابن المدائني روى عنه جابر أنه قال له وهو صغير: رسول الله صلى الله عليه وآله يسلم عليك ، فقيل له : وكيف ذلك ؟

قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال : " يا جابر يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام".
(11)

* أيها العزيز:

 حاجاً كنت بالروح أو الجسد، أو بالروح وحسب، لاسبيل إلى المحمدية البضاء إلا بحب المولى الإمام الباقر عليه السلام، وحب أهل البيت، وليس من المودة في القربى أن يغفل القلب غن ذكرى شهادة من عرفت موقعه الأثير عند سيد الخلق أجمعين.

* تذكيرفي الختام بالأعمال المشتركة بين كل العشر الأول، ويمكنك الرجوع إليها في"مفاتيح الجنان" فلا تفوتنك فهي من الذخائر المحمدية.

 والحمد لله رب العالمين. 


الهوامش:
(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء4/301-305.
(2) أنظر: الترمذي، سننه4/360وابن حجر، فتح الباري6/298والمباركفوري، تحفة الآحوذي8/441و السيوطي، الدر المنثور4/103.
(3) إبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة11/218
(4) الزبيدي، تاج العروس،3/ 55
(5) ابن منظور، لسان العرب4/74
(6) الشيخ جعفر كاشف الغطاء، كشف الغطاء1/ 12.
(7) مابين القوسين تصحيح على ما في اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي 1/220
(8) الشيخ الكليني، الكافي1/469- 470.
(9) ابن شهر آشوب، مناقب آل ابي طالب3/328
(10) السيد علي بن معصوم، الدرجات الرفيعة 579
(11) المولى حيدر الشيرواني، مناقب أهل البيت “ع”261